القاهرة 04 ديسمبر 2014 الساعة 02:41 م
كتب: مجدي أحمد
يحتفل العالم لأول مرة غدا باليوم العالمي للتربة, ففي 20 ديسمبر 2013 اتخذت الجمعية
العامة للأمم المتحدة القرار 232/68 للاحتفال يوم 5 ديسمبر باليوم العالمي للتربة
لأول مرة, فالتربة هى الأساس الذي تقوم عليه التنمية الزراعية والوظائف الأساسية
للنظام الإيكولوجي والأمن الغذائي, ومن ثم فالتربة عامل أساسي لاستمرار الحياة
على وجه الأرض, وإذ تسلم بأن استدامة التربة عامل أساسي في مواجهة الضغوط الناجمة
عن تزايد أعداد السكان, وأن الاعتراف بأهمية الإدارة المستدامة للتربة والدعـوة
إلى تعزيزها ودعمها, يمكن أن يسهم في تهيئة تربة صحيحة, مما يسهم بالتالي في إيجاد
عالم ينعم بالأمن الغذائي ونظم إيكولوجية مستقرة ومستغلة على نحو مستدام, كما
سيلعن فيه انطلاق السنة الدولية للتربة لعام 2015.
وتعتبر التربة عنصرا أساسيا وهاما في نجاح ما يتم زراعته من نباتات وذلك لتأثيرها
المباشر على نمو النبات. ومن الضروري توفير التربة الزراعية الجيدة الغنية بالعناصر
الغذائية لضمان نمو النباتات المزروعة. لذا فإنه يجب دراسة خواص التربة ومنسوب
المياه السطحية في المواقع المزمع زراعتها ويشترط في التربة الزراعية الجيدة أن
تكون بالمواصفات التالية: درجة تركيز الحموضة حوالي 7 درجات, التوصيل الكهربائي للأملاح
الذائبة في محلول التربة أقل من 2500 ميكروموز/سم عند درجة 25 درجة مئوية,
الكلوريدات أقل من 200 جزء في المليون, كربونات الكالسيوم أقل من 5 % من وزن التربة
المجففة.
وتعتبر التربة الزراعية هى الوسط الذي تنبت فيه النباتات وتثبت جذورها وتحصل منه على
ما تحتاج لنموها من ماء وغذاء, والتربة الزراعية عبارة عن صخور أساسية أو ما تسمى
بالصخرة الأم المتفتتة بالإضافة إلى المواد العضوية والصخور الأساسية تتفتت إلى
ذرات ناعمة وهذه الذرات هى التربة التي يستعملها البشر في الزراعة وتفتت الصخور
بواسطة العوامل المختلفة.
كما أن التحليل الكيمياوي يحلل ذرات الصخور ويرسبها على شكل أتربة ناعمة وأعظم من
هذا في تفتت الصخور الأساسية هى التعرية الجوية ويتم ذلك بسبب تغيرات الحرارة الجوية
فعندما تكون درجة الحرارة مرتفعة تتكدد الصخور وعندما تنخفض درجة الحرارة تتقلص
الصخور مما يؤدي إلى تشققها وتفتتها, و كثيرا ما نرى هذه الحادثة في فصل الشتاء
البارد إذ نرى أن كثيرا من الأحجار الكلسية تتهشم ويتفتت وسبب ذلك هو تسرب الماء
إلى داخل الصخر من المسام, وعندما يتجمد الماء داخل الصخر بعد البرد الشديد يزداد
حجمه مما يؤدي إلى زيادة الضغط على الصخر من الداخل مما يؤدي إلى تفتته وهذا يحدث
أيضا عقب التبدلات الفصلية في الصيف والشتاء حيث تشتد الحرارة في الصيف وتشتد
البرودة في الشتاء.
