القاهرة 25 نوفمبر 2014 الساعة 02:56 م
كتبت : ميرفت عياد
يقوم الأزهر بدوره الوطنى الممتد على مدار عقود طويلة تزيد على ألف عام، وهو سيظل رافدا من روافد الحضارة المصرية فى عصرها الإسلامى والعصر الحديث، كما لعب دورًا مهما فى الحفاظ على هوية مصر العربية والإسلامية بالروح الوسطية المعتدلة المتسامحة ، ومواقف شيوخ الأزهر منذ نشأته لم تنته مع الملوك والرؤساء عبر الأزمان، كما اشترك جميع شيوخ الأزهر عبر تاريخه فى الوقوف ضد ما يتنافى مع الحق والحقيقة، اشتركوا جميعا فى الحروب التى تعرضوا لها فمنهم من أقاله الحاكم أو عزله، ومنهم من تعرض لهجوم من المحابين لهذا الحاكم..
ولأكثر من ألف عام هى عمر الجامع، وبما شهدته مصر فى تلك الفترة من أحداث لعب الأزهر الشريف دورًا جوهريا فى الحفاظ على اللغة العربية فى عصر العثمنة التركية، وعلى الوسطية الإسلامية وسط تيارات التطرف الفكرى الخارجة عن الفكر المصرى الوسطى، كما أن الأزهر يعد حصن لجميع المصريين فى حالة انهيار الحكام أو خروجهم عن الحق.
ومن كل ما سبق جاءت أهمية إصدار كتاب يوثق لتاريخ الأزهر منذ نشأته وحتى الآن ودوره الوطنى المهم لأكثر من ألف عام ، لهذا قامت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مشيخة الأزهر برئاسة فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر بإصدار كتاب مكون من ثلاثة أجزاء تحت عنوان " الجامع الأزهر الشريف" قام بالإشراف على المشروع من مكتبة الإسكندرية الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات بالمكتبة وقام بتحرير المادة والإعداد لها الباحثان محمد السيد حمدى وشيماء السايح.
يهدف الكتاب إلى توثيق تاريخ وعمارة واحد من أهم معالم الحضارة المصرية فى عصرها الإسلامى وفى العصر الحديث، وهو الجامع الأزهر الشريف، والذى لعب دورًا مهما فى تاريخ مصر منذ أن أسسه القائد الفاطمى جوهر الصقلى
يتكون الكتاب من ثلاث مجلدات يتناول الأول عمارة وتاريخ الجامع منذ إنشائه فى العصر الفاطمى وحتى قيام ثورة يونيو 1952، ويحتوى الثانى صور من مظاهر الفن والحياة فى الجامع الأزهر الشريف، أما الثالث فيحمل عنوان «كنوز من الجامع الأزهر الشريف» يتناول مجموعة من المنقولات والمخطوطات والمصاحف المحفوظة فى المتاحف ومصدرها الجامع الأزهر الشريف.
أهم المساجد في مصر:
ويعد الجامع الأزهر من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي. وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة ، وقد أنشئ على يد جوهر الصقلي عندما تم فتح القاهرة 970 م، بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وبعدما أسس مدينة القاهرة شرع في إنشاء الجامع الأزهر ، ووضع الخليفة المعز لدين اللَّه حجر أساس الجامع الأزهر في 14 رمضان سنة 359 هـ - 970م، وأتم بناء المسجد في شهر رمضان سنة 361 هـ - 972 م، فهو بذلك يعد أول جامع أنشئ في مدينة القاهرة المدينة التي اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة ، كما إنه أقدم أثر فاطمي قائم بمصر. وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإشادة بذكراها.
ثاني أقدم جامعة :
ويعتبر المسجد ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين. وقد اعتبرت جامعة الأزهر الأولى في العالم الإسلامي لدراسة الفقه والشريعة ، ثم تم تأميم جامعة متكاملة داخل المسجد كجزء من مدرسة المسجد منذ إنشائه، وعينت رسميا جامعة مستقلة في عام 1961، في أعقاب الثورة المصرية لعام 1952 .
