القاهرة 22 يناير 2015 الساعة 04:09 م
قلت في الأسبوع الماضي. بمناسبة لقاءات الرئيس بالأحزاب السياسية استعداداً للانتخابات البرلمانية. ان قضية هذه الانتخابات - في رأيي - ليست قضية الأحزاب. ولا المرشحين. وإنما هي قضية الناخبين.
قلت ايضا. ان التعويل علي الأحزاب السياسية في تحقيق الهدف من الانتخابات البرلمانية القادمة لن يحقق الكثير. بسبب الصورة السلبية لهذه الأحزاب في الشارع. بالاضافة الي ضعف قدرتها علي الحشد لانعدام وجود قواعد شعبية لمعظمها في الدوائر الانتخابية بالمحافظات.
***
أريد أن أضيف إلي ذلك اليوم ثلاث نقاط مهمة.
النقطة الأولي. أن دعوة الاحزاب لخوض هذه الانتخابات بقائمة واحدة موحدة. ليست فكرة عملية. ولاتخدم النظام السياسي في الداخل. ولاصورته في الخارج.
إنني أتفهم الدافع النبيل وراء هذه الدعوة. وهو أن تكون هذه الانتخابات نموذجا للاصطفاف الوطني. يعلي المصلحة الوطنية فوق المصالح والصراعات الحزبية. باعتبار هذه الانتخابات المحطة الثالثة والاخيرة في خارطة المستقبل. التي يجب ان تنطلق منها وحدة واحدة الي الحلم المصري الكبير.
لكن..
مع أحزاب عجزت طوال الشهور القليلة الماضية. وماتزال عاجزة. عن الالتئام في قائمتين. ولا في ثلاث قوائم. ولا في أربع. بسبب صراعاتها التي لاتتوقف. واهتمامها الذي عبرت عنه الأسبوع الماضي ب"المقعد قبل المبدأ" فإن دعوتها إلي تشكيل قائمة واحدة موحدة بمرشحيها. تصبح دعوة غير واقعية علي الاطلاق. تنتظر من الاحزاب مالا يتسق مع واقعها. وأوضاعها. وسلوكها السياسي الذي نتابع تطوراته وتقلباته يوما بيوم. بل لحظة بلحظة.
ثم إن دخول الاحزاب. علي اختلاف توجهاتها. الانتخابات بقائمة واحدة موحدة. يقضي علي أهم عنصر يميز أي انتخابات. .وهو "االتنافسية" السياسية ويسوي بين أحزاب عريقة ذات تاريخ وحضور وجمهور وبين تلك التي لم يمض علي ولادتها سوي بضعة شهور.
ولو حدث ذلك. فإن الانتخابات البرلمانية تتحول الي نوع من "الاستفتاء" وهو ما يتعارض مع الديمقراطية الحقيقية. أو قل مع "الشكل" الديمقراطي الذي نحتاج ان نرسخه في هذه الانتخابات - كحد أدني - حتي لايبدو نظامنا السياسي أمام العالم في صورة "نظام شمولي" يعبئ أحزابه في سلة واحدة. لينقلها الناخبون بأصواتهم إلي برلمان من صوت واحد. بلا أي معارضة.
وفي الواقع العملي. فإنه حتي لو استجابت الاحزاب لدعوة خوض الانتخابات بقائمة واحدة موحدة. فإن وحدتها - عندئذ - ستكون وحدة شكلية ينفرط عقدها فور انتهاء الهدف منها باعلان نتائج الانتخابات. ولن يكون لها - بالتالي - أثر أو وجود عندما يحتاجها صاحب القرار السياسي. عند التصويت علي مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة للبرلمان.
الأفضل - في رأيي - هو العكس فبدلا من الانتقال من الوحدة الشكلية في الانتخابات الي التفرق والانفراط بعدها. نترك للأحزاب حريتها الكاملة في خوض الانتخابات ضمن أي عدد من القوائم. ثم يكون التركيز بعد تشكيل البرلمان علي القوي الرئيسية فيه لايجاد قواسم مشتركة بينها تسمح بتكوين تحالف يوفر الحد الادني من النصاب القانوني اللازم لتمرير مشروعات القوانين وهو 50«.1
مثل هذا التحالف. الذي يشكل من خلال الممارسة البرلمانية يمكن ان يكون اقوي واكثر قابلية للدوام علي امتداد الدورة البرلمانية من تحالفات ما قبل الانتخابات المعرضة للانفراط بعدها.
