القاهرة 11 اكتوبر 2014 الساعة 04:49 م
لقد اثارت شخصية جمال عبد الناصر الكثير من الاهتمام لانجازاته الكبيرة ونكساته الكبيرة ايضا وهذا شأن الشخصيات الكبيرة التي تركت تراثا ولعبت ادوار في تاريخ الشعوب مثل نابليون وتشرشل وفرانكلين روزفلت او ماوتسي تونج ولينين وستالين وغيرهم. وعبد الناصر كان له رفاق منهم انور السادات ومنهم عبد الحكيم عامر ةهما شخصيتان ايضا اثارتا الكثير من الاهتمام بالنقد او بالاشادةز ومن هذا لمنطلق تابعت كتابات عديدة عن هذه الشخصيات ولكنني اركز علي اهم شخصيتين هما جمال عبد الناصر وانور السادات واترك ما يقال عن عبد الحكيم عام لمناسبة اخري وعبر عن هذه الافكار في رسالة بعثت بها لاحد الشخصيات الناصرية التي اعتز بها وهو الاستاذ سامي شرف الذي عمل باخلاص وشوف مع بد الناصر وما زال وفيا له لعهده وان كان مبتعدا عن السياسة ةدهاليزها منذ ان اقيل في عصر السادات مع عد اخر ممن اطلق عليهم مراكز القوي وهم كانوا كذلك وفيما يلي بعض ما كتبه في رسالة الي الاستاذ سامي شرف اسمح لي ان اختلف مع كثيرمن الرسائل ومحتوياتها التي ترد منكم وهي تحويل لاراء وكتابات اخرين في معظمها.ونقطة الاختلاف هي انني الا احظ ان كثيرا من هذه الكتابات يعيش اصحابها في الماضي وعصر جمال عبد الناصر ومزاياه وعصر السادات وعيوبه الشيطانية بل يتهمه البعض بالعمالة وما الي ذلك .
وانا اعتقد أن هذا النمط الفكري لا ينبغي أن نعيش فيه انه عصر مضي واخشي ان اكرر ما هو معروف ومن البديهيات ان الماضي لا ولن يعود سواء كان ماضي الاسلام وعصر الصحابة الكرام اوكان ماضي محمد علي باني نهضة مصر الحديثة او عصر جمال عبد الناصر زعيم الامة العربية او عصر السادات قائد معركة اكتوبر المجيدة والتي حققت انتصارا عظيما مهما يكن عليه من مثالب فهو محرر باقي سيناء بالعمل السلمي مهما كانت القيود فهذا وذاك كله عصرمضي ويجدر بنا ان ناخذ منه العبرة وعند الكتابة عنه ينبغي أن نأخذ في الحسبان عدة امور منها :
الاول ان الماضي لن يعودويجدر بنا ن نتركه للمؤرخين عندما تظهر وثائق التاريخ الصحيحة وهي نادرة لانه حتي من كتبوا تلك الوثائق كانت لهم رؤاهم
الشخصية وعيوبهم المنهجية وقصور معلوماتهم
والثاني إنه ينبغي ان نعيش المستقبل ولا نعيش الماضي ونكرره ونلوك الاقوال بشانه نشتم هذا ونمدح ذاك ، كما كان الشعراء في العصور القديمة يمدحون من يجزل عليهم العطاء ويهجون من لا يعطيهم ما يريدون، وحقا قال عبد الله العصيمي الشاعر والاديب السعودي منذ فترة ان العرب ظاهرة صوتية ولذلك حتي المعلقات والشعر الذي قيل عنه ديوان العرب وتاريخهم عليه الكثير من التساؤلات فالسلوك البشري والاقوال البشرية موضع دراسة نقدية دائما وتختلف بشانها الاراء. وهذا احد اسرار عظمة الامم والشعوب وسرتقدمها اما اذا نظرنا لكل عمل بشري واضفينا عليه القداسة فهذا طريق الجمود الفكري ومدعاة للتخلف السياسي
والثالث إن كل ابن ادم خطآء وخير الخاطئين التوابون واشير هنا الي قول السيد المسيح عندما انتقد بعض تلامذته لقاءه مع احدي السيدات العاهرات فقال من كان منكم بلاخطيئة فليرمها بحجر كما اذكر قول الله سبحانه وتعالي " فاعفوا واصفحوا ألا تحبون ان يصفح الله عنكم
والرابع هو ان تاريخ مصر يعتمد ليس علي تصورات من كانوا طرفا في صناعته رغم دورهم العظيم او غير ذلك فهم فقط جزء من المعلومات ولكن الاعمال ليست فقط بالنيات وانما العبرة ايضا بالنتائج ولعلني اشير اليالواقعة المشهورة بين النبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي بعث رسولا بالحق وهاديا واختلاف بعض الصحابة معه بالنسبة لصلح الحديبية
والخامس ان اعمال السياسة والسلوك البشري هي دائما موضع اختلاف ووهذا يدعونا للتأكيد علي اهمية ان نعيش المستقبل وليس الماضي الذي يجب ان يقتصر علي اخذ العبرة .
