القاهرة 17 ديسمبر 2014 الساعة 02:47 م
كتب:حسام إبراهيم
اكتسبت "ثقافة الابتكار" في مصر دعما لافتا في عام 2014 الذي يمضي حثيثا في شطره الثاني
والأخير بينما يتوج هذا العام بمبادرة قومية اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي
تشجع ثقافة الابتكار وتتوالى ابداعات مبتكرين مصريين وخاصة من الشباب.
وجاءت ردود افعال المثقفين المصريين ايجابية ومرحبة بمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي
"لمجتمع يتعلم ويفكر ويبتكر" وهي المبادرة القومية التي اطلقها في عيد العلم
لتعبر عن ادراك عميق لأهمية ثقافة الابتكار وتستهدف توجيه اولويات الدولة نحو بناء
الانسان.
وكان السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة قد اوضح ان هذه المبادرة سيتم تنفيذها
على ثلاث مراحل قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وسيجري في اطارها تنفيذ العديد من المشروعات
واعمال التطوير والتحديث لمنظومة البحث العلمي.
وها هي هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" تلقي اضواء على المخترعين من الشباب المصري
الذين يبتكرون حلولا لمشاكل الواقع في وطنهم وتستكشف جوانب مضيئة في المشهد
المصري, لافتة الى ما يحدث داخل "معهد تكنولوجيا المعلومات".
وذكرت "بي بي سي" في تقريرها ان سمعة المطورين والمخترعين الشبان في هذا المعهد تعدت
حدود مصر الى العالمية معيدة للأذهان فوز فريق منهم في شهر يوليو الماضي بجائزة
دولية في مسابقة "مايكروسوفت للتخيل".
وكان من الدال ان يقول وليد خيري احد اعضاء هذا الفريق الشاب من المخترعين المصريين
لهيئة الاذاعة البريطانية ان الهدف كان ابعد من الحصول على مكانة عالمية فالهدف
هو "الاسهام في حل مشاكل مصر الصعبة".
ويبدو أن هذا الشاب المصري المبتكر لم يغب عن ذهنه القول المأثور : "إذا اراد الله
بقوم سوءا منحهم الجدل وحرمهم العمل" عندما قال للبي بي سي :"الانشغال بالعمل هو
الحل دائما للمساهمة في حل مشاكل البلد" مضيفا : أن "كثيرا من الوقت نستهلكه في
جدال بشأن افكار مختلفة ومن الأفضل استغلال هذا الوقت للعمل على تحقيق هدف من اهدافك".
وتابع وليد خيري البالغ من العمر 24 عاما :"على كل فرد ان يهتم باصلاح نفسه اولا ثم
اتقان عمله ثانيا فهذه بداية حل مشكلات بلادنا..نجاح كل فرد في مجاله هو البداية
الصحيحة" فيما كان بعض المخترعين الشبان من زملائه قد اخترعوا طائرة صغيرة بدون
طيار لرصد المشكلات الفنية التي تقلل من كفاءة ابراج نقل الكهرباء وجرى استعراض
هذه الطائرة خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء ابراهيم محلب لهذا المعهد.
وقالت المهندسة هبة صالح القائم بأعمال رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات لبي بي سي :"أحد
اهدافنا الرئيسية تدعيم البعد التنموي للطلاب وتحفيزهم على توظيف مهاراتهم التقنية
لايجاد طرق لحل مشاكل مجتمعية باستخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات", موضحة
أن المعهد "جهة ابداع وابتكار حلول لمشكلات البلاد".
وكان طلاب في هذا المعهد قد ابتكروا تطبيقا يساعد الصيادين على تحديد الأماكن التي
تتكاثر بها الأسماك وذلك بالتعاون مع هيئة الاستشعار عن بعد وهيئة الثروة السمكية
كما تضمنت مخترعاتهم سيارة صغيرة مزودة بالكاميرات بمقدورها ارسال صور فورية من
تحت انقاض المباني المنهارة او مواقع الحرائق.
وحسب ما قاله عاطف حلمي وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فان وزارته تعول كثيرا
على طلاب هذا المعهد "في البحث عن حلول لمشكلات مصر", غير ان المبدعين الشبان المتحمسين
-على حد وصف هيئة الاذاعة البريطانية - يشكون من عدم الاستفادة من ابتكاراتهم.
وفي المقابل قال الوزير عاطف حلمي :"ندرس بجدية الآن انشاء كيان عملاق يستوعب الافكار
المبتكرة ودراسة سبل تطبيقها لأن هذا هو التطور الطبيعي لو اردنا تطبيق خطتنا
لجعل تكنولوجيا المعلومات هي الحل لمشكلات التنمية".
