القاهرة 30 اكتوبر 2014 الساعة 11:12 ص
* علي الشاشة الصغيرة ظهرت "سمر" تبكي..
كانت الشابة الجميلة ترثي خطيبها الذي لن تحتفل معه بزفافهما في القريب العاجل بعد أن قتل برصاصات الإرهاب يوم الجمعة الماضي في سيناء.. وكانت الكاميرا تتوقف. ربما للمرة الأولي عند خطيبة أحد الشهداء بعد أن جرت العادة أن يكون الأب ثم الأم هما اللذان يرثيان الابن. ولقد فعلت هذا أم الضابط الشهيد محمد زكريا أبوغزالة. وأوجعت قلوبنا بكلمات يختلط فيها البكاء بالألم الشديد. لكونه الابن البار بأسرته الصغيرة والكبيرة أيضاً. أما الأب الصامد بكبرياء فقد جاهد البكاء وهو يقف في سرادق العزاء. شهدت أحزان هذه الأسرة مرتين. الأولي علي قناة "أون" ومن خلال مراسلتها لمياء حمدي التي لم تجد رداً علي أسئلة "سمر" خطيبة الشهيد حين قالت إن وجوده كان مؤثراً علي الجميع في البيت والقرية.. وحين ردت المراسلة بأن مصر لسوف تتذكره دائماً هو وزملاؤه. قالت سمر: بكره تنسونا!!.. ومن شهيد لشهيد قدمت برامج عديدة أجزاء من أحزان أسر الشهداء في محافظات مختلفة. كانت التغطيات صعبة وسط الأحزان الكبيرة. لكننا علي الأقل شاركنا كمشاهدين في العزاء ولو عن بعد. وكنت أتمني لو كتبوا علي الشاشات العناوين التلغرافية لأهالي الشهداء. فربما كان سيل تلغرافات العزاء يخفف عنهم قليلاً. حين يشعروا أن مواطنيهم وأهاليهم بجانبهم.. ولو بكلمات تلغرافية قليلة.
* من جانب آخر. فقد ذهبت كاميرات برنامج "العاشرة مساءً" علي قناة "دريم" إلي وداع جثمان الشهيد "أحمد مصطفي إبراهيم" ولنري وجهاً آخر من الصورة. أثناء الجنازة وليس بعدها. وحيث كان الغضب والانفعال علي أشده من أفراد عائلة الشهيد الراحل وزملائه. وأبناء قريته. وبينهم من اخترق الصفوف ليتقدم للكاميرا موجهاً حديثه لها: "والنبي يا سيادة الرئيس.. احنا بنحبوك. وبنطالبوك تشغّل الأحكام العسكرية. من قَتل يُقتل يا سيادة الرئيس".. كانت الكلمات قوية وحارة. أنهي بعدها المراسل صالح رضا تقريره. أما مساء الاثنين فقد اختلف الأمر علي قناة "سي.بي.سي إكسترا" حين استضاف عمرو خليل أسرة شهيد آخر في الاستديو ومعهما الكاتب سليمان جودة.. ويا لها من حلقة. لابد أن تعاد مراراً.. حتي يدرك من لا يفهم أي شعب هُم المصريون.
بلاغة أم الشهيد
* حين سأل مقدم البرنامج والد الشهيد "تامر ماهر رجب" هل يشعر بالخوف علي أبنائه الآخرين بعد رحيل تامر. اندفعت الأم تعترض علي السؤال قائلة: "آخاف ليه؟!.. أنا باقدم ابني التاني لمصر".. واستطردت بثقة وانفعال بأن "دم ابني مش هيروح هدر. صلي علي النبي وعلي كل شهداء مصر المسلمين والمسيحيين. خرجوا مع بعض عشان مصر. وماتوا عشانها".. ثم وجهت حديثها لمقدم البرنامج: أنا من الحاجة فوزية.. أنا أم الشهيد تامر. وابني أيمن في الجيش. وابني الأصغر أحمد بيقوللي حاخد الثانوية وأروح الجيش.. كان والد الشهيد يسمع صامتاً. وهو يمسك بيده صورة الابن الشهيد الوسيم الأنيق. وهو يحيي العلم المرفرف في الصورة. وحين تحدث بعد ذلك قال: إن إيمانه لا يتزعزع ببلده. وبالرجل الذي استطاع أن يستردها ممن حاولوا التفريط فيها.