هذا يحتاج الي ان تنعقد رئاسة البرلمان لشخصية قوية. تتميز بالحكمة والخبرة. ولديها قبول وقدرة علي الاقناع وتجميع أكبر عدد من النواب علي قاعدة واحدة. كما يحتاج الي شخصيات قوية تتوزع علي مفاصل اللجان البرلمانية لنفس الغرض.
***
النقطة الثانية. تتعلق بالبيان الذي أصدره البرلمان الأوروبي هذا الاسبوع. وقدم فيه صورة بالغة السلبية عن الأوضاع الداخلية في مصر. وانتهي باعلان مقاطعته للانتخابات البرلمانية المصرية وعدم المشاركة في مراقبتها.
يضاف إلي ذلك أنه رغم إعلان المفوضية الاوروبية الممثلة لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن هذا البيان لايمثلها أو يعبر عن السياسة الخارجية للاتحاد. وأنها ستشارك في مراقبة الانتخابات المصرية. فإنها قررت خفض بعثة المشاركة في المراقبة تذرعا بضيق الوقت.
لقد جاء وقت التحدي.. إن هذا الموقف الأوروبي يعيدني إلي ما أكدته. وهو أن قضية هذه الانتخابات ليست الأحزاب ولا المرشحين. وإنما هي قضية الناخبين.
ذلك أنه لايوجد رد علي بيان البرلمان الأوروبي سوي أن يعلن المصريون تحدي هذا البرلمان وبيانه. وينزلوا بالملايين إلي صناديق الانتخابات. ليسجلوا أعلي نسبة مشاركة وتصويت في أي انتخابات برلمانية. وتكون النتيجة صفعة للبرلمان الأوروبي ومن يحركونه أو يستجيب لهم.
هذه فرصة ذهبية لاستنفار المشاعر الوطنية لدي جموع الناخبين المصريين. لاثبات ان الشأن الداخلي المصري يقرره الشعب المصري وليس أي قوة خارجية.. وهذا ما يجب ان تركز عليه الدولة. والاحزاب السياسية. والاعلام في الفترة القادمة حتي انتهاء الانتخابات.
معدن المصريين يظهر دائما في لحظات التحدي.. وهذه لحظة تحد حقيقي.
***
بقيت النقطة الثالثة والأخيرة. وهي أن نتذكر جميعا ونحن نستعد للبرلمان القادم أنه برلمان تاريخي.
ذلك أننا مطالبون في العام القادم 2016 بالاحتفال بمرور 150 عاما علي بدء الحياة البرلمانية في مصر. بانشاء أول برلمان عام 1866. ليس في مصر بل في المنطقة كلها.
وسوف يكون البرلمان الذي ننتخبه في مارس القادم. هو المنوط به وضع خطط هذا الاحتفال الذي يجب أن يكون عالميا. وأن تدعي إليه كل برلمانات العالم. ليري بعضها كيف ان مصر عرفت الحياة البرلمانية قبل ان تظهر دولهم أصلا للوجود علي الخريطة العالمية.
هذا يعزز أهمية أن يكون برلماننا القادم منتخبا بأعلي نسبة مشاركة في التصويت ليكون بالقوة اللائقة بالاحتفال بهذه المناسبة التاريخية.
وأن يختار الناخبون نوابا علي مستوي المسئولية. يعرفون معني كلمة "مصر الوطن". وما تفرضه من واجبات وأعباء علي من يمثلون الشعب ويتحملون مسئولية قيادته والانطلاق به إلي آفاق المستقبل. وليس عرقلة تقدمه من خلال مناورات برلمانية أو حزبية رخيصة.
ألم أقل إن قضية هذه الانتخابات بالذات. هي قضية الناخبين. قبل الأحزاب وقبل المرشحين؟!
من أجندة الأسبوع
** 25 يناير هو عيدالشرطة الذي خاضت فيه الشرطة المصرية في الاسماعيلية عام 5219 ببسالة نادرة. معركة ضد قوات الاحتلال البريطاني. وسقط منها شهداء كانت أرواحهم ودماؤهم الطاهرة نقطة مضيئة علي طريق النضال الوطني المصري الذي توجه الجيش والشعب بثورة 23 يوليو .1952
تحية لروح كل شهيد قدمته الشرطة المصرية علي امتداد تاريخها حتي اليوم.. وتحية للرجال والنساء من أفرادها وضباطها وقادتها والعاملين المدنيين بها الذين يواصلون تقديم تضحياتهم من أجل عزة وكرامة مصر الوطن.. والمواطن.