وتتكون التربة الزراعية من حبيبات كبيرة من الرمال والحصي الصغيرة وحبيبات دقيقة ناعمة
من الطين وبها حبيبات صغيرة جدا داكنة اللون تسمى الدبال وهو عبارة عن بقايا
الكائنات التي تموت في التربة ويتم تحللها وتفتتها إلى حبيبات دقيقة وهو يزود النباتات
بالمواد اللازمة لنموها حيث تحلل إلى مواد بسيطة تذوب في الماء وتمتصها النبات
عن طريق الجذور.
وتتنوع أنواع التربة ما بين : التربة الرملية وهى بني فاتح خشن كبيرة مفككة لا تحتفط
بالماء; التربة الطينية وهى بني داكن ناعم صغير متماسكة تحفظ الماء; التربة الرملية
الطينية وهى تميل إلى أصفر ناعم متوسط أقل تماسك وتحتفظ بالماء.
وتعتبر التربة الرملية الطينية أفضل أنواع التربة الزراعية لكونها وسطا بين التربة
الرملية والترب الطينية. وتعتبر المناطق الزراعية التي تحوي مياها مالحة من الأراضي
الصعبة الزراعة باعتبار أن نسبة الملوحة في التربة تؤدي إلى إتلاف خلايا البذور
أثناء النمو.
إن التربة أساسية للإنتاج المحصولي, فبدون التربة لا يمكن إنتاج أي غذاء على نطاق
كبير, ولا يمكن إطعام الثروة الحيوانية. والتربة لأنها محدودة وهشة مورد ثمين يتطلب
عناية خاصة من مستخدميها. وكثرة من النظم الحالية لإدارة التربة والمحاصيل غير
قابلة للاستدامة. فمن جانب أدى الإفراط في استخدام الأسمدة في الاتحاد الأوروبي
إلى ترسب النتروجين مما يهدد استدامة نسبة من الطبيعة تقدر بما يبلغ 70 %. وعلى الجانب
الآخر في معظم أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, تعني قلة استخدام الأسمدة
عدم التعويض عن مغذيات التربة التي تخرج منها مع المحاصيل مما يفضي إلى تدهور التربة
وانخفاض الغلات.
وقبل اكتشاف الأسمدة النتروجينية المعدنية, استغرق بناء مخزونات نتروجينية في التربة
قرونا . وعلى النقيض من ذلك كانت الزيادة الهائلة التي تحققت في إنتاج الأغذية
في آسيا أثناء الثورة الخضراء ترجع بدرجة كبيرة إلى الاستخدام المكثف للتسميد المعدني,
إلى جانب تحسن الجبلات الوراثية وتحسن الري. كما ازداد الإنتاج العالمي لأسمدة
الأملاح المعدنية بنحو 350% , أي من 33 مليون طن الى 146 مليون طن بين 1961
و2002.
وكانت الأسمدة المعدنية مسئولة عن نسبة تقدر بما يبلغ 40 % من الزيادة في إنتاج الأغذية
التي سجلت على مدى السنوات 40 الأخيرة. وقد انطوت أيضا مساهمة الأسمدة في
إنتاج الأغذية على تكاليف كبيرة بالنسبة للبيئة. فحاليا, توجد في آسيا وأوروبا أعلى
معدلات لاستخدام الأسمدة المعدنية في العالم مقابل كل هكتار. وتواجه آسيا وأوروبا
أيضا أكبر مشاكل التلوث البيئي الناجمة عن الاستخدام المفرط للأسمدة, ومن بين
هذه المشاكل تحمض التربة والمياه, وتلوث موارد المياه السطحية والجوفية, وتزايد
انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الفعالة.
ولا يتجاوز حاليا مستوى كفاءة امتصاص النتروجين في الصين ما يتراوح من نحو 26 % إلى
28 % في حالة الأرز والقمح والذرة, ويقل عن 20 % في حالة محاصيل الخضر, أما الباقي
فهو يكون من نصيب البيئة ببساطة . وأثر الأسمدة المعدنية على البيئة هو مسألة
تتعلق بالإدارة, فإن كفاءة استخدام الأسمدة, لا سيما النتروجين والفوسفور, هى التي
تحدد ما إذا كان هذا الجانب من إدارة التربة نعمة للمحاصيل, أو نقمة للبيئة. ولذا
فإن التحدي يتمثل في نبذ الممارسات الحالية غير القابلة للاستدامة والتحرك صوب
رعاية الأراضي التي يمكن أن توفر أساسا متينا للتكثيف المستدام للإنتاج المحصولي.
