القاهرة 26 اكتوبر 2014 الساعة 02:46 م
هذه القصص ترجمها د. إمام عبد الفتاح إمام مع مقدمة شيقة بها الكثير من المعلومات المهمة – دار الدى – عام 2000. ورغم أننى اعتمدتُ على ترجمة د. إمام إلاّ أننى لخــّــصتُ كل حكاية بأسلوبى الخاص ، مع تعليق منى يتناسب مع تلخيصى لكل حكاية.
المأزق الذى تعرّض له الثعلب :
شعر ثعلب بالجوع الشديد . بحث عن أى شىء ليسد ألم الجوع . ظلّ يبحث حتى رأى تجويفـًا فى شجرة بلوط ، وبداخلها وجبة طعام تركها الرعاة ، الذين ذهبوا لعملهم حتى يعودوا مرة أخرى لتناول طعامهم . زحف الثعلب ووصل إلى التجويف داخل الشجرة . التهم طعام الرعاة. وظلّ يأكل ويأكل حتى انتفختْ بطنه. وانتفتخ جسده كله. وعندما حاول الخروج من التجويف لم يستطع . أخذ يصرخ ويولول طالبًا المساعدة . سمع صياحه ثعلب آخر كان يمر بجوار الشجرة. سأله : ماذا بك ولماذا تصرخ ؟ حكى له ما حدث . فقال الثعلب : ابق كما أنت حتى تجوع ، ولا تأكل أى شىء حتى تعود المعدة إلى وضعها الطبيعى . فى هذه الحالة سينتهى انتفاخ جسدك ، وتتمكن من الخروج.
000
التعليق : أعتقد أنّ المغزى الكامن من تلك الحكاية الرمزية ، أنّ الطمع غالبًا ما يؤدى إلى الضرر، ويأتى بنتيجة عكسية. فلو أنّ الثعلب اكتفى بالكمية الطبيعية لاحتياج الجسد من الطعام ، ولم يلتهم كل الوجبة الخاصة بالرعاة ، لما حدث له الانتفاخ ، وبالتالى كان سيخرج سالمًا . وهذا المغزى ذكــّرنى بمثل مصرى قاله الأميون المصريون من شعبنا ((الأكل بيعفن الجوف.. لاكن حب الأكل بيعفن الروح)) ثم جاء مثل آخر لـيُـكمل الأول ((اللى ما يقدرش يتحكم فى حنكه.. ما يقدرش يتحكم فى بقية جسمه))
الثعلب يحتمى بالشوك :
فى هذه القصة تسلق الثعلب شجرة ضخمة ، ثم شعر أنه على وشك السقوط ، فتعلق بغصن نبات به الكثير من الأشواك . انغرز الشوك فى قدمه. صرخ والدم ينزف من قدمه. ونظرًا لشدة الألم خاطب الشجرة قائلا لها : لقد لجأتُ إليك ألتمس عونك وأحتمى بك ، فجعلتنى أسوأ مما كنت . طلبتْ الشجرة من الغصن أنْ يرد عليه. قال له الغصن : لقد ارتكبتَ خطأ فادحًا يا ثعلب عندما أردتَ أنْ تحتمى بى.. لأننى أنا نفسى أتساند على فرع آخر وأمسك به.
000
التعليق : أرى أنّ هذه الحكاية فيها إسقاط فنى رائع على الإنسان الأحمق الذى يُخطىء فى تقدير الأشياء والناس . فالثعلب تجاهل أنّ الغصن يتساند على غصن آخر. كما أنه اختار غصنــًا مليىء بالأشواك فنزف ، فالمعنى سوء تقدير كما يحدث مع الكثيرين من البشر. وهذه الحكاية ذكــّرتنى بمثل قاله الأميون المصريون عن الشخص الأحمق الذى يتوسم الكرم فى شخص ما ، رغم أنّ كل معارف هذا الشخص أجمعوا على بخله. فقال المثل الذى ألــّــفه واحد من الفلاسفة الأميين المصريين : مستنى السمنه من بطن النمله.. وفى دمياط يقولون من مؤخرة النمله. مع مراعاة أنهم لا يستخدمون لفظة (مؤخرة) وإنما يستخدمون اللفظ المصرى الشائع.
