القاهرة 31 يناير 2015 الساعة 05:01 م
كتب: حسام ابراهيم
بعد أن كشر الارهاب عن أنيابه مفصحا بلا مواربة عن دور العميل والخادم للقوى الراغبة
في فرض مشاريع جيو-سياسية جديدة على مصر وامتها العربية باتت الحاجة ملحة "لاستنفار
ثقافي إبداعي" يتصدى لمخطط الشر وانفجارات الجغرافيا السياسية وارادة ميلشيات
الظلام بثقافتها الفاشية وأعلامها السوداء.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أشار لضراوة "الحرب الجديدة القديمة" وطبيعتها بقوله
إن مصر تدفع ثمن محاربتها للارهاب "وانها تحارب أقوى تنظيم سري أنشأ خلال القرنين
الماضيين لأن له أفكارا سرية وأذرعا ومجموعات سرية", مؤكدا على أن "الدم أقل
ثمن ندفعه لمصر ويدفعه جيشها".
وأعاد السيسي للأذهان امس "الجمعة" أن المصريين خرجوا على هذا التنظيم في الثلاثين
من يونيو 2013 رافضين استمراره في الحكم, فيما شدد على ان "عمليات الارهاب ومحاولات
تحطيم مصر لن تنتهي إلا بانتصار مصر".
وبعد العمليات الارهابية الأخيرة في سيناء باتت هذه المنطقة العزيزة على قلب كل مصري
في بؤرة الاهتمام العالمي, فيما يواصل الارهاب العميل التلاعب بالرموز والدلالات
بأسماء تتغير كالأقنعة لجماعة تارة تسمي نفسها "بجماعة أنصار بيت المقدس" ثم تتخذ
لنفسها اسم "ولاية سيناء" بعد أن بايعت مايعرف بتنظيم "داعش" الارهابي في سوريا
والعراق.
وإذ جددت دول عديدة دعمها لمصر وادانتها للحوادث الارهابية وتقدمت بالعزاء للحكومة
والشعب المصري في الشهداء الذين سقطوا امس الأول "الخميس" فإن ثمة اجتهادات ثقافية
متعددة حول سبل تنمية سيناء وسط شعور عام بأن حرب المصريين مع الارهاب ستكون طويلة
حتى اجتثاث هذا التهديد لأرض الكنانة.
فكل من ينتمي لهذه الأرض الطيبة لن يسمح للارهاب بأن يتوحش على غرار مايحدث هنا وهناك
المنطقة العربية كما ان الثقافة الوطنية المصرية بتراكمها وعمقها واصالتها تشكل
قوة فاعلة "على طريق الانتصار الحنمي في معركة مصر مع قوى الارهاب" .
ومن نافلة القول أن أي مثقف مصري حقيقي لايمكن أن يقبل ضميره الوطني المشاركة في
أنشطة قنوات تلفزيونية تشارك بنشاط في "الحرب الجديدة القديمة على مصر" وتحرض علانية
على قتل المصريين وسفك الدماء.
ما أن أي فنان جدير بهذه الصفة لايمكن في لحظات دقيقة وخطرة أن يعمد لمزيد من الشهرة
الرخيصة عبر أقوال أو أفعال لاتتسق مع الاصطفاف الوطني المطلوب ولتوحد خلف ثوابت
الدولة الوطنية والتأييد الكامل لاعادة بناء الدولة الحديثة ودعم جهود الدولة
ضد الارهاب ورفض محاولات التشكيك في رموزها ومؤسساتها وخياراتها الاساسية المعبرة
عن ارادة الشعب.
وغني عن البيان أن التماسك الوطني عنصر رئيس في هذه المواجهة الحاسمة "ضد الأعلام
السوداء" التي لايمكن ادارتها عبر "برامج التوك شو" في الفضائيات الصارخة كما انها
لايجوز اختزالها في البعد الأمني وحده ومن هنا يتوجب حشد الجهود الثقافية "لمحاربة
البيئة المحفزة للارهاب".
