القاهرة 16 ديسمبر 2014 الساعة 02:13 م
والطريف أن قصة التوظيف الغربي للإسلام في العمل السياسي ، قد بدأت فصولها مبكرا ضد دولة الإسلام " دولة الخلافة " .. وأمامنا محاضر جلسات مجلس الوزراء البريطاني في يوم 25 / 11 / 1914 وعلى مدار ثلاث جلسات ، وكانوا يتحدثون عن تركيا والخلافة الإسلامية والمسلمين، وأعرب "كتشنر " وزير الدفاع في الحرب العالمية الأولى ، عن خشيته من استخدام الجيش البريطاني للجنود الهنود المسلمين في الحرب ضد تركيا، إلا إذا صدرت فتوى إسلامية يتولى أمرها أمراء وزعماء القبائل العربية ، تبيح القتال ضد من يقف مع الألمان ومحور الشر، وكان لدى بريطانيا وحدة في الجيش من الهنود والبنغال المسلمين !! ومنذ منتصف الأربعينيات تواطأت الحكومات البريطانية المختلفة مع القوى الإسلامية الراديكالية .. ولتحقيق هذا الهدف شجعت بريطانيا تيارات الإسلام المتشدد ورموزه ، ومنهم " أبو الأعلى المودودي " صاحب نظرية " الحاكمية لله " !!
ونظرية " توظيف الإسلاميين " بدت وكأنها ميراث من الإمبراطورية البريطانية التي انسحبت من المنطقة وسلمتها للولايات المتحدة الأمريكية التي تعلمت الدرس ، ووظفت الإسلاميين الجهاديين في أفغانستان لضرب السوفييت ، وإذا كان تحالف " الإسلامجية " والأمريكان في أفغانستان قصة معروفة، فما لا يعرفه كثيرون أن الولايات المتحدة سهلت ودعمت إيفاد كثير من هؤلاء المجاهدين للمشاركة في حروب البلقان وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى والمناطق الإسلامية في الصين ..
.....
والقصة مفتوحة .. وفصولها تتداعى حتى هذه اللحظة .. وإن كان اختراع " الإسلام السياسي " الحديث ، قد جرى على أيدي مستشرقين إنجليز لخدمة السلطة البريطانية في بداية الأربعينيات من القرن الماضي ، وتم تمريره إلى " أبو الأعلى المودودي " الباكستاني ، وقد تبناه وبشر به ، وخلاصة منهج "المودودي" أن المسلم لا يصح أن يعيش في دولة غير إسلامية ، وبذلك مهد لتقسيم الهند بانفصال باكستان عنها، وهو ما يصب في صالح بريطانيا العظمى التي كانت على وشك الرحيل عن الهند بعد استقلالها عام 1947 وتريد الاحتفاظ بجزء من شبه القارة الهندية ممثلا في باكستان !! وبعد أن انتقل الميراث في المنطقة من بريطانيا إلى القوة الجديدة الصاعدة " أمريكا " ، لم تتأخر كثيرا في كشف أبعاد لعبة " توظيف الإسلاميين " وأنفقت عقودا في رعاية " الإسلامجية " ودعمهم ، والتلاعب بهم ، لتحقيق أهداف النفوذ السياسي في المنطقة !! والنفوذ السياسي ، وفي جانب كبير منه ، يعتمد على تيسير تنفيذ الأجندة الأمريكية ، وبالضرورة كانت الحاجة إلى جهد الإسلاميين للقيام بالمهمة :
• ولا تزال قصة رئيس الحكومة الإيرانية "محمد مصدق" نموذجا، حين حاول تأميم شركة النفط البريطانية ـ الإيرانية ، فقررت بريطانيا والولايات المتحدة الإطاحة به عن طريق دعم ما وصفوه وقتها بـ " ديكتاتور " مستعد لتسوية مسألة النفط بشروط معقولة، وكان الديكتاتور هو " آية الله سيد كاشاني " الذي نظم أتباعه المتشددون احتجاجات واسعة مهدت الطريق لانقلاب 1953، الذي جاء بالشاه الموالي للغرب ، وتتلمذ على يدي " كاشاني " آية الله الخميني، الذي أطاح بالشاه عام 1979، ومن الطريف أن الولايات المتحدة دعمت " الخميني " اعتقادا منها أنه زعيم إسلامي معتدل يمكن التفاهم معه !! وبنفس الرؤية ــ تقريبا ــ ساهمت الولايات المتحدة في تأسيس كتلة إسلامية من شمال أفريقيا إلى باكستان وأفغانستان ، ودعمت إنشاء رابطة مسلمي العالم ، وغيرها من المنظمات التي شكّلت جوهر الإسلام السياسي في العالم ، ويرى سياسيون أمريكيون ــ وأعتقد أن ما يقولون به صحيح ــ أن إمبراطورية أمريكا في الشرق تقوم على عدة دعائم إحداها الإسلام السياسي !!
