القاهرة 18 ديسمبر 2014 الساعة 03:05 م
ولد جمال الدين عام 1839م، في أسد آباد إحدي القري التابعة لولاية كنر بمدينة كابل عاصمة الأفغان، وصل نسبه إلي عمر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الأفغاني.
بدت عليه منذ الصغر مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة، فتعلم اللغة العربية،والأفغانية،وتلقي علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات، فاستوفي حظه من هذه العلوم، علي أيدي أساتذة واستكمل الغاية من دروسه وهو في الثامنة عشر من عمره، ثم سافر إلي الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة علي الطريقة الأوروبية، فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلي الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض عليه وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فاغتنم هذه الفرصة وقضي سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتي وافي مكة المكرمة في سنة 1857 م، وأدي الفريضة.
جاء الأفغاني إلي مصر لأول مرة أوائل سنة 1870م، ولم يكن يقصد الإقامة بها، إنما جاء ووجهته الحجاز، وما إن سمع الناس بمقدمه حتي اتجهت إليه أنظار النابهين من أهل العلم، وتردد هو علي الأزهر، واتصل به كثير من الطلبة، فآنسوا فيه روحاً تفيض معرفة وحكمة، فأقبلوا عليه يتلقون بعض العلوم الرياضية، والفلسفية، والكلامية، وقرأ لهم شرح «الأظهار» في البيت الذي نزل به بخان الخليلي، وأقام بمصر أربعين يوماً، ثم قرر عدم السفر للحجاز، وسافر إلي الأستانة.. عاد الأفغاني إلي مصر في مارس سنة 1871م، ليس للإقامة بها، بل لمشاهدة مناظرها، واستطلاع أحوالها، ولكن رياض باشا وزير إسماعيل في ذلك الحين طلب منه البقاء في مصر، وعرضت عليه الحكومة راتباً مقداره ألف قرش كل شهر، واهتدي إلي المترجم كثير من طلبة العلم، يستورون زنده، ويقتبسون الحكمة من بحر علمه، فقرأ لهم الكتب العالية في فنون الكلام، والحكمة النظرية، وعلوم الفلك، والتصوف، وأصول الفقة، بأسلوب طريف، وطريقة مبتكرة. وكانت مدرسته بيته.
نفي جمال الدين من مصر، علي أن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وبقيت النفوس ثائرة تتطلع إلي نظام الحكم، وإقامته علي دعائم الحرية والشوري، فجمال الدين هو من الوجهة الروحية والفكرية أبوالثورة العرابية، وكثير من أقطابها هم من تلاميذه أو مريديه، والثورة في ذاتها هي استمرار للحركة السياسية التي كان لجمال الدين الفضل الكبير في ظهورها علي عهد إسماعيل، ولو بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزاً أن يمدها بآرائه الحكيمة، ولكن شاءت الأقدار، والدسائس الإنجليزية، أن ينفي الأفغاني من مصر، وهي أحوج ما تكون إلي الانتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور.
وكانت وفاته صبيحة الثلاثاء 9 مارس سنة 1897م، وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتي أمرت بضبط أوراقه وكل ما كان باقياً عنده، وأمرت بدفنه من غير رعاية أو احتفال في مقبرة المشايخ بالقرب من نشان طاش فدفن كما يدفن أقل الناس شأنا في تركيا، ولا يزال قبره هناك.