تأسيس مدينة القاهرة :
وتأسست مدينة القاهرة بواسطة جوهر الصقلي ، وهو قائد فاطمي رومي من أصل يوناني من جزيرة صقلية، وأطلق عليها اسم المنصورية ، وأعدت المنصورية لتكون مقرا للخلافة الفاطمية المتواجدة في تونس ، وقد استخدم المسجد لأول مرة في عام 972، وقد سمي في البداية بجامع المنصورية ،وقد كانت تسمية المسجد باسم المدينة التي يتواجد بها ممارسة شائعة في ذلك الوقت، مع دخول الخليفة المعز لدين الله لمصر قام بتسمية المدينة بالقاهرة ، وهكذا أصبح اسم المسجد بجامع قاهرة ، ولكن اكتسب المسجد اسمه الحالي، الأزهر، في وقت ما بين الخليفة المعز ،ونهاية عهد الخليفة الفاطمي الثاني في مصر العزيز بالله.
اهتمام الأئمة الفاطميين :
حظى الجامع الأزهر الشريف باهتمام الأئمة الفاطميين فاهتم به الإمام العزيز بالله (365 - 386 ه/ 975 – 996 م) وقام بتجديد بعض أجزاء الرواق الجنوبى الشرقى وزخرفتها، واهتم الإمام الحاكم بأمر الله (386 – 411 ه/ 996 – 1021 م) بعمارة الجامع، فجدد مئذنته، ورفع سقفه ذراعًا عما كان، وبقى من أعماله باب خشبى ضخم محفوظ حالياً بمتحف الفن الإسلامى ووضع له بعض المنشآت الفاطمية أوقافًا ينفق من ريعها على إدارته وشئونه، فكانت أول وقفية رتبت للجامع الأزهر.
المذهب السنى للدولة الأيوبية :
وقد قام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب (564 – 589 ه/ 1169 – 1193 م)، فى بداية عهد الدولة الأيوبية بإ بطال كل مظاهر الدولة الفاطمية التى كانت تعتنق المذهب الشيعى الإسماعيلى المخالف للمذهب السنى مذهب الدولة الأيوبية، فعين قاضيًا شافعيَّا هو صدر الدين عبد الملك بن درباس، والذى أفتى بعدم جواز إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد، فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر، وأقرها بجامع الحاكم بأمر الله باعتباره أكبر وأوسع، ولم تكن تلك المرة الأولى التى تقطع فيها الخطبة فى الجامع فقد قطعت فى عهد الحاكم بأمر الله فى سنة 393 ه/ 1002 م إلى أن أعيدت مرة أخرى.غير أن قطع الخطبة بالجامع الأزهر لم يقضِ على صفته العلمية التعليمية، فبقى مدرسة حرة تدرس فيها سائر العلوم العقلية والنقلية واللغوية والفقهية، كذلك كانت تقام فيه الصلوات الخمس كأى مسجد، فقد قصده مجموعة من العلماء وجلسوا للتدريس فيه .
العصر المملوكى :
وفى الفترة من (658 – 676 ه/ 1260 – 1277 م) قام الملك الظاهر بيبرس بإعادة صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر 1267 م بعد انقطاعها مدة تقارب مائة سنة، وشمل الجامع برعايته فقام بعمل طاقية خشبية للمحراب الفاطمى القديم، لا تزال موجودة فى الجامع بعد إضافتها للمحراب الذى أقامته لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1352 ه/ 1933 م، والشرفات المسننة المنقوشة حول الصحن، ومنبر لم يتبق منه سوى لوحة تذكارية محفوظة فى متحف الجزائر ، كما نال الجامع الأزهر اهتمامًا كبيرًا فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون فى فترة حكمه الثانية 1299 – 1309 م، على إثر زلزال سنة 1301م .