واوضح ان هذا الكيان سيكون اول مجمع للابتكارات بالتعاون مع وزارة البحث العلمي كما
اشار الى اتصالات تجريها وزارته مع وزارات الكهرباء والتعليم والطاقة للاتفاق على
آلية للاستفادة من مبتكرات المبدعين الشبان .
ورأت المهندسة هبة صالح ان "المشكلة الرئيسية هي اننا في مصر لانزال نفتقد الرؤية
الشاملة لأهمية التكنولوجيا البالغة ولم تترسخ القناعة بعد بأنها عصب الحياة في كافة
المجالات" غير انها اعربت عن اعتقادها بأن هذه الرؤية "تتشكل الآن" فيما توقعت
ان نرى قريبا مظلة لاستيعاب ابداعات هذا المعهد.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اكد في سياق الاحتفال بعيد العلم على "محورية دور
العلم في الحياة المعاصرة" وضرورة الاهتمام بشقه التطبيقي ليسهم في تحسين مستوى
المعيشة وتوفير احتياجات المواطنين ودعا للاستفادة من نتائج الأبحاث العلمية المصرية
لاسيما في قطاع الصناعة.
ووجه السيسي في اجتماع مع اعضاء المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة
الجمهورية بتشكيل فريق عمل من الوزارات المعنية ليكون بمثابة حلقة الوصل بين مختلف
الجهات المسؤولة عن منظومة البحث العلمي في مصر.
وقال الدكتور السيد عبد الخالق وزير التعليم العالي ان المرحلة المقبلة سترتكز على
ربط العملية التعليمية بالقطاعات الانتاجية والخطط الاقتصادية والاجتماعية بما يشجع
على الابتكار والابداع منوها بأن وزارته بصدد انشاء مركز لتنمية وتطوير ابداعات
الشباب.
ومنذ عام 1950 قال مثقف وصناعي مصري كبير شغل منصب رئيس اتحاد الصناعات حينئذ وهو
صبحي وحيدة في كتابه "في اصول المسألة المصرية" ان التعليم لن يغني عن المتعلمين
شيئا ماداموا لايجدون في الحياة اليومية مايتصل به من ظواهر يستطيعون بمعالجتها "ان
يطبقوا علمهم وينموا ملكاتهم ويرتفعوا الى الابتكار".
وفي سياق الحلول المبتكرة لبعض المشاكل التي تواجه الانسان المصري في حياته اليومية
اختارت وزارة التموين تطبيق اختراع للدكتور عصام عبد المولى مدير مركز الاستزراع
المائي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا تقوم فكرته على تحويل زيت الطعام
بعد القلي عدة مرات الى وقود.
وفي تصريحات لوسائل الاعلام اكد هذا المخترع المصري على ان تطبيق الفكرة كفيل بتوفير
مليارات الجنيهات موضحا ان الجهاز الجديد يحول جميع انواع الزيوت النباتية الى
سولار في غضون 48 ساعة ويمكن استخدامه في اي منزل حيث لاتتجاوز مساحته متر في متر.
واذا صح مانسب للعالم الشهير اينشتاين من ان "الغباء هو فعل الشييء ذاته مرتين بالأسلوب
ذاته مع انتظار او توقع نتائج مختلفة " فثمة حاجة لتحديث علاقات العمل واطلاق
الأنشطة الاقتصادية للنمو وتبني مقاربات تنطلق من منظور شامل وعادل بعيدا عن المعالجات
الجزئية او التلفيقية في عالم يمضي بالفعل موغلا بعيدا بعيدا في مدهشات
الابتكار واستعارة المفاهيم وتفاعلها بين مجالات قد تبدو متباعدة للغاية لكنها في
الواقع امست قريبة بشدة من بعضها البعض في ظل العلاقات الشبكية ومنجزات شبكة الانترنت.
هذا عالم يندفع بايقاع شبكة الانترنت نحو مستقبل تتصارع القوى الكبرى الآن على تحديد
ملامحه وقد تتفق على صيغة ما لتقاسم غنائمه رغم محاولات مثقفين كبار في الغرب
للبحث عن معنى اكثر انسانية لهذا المستقبل ومحاولة اضفاء طابع اخلاقي على الثورة
الصناعية الجديدة والاقتصاد الرقمي.
