القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 02:19 م
المجتمع لا يعاني من أزمة أخلاق.. ولكن من حالة قلق علي القيم
أجري الحوار: سامح محروس
* ماذا يحدث في مصر؟
مصر رايحة علي فين؟
إيه أخبار البلد؟
تساؤلات كثيرة من هذا النوع لا يمل الناس من طرحها علي بعضهم البعض في مختلف الأماكن والمناسبات.. يما يؤكد أن هناك حالة من الانشغال التي تصل إلي حد القلق علي الشأن العام؟
.. وفي خضم مرحلة التحول التي لم تستقر بعد تقف العلوم الاجتماعية كشاهد وجرس إنذار في آن واحد ترصد أوجه الخلل وتحذر منها.
الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب الأسبق بجامعة القاهرة.. هو أحد المهمومين بما يحدث في مصر.. والرجل لديه روي واطروحات علمية متعددة رصدت قبل ثورة يناير ثمة تغيير سيحدث في مصر وأنه قد يتخذ من العنف منهجا.
والمؤكد أن الحوار معه يكتسب أهميته في رصد الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية.. خاصة أنه أحد المعنيين بالطبقة الوسطي.. التي ظهر دورها جليا في تغطية شراء شهادات قناة السويس الجديدة.. وما يحمله ذلك الحدث من دلالات.
.. وإلي تفاصيل الحوار..
* أقبل المصريون علي الاكتتاب في شهادات قناة السويس الجديدة.. وتم تغطية الاكتتاب خلال 8 أيام عمل.. وأغلبها كان من مدخرات الأفراد.. كيف تري مدلول ذلك؟
** قال: يجب أن نسلم في البداية بأن مشروع قناة السويس في حد ذاته والاكتتاب به من خلال شهادات الاستثمار خلق من مصر إجماعا حول هدف وطني كبير.. وهذا الإجماع يعكس إجماعا حول شخصية الرئيس والرئيس والمشروعات القومية التي تطرح.. لأن هذا يجمع المصريين لأول مرة منذ فترة طويلة من الزمن.. من أيام عبدالناصر أو من أيام حرب أكتوبر علي هدف قومي واحد ومعظم الذين اكتتبوا في هذا المشروع هم من الطبقة الوسطي.. صحيح أن هناك عددًا ممن اكتتبوا ربما كانوا من خارج هذه الطبقة.. وإنما معظم الذين لهم مدخرات صغيرة بهذا الشكل ينتمون إلي الطبقة الوسطي.. هذه الطبقة تشكل عماد المجتمع المصري لأنها تشكل أكثر من 65% من أبناء المصريين.
* وما دلالة ذلك؟
** قال الدكتور أحمد زايد: لقد تعرضت الطبقة الوسطي خلال الفترة الماضية لتغيرات كثيرة جدا لدرجة أن الناس شككوا في وجودها ودورها.. وحدثت بها تغيرات داخلية حيث تفككت من الداخل.. ومنها ناس صعدت إلي أعلي.. وآخرين هبطوا لأسفل.. وبعضهم ظل في المنتصف.. وقد تحللت القيم ورأس المال الاجتماعي الخاص بهذه الطبقة.. وتخلت عن المعايير والقيم العامة وفقدت الثقة بداخلها.. وهي نفسها فقدت الثقة في الدولة والنظام السياسي وارتفعت درجة الشك لديها.. ليس فقط في النظام والمجتمع.. وإنما بينها وبين بعضها كأعضاء وأنا أتصور أن مثل هذا المشروع يعيد لم شمل الطبقة الوسطي علي بعضها من جديد وهو جزء من كل لأننا نحتاج إلي آليات أخري لتجميع هذه الطبقة لأنها العمود الأساسي بالمجتمع.. وأظن أن هذا المشروع يعيد تماسك هذه الطبقة ويجعلها تلتئم حول فكرة ومشروع وتتجمع في فئات معينة.. وهذا يعكس أن ثمة خيطًا جديدًا يبدأ في "لضم" هذه الطبقة وإعادة بنائها وإعادة تماسكها الداخلي الذي افتقدته لفترة طويلة.
* وما تقييمك للواقع المجتمعي في مصر حاليا؟
** مصر في منعطف تاريخي كبير جدا.. يعكس فترة انتقال وتحول فيما بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيه ثم فترة حكم عسيرة وهي فترة حكم الإخوان وتم القضاء علي هذه الفترة ودخلنا بعد 30 يونيه في مرحلة جديدة من بناء الدولة. ومصر في هذه الفترة تتجاذبها قوتان.. إحداهما قوة دفع إلي الأمام تريد أن تكمل بناء الدولة.
لقد وضعنا الدستور وأجرينا الانتخابات الرئاسية وينقصنا فقط لنكمل هذه المسيرة إجراء الانتخابات البرلمانية.. المسيرة تكتمل ومازال أمامنا البرلمان الذي سيتشكل خلال شهور.. ولكن في المقابل هناك مخاطر يجب التنبه لها.
