القاهرة 14 اكتوبر 2014 الساعة 02:54 م
حينما أفكر"كمواطنة" فى مستقبل مصر ،أجد أن مستقبل هذا الوطن يتجسد عندى فى التعليم ، فأتلفت حولى لأرى أوضاع مدارسنا التى انقسمت فى مصر إلى عدة أنواع لن أذكر منها سوى التعليم العام والتعليم الخاص .
....تلجأ الطبقة المصرية المتوسطة فى الغالب إلى المدارس الخاصة ...فقد علمتنا كتب التاريخ أن الطبقة المتوسطة هى أكثر الطبقات حرصا على تعليم أبنائها ،ولهذا تجدهاحريصة كل الحرص ومهما ارتفعت نفقات المدارس الخاصة على إلحاق أبناءها بتلك المدارس وذلك إيمانا من أفرادها بأهمية التعليم وبأنه الوسيلة الوحيدة للارتقاء الوظيفى والطبقى،وتحاول معظم المدارس الخاصة أن تمنح التلميذ بها تعليم متوسط ،فهى تساعده على تعلم القراءة والكتابة وتحقيق الدرجات فوق المتوسطة إرضاءا للأهل التى سوف يصيبونهم بالصداع إذا ما فشل التلميذ فى تحقيق أعلى الدرجات ،هذا بالإضافة إلى قيام الأسرة ذاتها بأقصى جهد ممكن لكى يحقق الابن التلميذ اتقانا شديدا واستيعابا لاغبار عليه لمقررات المنهج وذلك عبر مساعدة الوالدين للأبناء بالمنزل ،فإن لم يكن لديهم القدرة والوقت الكافى فأنهم يلجأون إلى الدروس الخصوصية التى تستهلك باقى ميزانية الأسرة بالإضافة إلى تكاليف الأعباء الحياتية اليومية ،ولهذا نجد أن الأسره تظل حتى يتخرج أبناءها من الكليات المختلفة تظل حبيسة الطبقة المتوسطة فلا سبيل إلى الارتقاء طالما هناك استنزاف دائم بالشكل السابق ذكره ،إننى هنا أتحدث عن المدارس الخاصة التى تقام خصيصا لأفراد الطبقة المتوسطة وليست تلك التى تتعدى مصر وفاتها المئات من الآلاف .
ولكن ماذا عن المدارس الحكومية ؟
لقد أصبحت المدارس الحكومية على الرغم من أهميتها ومساعدتها لأبناء الفلاحين وبسطاء القوم ،وآسف للقول إن غالبيتها قد تحولت إلى معقل لتفريخ الفكر العشوائى وتربية التلاميذ على ثقافة العشوائيات !!
هذه الثقافة التى تحاصرنا الآن وتفرض نفسها على أبنائنا بلا رادع ولا رحمه ..تحاصرنا فى كل المناطق أبحث فى شوارع مصر الجديدة التى لطالما تغنى بها الحالمون ...ستجدها ...!
ابحث فى المدن الجديدة و6أكتوبر على سبيل المثال ....ستجدها ...!
ابحث فى مدينة حلوان التى كان يصفها الأطباء كمنتجعا لمرضى الصدر... ستجدها ....!
حاصرتنا العشوائيات فى الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والبرامج والمسابقات الفنية،ولنا فى أفلام العيد المثل والنموذج ....!
كذلك حاصرتنا العشوائيات فى سلوكيات البشر من حولنا ،من سيطرة الفردية على المصالح،وعدم الاتقان فى المهن اليدويه ،وسيطره فكرة "اخطف واجرى "حتى على بائع الخضار والفاكهة ، ساد فكرالفهلوة ،والاستباحة لمال الغير ومجهود الغير ، والتعدى على حقوق المجتمع ،التعدى على حقوق الآخرين ....،كل هذه الموبيقات عاثت فى الأرض فسادا والقائمة طويلة لا نهاية لها ..
