القاهرة 11 اكتوبر 2014 الساعة 04:37 م
كتب:حسام إبراهيم
تأتي الذكرى ال 41 لحربالسادس من اكتوبر وسط حالة من التسليم بأن هذه الحرب المجيدة
لم تجد حتى الآن"المعادل الابداعي الروائي او السينمائي" وان كل ماقدم من روايات
وقصص وافلام عن حرب اكتوبروتداعياتها لايرقي ابدا لتضحيات المصريين وبطولات
مقاتليهم ولايمكن مقارنتهبأعمال ابداعية روائية وسينمائية في الغرب تناولت الحروب.
وليست المسألة مسألة كمكما يعتقد البعض وهم يعددون القصص والروايات التي صدرت عن
حرب اكتوبر وانما المقصودعمل كبير عن الحرب و تداعياتها على غرار ملحمة "الحرب
والسلام" للروائيالروسي العظيم ليو تولستوي والتي كانت مجلة نيوزويك الأمريكية قد
اعتبرتها "افضل روايةظهرت في كل العصور ولدى كل الشعوب" او "طبل الصفيح" للكاتب
الألماني جونتر جراس و"كلشيء هاديء في الميدان الغربي" لأريك ماريا ريماك و"لمن
تدق الأجراس" لارنستهيمنجواي.
وكل عام تتكشف المزيد منبطولات جند مصر اثناء هذه الحرب المجيدة والعادلة لتحرير
الأرض السليبة فيما تأتيبعض هذه الحقائق عن بطولات بقت طي الكتمان سنوات طويلة
من الجانب الاسرائيلي ذاتهمثلما حدث هذا العام في الحديث عن الشجاعة والقدرات الفذة
وروعة المناورة لطيار مصريبطل اذهل خصومه من الطيارين الاسرائيليين وهو يقود
طائرة تتواضع امكاناتهاالتقنية كثيرا امام طائراتهم الأمريكية ذات القدرات البالغة
التطور حينئذ.
وبينما تبدو مصر وكأنهاتفتقر "لأدب الحرب" بالمعنى المتعارف عليه من معايير ابداعية
رفيعة المستوى فان انعكاساتالحرب العالمية الثانية على مصائر اشخاص عاديين تتجلى
بوضوح مثلا في اعمال الفرنسيباتريك موديانو الفائز بجائزة نوبل في الآداب لعام
2014 والذي يبدو مهموما بفكرة الحرب وهي الفكرة التي تفرض نفسها الآنبقوة في
سينما الغرب.
وهاهو مهرجان لندن السينمائيالذي يستمر حتى التاسع عشر من شهر اكتوبر الحالي يحتفى
بأفلام الحرب حيث افتتحيوم الثامن من هذا الشهر بفيلم "لعبة التقليد" الذي تدور
احداثه في زمن الحرب العالميةالثانية ويعرض لجهود فذة بذلها "بطل بريطاني مجهول"
لفك شفرات الرسائل الألمانيةاثناء الحرب.
وطالب بطل هذا الفيلم الممثلبيندكت كامبرباتش بوضع صور الان تورينج قائد الفريق البريطاني
لفك شفرات الرسائل الألمانيةاثناء الحرب العالمية الثانية على اغلفة الكتب
المدرسية ووصف شخصيته التييجسدها في الفيلم بأنها شخصية بطل استثنائي اسهمت
اعماله في انقاذ ارواحالاف البشر وتقصير امد الصراع معتبرا انه "شرف كبير ان يؤدي
هذا الدور على الشاشة".
ومن المقرر ان يختتم المهرجانبفيلم اخر عن الحرب العالمية الثانية عنوانه :"غضب"
ويتناول شخصية رقيب فيالجيش البريطاني كان قائدا لطاقم دبابة "تقوم بعملية خلف خطوط
العدو" فيما تفسررئيسة مهرجان لندن السينمائي كلير ستيوارت هذا الاهتمام بأفلام
الحرب كمحاولة لفهم الحالةالانسانية بطريقة افضل.
بل ان الحرب العالمية الأولىالتي مر عليها هذا العام قرن كامل مازالت موضع اهتمام
كبير في الثقافة الغربيةبكل وسائطها بينما لايمكن القول بأن هذه الحرب التي تأثرت
بها مصر قد انتجت عملاابداعيا مصريا كبيرا في صورة رواية او كتاب او فيلم او
مسرحية وقد ينسحب الأمرذاته على الحرب العالمية الثانية .
وهاهو كتاب جديد يصدر بالانجليزيةبعنوان "الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط"
لكريستيان الريكسن فيمااعتبر بعض النقاد هذا الكتاب الذي صدر في لندن من افضل كتب
التاريخ العسكري في تلكالمنطقة وهو يصحح عبر 325 صفحة بعض المفاهيم الخاطئة في
الغرب كما يقدم للقاريءالعالم الداخلي للقادة والمخططين الاستراتيجيين العسكريين.
