القاهرة 20 سبتمبر 2014 الساعة 06:06 م
كتب:حسام ابراهيم
بدأت الثقافة المصرية في تفكيك "ظاهرة داعش"وردها لأصولها الفكرية المنحرفة لتستجيب
للحاجة الماسة للتشريح الثقافي لظاهرة باتت تفرضذاتها على اهتمامات النخب والشارع
في المنطقة بقدر ماتثير جدلا بين المثقفين سواءفي مصر او العالم العربي حول
حقيقة اهدافها وسبل مواجهتها.
وكان من اللافت ان اغلب الحضور في ندوة "الكلضد داعش" التي عقدت في مقر المجلس الأعلى
للثقافة مؤخرامن الشباب فيما عكست الاسئلة والمناقشاتفضولا معرفيا حميدا ورغبة
واضحة لفهم ظاهرة تنظيم داعش الارهابي المتطرف والذيينسب نفسه زورا للاسلام.
واعرب الدكتور جابر عصفور عن سعادته بهذه الندوةفيما رأى ان مكافحة الارهاب "قضية
ثقافية بالدرجة الأولى" وذلك لأن الارهاب"نتاج تفكير وتأويل مغلوطين" واضاف :"ان
ثقافة الارهاب تزين الاعتداء على حرمات الآخرين".
ومضى عصفور في التعريف الثقافي للارهاب ليقول انه"نوع من العنف الذي يؤدي اليه الفكر
عندما ينحرف عن جادة الصواب" معتبرا ان"الثقافة المستنيرة سلاحنا الذي نواجه
به هذا الارهاب الناجم عن ثقافة منحرفة ومريضة".
وفي الوقت ذاته اكد وزير الثقافة على انه"لامعنى ولاأهمية لثقافة تخلو من الدين"
لافتا الى ان "المكون الديني في الثقافة يمكنان يزدهر او ينحرف" فيما شدد على ان
الاسلام "دين الحضارة والمدنية"مستشهدابأقوال الامام محمد عبده والمفكر عباس محمود
العقاد صاحب كتاب"التفكير فريضة اسلامية".
واشار الى اهمية العقل في الدين الاسلامي معيداللأذهان كتاب "اجياء الدين" للغزالي
الذي قال فيه ان اول ماخلق الله هو العقل فيما شددالدكتور جابر عصفور على ان مكافحة
الارهاب ليست مهمة الجيش او الشرطة وحدهما وانماهي مهمة الجعبر الاستعانة
بالعقل لمعرفة صحيح ديننا.
وفي كلمته القصيرة نوه الدكتور محمد عفيفي الأمينالعام للمجلس الأعلى للثقافة بأن
هذه الندوة تأتي استكمالا للقاء ثقافي عقد مؤخراوتناول التطرف من الناحية التاريخية
والحالة الحاضرة للتطرف واصوله الفكرية فيما اكدخبير مكافحة الارهاب حاتم صابر
على مقولة وزير الثقافة جابر عصفور بشأن اعمال العقل.
وسعى حاتم صابر لتعريف الحضور في هذه الندوة بطبيعةتنظيم داعش وخلفياته التاريخية
وافكاره المتطرفة وممارساته الارهابية موضحا انمثل هذا التنظيم قد يدحل في "تحالفات
غير مقدسة" مع قوى يفترض انها تشكل اعدى اعدائهوذلك لتحقيق مصالح لكل من الجانبين
في هذا النوع من التحالفات غير المقدسة.
وفي المقابل حذر هذا الخبير المتخصص في مكافحة الارهابمن خطورة ظاهرة التشكيك في
رموز راسخة في التراث مثل الامام البخاري من جانباشخاص يفتقرون للمرجعية الفقهية
كما لفت لظاهرة "اعادة انتاج التاريخ"من جانب تنظيمات متطرفة كتنظيم داعش واستخدامه
لعبارات عزيزة في الذاكرة الاسلامية مثل مقولة المهاجرينوالانصار.
وفيما يتوقع حاتم صابر الا تنتهي الحرب ضد داعشفي وقت قريب فقد دعا للاهتمام بالشباب
واستغلال طاقاتهم في مشاريع قومية عملاقة مثل المشروعالحالي لتطوير قناة السويس.
اما الدكتور اسامة الأزهري الذي وصفه وزير الثقافةبأنه "شيخ من شيوخ الشباب المستنير
في الأزهر الشريف" فقد ذهب في سياق تشخيصهللمشهد الراهن الى اننا امام "مآساة
انسانية وفكرية الخاسر فيها هم المسلمون".
