القاهرة 30 اكتوبر 2014 الساعة 01:59 م
العسكرية المصرية .. عقيدة جيش الشعب
لم يكن الجيش المصري هو الأقرب إلى مفاتيح القوة فقط ،
ولكنه أيضا الأقرب إلى مفاتيح العصر ، وكان موجودا ومنذ
اللحظات الأولى صفا موازيا وليس معارضا للثورة الشعبية
( 15 مارس 2011 )
ھناك حقيقة كبرى لا يمكن تجاوزھا ، وھي أن القيمة العظمى للحظة التاريخية الفارقة في تاريخ مصر الحديث ، كانت حاضرة
في موقف جيش الشعب من ثورة الشعب ، ومنذ أن تحركت الملايين وفي طليعتھا الشباب ، تريد إسقاط النظام ، وأن تتحرر من عبء ثلاثة عقود أصابت أعصاب الأمة وطاقاتھا ومواردھا بالترھل ، حتى أصبحت غير قادرة على أن تصلب عودھا!!
والشاھد.. أنه في لحظة من تاريخ مصر ، كانت مشحونة بالخطر ، ومعبأة بالقلق ، أثبت الجيش المصري ــ الرمز والعقيدة
ــ أن الولاء والإنتماء أولا للشرعية الشعبية.. وإذا كانت القوات المسلحة قد دفعت إلى ميادين الخروج بحقائق الأشياء ذاتھا ، وطبائع الأحوال ذاتھا ، إلا أن تواجدھا في ساحات الثورة وشوارعھا ، لم يكن في صورة الحكم الفاصل بين الشعب والنظام الحاكم ، ولكن كان تواجدا بدواعي حماية الشعب ، وھو أصل الشرعية ومصدرھا ، وبوعي وإدراك لقضية وطن بأسره في ھذا المنعطف التاريخي .. وھكذا كان الجيش المصري أول من إتصل وارتبط مباشرة بشرعية الملايين ، وقد استشعر إرادة الشعب منذ اللحظة الأولى ، وأن عليه أن يتحمل مسؤوليته ، وھو نفسه جيش الشعب وابنه ، وكانت تلك ھي الرسالة الأولى ، ولھا رمزية عميقة الدلالة لمعنى الثورة الكاملة ، للشعب المصري بكامله ، شعب وجيش ..
والحقيقة الكبرى التي لايمكن تجاوزھا ، أن الجيش المصري تدخل لإستكمال مسيرة الشعب وتتويجھا .. وكانت حقائق الموقف وخطواته : أن آليات الجيش وضباطه وجنوده ، داخل ساحات الثورة وشوارعھا ، تحمي جماھير أمسكت بالشرعية في يدھا ، ونزعت عن الحكم القائم مقومات شرعيته ، وفي نفس الوقت كانت القوات المسلحة ، وباعتبارھا موطن القدرة والقوة في فكرة الدولة وأساسھا، وليست مجرد أداة تحت سلطة النظام ، كانت تدير حوارا صعبا مع رأس النظام ، لم تتكشف تفاصيله الكاملة حتى الآن ، من أجل أن يتخلى " مبارك " عن عناده ويخفف المأزق عن الجميع ، وأن يتخلى عن المنصب إستجابة للرفض الشعبي القاطع ، وأن يمد المجلس الأعلى للقوات المسلحة جسرا تمشي عليه حركة سليمة ومأمونة لإنتقال السلطة ، ووضع الأساس لشرعية جديدة ، لكي يتنفس الشعب بحرية..
وحين يتم التأريخ لثورة الخامس والعشرين من يناير ، فإن شواھد وحقائق اللحظة التاريخية ، تقول:
• أولا : أن التاريخ الحيّ الذي جرت أحداثه في بر مصر ، قد سجل أول ثورة مصرية كاملة ، ثورة الشعب والجيش معا .. وإذا كانت طلائع من الجيش المصري قد قامت بثورة في الثالث والعشرين من يوليو 1952 وأحاطت بھا وساندتھا جماھير شعبه ، فإن طلائع شباب مصر حين قرر أن يستعيد الوطن روحه الوثابة ، وأن يجسد حلم خلاص مصر ، ويفجر الثورة الشعبية ، فإن جيش مصر قد أحاط بالثورة ، وإعترف بشرعية مطالبھا ، وساند جماھيرھا..
• ثانيا : لم يكن الجيش المصري ھو الأقرب إلى مفاتيح القوة فقط ، ولكنه أيضا الأقرب إلى مفاتيح العصر ، وكان موجودا ومنذ اللحظات الأولى صفا موازيا وليس معارضا للثورة الشعبية ، وقد وضع العالم أمام صورة للحظة التاريخية ، وھي أن الجيش الوطني وھو يملك ميزان القوة ، قد تحرك وتواجد بقيمته ومسؤوليته ، ويجسد على أرض الواقع حقيقة أن أي جيش وطني وبفكرة الدساتير بأسرھا ــ ومنذ ظھورھا وكتابتھا ــ ھو جيش الشعب، حامي الشرعية الوطنية، وحامي الأمن القومي .. وربما كانت البداية ، أن رئيس المخابرات الحربية ــ اللواء ع
بد الفتاح السيسي ــ هو صاحب خطة أن الجيش المصري لايمكن أن يضرب في الشعب ، مهما ساءت الأمور ، وعرض الخطة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وتم الموافقة عليها .. وهناك ثلاثة مشاهد غير مسبوقة في تاريخ الجيوش ، وسوف تظل حاضرة في ذاكرة الأمة ، وهي من أروع المشاهد المرتبطة بثورة 25 يناير ، المشهد الأول كان مع اللحظات الأولى لتواجد كتيبة من الجيش أمام مبنى ماسبيرو ( الإذاعة والتليفزيون ) والمشير طنطاوى يصافح أحد الجنود مبتسما ويقول له : " أرفع رأسك أنت نازل تحمى مستقبل وأمن بلدك" .. والمشهد الثاني مع اللواء حسن الرويني ، قائد المنطقة العسكرية المركزية وعضو المجلس العسكري ، وهو يضمد جراح وجه شاب من الثوار .. ومشهد " تعظيم سلام " الذي أداه اللواء أركان حرب محسن الفنجري ، نيابة عن القوات المسلحة ، تحية لأرواح شهداء الثورة ..
• ثالثا : وبمقدار ما كانت القوات المسلحة ھي جيش الشعب ، يخدم ويحمي مصالح الوطن "أرض وشعب " ويدين بالولاء والإنتماء للشرعية الشعبية أولا ، وليس للنظام الحاكم ، فقد كان واضحا أن المجلس الأعلى للقوات الساحة لديه القدرة على الإصغاء للشعب ، ومتابعة باقي مطالب الثورة والحفاظ على مكاسبھا ، وبضمان من الثقة ، والوعي بأھمية عنصر الوقت ، ومن الأمن والاقتصاد ، إلى السياسة والقرار ، إلى الأمن القومي ، ولديه القدرة أيضا على التعامل مع عناصر وبقايا نظام ، تحاول جاھدة وبمخزون من ضيق الأفق ، ومخزون المراوغة بالحيلة والخبث ، أن تلعب قرب الغروب وعلى حافته ، لعبة الثورة المضادة ، وبما يناسب أحلامھا أو أوھامھا ، وھي عناصر أضعف من أن تقاوم ..
• وما سبق يمكن إجماله في ملاحظتين : الأولى على لسان الخبير والمستشار الدولي الأمريكي "جيرمي بانرمان " بأن جيش مصر يمثل المجتمع المصري ، وھو قريب من الشعب ويشعر به ، وأن الھدف الأھم له الآن يتمثل في وضع البلاد على الطريق الصحيح.. والملاحظة الثانية على لسان الكولونيل "جوزيف إنجلھارد " بأن الشعب المصري يثق كثيرا في مؤسسته العسكرية ، ويرتاح لما تتمتع به من وطنية شديدة .. وھكذا .. كان لا بد بين الشعب والجيش من لقاء.. وقد حدث.
• رابعا : إن الخطأ الذي وقعنا فيه ــ إذا صدق ظني ــ هو أننا لم نلتزم بالحالة الثورية التي خلعت الرئيس مبارك وأسقطت نظامه .. والحالة الثورية على إمتداد الزمان والمكان في العالم ، تفرض أحكاما تراها ضرورية لحماية الثورة وأهدافها ، وبعد أن تأخرت خطوات محاصرة ومحاكمة رموز النظام فورا ، وحل حزبه ، ومراقبة المنتسبين إليه ، فضلا عن أن الإيقاع البطىء للقرارات الصادرة بالإستجابة لأكثر المطالب الشعبية ، كان محفزا للشائعات والمزاعم التي تزدحم بها الساحة ، وتحاول فتح ثغرة في جدار الثقة بين الشعب وجيشه ..