جمال عبد الناصر الطفل الذى صدمه فراق امه وثبت قلبه لنصرة شعبه..
ترك اثر رصاصه فوق جبينه تذكره بالواجب الوطنى.. وسقوط الشهداء كان سببا فى ايمانه بمصر وحبه لها.
ابن الرابعة والثلاثون يغير سياسة بلده ويجبر الملك على ترك العرش.
• عبد الناصر يفصل من الثانوية العامة ويعين مدرسا بالمدرسة الحربية
• جمال:مصر ليست تابعة لاحد والمتاجرة بالدين مبدا الضعفاء
• الملايين يودعون ناصر بدموعهم ويصرخون :عمود البلد وقع
القاهرة 15 يناير 2015 الساعة 02:41 م
كتبت:عواطف الوصيف
مرت مصر خلال تاريخها بفترة عصيبة خلال الحكم الملكى خلال الفترة التى تولت فيها اسرة محمد على حكم مصر.
واجبرت مصر وشعبها على ان تخضع لسيادة افراد من نسل اسرة لا تنتمى لهذه الارض سمحت باستغلال شعبها وبقوات الاحتلال ترعى فوقها وتنهب ممتلكاتها وخيراتها رغما عنها الى ان اشرقت شمس فجر ثورة يوليو والتى اشعلها باقة من خيرة شباب الجيش المصرى لقبوا انفسهم بصفتهم "الضباط الاحرار".
ولما كان نجاح ضباط الجيش فى الاطاحة بالحكم الملكى وتغير نظام وسياسة دولة بين ليلة وضحاها الا اذا كان يقف وراء ذلك قائد يتمتع بحسن التصرف والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة فى اصعب المواقف وفى قلبه حب لوطنه وحرصا على اعلاء شانه وهو الزعيم "جمال عبد الناصر" الذى استطاع ان يمتلك حب واحترام الجميع ليس فقط فى بلده بل فى سائر الوطن العربى واصبح هو زعيم لوطن عربى وناصر لشعبه ولا يزال اسمه مرسوخ فى قلوب الملايين الى الان حتى لاجيال لم تشهد عصره.
وفى مصر المحروسة نحتفل بذكرى ميلاده ونذكر ربما ما لم يعرفه الكثيرون عن جمال عبد الناصر.
قرية بنى مر
كان جمال عبد الناصر هو اكبر ابناء لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام 1888 في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة.
وولد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918 في 18 شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .
جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية
التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي 1923 ، 1924 .
ناصر بين النحاسين والخطاطبة
وفى عام 1925 دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية.
جمال يفقد والدته
وحين وصل في الإجازة الصيفية عام 1926 علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" واضاف فى احد حوارته معه:
"لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين"
عبد الناصر فى الثانوية العامة
التحق جمال عبد الناصر في عام 1929 بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحدا ثم انتقل الى مدرسة راس التين بالاسكندرية.
وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي ففي عام 1930 استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور 1923 فثار مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.
ناصر يتحدث مع دايفيد مرجان عن اولى مظاهراته ضد النظام الحاكم
ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها:
"كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال فلقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.
ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإني لأذكر أنى في محاولة يائسةألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية".
جمال يعود الى الماضى وهو يخاطب الجماهير
وفى حديثه مع مندوب صحيفة الصنداى تايمز يعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار في نفسه:
"حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية سرح بي الخاطر إلى الماضي البعيد وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة،وباسم مصر.
وأطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من جرح.
وقد التحق جمال عبد الناصر في عام 1933 بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية
جمال وشغف القراءة عن الثورة الفرنسية
وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة.
كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية.
جمال والادب العربى
كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.
يوليوس قيصر
وفى 1935 في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.
المطالبة بعودة الدستور
وقد شهد عام 1935 نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال.
بريطانيا ترفض عودة الدستور
وبعد ذلك بشهرين ونقلا عن ما نشرته مجلة الجهاد عام 1935 وفور صدور تصريح "صمويل هور" وزير الخارجية البريطانية
ففي 1935 اعلنت بريطانيا رفضها لعودة الحياة الدستورية في مصر، واندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد عبد الناصر في مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية كانت فى واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار "جريدة الجهاد" التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
تاثير الحادث على جمال عبد الناصر
وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة في 15 نوفمبر 1952 قائلا:
"وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى يتحقق وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر"
وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في 12 ديسمبر 1935 بعودة دستور 1923.
جمال يتردد على بيوت الزعماء
وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة 1936 بالفعل على أثر هذه الجهود.
فلسفة الثورة
ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال:
"وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور"
فصل جمال عبد الناصر عن المدرسة
ونتج عن النشاط السياسى لناصر الذى رصدته تقارير الشرطة فصله من المدرسة بتهمة تحريض الطلبة على الثورة الا ان زملاؤه قرروا الاضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتم التراجع عن القرار.