انتخاب القرد ليحكم الغابة :
بعد وفاة الأسد اجتمعتْ الحيوانات لانتخاب الملك الجديد الذى يحكم الغابة. رشــّـح أحد القرود نفسه وعمل دعاية انتخابية عظيمة. سانده معظم حيوانات الغابة ، فحصل على أعلى الأصوات ، باستثناء الثعالب . وبعد ظهور النتيجة زاد غضب الثعالب . دبـّر أحد الثعالب حيلة ليتخلــّــص من الملك القرد : قـــدّم له هدية عبارة عن نوع من الطعام الفاخر الذى يحبه القرد ، ولكنه مسموم ، وقال للقرد : تفضــّــل هذه الوجبة الشهية.. ولم أرض أنْ أتناولها وقلتُ أنها تليق بمقام صاحب الجلالة الملك . ثم أخذ يمتدحه بتملق واضح فيه الكثير من المُبالغة. تناول القرد الوجبة.. فمات بعد يوم واحد . أتباع القرد اتهموا الثعلب بأنه هو الذى دبــّر تلك المكيدة التى أدّت إلى وفاة القرد ، دافع الثعلب عن نفسه وقال : وهل يمكن لقرد أحمق يتصوّر نفسه ملكــًا على كل حيوانات الغابة ؟
000
التعليق : إذا كانت الحيوانات لا تقرأ ، وأنّ تلك الحكايات موجّهة للبشر، فيكون المغزى هو: أنّ كل إنسان له قدرات خاصة ، وأنّ الإنسان الذى يتطوع لعمل ويتصوّر أنه سينجح فيه ، وهو غير مؤهل له ، سيكون مصيره مثل مصير القرد ، المغزى الثانى : أنّ سقطة أى حاكم تكون عندما يستمع لمن يتملــّــقه ويُـقـدّم له الهدايا مثلما فعل الثعلب . والمغزى الثالث : أنّ القرد لم ينتبه إلى أنّ الثعالب كانت من خصوم القرود أثناء الانتخابات .
الثعلب والمعزة :
سقط ثعلب فى بئر ماء.. وعندما حاول الخروج لم يستطع.. مرّتْ معزة بجوار البئر.. وكانت تشعر بالعطش الشديد . سألتْ الثعلب : هل هذه المياه صالحة للشرب ؟ ردّ الثعلب عليه وهو يمتدح عذوبة الماء.. ثم شجّعها على الهبوط فى البئر لشرب كما تشاء.. ألقتْ المعزة بنفسها فى مياه البئر بدون تفكير ولم تفكر فى خطورة أنْ تكون مع الذئب فى مكان واحد.. وبعد أنْ شربتْ أخذ الذئب رأيها فى كيفية الخروج من البئر، وتصنــّع التفكير للخروج من هذا المأزق.. ولمّا لم ترد المعزة عليه قال لها : عندى فكرة تـُساعدنا على الخروج من البئر. أنت لك قوائم وقرون.. ما رأيك لو أنك تضعين قوائمك الأمامية على حائط البئر وترفعين القرنيْن إلى أعلى فى وضع مستقيم.. فى هذه الحالة سأتمكــّن أنا من الخروج بعد أنْ أتسلق قوائمك.. وبعد أنْ أخرج أجذبك وأساعدك على الخروج.. فرحتْ المعزة بالاقتراح ونفــّـذتْ ما طلبه الثعلب منها.. تسلــّـق الثعلب ظهر المعزة إلى أنْ وصل إلى حافة سطح البئر.. وعندئذ أعطى مؤخرته للبئر وهمّ بالانصراف.. صرختْ المعزة وطلبتْ انقاذها .. ضحك الثعلب ولم يرد عليها وهمّ بالانصراف من جديد.. قالت له المعزة : أنت هكذا تخرق الاتفاق الذى تمّ بيننا.. قال لها الثعلب : إنّ عدد الشعر الذى فى ذقنك أكثر بكثير من المخ الذى فى رأسك.. لأنه كان عليك التفكير قبل أنْ تهبطى إلى البئر فى كيفية الخروج منها .
000
التعليق : إذا كان الإنسان هو الذى سيقرأ تلك الحكاية ، فإنّ مغزاها يتمحور حول أهمية التفكير قبل اتخاذ أى قرار. وإذا كانت معظم الشعوب (وفق منظومة المعتقدات الشعبية) أطلقتْ صفتىْ (المُـكر والدهاء) على الثعالب ، وفى نفس الوقت نظرتْ إلى المعيز على أنها كائنات غاية فى البساطة والسذاجة ولم يُعرف عنها إيذاء أى كائنات أخرى ، وبناءً على ذلك يكون مغزى تلك الحكاية أنه على الإنسان – مهما كانت طيبته ومسالمته وبساطته- أنْ يكون حذرًا فى أى قرار يتخذه وعليه التفكير قبل اتخاذ القرار.