• وفي إندونيسيا ، دعم الغرب الجماعات الإسلامية المدربة والمسلحة من قبل الجيش الإندونيسي لارتكاب مذبحة إندونيسيا الشهيرة التي راح ضحيتها نحو مئة ألف شيوعي، وهناك من تجاوز الرقم في تقديراته إلى نحو مليون شيوعي عام 1966، إلا أن أشهر صور التعاون بين الغرب والإسلاميين كانت في أفغانستان بعد غزو الروس لها عام 1979، وسعت الـ " CIA " والمخابرات الباكستانية، في هذه الفترة، للعمل بشكل وثيق مع تيارات إسلامية مختلفة، ومنها إخوان باكستان المعروفون باسم "جماعة الإسلام" بهدف استنزاف "الجيش الأحمر" هناك، وجعل هذا التعاون من الولايات المتحدة، فيما بعد، متهما بإطلاق شيطان الجهاد الإسلامي المسلح، إلا أن كثيرا من السياسيين الأمريكان رأوا التعاون فكرة عبقرية لا يقلل منها وجود آثار جانبية مثل ميلاد تنظيم القاعدة!! وإن كنت أتصور أن تنظيم القاعدة " صناعة " وليست آثارا جانبية، ويكفى ما قامت به من دور " ترسيخ مفهوم الإرهاب الإسلامي" وأن تصبح الإسلاموفوبيا هاجسا يضرب صورة الإسلام الحنيف!!
وسعت الولايات المتحدة لـ " شيطنة " وتجريح كل الأفكار والأيديولوجيات التي يمكن أن تهدد الأجندة الأمريكية والنفوذ الغربي في المنطقة ، مثل التيارات القومية واليسارية والاشتراكية، وكانت هذه الأفكار هي أيضا أكثر ما يخشاه الإسلاميون، وتم توظيفهم لضرب الحركات القومية في العالم العربي، ودول العالم الثالث، التي كانت تمثل تهديدا مباشرا لمصالحها، وبعد حرب أكتوبر 1973 بدأ الأمريكان يتحدثون مع السادات عن ضرورة وجود التيار الديني، وحتى بدأت المفاوضات في استراحة "جاناكليس" بالإسكندرية في عام 1974 برعاية أمريكية، وحضور كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية، والسادات، والرجل الخفي في الإخوان عبد المجيد حلمي، وكان وقتئذ نائب رئيس شركة المقاولون العرب، وهي الصفقة التي عقدت لمواجهة الشيوعيين والناصريين كما تمت تسميتها، وإن كانت المخابرات الأمريكية أكثر صراحة في تحديد الأجندة وهي : مقاومة " فيروس " القومية العربية، فالإسلاميون يحملون عداء فكريا ومذهبيا للقومية العربية التي تتنافى تماما مع فكرة الأمة الإسلامية!!
.....
.....