واضاف ان التنظيمات المتطرفة والارهابية مثل تنظيمداعش هي محصلة ثقافة مغلوطة اعادت
قراءة الاسلام بمنظور منحرف معرفيا وثقافيا منوهابأهمية دور الأزهر في مواجهة
افكار هذه التنظيمات حيث تهتم هذه الجامعة العريقةبالعلوم التي ترسخ الفهم والافهام
في اذهان الخريجين عبر المسيرة المديدة للأزهر.
واذ تناول اسامة الأزهري "عملية صنع عناصرداعش وانساقهم الفكرية" فقد توقع ان تنخرط
عناصر هذا التنظيم في مقاتلة بعضها البعض كما حدثمن قبل في تنظيمات متطرفة اخرى
وخاصة في افغانستان.
وفي معرض اشارته لممارسات تنظيم داعش من ذبح وسفكللدماء اعاد الأزهري للأذهان ان
هذه الممارسات الدموية واللاانسانية تتناقض مع اخلاقمدرسة نبي الاسلام التي تحض
حتى على عدم التعرض بسوء للجريح في الحرب .
واردف الداعية الدكتور اسامة الأزهري قائلا ان"استقباح الجمال أحد ملامح ثقافة داعش
التي تقوم على "التفسير الغاضب للنص الديني"فيمااعتبر ان المنخرطين في مثل هذا
التنظيم التكفيري بممارساته الدموية يعانون من امراضوعلل نفسية ويشكل العنف سبيلا
لاعادة التوازن لنفوسهم المريضة .
وأكد الأزهري ان "الحلم القومي الجامع"مثل مشروع قناة السويس يشكل رادعا للفكر التكفيري
المنحرف ومقولات تكفيرية مثل "انقطاع الدينمنذ زمن" موضحا ان الأفكار التي
ولدت في السجون لاتصنع نصا يحقق مصالح الشرع".
ورأى أسامة الأزهري ان هذه الأفكار المتطرفة لهارد فعل مضاد يتمثل بصورة خطرة في
انزلاق البعض لمستنقع الالحاد متوقعا انهيار نموذجداعش كما حدث من قبل مع حركات
متطرفة اخرى غير انهاتتسبب في نهاية المطاف في خسائرفادحة للأمة .
ولعل عنوان هذه الرواية الجديدة التي صدرت بالانجليزيةلتابيش خاير :"كيف تحارب الارهاب
الاسلامي من الموقع التبشيري" دال على مغزىهذه الاشارة فضلا عن مدى التلاعب
باسم الاسلام او مشتقاته حتى وان ابتعد المؤلف عنالهجوم على الدين الذي يعتنقه
الكثير من البشر في هذا العالم !.
فالعنوان الجارح ان جاز استخدامه لكتاب لايبدو انهيصلح لرواية ومع ذلك عمد هذا المؤلف
للزج بالاسلام حتى يضمن ترويج لرواية!..والغريبايضا انها لاتتمحور حول قضايا
الارهاب, وإنما تدور حول شابين من منطقة جنوب اسيااحدهما هندي والآخر باكستاني
ويقيمان في الدنمارك بعد ان استضافهما مسلم ورعيدعى "كريم"ليتفاعلا مع اوجه الحياة
في بلد يفترض انه متعددالثقافات.
وكانت دار الافتاء المصرية قد اشادت بتبني فرنساواذربيجان لمبادرتها بعدم اطلاق مسمى
الدولة الاسلامية على تنظيم داعش الارهابي معتبرةان الاستجابة تعد نقلة هامة
وكبيرة في مسيرة تصحيح صورة الاسلام وازالة ماعلقبها جراء ممارسات و جرائم الجماعات
الارهابية التي تنسب نفسها زورا للاسلام.
ويمكن وصف الداعشية بأنها "اعلى مراحل التطرفالمعاصر" فيما يقوم فكر التنظيم على
"الاستباحة للآخر"اي كل مالاينتمي لداعش غير ان النقطة اللافتة والتي ينبغي ان تكون
موضع دراسات ثقافية عميقة تدور حول مسألة انضمامبعض الشباب الذين نالوا قسطا
جيدا من التعليم لهذا التنظيم ناهيك عن ظاهرة التحاقبعض الشباب القادم من الغرب
بحركة داعش التي تتمركز حاليا في العراق وسورياوامتدت انشطتها للبنان.
