القاهرة 11 ديسمبر 2014 الساعة 03:30 م
سرب "إداورد سنودن" العميل السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكي بعض المعلومات الخطيرة، التي تؤكد أن داعش صناعة ثلاثية من المخابرات المركزية الأمريكية(CIA)، والمخابرات البريطانية، والموساد الإسرائيلي !
وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه المعلومات مفاجئة، فلقد أكدت منذ مدة طويلة، بأن تنظيم داعش صناعة أمريكية، ولم تجد الإدارة الأمريكية إلا هو، لإستكمال مخططها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد فشل ما يسمى بالربيع العربي، والتي كانت تنتظر منه أمريكا نجاح حلمها في تكوين الشرق الأوسط الجديد.
وقد ذكر "سنودن" أن الدول الثلاث التي صنعت تنظيم داعش، تهدف إلى إحداث الفوضى داخل الوطن العربي، بما ينعكس بالإيجاب لصالح الأمن القومي الإسرائيلي، وقد ذكر أيضا أن هذه الدول الثلاث ينسقون فيما بينهم لإدارة الإرهاب حول العالم، ضمن استراتيجية جديدة تسمى "عش الدبابير"، وأن داعش يعد أهم عناصر هذه الاستراتيجية الجديدة، بقصد نشر الفوضى، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وما يثير الشكوك حول وجود تنظيم داعش، وأنه صناعة أمريكية صهيونية، وأنه ضمن استراتيجية جديدة، تهدف إلى تقسيم الوطن، والقضاء على أمنه، واستقراره، يمكننا عرض ما يلي :
أولا: وقت ظهور هذا التنظيم: هناك تساؤل مهم يطرح نفسه، وهو : لماذا لم يظهر تنظيم داعش إبان أحداث ما يسمى بالربيع العربي؟!
فلقد كان المناخ العام مهيئاً، حيث قد كانت معظم الدول العربية مشغولة بأحداثها الداخلية، والمظاهرات التي قد كانت تجوب شوارعها، وميادينها، سواء من أوفياء، ووطنيين يريدون بالفعل الإصلاح، أو من مجموعة من العملاء، والخونة، الذين كانوا يريدون إسقاط الدول، وليس إسقاط الأنظمة !
وبمنطق توظيف الأزمات، واستثمارها، لخدمة أغراض الدول الصانعة للتنظيم الداعشي، فقد كان الوقت مناسباً، لظهور هذا التنظيم أثناء أحداث ما يسمى بالربيع العربي، وأن يتم استغلال انشغال الأنظمة بالمخططات التي كانت تُحاك لهم، لتتم سيطرة داعش على ما تريد السيطرة عليه !
ولكن لم يكن يعلم الأمريكان، وحلفاؤهم، بأن الرياح ستأتي بما لا تشتهي السفن، وأن الربيع العربي سيفشل، ولو كانوا يعلمون، ويتنبئون بذلك، لأظهروا داعش إبان أحداث ما يسمى بالربيع العربي، ولكنهم قد كانوا على يقين، بنجاح الأحداث المدبرة في كافة الدول العربية، للعمل على إعادة تقسيم الوطن، إلى عدة دويلات، مبنية على أسس طائفية، وأن مخطط سايكس بيكو، سيعود، ويطبق مرة أخرى، ولكن برؤى، تكون أسوأ مما قبل، حتى لا تقوم للوطن أي قائمة مرة أخرى !
وبعد فشل المخططات الأمريكية الصهيونية في نجاح ما يسمى بالربيع العربي، بدأ البحث عن خلق استرتيجية جديدة، تعوض ما لم يحققه هذا الربيع، ومن هنا كانت استراتيجية "عش الدبابير"، لإحداث، ونشر، الفوضى، بالعالم كله، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، لتمزيق خريطته.
ثانيا: لغز أبو بكر البغدادي : فقد كان معتقلا في السجون الأمريكية، فكيف خرج منها؟! ولماذا؟! وهل لم تتبعه المخابرات الأمريكية، وتعلم خط سيره؟! ومَن الذي تولى تدريبه؟! وأين تم تدريبه؟! وهل كانت أجهزة المخابرات الأمريكية، والبريطانية، والصهيونية، لم تكن تعلم، أو تتمكن، من معرفة توجهات البغدادي، وما الذي ينتوي فعله؟ّ!
تلكم عدة تساؤلات، تدعونا إلى القلق، والشك، والريبة، من التصرفات الأمريكية، وتدعونا إلى تصديق ما سربه "سنودن"، وما تداولته بعض المواقع الالكترونية، بأن جهاز الموساد هو الذي درب البغدادي، وأعده لقيادة داعش، للقضاء على الأقليات، وتشويه صورة الإسلام، ونشر الإرهاب، والرعب، في كامل أرجاء المنطقة.