عبد الناصر ينضم لمصر الفتاة ويتصل بالاخوان
وبعد ذلك انضم ناصر لمصر الفتاة التى تركها لانه اكتشف انها لا تحقق شيئا وكان له اتصالات بالاخوان المسلمين لكنه قرر تركهم ايضا لاقتناعه بعدم وجود جدوى من ايا من الاحزاب التى كانت موجودة خلال هذه الفترة.
جمال عبد الناصر ضابطا
وكانت الاوضاع السائدة فى البلاد حين ذاك سببا فى قرار ناصر للالتحاق بالكلية الحربية لكى يكون ضابطا فى الجيش المصرى لمقاومة الاحتلال البريطانى.
تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات 1935، ولأنه لا يملك واسطة او كيفما كان يقال وقتها "حد من المحاسيب" ليساعده على الالتحاق بالكلية.
عبد الناصر يغير مساره
التحق عبد النصر بكلية الحقوق وغير مساره عام 1936 الا ان تقرر فتح ملف النظر فى الطلاب اللذين رفضوا من قبل.
وبالفعل قبل ناصر واصبح طالبا بالكلية الحربية خريف عام
1936
هدف ناصر من الكلية الحربية
لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً"، وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وكلف عام 1938 بمهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر.
ولم يوقع على جمال أي جزاء طوال فترة دراسته بالكلية وترقى وحصل على رتبة، أومباشى طالب.
من الصعيد الى الخرطوم
التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتيحت له إقامته هناك فرصة الاختلاط بالفلاحين وان يعرف ما يعانون منه وقد التقى هناك بكلا من زكريا محيى الدين وأنور السادات
وفى عام 1939 طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم بجبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر وفى مايو 1940 رقى إلى رتبة الملازم أول.
ضعف الجيش ومصلحة الاحتلال
لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم.
وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط "عديمي الكفاءة وفاسدين"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد.
وفى نهاية عام 1941 بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر وانتقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.
وعن ذلك يصف ناصر قائلا:
"في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة"
وأثناء وجوده في العلمين جرت أحداث 4 فبراير 1942 حينما توجه السفير البريطاني السير مايلز لامبسون
ليقابل الملك فاروق بسرايا عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم للملك إنذاراً يخيره بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك دون قيد او شرط.
تنظيم الضباط الاحرار
شهد عام 1945 انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر في حديثة إلى "دافيد مورجان":
"وقد ركزت حتى 1948 على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".
وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947 عقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.
جمال عبد الناصر يعرض خدماته على مفتى فلسطين
وفى اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية.
وبعد بضعة أيام رفض العرض فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب فسافر جمال إلى فلسطين في 16 مايو 1948، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ في أوائل عام 1948.
تاثير حرب فلسطين على ناصر
لقد كان لتجربة حرب فلسطين آثاراً بعيدة على جمال عبد الناصر فعلى حد قولة: "فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزه للملك فاروق.
وقد بدا أن القيادة العليا كانت مهمتها شيئاً واحداً هو احتلال أوسع رقعة ممكنة من الأرض بغض النظر عن قيمتها الإستراتيجية، وبغض النظر عما إذا كانت تضعف مركزنا العام في القدرة على إلحاق الهزيمة بالعدو خلال المعركة أم لا.
وقد كنت شديد الاستياء من ضباط الفوتيلات أو محاربي المكاتب الذين لم تكن لديهم أية فكرة عن ميادين القتال أو عن آلام المقاتلين.
وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل حين صدرت الأوامر إلىّ بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة. ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معاركه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة " في 24 فبراير 1949.
وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى. ونظراً للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان "النجمة العسكرية" في عام 1949.
وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقاً أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.
وقد أصبح مقتنعاً أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية 1948 وحتى 1952.
ووقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في 1955، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.
عبد الناصر مدرسا
وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في 12 مايو 1948 وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام 1950، 1951.
وفى 8 مايو 1951 رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية 1952، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.
الاغتيالات السياسية
وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام 1952 اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدئوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.
منشورات الضباط الاحرار وفضيحة الاسلحة الفاسدة
ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سراً والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين.
وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.
حريق القاهرة
ثم حدث حريق القاهرة في 26 يناير 1952 بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها 46 شرطياً وجرح 72 لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت 12 ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر 22 مليون جنيهاً.
صراع الاحرار مع الملك فاروق
وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام 1955، وتحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952 وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .
نجيب وجهة الاحرار
وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة حيث ان معرفة ان تنظيم من الضباط فى الجيش يتراسه شاب لا يتعدى الرابعة والثلاثون قد تتعرض محاولاته للفشل والقاء القبض على اعضاءه.