ومن المنظور التاريخي فان حركة داعش تشكل انشقاقاعن تنظيم القاعدة منذ عام 2010 وتوصف
بأنها "اكثر دموية من القاعدة " فيماتتفنن العناصر الداعشية في ارتكاب اشنع
المذابح الدموية وجز الرؤوس وصلب الضحايا تخريبدور العبادة وتهجير الأقليات او
ارتكاب فظائع ضدها تقشعر منها الأبدان .
ومع اختلاف السياقات والظروف والملابسات قد تثيرحركة داعش في الأذهان مقارنات مع
حركات عنيفة في التاريخ العربي روعت المسلمين وغيرالمسلمين مثل "القرامطة" وحركة
"الحشاشين"فيما توظف هذه الحركة الاحتقانات الطائفية والخلافات المذهبية وتآكل
السلطة المركزية وتغييب روح المواطنة بما يخدم تحركاتهافي المنطقة .
وتطرح داعش فكرة قيام" دولة الخلافة"التي تسيرها اجهزة تعبر عن فكر التنظيم وهذه
"الدولة الافتراضية"الممتدة من شرق اسيا الى شرق اوروبا وتشمل مساحات كبيرة من افريقيا
ليست واضحة الحدود بصورة قاطعة .
ومع ان وجود تنظيم مثل داعش يصب في صالح استمراروتماسك حلف شمال الأطلنطي "الناتو"
وتبرير الانفاق العسكري الهائل فانه ليس من المطلوبالاغراق في نظرية المؤامرة
.
ومن هنا يرى الدكتور شريف يونس الأستاذ بجامعة حلوانان علينا في هذه المنطقة التي
ابتليت بالداعشية ان "نكف عن الهاء الذات بالقاءاللوم على المؤامرات الخارجية لتجنب
النقد الذاتي لثقافتنا العربية المعاصرة".
ومع التسليم بأهمية مايقوله الدكتور شريف يونس حولارتباط مواجهة افكار التنظيمات
المتطرفة كداعش بمدى حيوية وتجدد وحرية المجال العامسواء ثقافيا او سياسيا فثمة
حاجة لتحليل دقيق لحقيقة استفادة الغرب من ظاهرةالتنظيمات الارهابية والمتطرفة
بعد ان بدا جليا ان الارهاب على وجه العموم مهدالسبيل لغزو بلد في حجم واهمية
العراق بعد غزو افغانستان.
ومع التسليم ايضا بضرورة عدم الاسراف في نظرية المؤامرةفان هناك من الاسئلة مايتوجب
طرحها مثل :" كيف ومن اين حصلت حركة داعش علىالمعدات التي دخلت بها مدينة الموصل
العراقية ومن بينها كما اكدت العديد من الرواياتمئات ان لم يكن آلاف السيارات
من طراز واحد وبلون واحد"?!.
فهل يكون مشهد الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهويعلن الحرب على داعش كما اعلن سلفه
جورج بوش الحرب على القاعدة جزءا من مخطط طويل ومتتابعالحلقات يجري فيه ولو بصورة
غير مباشرة توظيف الارهاب وافكار الخوارج الجددلتحويل الأمة كلها الى جثة هامدة
واقصاء العرب والمسلمين خارج التاريخ للأبد?!.
والاسئلة القلقة تساور الكثير من العرب والمسلمينحول دور التطرف في محاولة تمزيق
ليبيا وتحطيم سوريا بما لايخدم الا اعداء الأمةبقدر ما يثير شكوكا حول مبادرة القوى
الغربية بتشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش فيما لايمكنتجاهل ان هذه القوى ذاتها
غضت الطرف عن ظهور وتنامي هذا التنظيم الارهابيالمتطرف.
والظاهرة معقدة بالفعل حتى ان الصحفي والروائي ديفيداغناتيوس اوضح في صحيفة واشنطن
بوست ان كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية لم يؤيدواوجهة نظر الرئيس باراك اوباما
التي ذهب فيها الى ان داعش او مايسمى زورا وبهتانا"بتنظيمالدولة الاسلامية"
يرتكب من الفظائع والممارسات السيئة ماسينتهي بهلهزيمة نفسه بنفسه .
ويرى هؤلاء المسؤولون في المخابرات الأمريكية انداعش ابدى قدرة ملحوظة على البقاء
وهو "تنظيم مثابر ومنظم للغاية ويتسم احيانابالبراجماتية والمرونة" معيدين للأذهان
ان حركة داعش في ظل قيادة المدعو "ابو بكرالبغدادي" زادت اعداد مقاتليها من
1500 مقاتل عام2010 لأكثر من عشرة الاف مقاتل وهناك من يرتفع بالعدد اليوم الى 50
الفا او اكثر وامسى التنظيم قادرا على التواصل بلغاتعديدة.