الثعلب الذى فقد ذيله :
وقع ثعلب فى مصيدة أحد الرعاة.. فحاول الخروج.. نجح فى الخروج من المصيدة ولكنه فقد ذيله. ابتأس فى بداية الأمر، وكان يشعر بالخزى والعار لأنه بلا ذيل مثل غيره من الثعالب.. ثم استسلم للأمر الواقع.. وخطرتْ على ذهنه فكرة للتخلص من هذا الخزى.. وقال لنفسه : إذا كنتُ أنا بلا ذيل.. وإذا كانت الثعالب كلها تسخر منى.. فلماذا أكون أنا وحدى بلا ذيل؟ والحل أنْ تكون كل الثعالب بلا ذيول.. ورح يُـقنع الثعالب بقطع ذيولها.. فجمعهم وخطب فيهم قائلا أنّ الذيول منظرها شديد القبح.. وزيادة لا لزوم لها.. وعبء يحمله الثعلب فى كل تحركاته.. وأنّ منظر الثعلب بلا ذيل أكثر جمالا ورشاقة. فردّ عليه ثعلب أكثر منه دهاءً وقال له : يا صديقى أنت تـُـقـدّم لنا هذه النصيحة لأنك أصبحتَ بلا ذيل. ونحن الثعالب عشنا طوال حياتنا بذيول.. فكيف تـُريد لنا أنْ نـُغير من طبيعتنا ؟ فانهزم الثعلب الذى فقد ذيله ولم يستطع الرد .
000
التعليق : فى تلك الحكاية – المُـفعمة بالسخرية والفكاهة الراقية – فإنّ مغزاها يتمحور (فى اسقاط واضح على البشر) حول الإنسان الذى (جمع بين الحمق والسذاجة) وبعد أنْ فقد جزءًا من جسده تمنى أنْ يكون كل البشر مثله ، وهذا شىء مستحيل ، ولكنها النفوس الضعيفة والعقلية الضيقة التى تـُسيطر على بعض البشر.
الغراب يُــغنى :
سرق الغراب قطعة لحم.. وطار إلى أنْ جلس على فرع شجرة.. رآه أحد الثعالب.. تمنى الثعلب أنْ يحصل على قطعة اللحم من الغراب.. فكــّر ماذا يفعل وما الحيلة التى ستـُحقق هدفه؟ جلس تحت الشجرة وراح يتغزل فى الغراب.. فقال له : أنت طائر جميل.. وكان يجب أنْ تكون ملكــًا على جميع الطيور.. خاصة وأنك تمتلك صوتــًا جميلا.. وأنّ كل الطيور أصواتهم قبيحة.. فرح الغراب بهذا المديح.. فطلب الثعلب منه أنْ يُسمعه صوته.. فرح الثعلب أكثر بهذا الطلب.. وقال لنفسه : هذه فرصة أنْ يسمع الثعلب صوتى الجميل.. وبدون تفكير فتح فمه ليُـغنى.. وبمجرد أنْ فتح فمه سقطتْ قطعة اللحم على الأرض.. قفز الثعلب بسرعة واختطفها .
000
التعليق : 1- على الإنسان أنْ لا ينخدع بأى مديح 2- على الإنسان أنْ يعرف قدراته. والإبداع فى تلك الحكاية يتمحور حول ما هو معروف فى تراث الشعوب عن أنّ صوت الغراب قبيح ومزعج ، وهكذا تمكــّن إيسوب من السخرية من الأشخاص الذين يتوهمون فى أنفسهم قدرات وملكات ومواهب ليست لهم ، وعندما يفعلون ذلك تنزل عليهم سهام السخرية. وإذا كانت تلك الحكاية تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد ، فإننا ونحن فى بداية الألفية الثالثة ، لا يزال كثيرون من البشر يفعلون ما فعله الغراب ، سواء فى الغناء أو التمثيل أو فى أى مجال من المجالات التى تحتاج إلى الموهبة الحقيقية ، ثم تجويدها بالدراسة ، وأغلبهم يفعلون ذلك إما بسبب مقدرتهم المالية أو نفوذ أقاربهم فى مواقع السلطة ، أو بسبب المناخ الثقافى الردىء الذى شجّع أمثال هؤلاء ، فى حين لا علاقة لهم بالتمثيل أو الغناء ، خصوصًا بعد انتشار ظاهرة (الصوت المخنث) أى الذى لا يعرف المستمع إنْ كان هذا الصوت لولد أم لبنت.. وكأنّ المخطط هو (تخنيث) واقعنا المصرى فى شتى المجالات : الفنون وغير الفنون.
***