انه الغرب الشغوف بأدبوكتابات الحرب بما لايقارن بالحالة المصرية ومن هنا ليس من
الغريب ان يكون الكثيرالمراجع والكتب عن الحروب في منطقة الشرق الأوسط بأقلام غربية
مثل ذلك الكتاب الجديدالذي صدر بالانجليزية في لندن بعنوان " الحرب الأطول..النزاع
العسكري بين ايران والعراق"فيما اعتمد المؤلفان ويليامسون موراي وكيفين وودز
على الوثائق السرية العراقيةعن هذه الحرب بعد اسقاط نظام الرئيس الراحل صدام
حسين واستباحة الارشيفالسري للدولة.
ومع ذلك ثمة بشائر عن اجتهاداتابداعية في ادب الحرب في مصر كما يتجلى في عمل روائي
جديد للكاتب عبد الستارحتيتة عنوانه "شمس الحصادين" وهو يتخذ من الحرب العالمية
الثانية مسرحا لفضائه الروائيويمسك المؤلف بخيوط العمل الذي تدور احداثه في الصحراء
الغربية بمقدرة فنية لافتةوبنفس ملحمي وخبرة عالية بالبيئة الروائية وجغرافيا
الحرب.
وقبل ذلك كانت اعمال ابداعيةمصرية لافتة عن الحرب مثل رواية "الحرب في بر مصر" للكاتب
يوسف القعيد و"حكاياتالغريب" و"الرفاعي" لجمال الغيطاني و"نوبة رجوع" لمحمود
الورداني وتناول صنع اللهابراهيم الحرب الأهلية اللبنانية في روايته "بيروت بيروت"
وبالتأكيد فان الحرب حاضرةفي ابداعات النوبلي المصري الراحل نجيب محفوظ غير
انها قد تشكل خلفية اوبعض الخيوط دون ان تكون صلب العمل او محوره.
ومع كل التقدير للابداعاتالروائية المصرية في مقاربة الحرب فمن الذي يمكنه ان يزعم
ان ايا من هذه الأعمالحتى الآن يمكن مقارنتها مثلا بملحمة الحرب والسلام لتولستوي
وان كان هناك من يبرر الأمربأن تولستوي كتب هذا العمل الروائي العملاق والذي
قد لايتكرر ابدا بعد75 عاما من انتهاء حرب الروس والقائد الفرنسي نابليون فماذا
عن اعمال روائية غربيةاخرى مبهرة صدرت بعد وقت قليل من انتهاء الحرب العالمية الأولى
او الثانية مثلا?!.
وكان الكاتب محمود الوردانيقد اعتبر في تصريحات صحفية ان الكتابات الروائية المصرية
لم تستطع التعبير عن حرباكتوبر المجيدة فيما ذهب صاحب "نوبة رجوع" الى ان ماكتب
عن هذه الحرب "كتاباتمشوهة وفجة لم تصل الى روح هذه الحرب العظيمة بأبعادها الأسطورية".
هل يمكن تفسير الأمر بمايسمى "بالكسل الابداعي" حتى ان البعض انتبه لخطورة الظاهرة
وانعكاساتها على احداثومشاهد اخرى مرت بها مصر مثل ثورة يناير-يونيو وابدى خشيته
من عدم تناولها روائياوابداعيا على وجه العموم بالصورة المنشودة والتعلل بالذريعة
التقليدية حول حاجة المبدعلسنوات طويلة حتى يختمر عمله عن حدث كبير !.
ورغم حفاوة ثقافية رسميةبذكرى هذه الحرب المجيدة فان هذه الظاهرة المتعلقة بغياب
ابداعات رفيعة المستوىقد تكون موصولة سؤال يتردد السؤال على ايقاع اللحظة المصرية
ووقعها: "هل حان الوقتلتحويل حرب اكتوبر من وقائع احتفالية الى ثقافة حاضرة
فاعلة في الواقع المصري"لتعلي من مجموعة قيم تجلت في "مصر 1973"وهي بحق قيم النصر
.
ولعل الوقت قد حان لنشرالرواية الرسمية المصرية عن هذه الحرب بتفاصيلها وفي صورة
كتاب عن يوميات القتالكما حدث ويحدث في دول خاضت حروبا كبرى مثل حرب اكتوبر التي
اثرت على الاقليم والعالموتستحق العديد من الكتب الرفيعة المستوى.
ولاحاجة للقول بأن مثلهذه الرواية الرسمية كفيلة بالتصدي لكثير من المحاولات المعادية
او المغرضة لتغيير الحقائقاو التلاعب بالتاريخ وتجاهل وقائع دالة مقابل ابراز
وقائع اخرى بما يفضي"لرواية ظالمة او على الأقل غير متوازنة بشأن ماجرى في حرب
السادس من اكتوبر".
ويحتفل المصريون هذا العامبمرور 41 عاما على حربهم المجيدة بعد ثورة شعبية انطلقت
في الثلاثين من يونيو2013 لتطيح بحكم جماعة ابدت عدم احترام لتقاليد مصرية عريقة
وتراث ثقافي راسخ يعليمن
قيمة الأرض.
