القاهرة 23 اكتوبر 2014 الساعة 03:34 م
كتبت: ميرفت عياد
يعد مجيء السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصر من أهم الأحداث التي جرت على أرض مصرنا الغالية في تاريخها الطويل، فبروح النبوة نظر هوشع النبي السيد المسيح منطلقاً من بيت لحم ، حيث لم يكن له أين يسند رأسه في كل من أورشليم...؟ ، ليلتجئ إلى أرض مصر ، ويجد له موضعاً في قلوب المصريين ولهذا قيلت النبوة "من مصر دعوت ابني " ، وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها ، فبسببها قال الرب "مبارك شعبي مصر" ( أش 19 : 25 ) ، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة : " .. يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر فهو مذبح كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر ، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان أكثر من ستة شهور كاملة ، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل ، ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات ، كما كثرت في أرض مصرعلى امتدادها الكنائس , خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها.
ونظراً لأهمية تلك الأماكن المقدسة فى قلوب كل مسيحى العالم أقامت وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة احتفالية كبرى للإعلان عن تدشين مسار رحلة العائلة المقدسة بمصر وذلك بالكنيسة المعلقة بمصر القديمة بحضور السيد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء وقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والسيد هشام زعزوع وزير السياحة ولفيف من الوزراء وعدد من المحافظين علاوة على عدد من سفراء الدول العربية والأجنبية فضلا عن عدد كبير من رجال الدين المسيحى من داخل مصر وخارجها وعدد من الفنانين .
وفي كلمته قال المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء إن تواجدنا اليوم في هذا المكان يبث رسائل حب وأمان وسلام للعالم أجمع حيث تتعانق الديانات السماوية في تجانس وتقارب فريد ، مضيفاً أن افتتاح هذا المنتج السياحي قبل أعياد الميلاد مهم جداً ، متوقعاً أن يشهد هذا النمط إقبالاً كبيراً من السائحين .
وفي كلمته قال البابا تاوضروس الثاني إن الكنيسة المصرية هي التي حافظت على مسار وتقاليد رحلة العائلة المقدسة ، مضيفاً نحن نقدم صورة جميلة عن مصرنا التي تحتضن الأديان ومنطقة مجمع الأديان خير مثال حيث تحتضن المسجد والكنيسة والمعبد في تألف عظيم .
محبى السياحية الدينية والروحية
وقد استهل السيد هشام زعزوع وزير السياحة الاحتفالية بعرض تقديمى أشار فيه إلى أن تدشين مسار العائلة المقدسة يعد أحد الأحداث السياحية الهامة والمؤثرة التى تشهدها أجندة السياحة المصرية نظرا لأنها ستكون نقطة البداية لنمط سياحى هام يجذب إليه العديد من محبى السياحية الدينية والروحية.
وأضاف زعزوع أن إحياء مسار العائلة المقدسة من المشروعات التي تحظى بإهتمام بالغ من وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة وهيئة التنمية في ظل وجود العديد من المواقع السياحية المسيحية التي يمكن الاستفادة منها في رحلة السيد المسيح والسيدة العذراء داخل مصر والتي تلقى إهتمام بالغ لملايين المسيحيين في العالم .
وتابع الوزير أن هناك حوالي مليار مسيحي حول العالم ويمكن أن تجتذب مصر أعداد كبيرة منهم وبخاصة مع وجود تلك الأماكن في مصر مثل مسار العائلة المقدسة والعديد من المناطق السياحية والكنائس والأديرة التاريخية والأثرية في مصر ، مشيراً إلى أن رحلة العائلة المقدسة في مصر تعبر عن اهتمام كبير من المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين بتلك الرحلة وهذا يؤكد أن مصر كانت وستظل في رباط دائم بين كافة أبناء الشعب .
كما أوضح زعزوع أن مسار العائلة المقدسة هو فرصة للسائح للتعرف على مناطق سياحية واعدة فى مصر على طول هذا المسار والذى يمتد لحوالى 3500 كم. حيث يشمل المسار 25 موقعا للتوقف منها رفح- العريش (6 مواقع) ، الفرما، تل بسطا (بالقرب من الزقازيق)، سمنود، سخا، وادى النطرون، علاوة على خمسة مواقع بالقاهرة وهى مسطرد، المطرية، حارة زويلة، كنيسة أبو سرجة بمصر القديمة، المعادى، ثم موقعين بالمنيا سمالوط ودير جبل الطير، وموقعين بأسيوط دير المحرقة ودرنكة.
وأشار إلى أن المشروع سيجذب إليه شريحة كبيرة من السائحين المهتمين بنمط السياحة الدينية والروحية وسوف يؤدى هذا المشروع إلى تنمية حوالى 25 مجتمعا محليا على مسار الرحلة على رأسها المجتمعات الأقل حظا فى صعيد مصر مثل تلك المناطق الموجودة فى محافظتى المنيا وأسيوط .
