القاهرة 28 نوفمبر 2014 الساعة 03:55 م
تسيطر مخاوف الإنتخابات البرلمانية القادمة على الساحة السياسية فى مصر .. الجميع خائف من المفاجأة التى يمكن ان تغير حسابات كثيرة .
. لا شئ تغير فى مصر حتى يمكن ان نفتح ابواب الأمل امام برلمان جديد نكمل به هذه المرحلة الإنتقالية من خارطة الطريق كل شئ مازال فى مكانه لم يتحرك .. لا نستطيع ان نقول ان الواقع المصرى قد تغير بصورة جذرية منذ ثورة يناير وحتى الآن .. لقد سقط العهد البائد وبقيت رموزه وسقط الإخوان وبقيت مؤامراتهم وتغير ثلاثة رؤساء وبقى السؤال وماذا بعد .. نحن امام منظومة يسودها الإرتباك فمازالت اشباح الماضى تدور فى كل مكان لتؤكد تأثيرها ووجودها .. ان اخطر ما يهدد مصر الأن ان هناك اطرافا كثيرة تشدنا للوراء وترفض ان يتحرك هذا الشعب ليأخذ مكانه ومكانته بين قوى المستقبل الصاعدة ..
لماذا يصر الإعلام المصرى على ان يحشد امامنا كل يوم صور واشباح ورموز العهد البائد فى إلحاح غريب .. ان هذا الغزل المشبوه بين الإعلام والعهد البائد يؤكد ان مصر لم تتغير وان رجال الأعمال الذين نهبوا اموال هذا الشعب فى زواج باطل بين رأس المال والسلطة قد خرجوا من السجون ولا احد يعلم مصير محاكماتهم او نتائجها .. يتبادلون المواقع الأن على الفضائيات ومواقع النت .. والسؤال هنا .. لأى شئ يمهد هؤلاء وهل هم عائدون واين القضايا التى حوكموا فيها والأحكام التى صدرت ضدهم ان عودة هذه الأشباح يثير تساؤلات كثيرة لدى المواطن المصرى .. والسؤال الأخطر اين جهاز الكسب غير المشروع واين عشرات بل مئات القضايا التى شملت اتهامات صريحة بنهب المال العام والإعتداء على اموال هذا الشعب .. اين القضاء من هذه الإتهامات ولماذا اغلقت الدولة هذه الملفات .. نحن لا نطالب بمحاكمات واحكام ظالمة ولكننا فقط نطالب بإسترداد أموال الشعب المنهوبة .. اين الأموال التى نهبها المسئولون السابقون من الوزراء وكبار المسئولين وما هو مصير الأحكام التى صدرت ضد هؤلاء واين اباطرة الحزب الوطنى واين جرائم الفساد السياسى والزواج الباطل .. هذه الملفات جميعها تم اغلاقها لأسباب غير واضحة .. ان من حق هذا الشعب ان يعرف مصير امواله التى نهبها هؤلاء .. ان هذا لا يعنى إغلاق الملفات الخارجية عن اموال هؤلاء فى البنوك الأجنبية .. ان صمت الحكومة عن هذه الجرائم يطرح الكثير من الهواجس والظنون .. هل قررت الدولة المصرية إغلاق هذه الملفات والتغاضى عنها .. وإذا كان ذلك صحيحا فهل من حق الحكومات ان تفرط فى اموال الشعوب .
