القاهرة 27 نوفمبر 2014 الساعة 02:28 م
هواجس عودة النظام " ملتحيا " !!
دلالات حركة التسكين والتوطين في مؤسسات الدولة للعناصر
الإخوانية والأنصار والمقربين ، تشير إلى أن نظام حكم الإخوان
أصبح إمتدادا لنظام مبارك باستبدال رجال الحزب الوطنى المنحل
بالعناصر الإخوانية ، وكأن النظام المخلوع عاد ملتحيا !!
( 25 مارس 2013 )
هواجس سياسة " أخونة الدولة " ليست قائمة في مصر وحدها ، وهي ليست ـ كما يقولون ـ مجرد إدعاءات وتأويلات وتحريفات ومخاوف ، يدفع بها من يعارضون جماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة ، وقوى التيار السياسي " المتأسلم " بصفة عامة ، فقد سبق للرئيس التونسي المنصف المرزوقي خلال حفل إفتتاح حزبه الشهر الماضي ، أن كشف عن هواجسه ومخاوف الشعب التونسي أيضا ، حين اتهم حلفاءه الإسلاميين في حركة النهضة ( إخوان مسلمين ) بالسعي للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية ، عبر تسمية أنصارهم في المناصب القيادية والتنفيذية !! وقال الرئيس التونسي ــ وفي قوله تشابه تام لأحوالنا في مصر ــ لقد لدغنا من هذا الجحر مباشرة بعد الاستقلال ، وعانينا نصف قرن من تبعات جمع حزب السلطتين التنفيذية والتشريعية .. وحذر من سعي إخوان تونس للسيطرة على مفاصل الدولة ، واتهم الحكومة التي يرأسها الإخوان بالتردد في إطلاق عنان العدالة الإنتقالية ، ومحاسبة الفاسدين ، وتسوية ملف الجرحى وعائلات الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة التي أطاحت بنظام بن علي ، وطالب بضرورة كف أذى الغلاة من السلفيين عن شعبه !!
وإلى هذه الدرجة يحدث التطابق والتماثل ، بيننا والشعب التونسي الشقيق !! ورغم أن السلطة في تونس موزعة بين الائتلاف الثلاثي الحاكم ، الذي يضم حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية ، وحزب التكتل ، وحزب النهضة ( إخوان مسلمين ) صاحب الأغلبية ، فإن الرئيس التونسي لم يخف هواجسه ومخاوف شعبه من سياسة الهيمنة الإخوانية .. ويبدو أن " المغالبة " وليست " المشاركة " هي نهج إخواني ثابت ، أو من أصول ومبادئ الفكر الإخواني ، ففي الفكر الإخواني كلام يقال في الظاهر ، وهو بديع حقا وشديد التأثير ، وكلام يدار في الباطن وهو شديد الخطر !!
.....
وليس غريبا إذن ــ ومع التطابق والتماثل مع الحالة التونسية ــ أن ترتفع الأصوات في مصر ، تحذر من " أرشدة " المناصب ، و" أخونة " الدولة ، ومع حركة التسكين والتوطين في مؤسسات الدولة للأعضاء والأنصار والمقربين ، ومع دلالات الأرقام التي تكشف بوضوح عن الوجوه الإخوانية في المواقع المختلفة ، والمناصب التي منحتها القيادة السياسية خلال الآونة الأخيرة ، والأرقام التي وردت تشمل الوجوه الإخوانية ــ الصريحة ــ من المنتمين للجماعة وحزبها " الحرية والعدالة " دون حصر من أطلق عليهم " الموالين للجماعة " من غير أعضائها الصريحين ، لتندلع معركة " أخونة الدولة " وتنهال الاتهامات على " الإخوان " والتي انصبت في مجملها على محاولة السيطرة على مفاصل الدولة من خلال توزيع المناصب القيادية على أعضاء الجماعة .. وآخر المناصب التي وزعت على أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ، كشفت عنها حركة المحافظين الأخيرة ، إذ تم تكليف 5 من أعضاء حزبه ــ الحرية والعدالة ــ وجماعة الإخوان المسلمين ، وأستاذ جامعي ينتمي للتيار الإسلامي ، بتولى إدارة 6 محافظات من بين المحافظين العشر الذين شملتهم الحركة .. وباستثناء ثلاثة لواءات لثلاثة محافظات حدودية بضرورات الأمن القومي ، فإن نسبة الإخوان في حركة المحافظين