وقد تجلت "ثقافة الشهادة" بأروع معانيها في رجال القوات المسلحة والشرطة الذين انضموا
راضين لقافلة الشهداء في "الحرب الجديدة-القديمة" على مصر فيما كان رئيس الوزراء
المهندس ابراهيم محلب قد نعى شهداء الحادث الارهابي الأخير في مدينة العريش
وقال :"ارواحنا جميعا فداء للوطن ومستعدون للتضحية بها في اي وقت".
وإذ تجري "الحرب الجديدة-القديمة" على مصر الآن بسلاح الارهاب الخسيس وفيما تتردد
كثيرا هذه الأيام مصطلحات مثل الحرب النفسية وحرب الرموز التي تتعرض لها مصر فان
هذه الحرب في جوهرها هي حرب "التكيف مع الأكاذيب" التي ترمي لتوهين دور مصر ومكانتها
وتترصد خطى تقدمها وجهود نموها.
ونظرة على مسميات القنوات العميلة للارهاب مثل مايسمى "بقناة رابعة" تكشف عن حرب الرموز
و"خطف اسماء عزيزة في التراث العربي والاسلامي" مثل "رابعة" لاستخدامها في
مخطط الترويع وسفك الدم المصري جزء من هذه الحرب على مصر فيما تشكل الثقافة الوطنية
المصرية "طوق نجاة" في مواجهة المؤامرة التي تؤججها مصالح قوى اقليمية ودولية.
وهذه الثقافة الوطنية المصرية هي حاضنة الهوية المصرية ونتاجها في الوقت ذاته ولاتعرف
بتسامحها التاريخي وانفتاحها الفطري تلك الصراعات الدموية التي جرت في مناطق
اخرى باسم الدين للتطهير العرقي او القتل الطائفي.
والثقافة الوطنية المصرية تتمسك دوما بالدولة الحرة المدنية والديمقراطية وتدعو لترسيخ
حقوق المواطنة للجميع كما انها "ترحب بالتنوع في اطار الوحدة الوطنية" وترفض
اي نوع من التمييز بين المواطنين ومن ثم فهي قوة مضادة دوما للتطرف والارهاب والاقصاء
والتلاعب بالدين العظيم في مناورات سياسية رخيصة لتحقيق اطماع ومآرب في الوثوب
للسلطة.
انها الثقافة التي تعزز سيادة الدولة بقدر ماتكرس حقوق المواطن وحرياته وارتباطه بترابه
الوطني الذي لايعرف الارهاب العميل معناه ومغزاه تماما كما لايعرف قيمة الاختلاف
والتعايش البناء في نسيج وطني غني بتنوعه الثقافي.
ومن الطبيعي أن ينظر الارهاب العميل لهذه الثقافة الوطنية المصرية بعين العداء لأنها
"حامية التعدد والاختلاف بقدر ماهي حاضنة الدولة الوطنية الحرة والمدنية والديمقراطية
مع ادراك أصيل لأهمية العقيدة واللغة في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع".
وهكذا فإن أي مثقف مصري حقيقي لابد وأن يكون في طليعة الحرب النبيلة ضد الارهاب الذي
يخدم كل القوى المعادية للتطور الثقافي المصري ويناويء الرسالة الحضارية لمصر
ويسعى لاجهاض اي امكانات فعلية للنهضة المرجوة.
ولاريب أن الثقافة الوطنية المصرية تناهض دوما "ثقافة الخضوع والتسلط معا" التي تهيمن
على ذهنية جماعات الارهاب كما انها ترفض الطائفية والعصبيات والمفاهيم الاقصائية
التي تخلق اجواء غير مواتية بأي حال من الأحوال للتحديث المنشود والتحولات الايجابية
في مشروع وطني نهضوي يستحقه شعب مصر العظيم.