ولذلك كانت السلطة الفعلية في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى 25 أغسطس 1952 عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.
بيان الثورة
وفى صباح يوم 23 يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي:
"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.
أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس في صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولى التوفيق".
اجبار فاروق عن العرش
وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام أي في 26 يوليهأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.
وفى 18 يونيه 1953 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية الذي تولاه زكريا محيى الدين واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.
تعيين ناصر رئيس مجلس قيادة الثورة
وفى فبراير 1954 استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء.
اقتصار مهام محمد نجيب
وفى 17 أبريل 1954 تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر 1954 إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.
وفى 24 يونيه 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور 16 يناير 1956 .
ناصر زعيم باسم الشعب
وتاريخ جمال عبد الناصر حافل بالعديد من الانجازات منذ توليه حكم مصر وحتى وفاته فهو من نادى بازالة الطبقات والفوارق بين الناس فلم يعد هناك مبدا الفروق بين كل فرد والاخر واصبح الفقير والغنى سواء بسواء ولم يكن يعرف عصر ناصر مبدا الوساطة او معرفة احد من المشاهير او الاغنياء لكى يقضى المرء مصلحته.
خمس فدادين
وبعد ان كان يعمل الفلاح المصرى ليل نهار فى ارض من ينتمون لطبقة البشوات والبهوات ورموز العائلة المالكة قرر ناصر ان تتحدد الملكية الزراعية فى 100 فدان فقط واعطى لكل فلاح خمس فدادين لكى يتمكن الفلاح المصرى من الحصول على قوته وقوت اولاده اى ان ناصر لم يظلم احد فلم ياخذ اراضى البشوات وتركهم جوعى كما حاول المخالفين له فى الاتجاه والرؤية ترويج الشائعات.
الحياد الايجابى
عرفت مصر فى عهد جمال عبد الناصر ما يسمى ب"الحياد الايجابى" وهو عدم انحياز مصر لدولة او نظام بعينه فلم تكن مصر تابعة لسياسة امريكية او روسية فقد كنا دولة اشتراكية نحترم العدالة ونطبقها دون تفرقة بين الطبقات.
لا للمتاجرة بالدين
وفى احد الاحاديث التليفزيونية التى قام بها عبد الناصر وجه له سؤال حول اتهامه بالشيوعية من قبل بعض الرموز من جماعة الاخوان .
فابتسم قائلا:
"الاسلام مبنيا على مبدا الغاء الطبقات فلا فرق بين شخص والاخر ويصف النبى المؤمنين بانهم كاسنان المشط لا يفرق بين شخص والاخر الا بعمله"
والاشتراكية ايضا تعتمد على عدم التفرقة بين المواطنين فالجميع فى مكانة واحدة بغض النظر عن الطبقات
وكان الرد على اجابته سؤاله لماذا لا يوضح ذلك للرد على من يتهموه بالكفر والشيوعية فرد قائلا:
"الاسلام معروف والجميع يعى المبادىء التى يعتمد عليها اما افكار الاشتراكية ربما لم تكن مفهومة لدى الجميع وانا لن احاول ان ابرر ما اقوم به محاولا المتاجرة بدينى واثبات ايمانى بالله وثباتى على دينى فانا اقوم بعملى وواجبى حيال الشعب المصرى وحريصا على تحقيق العدالة للجميع.
مشاريع ونتائج لا تنسى
ومن المشاريع التى انجزت فى عهد جمال عبد الناصر "السد العالى" الذى ساعد على ادخال الكهرباء اضافة على اعتماد مصر على الصناعة وتطورها اقتصاديا .
وهو انجاز ورمز يذكر فى تاريخ مصر خاصة وان من اجله وقف الشعب جنبا بجنب مع الرئيس رافضا ابتزاز قوات الاحتلال ومحاولة فرض سيطرتها وقوتها بالقوة على مصر ولم يتردد لحظة فى التضحية بدمائه وروحه من اجل مصر ورئيسها وهو ما تشهد عليه حوائط وتراب بورسعيد وما بات
راسخا فوق جدران اضرحة الشهداء من ابناءها حتى الان.
عمود البلد وقع
رحل عن عالمنا الزعيم جمال عبد الناصر فى السابع والعشرون من سبتمبر عام 1970 وهو الرئيس والزعيم الوحيد الذى شهدت جنازته خمسة مليون مواطن يهرولون وراء نعشه داعيين له الله ان يدخله فسيح جناته والتى كانت تشهد دموع الملايين من البسطاء من ابناء هذا الشعب وهم يعبرون عن حزنهم قائلين :
"عمود البلد دى وقع ربنا يتوالانا احنا من بعده"
وتلك الجملة التى تبدو بسيطة فى عدد كلماتها لكنها معبره عن ما شاهده وعانوه البسطاء من المصريين بعد وفاة ناصر الفقراء جمال عبد الناصر.