إنني اربأ باي وطني مخلص وشريف مهما كان موقعه او رأيه وهم كثيرون وهم من ابناء مصر البررة الوقوع في هذا المطب.وي
روي أن الامام علي بن ابي طالب خاطب اصحابه يوما ما بحكمة بالغة بقوله لهم " لا تجبروا ابناءكم ان يكون مثلكم فهم مخلوقون لزمان غير زمانكم والعبرة هنا ان الماضي بحلوه ومره ينبغي ان ننساه ونأخذ فقط منه العبرة ولكننا لا ينبغي ان نجلد انفسنا او نجلد الاخرين لانهم لم يفعلوا ما يتماشي مع رؤيتنا
انني ممن عاشوا مرحلة جمال عبد الناصر وان لم اكن في موضع سلطة ولكنني منذ ان وعيت علي الدنيا واعرف بعض مما حدث بل عشته طالبا في الجامعة ودبلوماسيا في الخارجية وباحثا في العلوم السياسية وانتقدت بعض ما حدث في حينه ودافعت عن بعض ما حدث ايضا وفقا لكل موقف وظروفه وليس هناك انسان معصوم من الخطا وهذا الصحفي الذي يتاجر باسم عبد الناصر ويعيش علي نقيض فكره وسياساته قال في اوائل مقالاته بعد وفاة عبد الناصر مخاطبا انصاره عبد الناصر انذاك بصفته من كتاب الناصرية وهو يعتبر نفسه وريث عبد الناصر رغم انه في حياة عبد الناصر نفسه كانت علي ذاك الصحفي علامات استفهام ولعب دورا خطيرا في اساءة علاقات مصر بالدول والزعماء العرب في مقالاته بل كان بعض جيلنا من الشباب يتهمونه بانه عميل امريكي وبعض رجال القوات المسلحة انتقدوه بشدة لمقاله قبل حرب اكتوبر بعنوان تحية للرجال في حين انه كان يضع في ذلك المقال فكرا مسموما لبث اليأس في نفوس القوات المسلحة والشعب المصري وانا اعتقد ان ذلك الصحفي لا يعبر عن فكر عبد الناصر ولا سلوكياته وانما يعبر عن ذاته وفكره ومصالحه واشير لمقال كان فيه صادقا وان لم يخل من مارب شخصية لقد كان هذا المقال يدعو لعدم عبادة الاصنام وأنه لا ينبغي ان نحول ايماننا بمبادئ عبد الناصر الي تصور انه صنم يعبد ، وكان ذاك الصحفي من وجهة نظري الشخصية اكثر من استفاد من عبد الناصر حيا وميتا وهذا من اخطاء عبد الناصر ، والعلاقات العربية المصرية لم تكن جيدة في عهد عبد الناصر، والمصريون كانوا موضع شك في كثير من البلاد العربية بتهمة انهم عملاءلاجهزة المخابرات المصرية وان كانوا من ناحية اخري موضع تقدير لانتمائهم لفكر عبد الناصر ودعوته للكرمة والعزة.