والثقافة الظلامية المضادة للثقافة الوطنية المصرية هي ثقافة تفرقة وانقسام بقدر ماتروج
لمفاهيم تصنف المواطنين وتفاضل بينهم على اسس تمييزية تنتهك قيمة العدل التي
يعليها الدين الحنيف وغني عن القول ان هذه الثقافة الظلامية لاتقبل النقد وهي دوما
"سكونية الطابع غير انها في حراك دموي على ارض الواقع.
وفيما يكاد لسان حال مصر ينطق بحقيقة أن "عقارب الساعة لايمكن أن تعود للوراء" فإن
ثقافتها الوطنية مدعوة لمزيد من اعلاء قيمة المساواة في الحقوق والواجبات وتشجيع
طرق التفكير الحديثة العقلانية والعلمية في النظر للانسان والواقع ومشكلاته.
ولئن كانت عملية النهوض اساسها ثقافي فلابد من مواجهة يخوضها كل المثقفين الوطنيين
المصريين ضد قوى الظلام التي تعيق عملية التغيير الايجابي وتعرقل الاندماج المطلوب
بين افضل القيم في التراث وافضل القيم الحداثية . ي تصريح نشر امس "الأحد".
واذا كانت مصر تواجه "حربا نفسية" فان ثمة حاجة ثقافية لتحليل هذه الظاهرة والتعرف
على بنيوية مقوماتها وعلاقاتها وآلية حركاتها ومتغيراتها حتى يمكن التعامل معها
على النحو الذي يدرء شرورها بما تنطوي عليه من تلاعب برموز واسماء ومسميات لها قدسيتها
واحترامها الجليل في الضمير الجمعي للمصريين مثل "بيت المقدس" او "رابعة العدوية"
وهي لاتتورع عن توظيف التراث بصورة مشوهة وتوليد معان جديدة لهذه الرموز بما
يتوافق مع اهدافها المعادية للكتلة الغالبة من المصريين.
"فالجماعة المأزومة" تحاول ان تتخطى ازمتها بالاستعارات الخاطئة وان تفرض على الواقع
مالاينتمي لتاريخه الحق حتى بات من الحق وصف ممارساتها بأنه "لاتاريخية" حيث "التفكير
المتعسف والخارج على السياق لفرض تصور جاهز على واقع لايمكنه قبول هذا التصور".
ويبدو واضحا للمراقب للمشهد المصري ان عمليات الارهاب والحرب النفسية بما تشمله من
"حرب الرموز" تتصاعد كلما تحقق تقدم ما على طريق تنفيذ خريطة الطريق او اقترب استحقاقها
الأخير المتمثل في الانتخابات البرلمانية .
وفيما لاتخفى رمزية ودلالات مصطلحات تروجها الجماعة الارهابية في سياق الحرب النفسية
وحرب الرموز فان التنظير الثقافي يصل الى استحالة الفصل بين الرموز والواقع اليومي
للانسان في كل مكان وزمان فيما تتطلب العلاقة بين الواقع والرموز تأملات عميقة
في سياق دراسات سوسيولوجية على مستوى اي مجتمع وخصوصيته الثقافية ومخيلته الجمعية.
واذا كان الحديث عن حرب الرموز فليعلم هؤلاء الذين يشنون حربهم الجديدة/القديمة على
مصر ان "المصري يشبه طائر الفينيق الذي ينبعث دوما من رماد الموت لآفاق الحياة
المتجددة".الرموز المزورة لن تنجح في تزييف شكل الوطن و لن تموه التراب المقدس او
تغتال الطريق وتحيل مصر قبرا وزخات عذاب وجوع وحبات دموع!..ستنتصر الحقيقة.
ستنتصر مصر "بثقافة الشهادة" والشهداء الذين منحوا الوطن اغلى مافي الحياة لكي تبقى
لنا الحياة..منحوه ارواحهم فسلام على هؤلاء الرجال الباقين ابدا في ذاكرة الأجيال
.."من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
ومابدلوا تبديلا".