وبلغ من اهتمام المماليك الجراكسة بالجامع الأزهر وشئونه أن أحدثوا منصبًا جديدًا فى الأزهر هو منصب ناظر الأزهر، وكان الغرض منه هو ضمان الإشراف على الجامع وإدارة شئونه، وكان منصب ناظر الأزهر من المناصب التى اختص بها الأمراء والمماليك وأحيانًا كان يتولاه حاجب الحجاب ، وفى سنة 800 ه/ 1397 م سقطت مئذنة الجامع فقام الظاهر برقوق بإعادة بنائها على نفقته الخاصة، غير أنها هدمت سنة 818 ه/ 1415 م ، وأعاد بناؤها خليل بن قلاوون وأنشأ بالجامع صهريجًا للماء وشيد سبيلاً وأقام ميضأة
العصر العثمانى :
يذكر ابن إياس أن السلطان سليم العثمانى (918 -926 ه/ 1512 – 1520 م) بعد أن تم له فتح مصر دخل الجامع الأزهر، وحرص خلال الفترة التى قضاها فى مصر على أداء صلاة الجمعة بالجامع ، وقد عنى ولاة مصر فى العصر العثمانى بالجامع الأزهر وتجديد عمارته
العصر الحديث :
فى الحادى والعشرين من أكتوبر سنة 1213 ه/ 1798 م اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد قوات الاحتلال الفرنسى، واستطاع الثوار فى هذا اليوم قتل الجنرال ديبوى، واتخذ الثوار من الجامع الأزهر مقرًّا لهم، مما دفع حاكم القاهرة الجنرال بون الذى خلف ديبوى إلى ضرب المدينة من على تلال الدراسة، فأطلقت أول القنابل على المدينة وبالتحديد على الجامع الأزهر ظهر يوم 22 من أكتوبر سنة 1213 ه/ 1798 م، فانفجرت فى الجامع، ثم انهالت القنابل على الجامع الأزهر والمنطقة المحيطة به حتى كاد أن يتداعى، وتغلبت قوة النار على قوة الثوار، فاقتحم الفرنسيون الجامع الأزهر
وقد قام الخديوى إسماعيل بتجديد باب الصعايدة الكبير وفى عهد الخديو محمد توفيق باشا فى سنة 1306 ه/ 1888م، تم ترميم قبة الحافظ المطلَّة على صحن الجامع، وتم تجديد المقصورة الخشبية على وجه جناح القبلة التى أقامها الخواجا مصطفى بن الخواجا رستم سنة 900 ه/ 1494م، كما قام بتجديد الأروقة التى أضافها عبد الرحمن كتخدا
وقامت لجنة حفظ الآثار العربية فى سنة 1309ه/ 1891م بتجديد عقود الصحن، والسقف، وشملت هذه الأعمال هدم المبانى التى كانت قائمة فى واجهة المسجد وإقامة واجهتين جديدتين بدلاً منهما، تضمان مبانى جديدة منها الرواق العباسى وفى سنة 1314ه/ 1896م قررت لجنة حفظ الآثار إزالة كتاب عبد الرحمن كتخدا الذى كان يعلو باب المزينين .
كما أمر الخديو عباس حلمى الثانى بتشييد الرواق العباسى، والذى يقع عند طرف الواجهة الشمالية الغربية
وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر تم إنشاء الواجهة المطلة على شارع الأزهر سنة 1390 ه / 1970م، وقام رئيس باكستان السابق ضياء الحق بإهداء الجامع سجادًا حديثًا من نوع المحاريب.
وفى نهاية القرن العشرين وبالتحديد فى سنة 1419ه/ 1998م قامت شركة المقاولون العرب بتدعيم الأروقة التى أضافها عبد الرحمن كتخدا، وعمل أساسات للجدران بعمق 20 م، لحماية الجامع من تأثيرات النفق الذى تم شقه تحت شارع الأزهر .