انها "الأرض"التي تقترن في الادراك المصري العام "بالعرض" فيما لم يكن الشعب المصري
مستعدا بأي حال من الأحواللاحتمال استمرار حكم جماعة توالت الشواهد والنذر حول
قبولها التفريط في سيناءالتي حررها المصريون بالدم الغالي في حرب مجيدة وباتت
تؤشر "لجغرافيا الشهداءفي الثقافة المصرية".
واذا كانت مصر الآن بحاجةماسة "لثقافة اكتوبر" فان اروع مافي ملحمة السادس من اكتوبر
ان المقاتلين المصريينكانوا يقاتلون مدافعين عن شرف علم مصر "وعيونهم ليست في
ظهورهم وانما ترنو للأمامفي سيناء طالبين النصر او الشهادة ليشكلوا ثقافة جديدة
هي في جوهرها ثقافة التقدمللمستقبل ".
وهذه الثقافة بمكوناتهاالجوهرية من مبادأة ومبادرة وابتكار وابداع وتضحية وفداء وايمان
وفهم عميق لمعنى الترابالوطني وقيمة الأرض وشرعية الحرب ونبل القتال لتحريرها
و"فرض السلام المصريعلى القوى المعادية لمصر" لايجوز ان تكون مجرد تاريخ وانما
لابد وان تكون "حياة"وثقافة حاضرة وفاعلة في الواقع ان كان للمصريين ان ينشدوا
حياة افضل.
وهذه الحرب في سياقها الشاملوضمنه حرب الاستنزاف اثبتت ان هناك قادة عسكريين مصريين
مثل الشهيد عبد المنعمرياض لديهم من الرؤى والتكوين الثقافي مايضعهم في مكانة
سامية في قائمة القادةوالمفكرين العسكريين والاستراتيجيين في العالم التي ترصعها
اسماء مثل الألماني كارلفون كلاوزفيتز والمارشال الروسي جيورجي جوكوف والرئيس
الأمريكي دوايت ايزنهاوروالفيلد مارشال البريطاني برنارد مونتجمري وخصمه العتيد
ثعلب الصحراء الألمانيارفين روميل .
ثم ان الوقت قد حان لانصافالثقافة المصرية التي برهنت على اصالتها في ساعات الظلام
الحالك عقب معارك الخامسمن يونيو 1967 واثبتت انها ثقافة مقاتلة عندما شكلت المدد
والزاد لأرواح المقاتلينفي حرب الاستنزاف حتى عبور الهزيمة في السادس من اكتوبر
1973.
فاعداد الجندي للحرب يتضمنبعدا ثقافيا بالغ الأهمية يعبر عنه المارشال البريطاني
الراحل مونتجمري بطل معركةالعلمين التي كانت نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية
في مواجهة القائد الألمانيالفذ روميل بقوله "في الحرب لابد ان يكون الجندي مقتنعا
بمشروعية قتاله..لابد وانيكون الجندي معبأ بالكامل عقلا وفكرا وشعورا وهذه المسألة
لاتحتمل درجات من النسبةوانما تتطلب اليقين المطلق".
ولعل هذا القائد العسكريالبريطاني الكبير قد اشار ضمنا لمعنى الثقافة واهميتها في
هذا السياق بقوله:"بالطبع هذه العملية لاتأتي من الهواء وانما هي تأتي من اصول
محددة ومن جذور عميقة فيجغرافيا وتاريخ اي بلد..لابد وان يكون موضوع الصراع واضحا
ومفهوما بلا ادنى لبس".
فموضوع التعبئة العقليةوالفكرية والنفسية للأمم التي كتب عليها القتال هو فعل ثقافي
بامتياز تماما كما ان هناكحاجة مستمرة لتحديد درجة الصراع :هل هي درجة المنافسة
او درجة الخصومة ام درجةالعداء?!..فكل درجة من هذه الدرجات لها ادواتها عند ممارسة
الصراع الذي تدخل الثقافةفي صميمه .
وفيما يقول مثقف مصري كبيرومفكر استراتيجي لامع هو " الحاضر الغائب جمال حمدان":"ان
تكون مصريا فهذا يعنى فىالواقع شيئين فى وقت واحد:الأرض والشعب"..فاننا نقول
ان مصر باتت بحاجة"لثقافة اكتوبر التي تدرك معنى الأرض والشعب" كما انها بحاجة
لابداعات ترتقي لمستوىهذه الحرب المجيدة.
41عاما مضت على يوم محفور بدماء المجد في الذاكرة المصرية..نفقت خيولوطال الطريق
وماترجل الشهيد عن حلمهوامله وعنوانه المصري..لمن سواه يصح تقديم التحية في ذكرى
استعادة جغرافيا الشهداءوالصعود بزاد الكرامة للقمة العصية?!..41 عاما والجذور
بقت تناضل ليشرق صباح يفتحباب النهار!.