القاهرة 26 يناير 2015 الساعة 01:55 م
فقدت الأمتان العربية والإسلامية بل فقد العالم بأسره رجلا كان فخرا للرجال بمعني الرجولة في القول والعمل ، وقائدا كان مقداما ، وبطلا من أبطال الشجاعة الأدبية فضلا عن الشجاعة المادية، والأولي في رأي المتواضع أهم وأبقي . وقد أهتم الراحل الكريم بفلسفة الحوار العقلاني بين الطوائف والعقائد والثقافات ومن هنا دعا لعقد المؤتمر الأول في الرياض والثاني في نيويورك في مبادرة للمملكة في إطار الأمم المتحدة ثم أقيم بعد ذلك مركز الحوار في فيينا وقد كان المغفور له بإذن الله داعية للحوار عن ايمان صادق وعقيدة راسخة باعتبار الحوار هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية السمحة كما جاء في الدين الإسلامي الحنيف الذي قال في محكم كتابه " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (سورة فصلت الآية (34)
وآمن العاهل الراحل بأن الدين من عند الله هو دين واحد إعمالا لقوله تعالي:
الآية الأولى قوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم موسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (سورة الشوري الآية ( 13) فهذا كله شرع الله تعالي دينا واحدا وملة متحدة لم يختلف على ألسنة الأنبياء ،وإن ، اختلفت فإن الوحدة هي الأساس وأن الاختلاف في الشعائر لا ينبغي أن يؤثر فيها وهنا نجد الدعوة للوحدة واضحة وضوح الشمس والتأكيد بأن اختلاف الشعائر لا يجب أن يترتب عليه اختلاف أو تصارع بين أبناء الدين الواحد الذي هو دين الله سبحانه وتعالي فما بالك بوحدة الشعائر واختلاف الطوائف فهذا أبسط ولا ينبغي أن يؤثر في وحدة الشعوب وتكاتفها.
كان الراحل الكريم عروبيا شهما وقويا شامخا دافع عن عروبة البحرين وأمنها كما إنحاز لشعب مصر في ثورته في 30 يونيه مؤيدا لها وناصرا لشعبها وداعما لجيشها ومساندا لقيادتها المدنية والعسكرية ، ورافضا الانصياع لرغبة القوي العظمي وانتقاداتها بالنسبة لموقفه من البحرين أو من مصر ورغم اختلاف الحالتين فإنه كان يشعر بنض الشعب في كلا البلدين وحاجته للحماية في لحظة فارقة من تاريخ كل منهما ولهذا لم يتردد للحظة واحدة.
إنه من الصعب التحدث عن مناقب الفقيد وهي كثيرة ولست مؤهلا للتعرف عنها تفصيلا ، ولكنني أشير لتجربة شخصية فقط هي للقاءتي مع جلالته وهي ثلاث مرات في مناسبات صينية وعربية وإسلامية ويابانية.المرة الأولي: عندما زار الصين وكان وليا للعهد وكنت آنذاك سفيرا لمصر في الصين واجتمع مع السفراء العرب وحملنا رسالتين مهمتين الأولي : هي ضرورة العمل بجد ونشاط من أجل مصلحة بلد كل سفير منا وفي نفس الوقت من أجل مصلحة العروبة والإسلام والثانية : أهمية العلاقات العربية الصينية وضرورة العمل علي تطويرها . وهذا كله يعكس رؤية جلالته الثاقبة والبعيدة النظر في الاهتمام بل والمبادرة في التوجه شرقا.
المرة الثانية : في الرياض عندما كان هناك اجتماع للحوار بين الحضارتين الصينية والعربية وشاركت فيه بصفتي متخصصا في الحضارة الصينية، ومن الملفت للنظر آنذاك أن ثلاث جهات رشحتني للمشاركة هي مصر والجامعة العربية والبحرين وكنت آنذاك مستشارا للدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدراسات والبحوث وكان حلما أن نلتقي كخبراء مع عاهل البلاد لأكبر دولة خليجية ومن الدول العشرين في المنظومة الاقتصادية العالمية ولكن الحلم سرعان ما تحول إلي حقيقة عندما حضر للندوة مبعوث من الديوان الملكي يبلغنا بأن عاهل البلاد سوف يلتقي بالوفود وابتهجنا ولكن فريقا منا شعر بعدم الارتياح وهن المشاركات من النساء ، ولما بلغ جلالته ذلك أرسل مبعوثا ينقل لهم البهجة بلقاء جلالته وفعلا حضرنا جميعا اللقاء وحرص جلالته أن يظل واقفا وأن يصافحنا فردا فردا بلا استثناء وتحدث إلينا عن الارتباط الحضاري والتاريخي بين الحضارتين العربية والإسلامية والتراث المشترك بينهما .
أما اللقاء الثالث: فكان عندما شاركت أيضا في الدورة السادسة للحوار الياباني الإسلامي وعقدت الدورة في الرياض والتقي بنا خادم الحرمين الشريفين و أفضي لنا بسر لم يكن أبلغ به أحد علانية وهو أن جلالته استشار علماء المملكة العربية السعودية في فكرة راودته، وهي الدعوة لحوار عالمي بين أصحاب الحضارات والثقافات والأديان والعقائد فأبدوا تأييدهم للفكرة وشجعوه علي المبادرة بطرحها ، وفعلا طرحها جلالته وفي غضون ثلاثة أشهر من لقائنا كانت الفكرة وضعت موضع التنفيذ ، وعقد مؤتمر للطوائف الإسلامية في الرياض ثم مؤتمر لكافة أصحاب العقائد والأديان في نيويورك في إطار الأمم المتحدة وصدر قرار بناء علي مبادرة جلالته بإنشاء وتمويل مركز للحوار في فيينا. وينبغي أن نشير بأن الحوار الياباني الإسلامي كان بمبادرة كريمة من وزير خارجية البحرين آنذاك سموالشيخ محمد بن مبارك آل خليفة مع نظيره الياباني الذي كان يزور البحرين ضمن جولة خليجية وعقدت الدورة الأولي في البحرين علي مستوي المثقفين وبعض المسئولين ، وشاركت في تلك الدورة وكنت مستشارا لرئيس جامعة البحرين الدكتور ماجد بن علي النعيمي آنذاك بينما شاركت في الدورات التالية للحوار بصفتي مستشارا للدراسات الاستراتيجية وحوار الحضارات في مركز البحرين للدراسات والبحوث عندما كان يتولي رئاسته آنذاك الدكتور محمد بن جاسم الغتم وكان قائدا إداريا متميزا وصاحب رؤية.
وختاما نقول إن بيت الشعر التالي يعبر تمام التعبيرعن الدور البارز والدائم لجلالة الملك عبد الله بن عبد العزير"رحمه الله"
لقد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم بين الناس أموات
رحمك الله رحمة واسعة يا عبد الله بن عبد العزيز أيها الراحل الكريم عاهل المملكة العربية السعودية السابق وتغمدك الله في كرمه وإحسانه وفضله وأعان الله الملك سلمان بن عبد العزيز- عاهل البلاد الجديد وهو من قراء وحفظة القرآن الكريم بصوت جميل وممتع يشع روحانية وحمي الله المملكة العربية السعودية وكافة بلاد العرب والمسلمين .