ومن أول هذه المخاطر مخاطر الإرهاب.. وهذه الجماعات تنخر في جسد المجتمع العربي وليس في مصر وحدها.. صحيح أن مصر من أكثر البلدان التي نجت من هذه الجماعة وإنما نحن نواجه خطرا داخليا يتمثل في ارتباط جماعة الإخوان المسلمين بهذه الجماعات أو ميلها لها أو تسلك سلوكًا مشابهًا لها.. وخطر الإرهاب يستلزم أن نواجهه بكل حزم وقوة.
ومن المخاطر الأساسية أيضا.. تتمثل في التشكيك في المسيرة من بعض الجهات الأجنبية.. وفكرة عدم الثقة واليقين وهذا يجعل عددا كبيرا من الشباب يبتعد عن المسيرة ويجب أن ننتبه لذلك بأن نعمل مع الشباب ونحاول أن نقوم بتمكينهم وتتيح له فرص عمل وأماكن في السلطة السياسية حتي يشعر الشباب أن هذه المسيرة في صفهم ومن أجل مستقبلهم.
وهناك مخاطر داخلية تتصل بالاقتصاد.. صحيح أن الشعب يساهم وقد رأينا هذا في قناة السويس.. ولكن لا يجب أن نعتمد علي ذلك طوال الوقت.. يجب أن نبذل جهدا أكبر لتشجيع الناس علي الاستثمار وليس الادخار فقط.. لأنه لو أنهار الاقتصاد ينهار معه كل شيء.
نحن في حاجة علي تحقيق التوازن بين قوة الدفع الأمامية وهذه المخاطر بحيث نقلل المخاطر إلي أدني درجة ونفطن إلي أقصي درجة قوة الدفة بحيث تتغلب علي المخاطر وتطغي عليها.
* بين الحين والآخر تنطلق دعوات للمصالحة سواء مع جماعة الإخوان أو غيرها من التيارات التي تتخذ موقفا من النظام الحالي.. ما رأيك في هذه الدعوات؟
** قال الدكتور أحمد زايد: لا مصالحة مع الإرهاب.. لأن الإرهاب مدمر للمجتمعات وللمستقبل.. أنا أوافق علي المصالحة في حالة واحدة فقط وهو أن تتخلي هذه الجماعات عن هذا الفكر نهائيا الذي لا يتناسب مع الحياة ولا مع الواقع ولا المستقبل حين يكون هناك فكر يقوم علي العنف ولا يعترف بوجود وطن ويستبعد الآخر ويحتكر الدين والإيمان.. فالإخوان ينظر إلي الآخر علي أنه أقل منه في الدين والأخلاق.. كل هذه الأفكار غير ديمقراطية ولا تتناسب مع الحاضر الذي نعيشه ولا تتناسب مع المنظومة الدولية التي نعيش فيها.
وهنا لابد أن يندمجوا في الحياة أو تخلوا عن هذه الأفكار التي ليست في صالح الحياة والمجتمع والمستقبل ولا في صالح أي شيء.. حتي الطريقة التي ينشئون بها الناس لابد أن يتخلوا عنها.. فكرة التنظيم وأن من بداخله لا رأي له.. وكلها أفكار غير ديمقراطية.
* هل تواجه مصر أزمة أخلاق؟
** قال الدكتور أحمد زايد: مصر لاتواجه أزمة أخلاق وإنما لديها قلق علي الأخلاق.. كثرة التغيرات التي تحدث وعدم قدرتنا علي أن نستوعب هذه التغيرات.. هنا يتكون لدينا "هلع أخلاق".. وهو موجود في كثير من دول العالم.. وإنما أنا لا أظن أن مصر بها أزمة أخلاق ولكن ربما تكون هناك بعض الأشياء التي تظهر مع التغيرات الكبيرة والسريعة.. وستجد أن الكثير من مظاهر عدم الأخلاق ستختفي إذا طبق القانون ولذلك أظن أن الشعب الذي يقبل بهذا الشكل الكبير علي شراء شهادات الاستثمار.. ليست لديه أزمة أخلاق.. نحن قلقون علي الأخلاق ومن كثرة قلقنا عليها نظن أن هناك.. أما الأزمة الحقيقة فهي موجودة في التفكيك الاجتماعي.. الأخلاق موجودة.. ولكن الناس متباعدة من بعضها فزادت الفردية بين الناس طغت المادية علي البشر مما يجعل الإنسان يغلب المصلحة الخاصة علي العامة.. وهذه كلها أمور طبيعية تحدث في أي مجتمع يتغير.. والمطلب إيجاد آليات لتقريب الناس وهذا يتحقق من خلال نظام سياسي قوي وحرية وديمقراطية وبناء متماسك.
