القاهرة 26 نوفمبر 2014 الساعة 01:33 م
2013على أبواب الثورة الثانية 30 يونيو
حدث هدر عقيم في العمل الوطني عوّقت حركته وأربكته ، والنتيجة
أن الجماهير أصابها نوع من ضيق الصدر ، ونفاذ الصبر ، وبان قلقها
على مستقبل وهوية وطن ، من جماعات ذات أهداف ومقاصد ونوايا
باتت مكشوفة ، وتدفع بالدين إلى الساحة وفي ظروف عاصفة !!
مأساة مصر.. الخروج الدموي من الأزمة «المأزق» !!
قبل خمسة شهور من ثورة 30 يونيو قلنا أن الشواهد كلها تحذر
بأن مصر تقف على باب الخروج الدموي من الأزمة ، وفي تلك
اللحظة سوف ينتفض قلب مصر الصلب " الجيش " ويتدخل ،
وتعود الثورة إلى المربع واحد " مرحلة إنتقالية جديدة " ..
( 19 فبراير 2013 )
لدينا كل الأسباب لكي نتحسب لما هو قادم في بر مصر، ألف حساب وحساب ، وليس فقط نتيجة أوضاع على وشك الانهيار ( اقتصاديا ) ولا أوضاع ترهلت وتآكلت مفاصلها (سياسيا) ولا أوضاع اختل ميزانها وتصدعت أركانها (اجتماعيا) ولا حتى نتيجة أزمة مصطنعة حول هوية دولة وثقافتها .. ولكن بصورة أشمل وأخطر فإن المأزق الأكبر في الأزمة الأخطر، هو الصراع بين دوافع ومطامع من يريدون السلطة ، والسيطرة على مفاصل الدولة ، وعلى المجتمع والدين ، والسفر إلى الماضي .. وبين دوافع وإصرار من يتمسكون بأهداف ومطالب وأحلام ثورتهم ، والسفر إلى المستقبل !!
بين من يؤمنون بأن الوضع القائم " النظام وسياساته " لا بديل عنه ، ولا بد من قبوله طوعا أو كرها ، لمصلحة الأمة ، وأن المفسدين والمضللين لن ينالوا منه .. وبين من يؤمنون بأن الوضع القائم يجب عدم السكوت عليه ، ولا بد من التغيير والتطهير، وأن " المتأسلمين " خطر داهم على الوطن ومستقبله!! والطرف الأول، لديه دوافع العنف والإرهاب، ويزكيها تاريخ من الدم والاغتيالات.. والطرف الثاني، لديه دوافع الإصرار والتحدي ، ويحفزها التاريخ الحي لأول ثورة شعبية "سلمية" أدهشت العالم بأسره!!
وقد يكون بعض التفصيل لازما ، بقدر ما هو ضروري للتوضيح :
• أولا: نحن أمام تنظيم دولي ، أكثر تمددا وتشعبا واختراقا ، وله أحلامه ومطامعه وأهدافه ، وأيضا تحركاته في دهاليز السرية ، وتعاملات الظل مع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية ، وتحكمه مواثيق داخلية أقرب إلى " التابوهات " المقدسات ، وقد جاءته فرصة الصعود إلى قمة السلطة في مصر كضربة حظ ، رغم عوالق الشك والريبة المحيطة بها .. وبالضرورة لن يتركها تفلت من يده بعد 80 عاما من العمل السري والعلني من أجل " حلم" كانوا يرونه صعب المنال ، ولكنه أصبح واقعا !! ولن يتنازل " الإخوان " عن الحكم ، وبالتبعية لن يقبل أبناء عمومتهم من السلفيين بمختلف فصائلهم ، أن يتنازل التيار الإسلامي عن الحلم الذي هبط فوق رؤوسهم فجأة ، بلا مقدمات ولا مسببات ، ولا تضحيات ، ولن يتركوا مقعد رئاسة الجمهورية، ومهما كانت المعارضة الشعبية الرافضة .. وهم (الإخوان والسلفيون) يعتقدون أن خلع رئيسهم ، يعني خلع التيار السياسي " المتأسلم " وعودتهم مرة أخرى إلى تحت الأرض، وضرب المشروع الإسلامي ، ولن يسمحوا به ، ولن يتنازلوا عن أحلامهم ، والتضحية و" الجهاد " من أجلها !!
• وليس سرا بالطبع أن لجماعة الإخوان مليشياتها المدربة ، وقد كشفت الوقائع والأحداث الأخيرة ، ( خاصة مشاهد الرعب والأسر والسحل والتعذيب أمام قصر الإتحادية في خريف العام الماضي) كشفت عن تواجدهم ، وعن عملياتهم وممارسات البطش والترويع ، كما أن حلفاءهم من السلفيين لهم تجاربهم في إهدار الدماء ، ولهم عصبيتهم المشدودة فوق حبل من نار، وحتى الآن لا نعرف مصير موجات تهريب
الأسلحة التي اخترقت حدود مصر من ليبيا والسودان ، إلى أين ذهبت ومن الذي يمول؟ فضلا عن أن سيناء تحولت إلى بؤر وأوكار في يد السلفية ال
جهادية ، والسلفية التكفيرية ، وأصبح فكر القاعدة ، وفكر التكفير ، وفكر تطهير الأرض من الفاسدين ، أصبح صادما ومخيفا في ساحات ومواقع أخرى من مصر!! والمتشددون منهم ( وهم الأغلبية) يعتقدون بمقدار ما فهموا أن الفرصة جاءت " هبة ومنحة ربانية " ولذلك فإن التفريط فيها أو التنازل عنها ، محرم شرعا ، وينأون عن محظوراتها ، وربما يعتبرون الإخلال بها مجلبة للعنة يصعب عليهم التكفير عنها!!
• أولا "مكرر" : وفي المواجهة تماما ، نجد الغضب الشعبي يتصاعد في شكل موجات متتالية من تظاهرات الرفض لحكم الإخوان ، والاحتقان السياسي يتداخل مع حالة الاستقطاب ، فوق مشهد من الانقسام داخل الشارع المصري غير مسبوق .. والحقيقة الوحيدة التي يتجاهلها الجميع ، أنه من قام بالثورة الشعبية المصرية ، وفجّر الزناد يوم 25 يناير 2010 وهم فقط ( شباب مصر ) دماؤهم أكثر سخونة ، ولن يرضخوا للترويع والتهديد ، ويتصورون ــ ولهم الحق كله ــ أنهم أصحاب الثورة ، أو على الأقل كانوا هم الطلائع التي تحركت وكسرت الحواجز، وبالتالي فإنهم يتحملون مسؤولية تصحيح مسارها ، ومن حقهم الآن أن تكون كلمتهم الأعلى ، وهم يرون ــ وهذه حقيقة أخرى ــ أن الثورة لم تحقق شيئا من أهدافها ، وأن تطلعاتهم وأحلامهم بالانتقال من دولة إلى دولة ، انتكست بالتحول من نظام إلى نظام متشابه ، وإن كان بوجوه جديدة !!
• ومع عودة انتفاضة شباب الثورة ، دخلت المشهد المرأة المصرية بانحيازها لثورة الغضب ضد أخونة الدولة ، وضد التيار السياسي المتأسلم ، ومعهم ما يقرب من 12 مليون مسيحي ، والجميع لن يتنازل عن استعادة الثورة وتحقيق مطالبها وأهدافها ، وقد تعلموا بالتجربة أخطاء العامين الماضيين والتي أتاحت الفرصة للانقضاض على الحق البازغ في مصر !! وحتى نقترب أكثر من رؤية وفكر التحركات الغاضبة لشباب الثورة ، علينا أن نستعيد بسرعة الحقائق التي صنعت المتغيرات بدءا من يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 حين تحركت طلائع الشباب لإسقاط مبارك ، وفي غياب تام للأحزاب ، وكلها كانت منهكة أو مهادنة ، أو ولدت في حضن السلطة ، وأن فكرة الثورة، وكذلك مرجعيتها، لم تكن دينية، ولم يقع الحدث الأكبر تحت أعلام حزبية ، ولا أعلام تيار إسلامي ولا استجابة لشعاراتهم ، وحتى حدث ما حدث وتسللت عناصر التيار الإسلامي ودخلت على المؤخرة ، ويحاولون جمع ما تستطيع أيديهم أن تصل إليه من الغنائم والاسلاب !!
• ثانيا : أصبح العمق المصري يموج بتفاعلات تتسارع حركتها وتتصارع عواملها ، بين الذين يصرون على التغيير واستكمال الثورة بتحقيق أهدافها ومطالبها ، والتي لم يتحقق منها شيئ ، ويقودون الحراك الشعبي وحدهم ، ويفرضون تحركهم على القوى السياسية المعارضة .. وبين الذين يصرون على دوام البقاء والتحكم في مفاصل الدولة ، والسيطرة على المجتمع والدين!! تفاعلات تتسارع حركتها وتتصارع عواملها ، بين طلائع الشباب التي لم تعد تحتمل التخلف عن العصر، ولم تعد تحتمل انتكاسة الثورة ، ومعهم جماهير لم تعد تحتمل أعباء الحياة ، وقد أصبحت بالفعل لا تحتمل .. وبين قوى ترفض أي تغيير سياسي ، مع رغبتهم بسلطة دائمة تحقق مشروعهم الإسلامي !!
وأخشى إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن شرارة الاحتكاك لن يتأخر موعدها ، وربما يتزامن مع موعد مقرر للاصطدام مع الحقيقة الاقتصادية في البلد، وعندها سنكون ــ لا قدّر الله ــ بصدد حرب أهلية صريحة ، وأن الدولة المصرية ذاتها سوف تكون هي المعرضة للانكسار على باب الخروج الدموي من الأزمة " المأزق " .. ومن الضروري وفي تلك اللحظة أن ينتفض قلب مصر الصلب " الجيش " ويتدخل ، وتعود الثورة إلى المربع واحد " مرحلة انتقالية جديدة " .. وأعود فأكرر، ما نكتبه الآن ، ليست تنبؤات ، لكنها مجرد قراءة للوقائع والأحداث داخـــل المشهد العام في مصر !!
.....
وهناك إضافة أراها ضرورية، لمن يريد أن يفهم وأن يستوعب : مع أحداث ثورة 25 يناير 2011 لم يتصور أحد أن شباب هذا الجيل سيكون فاعلا بمثل هذه الطريقة ، وبمثل هذه السرعة ..