واذا كان هذا التنظيم يمكن ان ينهار مع مرور الوقتجراء الضغوط التي يواجهها والبدائل
المتاحة كما يقول ديفيد اغناتيوس فان مسألة كونهيشكل "ظاهرة غير تقليدية" تتجلى
في تقديرات مسؤولي المخابرات الأمريكية من ان الوسائلالمتعارف عليها لمكافحة
الارهاب مثل هجمات الطائرات دون طيار والهجمات الجويةالأخرى لن تكون كافية لهزيمة
"داعش".
والنظرة المتأملة لداعش تكشف عن ان هذه الحركة طورتالأساليب التقليدية لتنظيم القاعدة
كما انها اكثر براعة في التعامل مع مستحدثات ثورةالاتصالات ومواقع التواصل
الاجتماعي واستخدام لغات مثل الألمانية والروسيةالى جانب العربية والانجليزية مستفيدة
في ذلك من انضمام مقاتلين اجانب للحركة فيما ستشكلعودة هؤلاء المقاتلين لبلادهم
اشكالية حقيقية.
ومن نافلة القول ان هذه "الدولة الافتراضية"لاتعترف بأي قواعد استقر عليها المجتمع
الدولي بقدر ماهي دولة ترفض مباديء الدولة الحديثةفي مجملها سواء من حيث طبيعة
البنية الداخلية او الحدود والالتزامات الدولية.
وجاءت ظاهرة داعش لتغذي المخاوف من تحول "الدولةالوطنية" في العالم العربي الى اشلاء
تعيد انتاج المراثي التاريخية العربية وتتغذي بهاثقافة الحزن العربي والحاق
المزيد من الأذى بالأمة العربية عبر بوابة"الاقتتال الطائفي".
ومع احتلال العراق الصدارة في شريط الأنباء توالتطروحات ومقالات مثقفين وكتاب مصريين
حول حقيقة مايحدث عند "البوابة الشرقية للأمةالعربية" وقصة ذلك التنظيم المسلح
الذي كان يسمى "بالدولة الاسلامية في العراقوالشام" المعروف بالاختصار "داعش"
والذي بات طرفا رئيسا في المشهد الراهن الذي يستدعيمواريث مذهبية وطائفية لاتحمل
لهذه الأمة سوى نذر تقسيم المقسم وتفتيت ماتبقىمن الجسد العربي.
واذا كان السؤال الكبير هو :"ماالذي انجزهتنظيم داعش حقا لصالح الاسلام والمسلمين?"
فلاجدال ان "داعش" تصب في مربع تأجيجنيران الطائفية المهددة للتماسك المجتمعي
على مستوى الدولة الوطنية في العالم العربي وصولالتفكيك كل دولة لمجموعة من الكانتونات
الطائفية الهزيلة والتي لايمكن ان تعيش بلا دعممن قوى اقليمية ودولية تتكالب
لمزيد من تمزيق الأمة العربية.
واليوم وعلى ايقاع "داعش" بأساطيرها وخرافاتهاوارهابها وعلاقاتها الغامضة مع قوى
خارجية ودون ايغال او اسراف في "نظرية المؤامرة"يحق التحذير بقوة من بلقنة المنطقة
العربية او المزيد من تجزئة المجزأ والعجز عن لملمةمابقى متماسكا من اشلاء هذا
الوطن العربي الكبير فيما لم تتورع اطراف ارتدتمسوح الدين عن الاسهام في تنفيذ
مخطط الشرق الأوسط الجديد بكل مايعنيه ذلك المخططمن تفكيك وتقسيم وتفتيت وخلط
للمفاهيم.
وفي الابتلاءات العصيبة للعراق وسوريا يشكل تنظيم"داعش" جزءا من ظاهرة "الجيوش الجوالة"
المتلفعة بالغموض والتي تظهر فجأة وتهاجم بصورةخاطفة وتختفي فجأة بعد ان
تثير الفوضى والذعر في هذا البلد او ذاك على الخارطةالعربية وافراز "ظاهرة اللادولة"
فيما يبدو تنظيم كداعش هاما في سياق هذا المخططلتدمير الأمة واجهاض آمالها
في التطور لتنهمك في دفن الموتي وسط ناموس الفوضىوشهقات اليأس!!.