القاهرة 22 يناير 2015 الساعة 04:12 م
أمام محكمة جنايات القاهرة. في جلستها يوم الأحد 18 يناير 2015. زعم المعزول "أن ثورة يناير بلا صاحب!!.. ثم أضاف مناقضاً نفسه وناسفاً قوله السابق: "الشعب كله ثار "في" هبة واحدة ضد نظام ظالم".
كيف تكون ثورة بلا صاحب مع أن الشعب "كله" هو الذي ثار؟!
وهل هذا الزعم أو الهذيان يعني به المعزول أن ثورة في حجم ثورة يناير العظيمة ليست بثورة. طالما أن حزبه وتنظيمه لم يكن هو الذي فجرها؟!.. بل أصبح الثابت أنه غاب عنها. وحين تصاعدت سمح لشبابه علي مسئوليتهم بالمشاركة فيها. وبعد أيام كان يفاوض أحد أركان النظام. وهو السيد عمر سليمان. حول صفقة. كان أهم مكسب تحصل عليه "الجماعة" فيها هو الاعتراف الرسمي بها!!.. وقبل أيام من هذا اللقاء كانت مجموعة من "الحكماء". تضم عدداً من المقربين من "الجماعة" والمنتسبين إليها. تنصِّب نفسها متحدثة باسم الثورة والثوار. وترفع مطالب إصلاحية لا تمثل الحد الأدني الذي رفعه الثوار الحقيقيون الذين فجَّروا الثورة وقادوها إلي أن اختطفت منهم بليل. وكان مطلب الثوار الحقيقيين لا المتظاهرين المزيفين هو: "الشعب يريد إسقاط النظام". وهو المطلب الذي لم يقبلوا التراجع أو التنازل عنه إلي أن تحقق. مع احتضان الجيش لثورة شعبه. فلما سطت الجماعة عليها. فجَّر الشعب وجيشه موجة ثورية كاسحة في 30 يونيه.. وما بين الخامس والعشرين من يناير والحادي عشر من فبراير. هناك حقائق كثيرة غائبة لما يكشف أو يرفع الستار عنها بعد. وربما يستغرق هذا عقوداً من السنين. ولعل هذا الغياب لوقائع الثورة وحقائقها. هو الذي سمح لنفر من كذابي الزفة بأن يخرجوا علينا بأكاذيب لا هدف لها سوي تضليل الشعب العظيم إزاء الإنجاز العظيم الذي لم يحققه شعب آخر. وهو تفجير ثورتين كبيرتين في حوالي عامين فقط. هذه حقيقة لا يستطيع أحد أن يخفيها. أو يجادل فيها. ولا ينكرها إلا من يتصف بصفاقة بلا حدود.. ولم نعدم ظهور بعض هؤلاء في سنوات الثورة الأربع الماضية. فهل سيحمل العام الخامس للثورة جديداً في ذلك؟!.. هل سيرفع الستار عن مزيد من وقائع وحقائق الحدث الثوري العظيم الذي تفجر في 25 يناير. وهو عظيم. وإن تعثر أحياناً. أو تباطأ أحياناً أخري. وهذا من طبائع الثورات الكبيرة قديماً وحديثاً. ولعل هذا ما جعلنا وجعل كثيرين يرددون الكلمة المعروفة ذات الرنين التاريخي. وهي أن ثورة بلا أخطاء لم تولد بعد. وهنا لا نتحدث فقط عن الثورة الفرنسية في 1798. ولا الثورة الروسية في 1917. بل نتحدث عن ثورتنا المجيدة في 1919. ضد الاحتلال الإنجليزي. وقد ترددت أصداؤها في بلاد عربية أخري في العراق وفلسطين علي سبيل المثال. ولكن هذه الثورات لم تحقق عندئذي أهدافها كاملة. بل ظلت تأثيراتها تتوالي في التربة المصرية والعربية. إلي أن تسلم الراية جيل جديد من الثوار بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.
ليس هذا دفاعاً عن أخطاء الثورة. أو تبريراً لها. بل إنه دعوة خالصة من أجل استمرار الثورة. أو من أجل "ثورة في الثورة".
وهذه ليست أمنية. ولكنها تعبير عن واقع حالات الثورات. التي تتعدد مراحلها. وتأتي كل مرحلة بعلاج أخطاء مرحلة سابقة. ثم لا تلبث أن تظهر أخطاء جديدة. وهكذا تتوالي مراحل الثورة. وصولاً إلي تحقيق أهدافها. خاصة حين تكون ثورة كبري. ذات طابع اجتماعي وسياسي. وحين تكون لها أهداف متعددة لا تتحقق في عام أو عامين. مثل أهداف ثورة يناير: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية".