وإذا كانت الصفحة الأولى من سجل العلاقات " الأمريكية ــ الإخوانية " ، تبدأ منذ آواخر الأربعينيات من القرن الماضي ، كميراث إنتقل إلى القوة العظمى الجديدة الصاعدة ( أمريكا ) من القوة العظمي الغاربة والمنسحبة من المنطقة ( بريطانيا العظمى ) .. وبعد أن تسلمت الولايات المتحدة الأمريكية الميراث كنوع من الأدوات التي يمكن إستخدامها ، أو هي صالحة بالفعل للإستخدام ، كما إستخدمتها بريطانيا ضد الأفكار الوطنية والقومية في المنطقة ، بدأت الدراسات الأمريكية حول التيارات الإسلامية الموجودة في الإقليم العربي ، ولها تواجد شعبي ، وتتمسح في الإسلام ، لإستخدامهم في الفترة المقبلة !!
وفي الصفحة الأولى ، تبرز تحركات الإتصالات والعلاقات ، خاصة في عام 1953 .. ولكن من المهم أن نرجع إلى الصفحة الأخيرة من سجل العلاقات " الأمريكية ــ الإخوانية " وفي تلك الصفحة لم نلتفت كثيرا إلى معان ودلالات الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي " أوباما " إلى القاهرة 4/6/2009 وبدأها بزيارة مسجد السلطان حسن ، ورفض إرتداء الخف المخصص للسياح ، واكتفى بالجوارب ، ثم اتجه إلى جامعة القاهرة ليلقي خطابه الشهير الذي استشهد فيه بآيات قرآنية في ثلاث مواضع .. وزيارة المسجد ، والخطاب في جامعة القاهرة ، كانا موجهين للعالم الإسلامي ــ وتحديدا كما ذكرت مراكز دراسات وأبحاث أمريكية ــ إلى التيار الإسلامي " المعتدل " ، فمسجد السلطان حسن رمزا للحضارة الإسلامية ، وجامعة القاهرة رمزا للعلم والحداثة ، ومن عاصمة إسلامية " القاهرة " التني تمثل قلب العالم العربي ، وفي نفس الوقت إحدى القوى الأساسية في عملية السلام مع إسرائيل !! وهذه اللفتة من أوباما تجاه التيار الإسلامي ، قد سبقها تعيينه أول مسلمة محجبة في البيت الأبيض " داليا مجاهد " مستشارة للرئيس أوباما للشئون الدينية الإسلامية ، ضمن المجلس الإستشاري الخاص بالأديان ، وكانت ترأس مركز غالوب للدراسات الإسلامية ، وفي أول تصريح لها في 9/4/2009 قالت أن مهمتها مركزة على إطلاع الرئيس " أوباما " كيف يفكر المسلمون ، وماذا يريدون من الولايات المتحدة ، وأن الرئيس أوباما قرر توظيف عدد من المسلمين في البيت الأبيض ، ولكن في مراكز ليست رفيعة !! وبدأت الدوائر الإعلامية والبحثية في الولايات المتحدة ، تراقب التوجه الجديد للإدارة الأمريكية تحت رئاسة أوباما ، خاصة وأن الجذور العائلية للسيدة داليا مجاهد ، تؤكد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين !! والطريف ــ حقا ــ ما ذكرته تلك المراكز البحثية عن الشكوك الأمريكية لدى قطاع عريض من الرأي العام الأمريكي بأن الرئيس " باراك حسين أوباما " لديه ميراث من التوجه الإسلامي ، ومنذ نشأته الأولى في "أندونيسيا " مع والده المسلم حسين أوباما ، وأن جده " أوباما " يحمل الإسم الحقيقي " أبو عمامة " وينطق " أبو إمامة " وحّرف إلى " أوباما " وأن توجه عائلته في كينيا ، يرتبط بفكر التيار الإسلامي "الإخواني " وأن مالك حسين أوباما ، الأخ غير الشقيق للرئيس الأمريكي " أوباما " تربطه صلة وثيقة بتنظيم الإخوان ، وبحكم عمله موظفا لدى مؤسسة خيرية إسلامية ، مسجلة للقيام بأعمال السلام والعمل الخيري في كينيا ، وتم رصد علاقاته وإتصالاته مع حكومة العدالة والتنمية في تركيا ، وهو مسؤول إستثمارات الإخوان في أفريقيا .. وقد نفى " مالك أوباما " صلته بالإخوان ، ولكن الشكوك بقيت قائمة!!