وثمة حاجة في كثير من البلدان إلى تغيرات بعيدة المدى في ما يتعلق بإدارة التربة.
وتستند النهج الجديدة المنادى بها هنا إلى العمل الذي تضطلع به منظمة الأغذية
والزراعة" فاو" ومؤسسات أخرى كثيرة, وتركز على إدارة صحة التربة.
وقد حذر خبراء ومندوبون حكوميون في اجتماع بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة
"الفاو", من أن ثمة ضرورة عاجلة لاتخاذ إجراءات تعني بتحسين صحة موارد التربة
المحدودة في العالم ووقف التدهور المتفاقم للأراضي, إذا كان للأجيال القادمة أن
تحصل ما يكفيها من إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والمواد الخام. وأيدت الشراكة
العالمية للتربة (اسذ), وتضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية وغير الحكومية,
سلسلة من خطط العمل في مؤتمرها العام بمقر منظمة "فاو" في روما اليوم لحماية
موارد التربة التي توفر الأساس للإنتاج الزراعي العالمي. وتشمل التوصيات الصادرة
عن مؤتمر الشراكة العام تنفيذ جملة تنظيمات قوية ورصد استثمارات موازية لها من قبل
الحكومات, ضمانا للإدارة المستدامة للتربة وعلى نحو يساهم بفعالية في القضاء على
الجوع وانعدام الأمن الغذائي والفقر.
وقالت الخبيرة ماريا هيلينا سيميدو, نائب المدير العام لمنظمة "فاو", إن التربة هى
الأساس لإنتاج الغذاء والأعلاف والوقود والألياف, وبدونها لا يمكننا أن نضمن الحياة
على وجه الأرض; وحيثما تفقَد التربة لا يمكن تجديدها وفق جدول زمني بشري, ولذا
فإن تصاعد المعدل الحالي لتدهور التربة يهدد قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها.
وأضافت سيميدو, وهذا هو الدافع وراء إقرار خطط العمل العالمية للاستخدام المستدام
للتربة وحمايتها كإنجاز رئيسي. لكننا لا يمكن أن نتوقف هنا ونحتاج إلى التزامات من
البلدان والمجتمع المدني بغية تحويل المخططات إلى إجراءات, وهذا يتطلب إرادة سياسية
واستثمارات لإنقاذ موارد التربة الثمينة التي يعتمد عليها جل إنتاجنا من الغذاء.
وحذر الخبراء في الاجتماع من أن نطاق التربة المنتجة في العالم محدود, وتواجه التربة
ضغوطا متصاعدة بفعل مختلف الاستخدامات مثل زراعة المحاصيل, وأنشطة التحريج في
الغابات, والمراعي الحيوانية بشتى أشكالها, والتوسع الحضري, وكذلك إنتاج الطاقة,
واستخراج المعادن.
وتمثل التربة ما لا يقل عن ربع التنوع البيولوجي الحيوي على الصعيد العالمي, وتلعب
دورا رئيسيا في توفير إمدادات المياه النقية ودعم القدرة على التكيف المرن لأحداث
الفيضانات والجفاف. وتعتمد الحياة النباتية والحيوانية اعتمادا حاسما على إعادة
تدوير المغذيات الأساسية من خلال العمليات الطبيعية للتربة. بينما تتيح بعض أجزاء
من أفريقيا وأمريكا الجنوبية مجالا ممكنا للتوسع الزراعي وفقا لمنظمة "فاو", إلا
أن النمو السكاني العالمي المتوقع أن يتجاوز 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050, مما
سيؤدي إلى زيادات نسبتها 60 % في الطلب على الغذاء والعلف والألياف, وهذا سوف يلقي
بمزيد من الضغوط على موارد التربة المتاحة وفيما يفوق التوقعات المقدرة.