ماذا لو عاد هؤلاء بأموالهم واقتحموا مجلس الشعب القادم وفرضوا سيطرتهم مرة اخرى على الشارع السياسى المصرى وهم يعرفون نقاط ضعفه واعادوا صور الماضى الكئيب فسادا وتحايلا واستهتارا
ان صورة القوى السياسية المفككة فى الشارع المصرى تدعو للحزن والأسى .. لا تستطيع ان تضع يديك على احزاب او رموز او اشخاص يمكن ان يشكلوا فريقا سياسيا يحسب له حساب .. ان معظم الأسماء المطروحة على الساحة فى منظومة العمل السياسى لا علاقة لها من قريب او بعيد بالشارع .. ان التاريخ لا يكفى فى مثل هذه الأحداث والمواجهات .. ان من بين هؤلاء اشخاص ورموز نعتز بتاريخهم الوظيفى والوطنى والتنفيذى ولكنهم لا يمثلون الحاضر امام اجيال تغيرت وواقع جديد يفرض نفسه هل يعقل ان تقضى القوى السياسية فى مصر اربع سنوات فى مفاوضات وحسابات لم تصل الى شئ غير انهم اتفقوا على الا يتفقوا .. ان حالة الفراغ السياسي فى الشارع المصرى يمكن ان تفتح الأبواب امام المغامرين واصحاب الأموال من قوى العهد البائد وهنا سيكون المال هو السلطان المتوج على انتخابات البرلمان القادم
لا يمكن ان نتجاهل موقف القوى الإسلامية فى الشارع المصرى رغم الظروف التى تعرضت لها وادت الى انهيارها وتفككها .. لا يمكن تجاهل ما بقى من فلول الإخوان المسلمين وامكانية العودة الى الشارع السياسى.. بل انه ليس من المستحيل ان تشهد الساحة تربيطات بين القوى الليبرالية المحبطة امام انتهاك ثورة يناير وما بقى من الإخوان .. ان كليهما يشعر بالفشل والإحباط امام ثورة لم تحقق اهدافها ولا اهدافهم هنا يمكن ان يلتقى مرة اخرى شباب الثوار المحبطين وشباب الإخوان المطاردين .. والشئ المؤكد ان هناك فريقا ثالثا تحاصره موجات الإحباط وهو المواطن المصرى الفقير الذى لم يجد فى الثورتين حلما يتوكأ عليه .. وهنا يمكن ان نجد اكثر من سؤال .. حين يقول وزير التموين ان رغيف الخبز سوف تحل ازمته بعد عام فهذا كلام يصيب الناس بالإحباط وحين تعرض وزارة الإسكان على الشباب سكنا متوسطا بسعر 600 الف جنيه للشقة فهى تدعو الناس للخروج الى الشوارع .. وحين تصدر الحكومة قرارا بوقف مرور سيارات النقل فى الشوارع ثم تتراجع فيه .. فهذه سلطة ينقصها الحسم .. وحين لا يجد المواطن الخدمات المناسبة فى المياه والكهرباء فنحن نحرك فيه كل دوافع الرفض والغضب .. هذه الجوانب جميعها يمكن ان تتجمع فى لحظة يأس وغضب وتغير كل الحسابات فى الشارع السياسى امام واقع حياتى ومعيشى لا يتغير ..
هناك اجيال كثيرة من الشباب تشعر بالحزن والإحباط وهى تشاهد امامها مجتمعا لا يتغير فى شئ .. ان غياب تكافؤ الفرص وتوريث الوظائف المهمة والبطالة .. واشباح الجوع والفقر التى تحاصر الجميع هذه كلها اسباب ترفع درجة الغضب فى نفوس الشباب .. حين يرث ابناء القضاه وظائف الآباء .. وحين توزع قطاعات الخدمات ابتداء بالكهرباء والصحة الوظائف على ابناء العاملين فيها .. وحين تكون الأعمال المهمة فى الدولة جميعها بالوراثة .. الأطباء يرثون مستشفيات الآباء .. ولاعبو الكرة يرثون الملاعب .. والإعلاميون يرثون الفضائيات والصحف .. واساتذة الجامعات يرثون مواقع ابائهم .. هذه الأبواب المغلقة تدفع الشباب دفعا الى تكسيرها و فى كل يوم تثار ازمة حول مسئول سابق او لاحق يتصدر المشهد ويحصل على جزء من الغنيمة كمستشار او مسئول او صاحب قرار وهناك آلاف الشباب الأكفاء يترنحون فى الشوارع باحثين عن فرصة عمل تخرج بهم الى الحياة .. ان الشئ المؤسف ان اساليب التحايل والوساطة مازالت تسيطر على القرار الحكومى هناك عشرات الأسماء التى تم تعيينها لأسباب شخصية فى مواقع مهمة وحين ثار الإعلام والرأى العام لم يجد هؤلاء قرارا يعيد الحق لأصحابه خاصة إذا كان مجرد قرار فردى لا يشاركه احد فيه فلم يكن اختبارا او مسابقة .
