القاهرة 04 ديسمبر 2014 الساعة 04:02 م
ميرفت عياد
اعتبر نقاد أن رواية عمار علي حسن الأخيرة "السلفي" حكاية شعبية جاذبة عن النزال الضروس بين التنوير والسلفية، وبين الحداثة والماضوية، تأتي في زمانها ومكانها، وتستعيد التدين المصري المعتدل في وجه التطرف والإرهاب.
جاء ذلك في إطار ندوة استضافتها لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة وحضرها أدباء ونقاد وإعلاميون وعدد كبير من القراء قال الكاتب والناقد ربيع مفتاح، الذي أدار الندوة، إن "السلفي" يدخل بها صاحبها "عش" الدبابير" وهو يقدر خطورة ما يفعل جيدا، لكنه لا يتوارى ولا يتهاون، بدءا من عنوان الرواية مرورا بأحداثها وشخصياتها والحوار الدائر بينها.
وأضاف "نحن أمام صراع درامي جذاب يكسر أفق التوقع ويقدم فنا يتوسل بتقنيات الرواية متجاوزا تقليديها إلى تجديد في البناء والتناول".
وقال د. سيد ضيف الناقد ومدرس اللغة العربية بالجامعة الأمريكية "نحن أمام مغامرة روائية حاولت أن تقيم مناظرة بين موقفين ورؤيتين في الحياة، في مسار منولوجي يمزج الواقع بالخيال".وتابع "السرد هنا لا ملل فيه، ويتماهى مع الحكي الشعبي الثري، ولا يعتمد على تطور الحدث في صنع جاذبيته، ولكن على كيفية وقوع الحدث، وكيف يمكن توظيفه دراميا".
واعتبر ضيف أن الحكي في الرواية المفتوحة على تأويلات متعددة، هو وسيلة الأدب لاستعاده ابنه الذي خطفه الإرهابيون وأخذوه إلى صحاري أفغانستان، وهو طريقته في التكفير عن ذنبه، لأنه أهمل ابنه فوقع في براثن التطرف الديني".
وأكد أن الرواية تفهمنا دون أن تقول ذلك صراحة إن التعايش بين خطاب التنويرين وخطاب المتطرفين والماضويين يبدو مستحيلا".
ثوب فني ممتع
من جانبه وصف الشاعر والناقد شعبان يوسف البنية الروائية في "السلفي" بأنها "شديدة العمق، وذكية سرديا، وتستدعي ثيمات اجتماعية تظهر الطريقة المصرية في التدين، ولا تبخل بتقديم المعرفي في ثوب فني ممتع"
وقال يوسف "الرواية تستفيد من عالم الريف الزاخر بالشخصيات الثرية والأبعاد الإنسانية، وتنحاز إلى قيم الحرية والمساواة والعدل، المضمرة فيها بشكل يتيح لنا أن نضع أيدينا عليها إن أمعنا القراءة".
وقالت الكاتبة ابتهال سالم "السلفي تفضح التناقض الذي نعيشه مجسدا في شكل درامي ذي مستوى عالي جدا، وتطرح تساؤلات جوهرية عن حياتنا المعاصرة، يستفيد كاتبها مما يمتلكه من تقنيات روائية ومعرفة بموضوعه وشخصيات روايته".
الأسطورة وأنمادط التدين الشعبي
وقال الناقد أسامة ريان "الرواية تستعيد الأسطورة وأنمادط التدين الشعبي، وتقدم القرية كمجتمع آمن، أو حالة إنسانية في و
جه التطرف الديني، عبر راو عليم يجيد التعبير عما يريد أن يقوله، ولديه قدرة على محاورة المختلفين معه".
من جانبه قال د. حسين علي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس "نحن أمام عمل جسور هذا زمانه ومكانه، يقدم في لغة ممتعة وجذابة، ويستفيد صاحبه من خلفتيه المعرفية وانحيازه لقيم الحداثة والتنوير".
وتقع الرواية في نحو ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، وبتجديد في الشكل، حيث تتلاحق أحداث الرواية عبر إحدى وعشرين عتبة، وتنتهي بمفارقة قد لا تخطر على ذهن القارئ وهو يلهث عبر سطورها ليجمع في رأسه أطراف حكاية تراوح بين الواقع والخيال.