ثالثا: غرابة الموقف الداعشي من العدو الصهيوني: هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها في هذا الصدد، فأين الموقف الداعشي من العدو الصهيوني، الذي ينتهك يوميا حرمة الأقصى، ويسفك حقوق الشعب الفلسطيني؟! وهل الأولى بالجهاد، والمقاومة، هو جهاد، ومقاومة، العدو الصهيوني، أم قتل الزيديين، وتهجير المسيحيين، والإعتداء على أعراضهم؟! فأين إسرائيل من خريطة الحرب الداعشية؟! فهل اقتصرت حربهم على غير المسلمين، أو على المسلمين أنفسهم المختلفين معهم في الرأي؟!
فموقف داعش من إسرائيل يثير القلق، ويضع العديد من علامات الاستفهام، فقد كان الأولى إعلان الحرب على إسرائيل، لتحرير القدس، وهنا ستهلل كافة الشعوب العربية للتنظيم الداعشي، وستقدره، لما يعزم الإقدام عليه، ولكن للأسف الشديد، قد خاب ظن المواطن العربي في هذا التنظيم، وتأكد على وجه اليقين، أن أمن إسرائيل هو المستفيد الأول من وجود هذا التنظيم، وأن الفوضى، وعدم الاستقرار، والإرهاب، وعدم الأمان، هم المصير المنتظر للشعوب العربية، وأن ضياع القدس قد يأتي في الطريق !
رابعا: استراتيجية الحرب على داعش: حيث وجدنا الإدارة الأمريكية تعلن أن الحرب على داعش لا تنتهي سريعا، وأنها قد تطول لمدة طويلة !
وهنا تذكرت موقف الإدارة الأمريكية من الجيش العراقي الذي سقط على أيديها في غضون أيام، رغم قوته، وتاريخه العسكري، الذي يفوق كثيرا تنظيم داعش، كما تذكرت سقوط نظام القذافي وجيشه في بضعة أيام، فهل تنظيم داعش يُعد أقوى من هذه الجيوش، أم أن للإدارة الأمريكية رأي آخر؟!
ولماذا اختارت الإدارة الأمريكية استراتيجية الحرب الجوية على داعش؟! رغم أنها تعلم جيدا أن ضرب بعض المواقع بالطيران، ليس كافيا للقضاء على داعش، وهي تعلم جيدا أن هذا التنظيم، قد تلقى تدريبات على أعلى مستوى، ويحتاج القضاء عليه، ضرورة وجود قوات برية.
ولكن بين كل حين وآخر، تصرح الإدارة الأمريكية بأنها لن ترسل قوات برية لمحاربة تنظيم داعش، وأعتقد أن ذلك يعد تعمد واضح، لإطالة أمد الحرب على هذا التنظيم، واستمرار حالة الفوضى داخل الأراضي العربية.
ولا شك أن الإدارة الأمريكية ترغب في استمرار الحرب على داعش، وهي التي تعلم على وجه اليقين كيف يتم تسليح تنظيم داعش؟! ومَن يمول هذا التنظيم؟! وكيف يتم ذلك؟! ولكنها تغض الطرف عن كل ذلك، بقصد تحقيق أكبر استفادة ممكنة، كالحصول على مصادر الطاقة، وأخذ الشعوب العربية إلى طريق الحروب، والصراعات، وتوجيه الاقتصاد الوطني، إلى هذه النزاعات، بدلا من توجيهه إلى عمليات البناء، والتنمية، والرخاء، والتقدم.
كما أن في استمرار استراتيجية "عش الدبابير"، ما يحقق الأمن لإسرائيل، ويمهد الطريق لها، لفعل ما تشاء على الأراضي الفلسطينية، في ظل أن السلاح موجه لقتال بعضنا البعض، وليس موجهاً لمقاومة العدو الصهيوني، وطرده من الأراضي المحتلة.
كما أن الإدارة الأمريكية ترى أن في استمرار الحرب على داعش، استمرار لوجودها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يمثل كسب لأوراق جديدة، ومهمة، تلعب بها، في مواجهة الصعود الروسي، أو الصيني، أو غيرهما، من الدول التي تخشى أمريكا، من منافستها على قمة المجتمع الدولي.
والسؤال المهم في هذا الإطار، وفي ظل هذه الأوضاع الخطيرة، هو : ماذا نفعل نحن العرب لمواجهة "عش الدبابير"؟! فهل نترك إدارة المعركة للإدارة الأمريكية، لتلعب بالمنطقة كيفما تشاء، وتستمر في صناعة الأزمات، وتوظيفها لخدمة أغراضها؟!
أعتقد أن الإجابة واضحة، ولا تحتاج إلى بيان، فلا ينبغي أن نترك التحكم في مقدراتنا للإدارة الأمريكية، وألا نعتمد عليها فقط في مواجهة داعش، وغيره من التنظيمات، ولكن يجب أن نتكاتف، ونترك خلافاتنا جانبا، وأن نضع استراتيجية جديدة، وقوية، لمواجهة استراتيجية "عش الدبابير"، والقضاء عليها، وعدم إعطاء الفرصة مرة أخرى، لظهور سايكس بيكو جديدة، تعمل على تقسيم الوطن.
دكتور شحاتة غريب
أستاذ بكلية الحقوق-جامعة أسيوط وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية
dr_chehata@hotmail.com