تعدت 90 % وهناك من يخشى وتراوده شكوكا قوية ، بأن تكون هذه الحركة بداية للتدخل في مجريات الإنتخابات البرلمالنية المقبلة بأن يلعب المحافظين دورا مهما في الانتخابات ، وقد جاء معظمهم في المحافظات التي لم تعط أغلبية أصواتها للإخوان في انتخابات الرئاسة !! وجاءت حركة المحافظين بعد ساعات من تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان والذي ضم 6 من قيادات تالجماعة وأعضائها ، وأربعة من التيار الإسلامي ، من بين 29 عضوا بالمجلس .. كما ضم التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للصحافة 4 قيادات إخوانية ، وخمسة من المنتمين للتيار الإسلامي !! ويعد تشكيل الفريق الرئاسي داخل قصر الإتحادية ، هو أكثر ما أثار الجدل والمخاوف من " أخونة الدولة " ، إذ ضم 6 وجوه إخوانية صريحة .. وكان من اللافت للأنظار وجود أعضاء بمكتب إرشاد الجماعة في معظم الهيئات التي تم تشكيلها ، وهو ما أثار المخاوف من " أرشدة " المناصب وفرض الجماعة لسيطرتها على مفاصل الدولة المختلفة من خلال وجود ممثلين لمكتب الإرشاد وهو أعلى سلطة داخل الجماعة .. ويبدو أن اختيار الرئيس لنصف أعضاء مكتب الإرشاد في مناصب قيادية بمثابة " همزة وصل " بين مؤسسة الرئاسة وتنظيم الإخوان ، وتوضيح لطبيعة العلاقة بين الإثنين !!
والحاصل أن قاعدة الإختيار فيما يتعلق بإسناد المناصب التنفيذية وغيرها ، تتمثل في تقديم الإخوان والسلفيين ثم الأنصار والمقربين ، وأن حركة التغيرات الأخيرة تؤكد أن الإخوان ليسوا إلا إمتدادا لنظام مبارك من خلال إستبدال تابعين للحزب الوطني " المنحل " بأشخاص تابعين للإخوان ، وكأن النظام السابق عاد ملتحيا !!وإن كان البعض يرى أن هذه التغييرات طبيعية ، ليتمكن رئيس الجمهورية محمد مرسي من الإستعانة بمعاونيه في مؤسسات الدولة من نفس التيار الذي ينتمي إليه بعد أن أصبح الإخوان يمثلون الحزب الحاكم في مصر حاليا !! ولكن إذا كانت محاولة جماعة الإخوان المجيئ بقيادات تتواءم معها في الحكم ، وهي فكرة مستقرة لدى معظم الديمقراطيات الكبرى في العالم ، فإن هذه الحالة تختلف عن النموذج المصري الذي تعاني فيه الدولة من حالة سيولة سياسية شديدة تفرض ضرورة مشاركة الجميع في بناء دولة مستقرة ..
.....
و الذين يطالبون أو يراهنون على استقلالية الرئيس مرسي عن جماعة الإخوان وفكرها وعقيدتها ، فهم واهمون بالطبع ، لأن ما يتحدثون عنه ولو بالتمني ، لا يتفق ومنطق العقل بشأن التنظيمات السياسية وكوادرها وأهدافها ( والإخوان تنظيم سياسي برداء ديني ) وقلنا مرارا كيف يرشح حزب أو جماعة ، أحد كوادرها على قمة الهرم السياسي ، ثم ينحرف عن مسار حزبه أو جماعته ويخلع ثوبها ولو مؤقتا .. إذن لماذا تم ترشيحه من الأساس ؟! والشاهد أن أي حزب أو جماعة ، تراوده تصورات بأن تحقيق برامجهم هي من أجل مصلحة الوطن ، وبمفهوم أن المصلحة الحزبية هي بوابة المصلحة العامة ، وهذه المعتقدات كثيرا ما تدفع الأغلبية في اتجاه معين دون آخر ، دون أن يكون هذا الاتجاه بالضرورة أقرب إلى الحقيقة ، أو إلى تحقيق الصالح العام ، وأن مثل هذه الاعتبارات جعلت مفكرا فرنسيا كبيرا " أليكس دي توكفيل " أن يكتب منذ ما يقرب من قرنين من الزمان ، كتابه الشهير ( الديمقراطية في أمريكا ) يحذر فيه من طغيان وظلم الأغلبية لمن عداهم ، حتى لو كانت هذه الأغلبية لا تتعدى 51 % وما يقصده " أليكس دي توكفيل " من طغيان وظلم الأغلبية ، هو الإصرار على الهيمنة على كل أجهزة ومؤسسات ومفاصل الدولة !!
ولذلك فإن فرض الدولة الإخوانية الدينية ، هو أخطر ما يمكن أن نتصوره !!