واذا كان مثقف غربي مثل تشارلز كيني يتبنى نظرية متفائلة حول اتجاهات الاقتصاد العالمي
وامكانية فوز الجميع شريطة العمل والابتكار فان كريس اندرسون تناول في كتابه
"صانعون: الثورة الصناعية الجديدة"مفهوم "الانسان المشروع" اي ذلك الذي يحمل مشروعا
هو في الحقيقة جزء من المشروع الكبير او الحلم الجمعي لبلده و"يوتوبيا واقعية
لامكان فيها لعاطل".
والثورة الصناعية الجديدة في تنظير كريس اندرسون تقوم على شبكة الانترنت وتعتمد تماما
على مفاهيم العصر الرقمي و"معامل الابتكار" و"جسارة الخيال" مع توظيف التقنية
الرقمية بما يتناسب مع مواهب كل فرد وميوله وقدراته.
والمهم في هذا السياق انها تتيح للفرد الواحد او حسب تعبيره "الكائن المنتج" ان يتحول
بالفعل الى مؤسسة بمفردها او مشروع اقتصادي وبالتالي توسع من نطاق حريته ضمن
علاقات شبكية مع بقية افراد المجتمع المنتج .
وهكذا تتولد مفاهيم وتطبيقات جديدة لثقافة العصر الرقمي مثل ما يسمى "بالتصنيع بالاضافة"
وتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تشكل ثورة في مجال التصميم الصناعي
وهي تقنية ليست كما قد يوحي اسمها تتعلق بقضايا الطباعة المتعارف عليها او التي ترد
للذهن لأول وهلة.. ودون الدخول في تفاصيل فنية قد تبدو معقدة فان هذه التقنية
التي تعرف بالطباعة الثلاثية الأبعاد تدخل في مجالات انتاجية عديدة بل وتشمل الطب
والفضاء وتحسن جودة المنتج بالجمع بين التصميم والتصنيع كما تخفض من تكلفته وتشكل
المدخل الجديد لعالم المستقبل.
ومن قبل اصدر كريس اندرسون كتابه "الذيل الطويل" الذي نحت فيه ايضا مصطلحات جديدة
مثل "اسواق المشكاة او الكوة الجديدة للفرص التي تتيحها شبكة الانترنت " فيما تستعيد
الذاكرة الطازجة كتاب "من يملك المستقبل ?" لمؤلفه جارون لانيير.
وجارون لانيير عالم كمبيوتر وصاحب فتوحات في دنيا الحاسوب ومثقف مهموم باشكالية الافتقار
للعدالة المعلوماتية في عصر الاقتصاد الرقمي وانعكاسات هذه الاشكالية بما
تنطوي عليه من "استعمار او امبريالية معلوماتية جديدة "على المستقبل .
وقد نحت جارون لانيير في هذا الكتاب الذي اثار جدلا ثقافيا كبيرا في الغرب مصطلح "نظام
الاقطاع المعلوماتي" الذي يحقق مكاسب مالية كبيرة للفئة المالكة بجشعها المفترس
للعبيد او الأقنان في هذا النظام الجديد بظلاله المستقبلية القاتم.
وتعرض جارون لانيير لقضايا مثل مآلات القيمة الاقتصادية ومساراتها في عصر المعلومات
فيما المعلومات تتجاوز من حيث اهميتها للاقتصاد اهمية العمالة البشرية ويناقش كذلك
اهمية المعلومات التي يولدها الانسان المعاصر ذاتيا والتغير في مفاهيم انسان
العصر الرقمي مثل مفهوم السعادة.
ونحن!..اين نحن من هذه المتغيرات الخطرة في العالم والاقتصاد الرقمي?!..هذا عام نلمح
في نهايته البشارة لمصر لأن الحياة غلابة والأمل القائم على المعرفة وثقافة الابتكار
وقود الى مستقبل قادر على زمانه كما ان هناك تاريخا لدى هذا الشعب يزكي ويرجح
ويطمئن المتشوقين بلهفة لما ينتظرونه باستحقاق.
لكن ثمة حاجة واضحة لمستويات جديدة من النضج والانضباط والمسؤولية الجماعية لبناء
مستقبل مصري ولاوقت نضيعه في المتاهة الخرساء رغم الضجيج الظاهر حتى لانستجير في
انتظار رحمة الامبريالية الجديدة في العصر الرقمي.
بالعقل الحر والفكر المبدع وبثقافة الابتكار والأمل والعمل تنفتح نوافذ النور وشرفات
الأمل في نهاية هذا العام في مصر لتبدأ في جني ثمار ثورتها الشعبية بموجتيها في
25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وتتجسد خيارات العدل والحرية في ارض الكنانة.