وأجدنى أعود مرة أخرى للتعليم وأنا أحادث نفسى قائله :مالم نبدأ بإصلاح التعليم بالمدارس الحكومية فلن تقوم لهذه الدولة قومه ..ولكن أتوقف لحظة لأفكر فأجد أن الخراب آتى من ثقافة العشوائيات التى توغلت فى نفوس البشر وأصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا ...فمن يستطيع أن يغير إنسان فاسد قد بلغ من العمر عتيا ؟
إذن فالحل ليس فى التعليم كما كنت اعتقد..فالفساد طال مع الأسف كثير من المشرفين على العملية التعليمية بدءا بالمدراء حتى أصغر عامل نظافة بالمدرسة...وهل يعنى ذلك إنه لا أمل فى إصلاح المؤسسة التعليمية ومن ثم إصلاح المجتمع ؟؟؟
أخشى أن تكون إجابتى بنعم ..ولكن بشىء من التفكير،كما أن الرغبة فى بث روح الأمل فى النفوس تجعلنا نبحث عن حلول وبدائل ورؤى أخرى ...فإصلاح التعليم لن يبدأ إلا بإصلاح نفوس البشر الذين يجب أن يؤمنوا بمبدأ واحد وقيم واحدة نتفق عليها جميعا ،العودة إلى القيم الأصيلة التى تربت عليها أجيال صنعت هذا الوطن .
ولكن كيف ؟....لقد وجدت الإجابة فى دراسة مهمة لأستاذى الدكتور ثروت إسحق الذى نادى بضرورة دعم التنمية البشرية فى المناطق العشوائية ،ولفت إلى أهمية إشراك الناس فى حل مشاكلهم وتحسين أوضاعهم كما حث مؤسسات المجتمع المدنى على العمل جنبا إلى جنب مع الحكومات لمساعدة الناس فى تطوير واقعهم،وأجدنى أتلقف منه هذا الخيط لأفكر ولما لا نقوم بعمل تنمية بشرية للشعب كله ،ونشحذ كل الهمم عمليا وتطبيقيا من خلال لقاءات مع الناس كلا فى مكانه لتغيير الفكر السلبى السائد فى المجتمع ...مع تكريس مهمة الإعلام فى ترسيخ المبادئ والقيم المصرية الأصيلة ، وتنقية الخطاب الإعلامى مما علق به من شوائب التى رفضها المجتمع .
وقد سعدت بأطلاعى على دراسة مهمة للدكتور "على جلبى "يشرح فيها كيف اهتمت التجربة الماليزية بتنمية الموارد البشرية ومواجهة التحديات الاجتماعية والتوافق مع حاجات بيئية جديدة ، والعمل على أحداث تغير فى الموقف الفعلى للشعب الماليزى ككل ، وتطوير قيم العمل التى تساير المجتمع الذى بلغ درجة عالية فى التصنيع والعناية بالتعليم .
وسؤالى الآن :لماذا لا نقوم بتنمية الإنسان المصرى من الداخل عبر المدارس الحكومية ،ومن خلال مدرسين تدربوا بالفعل جنبا إلى جنب دراستهم العلمية على التنمية البشرية ،وذلك من أجل تنفيذ فكرة (بناء الإنسان )التى نادى بها الدكتور حامد عمار "أطال الله فى عمره "بل إننى أسعى لتطوير هذه الفكرة وأنادى ب"ترميم الإنسان المصرى "أو إعادة بناءه من جديد ،وذلك من خلال برامج متخصصة فى التنمية البشرية وعلى أيدى متخصصين ، نستخدم عمليات غسيل المخ فى ما هو مفيد للمجتمع ،على أن نسخر مؤسسات الدولة لهذا.
إن الفساد ينخر فى الوطن ،وهو متوغل بالأساس فى نفوس البشر الذين تكيفوا معه بل وطوروه لخدمة مصالحهم !!
ولن تقوم لمصر قومة إلا بترميم الجيل السابق ، والسعى لبناء إنسان العصر من خلال مدارس تهتم ببناء الروح والعقل قبل الجسم .