û إن قيمة البرنامج هنا في ضيفيه اللذين يمثلان "الأغلبية الصامتة" في مصر. وفي كشفه لحقيقة امتلاك هذه الأغلبية للقدرة علي التعبير والبلاغة. والتجرد الذي لا تجده في أحاديث النخبة الدائمة من ضيوف البرامج.. ولكن هذا لا يكفي في اعتقادي لتقديم الشكر الواجب لأسر الشهداء.. فإذا كان المطلوب من الحكومة والجيش هو الرعاية لهم مادياً واجتماعياً. فماذا عن الرعاية الإنسانية من بقية فئات المجتمع؟!!.. أما الرعاية الإعلامية. فهي تدخل ضمن إطار البيان الذي أصدره اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري مع غرفة الإعلام الخاص. وهو بيان قرأناه ألف مرة علي كل القنوات وأبسط التزام ينتج عنه هو تقديم برامج علي هذه القنوات مع أسر الشهداء.. منذ بداية الهجمات الإرهابية. وحولهم برامج إنسانية قوية ومبتكرة. تضع هذه الأسر والآباء والأمهات والأبناء والعائلات في الصورة. وتذكر ملايين المصريين بهم بلا دعاية فجة. وإنما مقدرة علي التواصل بأسلوب رفيع المستوي.. فهل يفعل الإعلام المرئي هذا وهو الذي تعهد في بيانه بالوقوف وراء الدولة شعباً وجيشاً وشرطة. وهذا هو الشعب. فماذا أنتم فاعلون له؟!
بيان الإعلام الخاص .. وحقوق المشاهد
* بنظرة أخري.. فإن هناك سؤالاً للموقعين علي البيان من أعضاء غرفة صناعة الإعلام الخاص.. وهو عن حق المشاهد المصري في تغطيات كاملة وافية عن الأحداث التي تجري علي أرض مصر.. وهل في مقدور كل قناة منفردة تقديم هذه الخدمة بمفردها؟!.. وهل بإمكانها إرسال مراسلين إلي عائلات 29 شهيداً لتقديم تقارير عنهم؟!.. بالطبع لا.. لأن ما رأيناه علي كل القنوات لا يتجاوز الوصول إلي أسر سبعة شهداء فقط. ثم هل تقدر هذه القنوات الخاصة علي تقديم برامج تسجيلية عن الشهداء السابقين والأسبق. وحياتهم قبل الرحيل وأسرهم؟!.. وهل في إمكان هذه القنوات تقديم سلاسل الأفلام التسجيلية التي قدمها مخرجو السينما المصرية عن سيناء والقناة وعن شهداء حرب أكتوبر. وهي أفلام مركونة في أدراج المركز القومي للسينما. ولدي التليفزيون المصري الذي أنتج الكثير منها.. وأخيراً: هل تفكر هذه القنوات في إنتاج مسلسل درامي يوثق قصص الشهداء الذين قتلهم الإرهاب الأسود؟!
إننا إزاء تحدي كبير.. علي وسائل الإعلام أن تكون مؤهلة له بعد إصدار بيانها المهم الذي يعترف بحق المصريين في معرفة ما يحدث من خلال تحقيقات مدققة ونزيهة. وحقهم في برامج محترمة تتناول قضايا العلم والدين والاقتصاد والفكر والفن والثقافة والصحة والتعليم. وتعيد للإنجاز المصري في كل هذه المجالات تواجده وقيمته.. فهل هناك خطة لهذا.. أم أنها "فورة حماس" وتنتهي؟!
الصحافة وقرارات بلا بيان
* أما الإعلام الورقي.. أي صحفنا القومية والحزبية والخاصة. فقد قررت هي الأخري دعم الوطن دون بيانات. وإنما من خلال اتفاق رؤساء تحريرها علي إرساء قواعد عن المرحلة القادمة.. لخصتها الكاتبة "أمينة النقاش" رئيس تحرير جريدة "الأهالي" عبر مداخلة مع أمنية مكرم. مقدمة البرامج بالقناة الأولي علي النحو التالي:
1- لا نختلق معارك لا لزوم لها.
2- لا ننشر بيانات تبرر الإرهاب أو تدافع عنه.
3- لا ننشر ما يزيد البلبلة في الشارع المصري.
وهو ما وصفته مقدمة البرنامج بجملة: "علينا أن نحتوي مصر".. فهل المطلوب هو احتواء مصر.. أم مسح دموع المصريين.. أم إبعادهم عما يثير البلبلة؟!.. ومن الذي يراقب ذلك ويستطيع الحكم عليه؟!.. ولماذا لا يكون هناك مرصد مصري رسمي للإعلام بكل أنواعه. يقوم بهذه المهمة في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها بلادنا؟!
الإذاعة .. والإفراج عن أغاني الوطن
* لا تزال الإذاعة مسموعة. ولها جمهور عريض. ووفقاً لاثنين من المستمعين فإن أحدهما سعيد بالبرامج والفترات المفتوحة لآراء الناس علي الهواء والتي تفوق بمراحل ما يخصص لها علي شاشات التليفزيون في كل القنوات. أما المستمع الثاني فهو سعيد بهذا الكنز من الأغاني الوطنية الذي أفرجت عنه إذاعة الأغاني بمناسبة أعياد 6 أكتوبر. ثم مع الحادث الإرهابي ضد جنودنا. لقد اكتشف صاحبنا المستمع أن هناك أغاني لم يسمعها أبداً من قبل لمحمد فوزي وفريد الأطرش عن الوطن وشهدائه. ثم اكتشف أنه حتي عبدالوهاب نفسه أذيعت له أغان وأناشيد اختفت تماماً من الإذاعات المصرية مع أنها صالحة لأوقات كثيرة بدون مناسبات.. فهل تشارك الإذاعة من خلال الأغاني المحبوسة في الاصطفاف الوطني.. أم لا؟!