كان ينبغى ان تكون هناك قواعد سليمة للتعامل مع الفرص المتكافئةللمواطنين كل المواطنين خاصة ونحن نتحدث عن قيم غابت كثيرا عن حياة المصريين وهى العدالة
لا شك ان تأجيل القضايا فى المحاكم يصيب المواطن المصرى بحالة من الإحباط خاصة فى تلك القضايا التى يبقى فيها المواطن سجينا دون اتهام واضح وصريح وجريمة لا تقبل التأجيل امام آلاف الأشخاص الذين يقفون امام العدالة وهم يتساءلون متى يصدر القضاء احكامه .. ان ذلك يشمل المسجونين السياسيين .. وقضايا اخرى اجتمعت فى حالات الإنفلات الأمنى والفوضى والمظاهرات وهذه القضايا ينبغى ان ننظر اليها من مفهوم مختلف للعدالة .. إذا كان اللصوص الذين نهبوا اموال الشعب قد خرجوا من السجون وعادوا الى انشطتهم السابقة فى النصب والتحايل فكيف نحرم شابا غضب فى لحظة إحباط وضيق من عفو يعيد له حريته ليبدأ من جديد مشواره مع الحياة .. اعرف ان هناك اعدادا كبيرة من الشباب الغاضبين داخل السجون وليس من العدالة ان نحرمهم من حريتهم ونمنحها راضين للصوص الذين سرقوا اموال الشعب وحريته ان الحسم فى قضايا الأموال المنهوبة فى الداخل والخارج ومطاردة الهاربين منهم قضية لا ينبغى اهمالها او التفريط فيها ..
تبقى بعد ذلك الأزمات اليومية التى يعيشها الإنسان المصرى وهو يبدأ رحلة جديدة مع زمن جديد .. كان الصيف مرهقا مع ازمة انقطاع الكهرباء وكان المرور مرعبا مع الحوادث الدامية كل يوم .. وكان الزحام شديدا امام التخبط فى الميادين والشوارع والقرارات .. وكانت الحيرة شديدة مع رغيف الخبز ورحلته اليومية المتعبة وكانت الأسعار تمثل نيرانا تحيط بالأسرة المصرية فى غياب الرقابة الحكومية للسلع التموينية والخضراوات وجشع التجار وازمات الفلاحين مع متطلبات الزراعة وتسويق المحاصيل او بيعها للحكومة ومشاكل العمال مع المعاشات والبطالة المقنعة .. اشياء وازمات كثيرة ارهقت الإنسان المصرى بعد اربع سنوات من الثورات وخلع الرؤساء وإسقاط الوطنى والإخوان ورغم رحيل هؤلاء بقيت كوارثهم تطارد كل بيت مصرى ما بين غياب الأمن والفوضى وغياب الحقوق عن اصحابها .. مازال كل شاب مصرى يداعبه حلم بأن يجد نفسه فى صفوف رجال النيابة بتفوقه المدهش وليس بحالة والده الفقير .. مازال بين ابنائنا من يبحثون عن فرصة فى عمل او مشروع او حق فى حياة كريمة .. مازال الالاف ينتظرون مجتمعا عادلا يوفر لهم فرصا متكافئة بعيدا عن الوساطة والتحايل وسطوة ابناء الكبار.. مازال كل مريض يسأل عن علاج ودواء وانقاذ لحياته هناك من ماتوا امام المستشفيات ومن ماتوا فى حوادث المرور ومن ماتوا بسيف الإرهاب وجنون الإرهابيين .. هذه الظواهر عانى منها الإنسان المصرى اربع سنوات كاملة فهل جاء الوقت لكى نخرج به من هذا السرداب المظلم الطويل.. وهل جاء الوقت لكى ينام الإنسان المصرى آمنا على وطنه وحياته وابنائه بعيدا عن خفافيش الظلام التى افسدت علينا ثورتين وخلع رئيسين وحفاوة دولية لم يشهدها وطن آخر ..
علينا ان نحلم حتى نستعيد مصر التى احببناها .. وسوف تعود