* هل تأخر البحث الاجتماعي في مصر عن مواكبة التغيير الذي يشهده المجتمع.. ولم يقدم تحليلا مجتمعيا يسهم في دعم خريطة المستقبل؟
** قال الدكتور أحمد زايد: لا.. البحوث الاجتماعية شغالة.. وأنتم في جريدة الجمهورية نشرتم عن بحثًا أجريناه عن المنظومة الاجتماعية وقيم النزاهة والشفافية وأنا الذي أدرت المشروع ونشر البحث علي نطاق واسع جدا.. وكان في وزارة التنمية الإدارية تحت إشراف الوزير الهمام السابق أحمد درويش وأنا لا أظن أن هناك اهتمامًا في الدولة بالبحوث الاجتماعية يجب أن تهتم الدولة بهذه العلوم وأن تكون هناك أجندة بحثية قومية تطرح المشكلات الأساسية للبحث الاجتماعي في مصر.. وأن يكون هناك إدراك في الدولة بأهمية هذه العلوم.
* إذن الدولة لا تهتم بالبحث الاجتماعي؟
** قال: لا.. هناك اهتمام أقل بالبحث العلمي عموما.. حتي الطبيعي فمازلنا في مرحلة متدنية.. مطلوب الاهتمام بالبحث العلمي بشكل عام بما فيه البحث الاجتماعي.. وأن تصبح النظرة للبحث الاجتماعي كالنظرة للبحث في مجال الطب والطاقة والزراعة.
* كيف تعاملت البحوث الاجتماعية مع الثورة..
وهل توقعتم حدوثها؟
** قال الدكتور أحمد زايد: لا.. لم يكن هناك توقع بثورة وإنما كان هناك توقعا بعنف لقد أشار البحث الذي قمت به إلي أن هناك قلقًا في المجتمع.. وهناك فئات لديها إحساس أكبر بالظلم مثل فئات المتعلمين من الشباب وأهل الحضر وهؤلاء هم من قاموا بالثورة.
وكانت هناك استشرافات بأنه ربما تحدث في مصر حوادث عنف وأنا ذكرت هذا في أحد التحقيقات الصحفية ولكن لم نكن نتنبأ بإمكانية قيام ثورة لأنه في العالم كله كانت هناك قناعة بأن الثورات تكاد تكون انتهت وأن التغيرات التي ستحدث لن تحدث بالشكل الثوري.. ولكن كان هناك تنبوءات بأن هناك تغيرات قادمة وأنه قد يأخذ شكل أحداث عنف.. بسبب الإحساس القوي لدي الناس بالظلم.. والمفروض علي المسئولين الذين اسميهم "أصحاب الدولة" أن يقرأوا هذا الكلام.
* وما توقعات البحوث الاجتماعية لما يحدث في مصر حاليا؟
** قال الدكتور أحمد زايد: نحن كأساتذة علم اجتماع لدينا قدر كبير جدا من التفاؤل لأن كل الخبرات تقول إن الشعوب حين تريد أن تقرر مصيرها وتصمم علي شيء تفعله.. لأن الشعوب هي التي تنتصر في النهاية.. لا يوجد أي نظام مستبد استمر في العالم انظر إلي فرانكو في اسبانيا وهتلر في ألمانيا وصدام حسين في العراق كلهم انتهوا حتي عندنا عندما تحول النظام إلي نظام ديكتاتوري خرج الناس عليه.. والشعب دائما هو المنتصر وهو الباقي ولابد أن نؤمن بذلك لأنه من أحد مكاسب الثورة أن الشعب أصبح له دور في الحياة ولم تعد النظم السياسية قادرة علي أن تصبح ؟؟؟ ونأمل أن يشارك الشعب في السلطة.. وأنا أري أن شخصية الرئيس السيسي فيها الصفات المصرية المطلوبة.. كما لو كان هناك تواصلات داخليا بينه وبين الشعب وهو لديه إحساس بكل هذه المشاكل والرؤي التي نقولها ولدينا أمل أن يتحقق العدل والمساواة علي يديه وأن يحدث توازن في المجتمع بين رأس المال والعلم وأن تكون الدولة عادلة في تعاملها مع الطبقات الاجتماعية المختلفة.. نأمل أن تتحقق دولة العدل التي طالبنا بها في البحث الذي أشرت إليه حيث قلنا إنه إذا كانت مصر تريد أن تنهض لابد أن يكون العدل فضيلة والإنجاز وسيلة.
مطلوب أن نبث ونعزز هذه القيم في المجتمع.
المجتمعات لا تبني هكذا من نفسها.. المجتمع المصري ترك وشأنه لفترات طويلة.. وعلي سبيل المثال إذا تركت الأرض وشأنها سينمو بها العشب والأشواك وأيضا الثمار التي يمكن أن تأكلها والمجتمع لا يجب أن يترك بهذا الشكل.. بل يجب أن نحقق به فيما كالعدل والمساواة ونؤكد عليها في الخطاب السياسي والإعلامي والقوانين والممارسات السياسية.. ونؤكد قيم الإنجاز بحيث يحصل المنجزون علي الفرص الحقيقية وبهذا يعود المجتمع مرة أخري متماسكا.