ويعاني نحو 33 % من رقعة التربة الكلية تدهورا يتراوح من "المعتدل إلى الحاد" بسبب
التلوث العام, والتآكل, ونضوب المغذيات, والحموضة, والملوحة, والتدمك, والإجهاد,
والتلوث الكيميائي. وتنعكس الأضرار التي تلحق بالتربة على سبل المعيشة, وخدمات النظم
الإيكولوجية, والأمن الغذائي, ورفاهية الإنسان سواء بسواء.
ففي إفريقيا, يحتمل أن يصلح ما يقرب من 30 % من الأراضي للزراعة, لكن تآكل التربة
ونضوب المغذيات لم تنفك تستنزف موارد هذه الرقعة. وفي الصومال مثلا, يصلح للاستزراع
الفوري 1,8 % فقط من الأراضي, لكن فقد التربة بفعل التآكل الحثيث في بعض المناطق
يتجاوز 140 طنا / هكتار / سنة. وفي أمريكا اللاتينية, يقدر أن التربة الطبيعية
القادرة على الزراعة المكثفة تحتل 25 % من رقعة القارة.
لكن تدهور التربة ما زال يشكل تحديا رئيسيا في الإقليم. ومنذ القرن 19, تناقص ما يقدر
بنحو 60 % من الكربون المختزن في التربة والغطاء النباتي نتيجة التغيرات في استخدام
التربة, مثل تطهير الأراضي للزراعة والمدن. ويحتوي المتر الأول من التربة
الطينية المنخفضة النشاط (كنموذج لأغلبية مناطق التربة في المرتفعات بالمناطق المدارية
الرطبة وشبه الرطبة) على ضعف كمية الكربون العضوي المختزن في الغطاء النباتي
لإقليم الأمازون. ومن خلال الممارسات وإدارة التربة غير المستدامة, من الممكن أن
ينطلق هذا الكربون إلى الغلاف الجوي, في ما سيفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وإذ تتأثر التربة بتغير المناخ, يمكن أن تؤدي أيضا إلى تفاقم سياقه الجاري. وعلى
سبيل المثال, يمكن للإدارة المستدامة لموارد التربة أن تؤثر إيجابيا على تغير المناخ
من خلال امتصاص الكربون والحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري, وكذلك من خلال
التخفيف من سياق التصحر الجاري في بعض المناطق.
وتشدد الشراكة العالمية للتربة, التي تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية
وغير الحكومية المعنية تحت إشراف منظمة "فاو", على الحاجة المتزايدة من جانب الحكومات
للحفاظ على التربة وتخصيص الاستثمارات اللازمة لها. وبهذا الهدف بالذات أعلن
عن إنشاء مرفق جديد لسلامة التربة والحفاظ عليها.
وقرر مجتمع التربة العالمي إرساء برامج دولية لتعزيز الإدارة المستدامة للأراضي, وحفظ
التربة واستصلاحها. وينبغي أن تستند التدخلات إلى تطبيق تكنولوجيات ملائمة وسياسات
مستدامة وشاملة للأطراف بحيث تضمن المشاركة المباشرة من جانب المجتمعات المحلية
في الإجراءات اللازمة لصون التربة.
وعلى وجه التحديد, ثمة حاجة واضحة إلى منح الأولوية لحماية أنواع التربة العضوية الغنية
بالكربون وإدارتها, ولا سيما أراضي الخث ومناطق الجليد الدائم. وسيجري إنشاء
نظام معلومات عالمي للتربة لقياس التقدم المحرز وتقدير حالة موارد التربة.
وعلى اعتبار أن ثمة حاجة ملحة إلى التوعية والتثقيف والإرشاد في مجال التربة, فمن
المقرر تنفيذ برنامج خاص لتنمية القدرات في هذا المجال. والمنتظر أيضا أن يصدر تقرير
لحالة موارد التربة العالمية, للمرة الأولى كدراسة رائدة, في 5 ديسمبر 2015.