ما اريده قوله انني ادعو للنظر للامام والبناء علي الايجابيات بدلا من الحديث دائما عن الماضي والتركيز علي ايجابيات من نحب وسلبيات من نكره وهذاليست فقط قضيةوطنية وانما هو قضية اخلاقية وحقا قال الشاعر :
ان عين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساؤي
انني رغم انتمائي للفكر الناصري وحبي لعبد الناصر كزعيم مخلص ومواطن شريف لا اري فيه نبيا او اماما معصوما انه سعي لبناء دولة بمفهوم حديث وسعي لتحرير امة بل ساهم في تحرير قارة ولكن له ايضا اخطاءه العظيمة وهي اخطاء البشر بل النبي محمد نفسه له اخطاء في بعض مواقفه وعاتبه ربه علي ذلك في القرآن الكريم الذي نقرأه حتي الان ولم يغضب النبي ولا صحابته . ولكننا اليوم ايضا حولنا النبي الي معصوم بالكلية انه معصوم فيما يبلغ عن ربه وما عدا ذلك فليست له عصمة بدليل مواقفه الدنيوية في صلح الحديبية الذي اختلف فيه مع كثير من الصحابة ومن بينهم عمر بن الخطاب وبدليل بكاؤه بعد زيارته للطائف وحزنه علي معاملة اهلها له ولكنه رفض معاقبتهم عندما جاءه جبريل وابلغه رسالة ربه بان يطبق عليه الاخشبين ( الجبلين) رفض لانه مرسل رحمة للعالمين من امن به ومن رفضه وعاداه
كما بكي النبي محمد علي ابنه ابراهيم الطفل الرضيع وهذا قمة الرحمة والانسانية والعاطفة البشرية
وتعامل مع الاعمي بعدم اكتراث مركزا علي علية القول لعلهم يسلمون وغير ذلك
العبرة هنا بالطبيعة البشرية وبالبشر الذي يخطئ ويصيب ولا يقلل ذلك من قيمته كما أن ادم عليه السلام اخطأ اكبر خطيئة وسجلتها عليه الكتب السماوية بما في ذلك القرآن ولكنه عندما استغفر ربه غفر له. واذا كان عبد الناصر اخطأ خطيئة كبري بصداقته لعبد الحكيم عامر رغم كل سلبياته التي جلبت كثيرا من الكوارث التي اصابت الدولة وكذلك صداقته او بالاحري تسامحه مع بعض قيادات مجلس الثورة فهذا كله ينظر اليه في سياق البشريةوالضعف الانساني واذا كان السادات اخطأ في الصلح مع اسرائيل من وجهة نظر من يرون ذلك فهذا تقديره ، وانا لست من انصارذلك ولا من دعاة هذا الجلد المستمر له أوهذا الطعن المستمر في قيادات مصرية لها تاريخها وقامتها وانجازاتها وايضا اخطاؤها لان السادات احد قادة الثورة واكثر من كان يؤيد عبد الناصر ولذلك ظل بجواره طوال حياته وهو الذي عينه نائبا له ، والناصريون بعد ذلك اختاروا السادات لانهم تنازعوا فيما بينهم علي السلطة ، وهذا من سمات البشر فقد تنازع الصحابة الكرام علي السلطة بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وترتب علي ذلك هذا الانقسام الكبير في صفوف المسلمين الذي ما نزال نعيشه وندفع ثمنه حتي الان. وانا بتواضع اربأ بمن احب ان يقع في سياق مثل هذا الاندفاع وارجوه رجاء خاصا ان ينصح من يلوكون الكلام الكثير قدحا او مدحا ان يفكروا فيما ينفع مصر المستقبل وينفع عالمنا العربي الذي كان حلم عبد الناصر ان يوحد صفوفه ،بدلا من اجترار الذكريات وانما يمكن بل ربما ينبغي أن يسجل هؤلاء مذكراتهم وادوارهم اذا كانت هناك ادوار تستحق الذكر لبعضهم لكي يتم الاستفادة بها للتاريخ وللمجتمع . وسوف يحكم التاريخ يوما ما علي مدي صدق هذه الرؤي او عدم صدقها ومدي ملائمة هذا القرار او عدمه للموقف المظروح انذاك بتحليل علمي موضوعي بعيداعن الانحيازات البشرية التقليدية.
واعيد التأكيد علي الحق في الاختلاف وضرورة ان نتعلم جميعا هذا الحق ونحترمه ونعمل في ظله حتي تتقدم امتنا لعربية وشعبنا المصري وايضا للاختلاف مع البعض من الاصدقاء في المنهج واسلوب التفكير واقول كما ذكرت اكثر من مرة يكفي عبد الناصر انه مات ولم يترك ثروة سوي بضع جنيهات ، ولم يكن ممن يحرصون علي شهواتهم بل كان عفا شريفا ولكن بعض قراراته السياسية بصداقة عبد الحكيم عامر او غيره اوبطلب سحب قوات الامم المتحدة دون استعداد كاف للمواجهة ادي لما سمي بالنكسة وهي اكبر هزيمة في تاريخ مصر الحديث وعمل عبد الناصر من اجل التغلب عليها حتي توفاه الله