وأضاف الوزير أن السائح فى رحلته خلال هذا المسار يستطيع ممارسة أنماط سياحية متعددة إلى جانب الاستمتاع بمزارات متنوعة ومتميزة مثل المناطق الأثرية والصحراوية والريفية، مشيرا إلى أنه من المتوقع تزايد الطلب على هذا النمط السياحى بما سوف يسهم وبشكل كبير فى تحقيق التنمية فى المدن والمحافظات على طول المسار والذى يشمل حوالى 25 مجتمعا مدنيا .
هذا وقد تضمنت الاحتفالية عرض فنى بعنوان "رسالة سلام" والتى تؤكد على أهمية حوار ثقافات الشعوب وهو ما يعكس أهمية السياحة ودورها فى تعزيز العلاقات بين مختلف الشعوب ونشر السلام.
رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر
لم تكن رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر بالأمر الهين ، بل كانت رحلة شاقة مليئة بالآلام والأتعاب , سارت خلالها السيدة العذراء حاملة الطفل يسوع ومعها يوسف البار ، عبر برية قاسية عابرة الصحاري والهضاب والوديان متنقلة من مكان إلى آخر ، وكانت هناك مخاطر كثيرة تجابهها , فهناك الوحوش الضارية التي كانت تهدد حياتهم في الصحراء ، ومما لا شك فيه أن زيارة السيد المسيح لمصر كانت هي التمهيد الحقيقي لمجيء مار مرقس الرسول إلى مصر وتأسيس كنيسة الإسكندرية ويعرف المصريون الديانة المسيحية حتى تكتما النبوة "فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب ويقدمون ذبيحة وتقدمة " .
وحسب المصادر التاريخية القبطية سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ 37 كم ، ودخلت مصر عن طريق الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدنيتي العريش و بورسعيد . ثم دخلت مدينة تل بسطا بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية ، وفيها أنبع السيد المسيح عين ماء ، وكانت مدينة مليئة بالأوثان ، وعند دخول العائلة المقدسة المدينة سقطت الأوثان على الأرض ، فأساء أهلها معاملة العائلة المقدسة .
غادرت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا متجهة نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد ، ومنها انتقلت العائلة المقدسة شمالاً نحو الشرق إلى مدينة بلبيس التابع لمحافظة الشرقية واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة ، عرفت باسم "شجرة العذراء مريم" ، ومنها رحلت العائلة المقدسة شمالاً إلى بلدة سمنود حيث استقبلهم شعبها استقبالاً حسناً فباركهم السيد المسيح له المجد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت ، يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ، ويوجد أيضاً بئر ماء باركه السيد المسيح بنفسه .
انتقلت العائلة المقدسة إلى مدينة سخا ومنها عبرت العائلة المقدسة نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا ، وتحركت جنوباً إلى وادي النطرون (الاسقيط) ، وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان . ومن وادي النطرون ارتحلت العائلة المقدسة جنوباً ناحية مدينة القاهرة ، وعبرت نهر النيل إلى الناحبة الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس، ثم سارت متجهة ناحية مصر القديمة ومكثت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهي في طريقها لمصر القديمة التى تعتبر من أهم المناطق والمحطات التي حلت بها العائلة المقدسة في رحلتها إلى أرض مصر ، ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أياماً قلائل ، نظراً لتحطم الأوثان فأثار ذلك والي الفسطاط فأراد قتل الصبي يسوع ، وكنيسة القديس سرجيوس (أبو سرجة) بها الكهف (المغارة) التي لجأ إليها العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة .
ارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب ، حيث وصلت إلى منطقة المعادي وقد أقلعت العائلة المقدسة في مركب شراعي بالنيل متجهة نحو الجنوب (بلاد الصعيد) ، من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية ، لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادي . وما زال السلم الحجري الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجوداً وله مزار يفتح من فناء الكنيسة
وصلت العائلة المقدسة مغاغة ومنها إلى البهسنا حتى جاءت إلى بلدة سمالوط ، ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن ديرالسيدة العذراء بجبل الطير ، ومنها عبرت العائلة المقدسة النيل من الناحية الشرقية إلي الناحية الغربية ، واتجهت نحو الاشمونين الثانية وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب ، وسقطت أوثانها ، وباركت العائلة المقدسة الاشمونين ، ومنها اتجهت جنوبا ناحية ديروط ثم القوصيا حيث سقطت الأصنام وتحطمت ، فطردهم أهلها خارج المدينة وأصبحت هذه المدينة خراباُ .
وانتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابا وإيابا عندما ظهر ملاك الرب ليوسف الشيخ في حلم قائلا :" قم وخذ الصبي وأمة واذهب إلي أرض إسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي " حقا كانت رحلة شاقة بكل معني الكلمة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا .