القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 02:25 م
الدولة الفاشلة.. لا تحقق لمواطنيها العزة.. والعيش الكريم
أمريكا تسعي لمحو العداء لإسرائيل من ذاكرة العرب
.. يبدو العالم في مفترق طرق حاد وتاريخي.. في أوائل القرن الحادي والعشرين وخريطة هذا العالم تتغير.. في لحظة انتقال صعبة من نظام دولي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد بقيادته والهيمنة عليه بعد السقوط السوفيتي إلي نظام دولي جديد.. تتحدد معالمه.. وتتشكل القوي الفاعلة فيه.. بالحرب والحديد والنار.. وبالصراعات الدموية الرهيبة وليست صدفة أن تجري اغلب هذه الحروب والصراعات فوق أراضي دول وشعوب عربية.. تعرضت لكوارث وطنية حقيقية.. كما شهدنا ورأينا في العراق وسوريا وفلسطين.. وليبيا واليمن.. وحتي مصر.
بعد غياب جمال عبدالناصر بالموت.. لم يعد هناك أحد في العالم العربي.. سواء علي مستوي الشعوب أو صناع القرار يشعر بالخوف أو الانزعاج.. وهو يري هذا العالم ينتقل من نظام دولي إلي آخر ويبقي العالم العربي كما هو.. ساحة جغرافية مفتوحة أمام الصراعات والاطماع العالمية.
هل غاب الضمير القومي العربي وانعدم؟! سئوال ليست له اجابة جاهزة عند أحد في أية عاصمة عربية.. لكن من الواضح أنه لن يكون هناك لشعوب ودول العالم العربي.. كيان له هوية محددة الوجود والحدود.. إلا بعد الاجابة علي الاسئلة التاريخية الصعبة.. من نحن؟! ومن نكون؟! وأين نحن في هذا العالم؟! أين مكان الشعوب العربية.. وسط غابة وحوش القوي العالمية الكبري.. التي تسعي بكل قوة.. لافتراس الكيان العربي قبل أن يولد.. والتهام الثروات الطبيعية العربية بأي ثمن.. حتي يبقي العرب.. شعوبا ودولا.. في حالة من العجز والفقر المزمن.. لا يستطعيون دفع عدو.. أو بناء تقدم.. ولن نقول حضارة.
ويبدو أن الروح العربية تعرضت لانكسار عميق علي مدي سنوات الخضوع للاستعمار القديم والحديث.. وانكسرت الهوية القومية للدول والشعوب العربية بعد هزيمة يونيو .1967
كان العرب.. يتوحدون بنداء القومية والوحدة العربية طوال الخمسينات والستينات.. لا فرق بين المصريين واللبنانيين أو المغاربة.. كان الاحساس بالانتماء القومي العربي طاغيا والشعور بالمصالح الموحدة سائدا.. واليقين في قلب الانسان العربي واحدا.. اليوم.. تعرضنا لمأساة كبري.. وأصبحت "كلمة الله" تفرقنا..بدلا من أن تجمعنا.. وهذه وحدها كارثة قومية وأصبحنا نمزق بعضنا بعضا باسم الدين والإسلام والشريعة!
ومن الأمريكيين من يعترفون صراحة في واشنطن بأن الولايات المتحدة لا تردد في احراق العالم العربي باسم الدين والإسلام.. وبالدين والاسلام من أجل الحفاظ علي مصالحها وأطماعها في ثروات العرب الهائلة من البترول والغاز.
ويشترك الأمريكيون مع الأوروبيين والاسرائيليين في شيء واحد.. هو ضرورة تصدير الاحساس بالهزيمة والمهانة إلي أعماق الإنسان العربي.. في كل وقت وكل عصر وكل زمان. اختراع العدو
لم تعد السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي تخفي وجهها القبيح.. وأصبحت أمريكا "تخترع" للعرب.. عدوا جديدا في كل يوم بهدف إبعاد العرب عن العدو الرئيسي المعروف تاريخيا باسم إسرائيل.. تسعي أمريكا بشكل فاضح لحشد التحالفات العربية الأمريكية.. لقتال من تقنعنا أمريكا بأنه عدونا الجديد.. مرة إيران.. ومرة صدام حسين.. ومرة بشار الأسد.. ومرة تنظيم إرهابي اسمه داعش.. أسلحته أمريكية وأمواله أمريكية.. وقياداته من عملاء المخابرات الأمريكية.. المهم ألا يقترب العرب من إسرائيل.. هذه هي القضية والهدف في واشنطن!
بالهزيمة
وفي هذا الكتاب "العالم.. بعيون عربية" يؤكد شبلي تلحمي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة برنستون الأمريكية.. أن هوية الإنسان العربي.. تتغير بالهزيمة.. وبالإحساس بالانكسار.. وبطغيان الاحساس بالمهانة وضياع الكبرياء الوطني والإنساني.. بسبب الحياة في دولة فاشلة.. عاجزة عن تحقيق أحلام وتطلعات مواطنيها في العزة والكرامة والعيش الكريم.
ويدرك الانسان العربي في كل مكان.. من القاهرة إلي بغداد ودمشق والمغرب أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاءها في أوروبا تسعي بكل قوة لمنع قيام أي نظام وطني عربي يعادي إسرائيل ولذلك اخترعت الولايات المتحدة المنظمات والجماعات التي تمارس السياسة باسم الدين والإسلام.. وقدمت لها الدعم والتأييد والمال.. وحتي السلاح.. بهدف نشر الفتنة بين المسلمين باسم الاسلام والشريعة ويجري تمزيق العرب.. شعوبا وقبائل وجماعات عرقية باسم نصرة الإسلام والدين..وفي النهاية تبقي دولة اسرائيل قائمة وآمنة.. تحت حماية أمريكا.. وأحيانا
بين الماضي والحاضر بأموال العرب.
في الماضي.. كانت الدول والحكومات العربية.. في بغداد ودمشق والقاهرة.. تقوم بتجنيد الميليشيات العربية والفلسطينية للقتال ضد الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.. اليوم انطمست الحقيقة.. وأصبح قتال الاحتلال إرهابا ولذلك تفرغت دول وحكومات عربية غنية.. لتجنيد الميليشيات والجماعات التي ترفع رايات الدين.. وتسعي لقتال واسقاط نظم عربية وطنية.. في سوريا وليبيا.. باسم الدين.
فكرة شيطانية
ولا أحد يدري ماذا قال البروفيسور شبلي تلحمي للسلطات العراقية في بغداد.. وكيف قدم نفسه إليهم.. حين دخل عاصمة الرشيد.. بعد القمة العربية الشهيرة التي انعقدت هناك بعد وقف إطلاق النار بين إيران والعراق.. وقبل غزو القوات العراقية للكويت بثلاثة أشهر فقط.
التقي شبلي تلحمي في بغداد بالسفيرة الأمريكية الشهيرة أبريل جلاسبي.. التي أبلغته بأن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات موجود في العراق ضيفا علي صدام حسين بعد انتهاء القمة العربية.. ولأول مرة نكتشف.. كيف يتم توزيع الأدوار السياسية والمخابراتية علي الطريقة الأمريكية.
ففي ذلك الوقت.. اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الأولي أواخر الثمانينات وقامت الولايات المتحدة بوقف الحوار السري الذي بدأته مع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عرفات بعد أن تزايدت العمليات الفدائية ضد إسرائيل.. وهنا لمعت للسفيرة أبريل جلاسبي فكرة شيطانية وقالت للبروفيسور شبلي تلحمي: إنك استاذ جامعي اسرائيلي- أمريكي ومن جذور عربية.. يمكنك استغلال وجود عرفات في بغداد لتسعي لعقد اجتماع معه للحوار والنقاش.. نظرا لأن السفارة الأمريكية في بغداد لا يمكنها فتح قنوات للاتصال معه.. بعد قرار وزارة الخارجية في واشنطن بوقف الحوا
ر مع منظمة التحرير وخلال ساعات تمكنت أبريل جلاسبي من ترتيب لقاء بين عرفات وشبلي تلحمي في بغداد.. بمساعدة كريمة من السفير المصري في بغداد في ذلك الوقت.
الانتفاضة الأولي
وفي هذه الأيام كما يقول تلحمي كان عرفات يتصور أن الانتفاضة الفلسطينية ستكون عامل ضغط سياسي.. يغير من مواقف الدول العربية.. وتصور صدام حسين أنه خرج منتصرا من الحرب مع إيران.. وبذلك اصبح هو الزعيم العربي الأول.. بطل العروبة!
لكن الأحداث العظام خرجت عن سيطرة كل الأطراف العربية حين أصدر صدام حسين أوامره للقوات العراقية بغزو الكويت فجأة.. وحين التقي صدام بالسيدة السفير أبريل جلاسبي في بغداد.. أبلغته بأنه لا توجد اتفاقية للدفاع المشترك بين أمريكا والكويت.. وكان ذلك صحيحا.. ولكن القرار الأمريكي في واشنطن كان مختلفا.. واتخذ الرئيس الأمريكي الاسبق بوش الأب قراره بضرورة اجبار صدام حسين علي أن يتقيأ الكويت.
وقال ديك تشيني وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت إن عراق صدام حسين بثرواته البترولية وحدها قوة لا يمكن ان تتحملها أمريكا.. فيكف يمكن أن نتحمله إذا اضاف الكويت إلي ثرواته!
واختفت ابريل جلاسبي من قائمة سفراء أمريكا حول العالم بعد أن خدعت صدام حسين بأن احتلال الجيش العراقي للكويت لن يثير غضب أمريكا وكان احتلال قوات صدام حسين للكويت.. هو الحدث الرهيب الذي أحدث هزة عميقة في العالم العربي.. وكانت حرب تحرير الكويت هزة أخري في العالم العربي.. بعدها شهور.. بعدها تغير كل شيء في العالم العربي.. وتغير وجه الحياة كما نعرفه.. فقد بدأت بعد ذلك عملية الاستهداف الأمريكي المنظم للدول والشعوب العربية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.. وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة الكونية.. وإذا كان احتلال العراق للكويت من الأحداث الفارقة في التاريخ العربي الحديث.. فإن الغزو الأمريكي للعراق بعدها بأكثر من عشر سنوات كان من الأحداث الثقيلة علي القلب والعقل العربي.. رغم أنه تعرض لمحاولة تغييب متعمدة في ذلك الوقت باستخدام الآلة الاعلامية الأمريكية الرهيبة وتواطأ معها الاعلام العربي في أحيان كثيرة. ومرة أخري.. تتعرض الهوية العربية لأزمة جديدة بالهزيمة والغزو.. لكن احداث ثورات الربيع العربي كانت نقلة نوعية في تاريخ الانقلابات السياسية في العالم العربي الحديث.
الغضب المكتوم
ومن يتأمل ثورة 25 يناير 2011 في مصر بالفحص والدرس.. لن يجد صعوبة في اكتشاف أن حدث الثورة كان تعبيرا تلقائيا عن الغضب المكتوم في صدور الملايين من أبناء الشعب فقد ساءت الأحوال السياسية والاقتصادية وتدهورت مستويات معيشة المواطنين.. وكانت محنة شباب مصر قاسية جدا.. لضياع الأمل في المستقبل ويؤكد الخبراء والمؤرخون علي أن الثورة بطبيعتها ليست إلا علاجا لأزمات الأمة بالجراحات المفتوحة في الشوارع والمظاهرات الشعبية الغاضبة في الشوارع.. تفتح الأبواب واسعة امام قوي الثورة المضادة وأمام أجهزة المخابرات العالمية.. للتدخل والعبث بالثورة والعبث بعقول الثوار.. وهذا هو ما حدث في ميدان التحرير بالقاهرة.. حين قفز تنظيم الإخوان الإرهابي العميل لأمريكا.. إلي قمة السلطة في مصر.. في غيبة من الزمن.. ومن الثوار.. وفي غيبة من قوي الشعب الحقيقية صاحبة المصلحة في الثورة والبطل الحقيقي للثورة.
ويبدو أحيانا أن حدث الثورة كان مفاجأة تاريخية وسياسية.. مع أن نظام حسني مبارك كان آيلا للسقوط إن لم يكن بالثورة.. أو بعوامل الزمن.. أو بضربات القدر.. كانت ثورة 25 يناير ثورة شعبية حقا ولم تكن مؤامرة.. لكن جهات أجنبية وأجهزة عالمية سرية حاولت التلاعب بأقدار الثورة والثوار.. والتلاعب حتي بأقدار مصر والدور البغيض الذي قامت به أمريكا علنا وسرا.. هو الذي يضع ثورة 30 يونيو 2013 في مكانها الصحيح من التاريخ.
قصة زيارة
ويري شبلي تلحمي قصة زيارته لميدان التحرير بعد استقالة الرئيس حسني مبارك في فبراير ..2011 والتقي اليهودي الإسرائيلي الأمريكي العربي بالثوار في ميدان التحرير وتحدث اليهم بلغة عربية ولهجة مصرية.. ومن البداية أدرك الباحث السياسي تلحمي أن ميدان التحرير أصبح رمزا عظيما للتضامن والفخر والكبرياء لدي المصريين.. وبدأ المصريون يشعرون بالأمل والتفاؤل بالمستقبل.
احتفل ثوار التحرير بسقوط مبارك.. وارتفعت اصواتهم بالغناء "إرفع راسك فوق.. إنت مصري" كان هناك احساس طاغ باستعادة الكرامة في ميدان التحرير بالقاهرة وفي تونس وليبيا.
وظهرت قوة سياسية جديدة.. هي قوة الشعب وملايين المصريين الذين نجحوا في فرض ارادتهم واسقاط النظام وأدت الثورة إلي احداث تغيير كبير في تعريف المصريين لهويتهم وذاتهم.
هوية النصر
يتساءل تلحمي من خلال استطلاعات الرأي الواسعة التي أجراها في مصر والعراق ولبنان والمغرب والإمارات العربية واليمن.. عن هوية الإنسان العربي؟! ويقول.. كان الإنسان العربي.. يشعر بانتمائه القومي للعروبة في مراحل الانتصار في الخمسينات.. خاصة بعد انتصار مصر بقيادة جمال عبدالناصر في معركة السويس ..1956 كانت الهوية العربية.. هي وسيلة المواطن العربي في مصر وكل مكان لتحقيق آمالة وتطلعاته الفردية والوطنية.. كان التحول نحو الهوية العربية والقومية العربية في الخمسينات والستينات كاشفا.. فقد وقفت شعوب العالم العربي إلي جانب الرئيس جمال عبدالناصر بعد قراره بتأميم قناة السويس.. وقد تلخصت التطلعات العربية في ذلك الوقت في ضرورة تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي عن القوي الاستعمارية لكن الأحلام والتطلعات العربية تعرضت لضربة قاصمة بعد هزيمة 1948 وقيام دولة اسرائيل.. باعتبارها دولة يهودية وترحيل الشعب الفلسطيني من أرضه وبلاده بالقوة المسلحة.
بعد هزيمة 48
وبعد هذه الهزيمة بثمانية أعوام فقط.. فوجئ العرب بانضمام بريطانيا وإسرائيل وفرنسا في حملة عسكرية لغزو مصر ردا علي قرار عبدالناصر بتأميم القناة.. في هذه الأوقات.. أصبح عبدالناصر في عيون العرب.. هو زعيم العروبة الذي وقف ضد الاستعمار وضد اسرائيل.. ونجح في الفوز بقناة السويس من فم الأسد البريطاني.
بعد انتصار مصر في معركة السويس.. سقطت الأنظمة الموالية للاستعمار الغربي في دمشق وبغداد وتعرضت أنظمة عربية أخري كثيرة عميلة للغرب لخطر السقوط لكن هزيمة 1967 كانت ضربة قاسية لحركة القومية العربية.. ولجمال عبدالناصر شخصيا.. ومن لحظة الانتصار للهزيمة.. يتغير انتماء الانسان العربي.. وتتغير هويته.. من عربي مسلم.. إلي مسلم أو مسيحي.. يقول شبلي تلحمي.. إن المواطن في القاهرة يشعر بهويته الوطنية كمصري في لحظة النصر.. حيث يعلن المصريون عن أنفسهم باعتبارهم مصريين أولا.. قبل أن يكون عربا أو مسلمين.. كما حدث في ميدان التحرير حين قالوا "ارفع راسك فوق إنك مصري".
وتتعدد الهوية عند العرب.. مثل كل شعوب العالم.. ما بين العروبة والإسلام.. والدين والأصول العرقية وقد بدأ شبلي تلحمي استطلاعاته حول هوية الإنسان العربي منذ 2003 عام غزو والعراق ويقول إن الانسان العربي مثل أي إنسان آخر في العالم تتعدد لديه الهوية والانتماءات واغلب المصريين مثلا يرون أنهم في وقت واحد.. عربا ومسلمين أو مسيحيين.. معظم العرب مسلمون يمارسون شعائر الدين.. ويلعب الدين دورا حيويا في حياتهم اليومية ولذلك من السهل علي القوي العالمية.. التلاعب بهوية الدين.. رغم أن العرب لا يعرفون انفسهم دائما بالهوية الدينية وربما يردد الإنسان العربي أنه عربي ومسلم.. بما يوحي بالفخر والكبرياء كما حدث حين فاز الكيميائي المصري- الأمريكي.. أحمد زويل بجائزة نوبل أو حين تمكن لاعب كرة القدم الجزائري الأصل زين الدين زيدان من قيادة فريق فرنسا للفوز بكأس العالم.
في النهاية نكشف أن هوية العربي والمسلم.. ليست إلا تعبيرا عن كيان واحد.. ونسيج واحد.. لا يمكن الفصل بينهما.. لكن الأموال والمؤامرات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية.. أحدثت شرخا كبيرا.. أقرب للانكسار في هوية الانسان العربي.. ومازال العالم العربي هدفا للأطماع الخارجية.. والقصة طويلة ولا تخلو من الحزن القومي طبعا.