صورة سحرية
تمزج الرواية بين "صورة سحرية" تجسدها نبوءة شيخة صوفية تعيش في القرية وبين واقع مقبض فرض نفسه على الحياة الاجتماعية في مصر خلال العقود الأخيرة نظرا لتصاعد نفوذ تيار ديني تقليدي بصوراته وقيمه، ليسرد معاناة أب يعمل محاميا ويؤمن بأفكار عصرية مع ابنه الجامعي الذي تسلل السلفيون الجهاديون إلى عقله وجندوه ليأخذوه معهم في الحرب التي خاضوها ضد الروس في أفغانستان، وبعدها ينضم إلى فصيل من تنظيم القاعدة.
وبعد أن أعيت الحيل الأب في استعادة ابنه عبر كل الطرق المعروفة، مما أدى إلى إصابته بالفصام، يتذكر نبوءة قديمة لعبدة صالحة كان الكل في قريته يعتقد في كراماتها ذكرت له فيها إنه لن يستعيد الغائب، روحا أو جسدا، إلا إذا مر بكل عتبات بيوت القرية ليشرح له منابع التدين المعتدل الذي تعلمه الأب في الصغر، والذي لا يزال يؤمن به.
وفي طوافه عبر البيوت يستعيد الأب كل مسرات أصحابها وأوجاعهم، سواء من بقي منهم على قيد الحياة أو من رحل تاركا وراءه حكايات صغيرة تتناسل بلا هوادة عبر نص شاعري، ينتقل بنا من القرية إلى المدينة ذهابا وإيابا.
ويتخيل الأب أن ابنه يصاحبه في طوافه هذا فيدخل معه في حوار عميق حول الفرق بين التصورات الدينية المعتدلة لأصحاب كل هذه العتبات، والتي ذابت في حياتهم البسيطة من دون تكلف ولا ادعاء، وبين التشدد الذي يعشش في رأس الابن، وجعله يتحول إلى قاتل محترف وهو يظن أنه يجاهد في سبيل الله.
تسعة ملامح في رواية السلفي
وفي دراسة بعنوان "تسعة ملامح في رواية السلفي" يرى د. كريم عهدي، وهو كاتب وناقد مصري، أن الرواية تمضي عبر إحدى وعشرين عتبة، تشمل إحدى وعشرين شخصية تتنفس في فضاء الذاكرة والذكرى، تولد وتنمو وتحب وتكره وتتسامى وتتهاوى وتضل وترشد وتسلك طرقاً شتى وتلاقي موتها في أركان المعمورة.. لتكتمل الحكاية، ولتكتمل اللعبة.. لعبة بدأها الراوي نفسه حين تلقى نبوءة مبكرة حول عتبات غامضة.. فصنع جدوله الأبدي من خانتين فقط.. عتبة مغلفة بالرموز والأسرار.. وقبالتها اسم لإنسان وسيرة تضيء جزءاً من عتمة المشهد".
ومضى كريم "إحدى وعشرون عتبة، يمكن لنا أن نراها عبر العمل الروائي عتبات أفقية تلتف حول ذاتها، لتعود من حيث بدأت، متوسلة بغواية الدائرة، ففي المكان الذي تبدأ منه الحكاية إبحارها ترسو، ربما لتُبحر من جديد، في تواصل لا نهائي، وهي في حقيقتها كل متحد، يسعى بعضها إلى بعض في وجد، إلى أن تلتئم أوصالها، في لحظة للتجلي والاكتمال".
ويصف الناشر الرواية بأنها "غير تقليدية" ويقول:"بطلها غائب حاضر، وراويها حاضر غائب، نسير فيها من عتبة إلى أخرى عبر أزمنة لا تكتسب أهميتها من ذاتها إنما من الأماكن التي يطوف بها الراوي، حاملا على كتفيه، نبوءة قديمة، ومتحدثا إلى ابنه السلفي، الذي اختطف روحه الجهاديون، ليحارب معهم في بلاد غريبة، ويحاول الأب المكلوم استعادته من صحاري الدم والهلاك"
يشار إلى أن "السلفي" هى الرواية السادسة لعمار على حسن بعد "شجرة العابد" و"سقوط الصمت" و"حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف"، علاوة على ثلاث مجموعات قصصية هي "عرب العطيات" و"التي هي أحزن" و"أحلام منسية".