لا عودة إلي الوراء
إذن. ما العمل في العام الخامس للثورة؟!.. من المفروغ منه أن هذا العام سيشهد الخطوة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق التي حددتها الموجة الثانية للثورة. وهي انتخاب مجلس النواب. الذي من المقرر أن يتم في شهري مارس وأبريل المقبلين.. ستكون هذه الخطوة بالغة الدلالة علي ما حققته الثورة من إنجازات علي مستوي الوعي الشعبي لأهدافها. والحرص علي تحقيق هذه الأهداف.. لا يكفي هنا القول والاطمئنان إلي أن نظام ما قبل 25 يناير 2011 غير قادر علي العودة. أو أن الإخوان المسلمين. جماعة وتنظيماً ونظاماً. أصبحت تلقي رفضاً شعبياً. ربما لم يعرفه أي تنظيم سياسي منذ عرفت بلادنا التنظيمات السياسية والحياة الحزبية في أواخر القرن التاسع عشر. المطلوب أكثر من هذا بكثير سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. وعلي مستوي الإصلاح الديني بأن يبدأ "نظام يناير" وضع معالم لرؤاه. واستراتيجية في هذه المجالات جميعاً.. لا أحد يتحدث هنا عن "نظرية" مثلاً تولد كاملة متكاملة. بل عن "برنامج عمل" لمرحلة تاريخية. تقودها جبهة وطنية من أحزاب رئيسية تلتقي حول هذا البرنامج. وتلتزم به. وتطوره حين يستدعي الأمر تطويره.. هذا البرنامج لابد أن يقوم علي بلورة وتحديد معني الأهداف والشعارات التي رفعها ثوار التحرير وتعاهدوا عليها. وهي: "العيش. والحرية. والعدالة الاجتماعية. والكرامة الإنسانية".. وربما تطلَّب الوفاء بهذا الواجب أن تكون لجنة ذات طابع خاص تصنع مشروع البرنامج الذي يحدد ويترجم هذه الأهداف إلي خطوات محددة. ثم يوضع هذا المشروع أمام الشعب كله. يدير حوله نقاشاً علي أوسع نطاق ممكن. ثم ينتقل هذا المشروع إلي مؤتمر وطني. يعيد نقاشه في ضوء الحوار الشعبي الذي جري. ثم يضع المشروع في صيغة نهائية تكون هي البرنامج الذي يجمع أحزاب الجبهة الوطنية. وتلتزم بتنفيذه السلطة التنفيذية التي تختارها هذه الجبهة.. ولنا تجارب سابقة مهمة في هذا المجال. منها المؤتمر الوطني الذي أقر "ميثاق العمل الوطني في 1962". والمؤتمر الاقتصادي. ومؤتمر العدالة في ثمانينيات القرن الماضي.. بصرف النظر عما أحاط بهذه التجارب من ظروف. وما حوته من ثغرات. وما عاق تطبيقها علي نحو صحيح. كما أن المطلوب هنا هو برنامج عمل ثوري.
دفاع عن الثوابت والإيجابيات
العام الرابع لثورة يناير شهد عدداً من السلبيات المضادة للثورة نفسها ولثوارها.. وهذه السلبيات والشبهات والهجمات العدوانية تستحق أن تكون موضع الدراسة والمراجعة والسرد العلمي الموضوعي من الثوار أنفسهم. دون أن يسقطوا في كمائن الإسفاف والتدني التي نصبها أعداء الثورة من الفلول ومن أجنحة التيار الإسلامي. خاصة الإخوان المسلمين.
إن الاتهام الذي يجب أن يتصدي له الثوار أفراداً وجماعات وأحزاباً. ونظاماً هو الادعاء الخسيس بأن ثورة يناير كانت مؤامرة. أو كانت صناعة أمريكية. أو أن أمريكا تآمرت ضد نظام الرئيس المخلوع. ومن حقائق الأمور التي يعرفها أصغر تلميذ للعلوم السياسية في أي بلد في العالم أن أمريكا لا تناصر ثورة حقيقية أبداً. بل تناصر وتؤيد وتؤازر الثورات المضادة. وتخوض الحروب دفاعاً عنها وعن قادتها الذين يحققون مصالحها ويحمون هذه المصالح. أين كان وضع الرئيس المخلوع ونظامه من هذا؟!.. لقد أحالا مصر إلي دولة تابعة لأمريكا. تحقق مصالحها وتحميها. ولا تلحق ضرراً بها.
وستظل ثورة مصر تتعثر. وستظل أهدافها في العيش والحرية غائبة. طالما بقيت مصر في حالة تبعية لأمريكا.
وقد شهد العام 2014 تطوراً مهماً في اتجاه سياسة مصر الخارجية نحو الشرق. نحو الصين واليابان أساساً. مع توثيق العلاقات المصرية الروسية. والاتجاه إلي الانفتاح علي أفريقيا. واستعادة مصر لمكانتها العربية. والبدء في فتح الملفات الشائكة لأوضاع بعض الدول الشقيقة وطرق الأبواب من أجل تحرك جماعي عربي لتسوية مشكلات العراق وسوريا وليبيا.
لقد عاني العرب كثيراً في غياب دور مصر ووزنها. خاصة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وبالمثل فقد تراجعت مكانة مصر إقليمياً ودولياً. بسبب ضعف دورها العربي.. ولا يثور أدني شك حول أن العام الخامس لثورة يناير سيشهد تقدماً وتطوراً ملموسين علي طريق الدفاع عن ثوابت السياسة المصرية داخلياً وخارجياً. وعلي طريق الدفاع عن إيجابيات ثورة يناير وإنجازاتها. وعلي طريق علاج السلبيات والتخلص منها.
ولما كانت ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيه نبتا شعبياً أساساً فإن النجاح الثوري مرهون بمشاركة الشعب وحماسه وعطائه غير المحدود. واسلمي يا مصر.