القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 02:17 م
أغلبية الشعب المصري بدون "كتالوج" !
نعيش حالة "ترقب".. ونحتاج لمزيد من الوضوح والشفافية.. و"العراك السياسي" يهدد الجميع
حوار: سمية عبدالرازق
بصوته الخفيض.. وهدوئه الذي لا يخلو دائما من "العمق".. وتحليل كل ما يجري من حوله. بحثا عن رابط ومعني ونتيجة تتسق مع المنهج العلمي.. كان للحوار مع الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي أهمية خاصة جعلت لكل حرف من كلماته وزنه ودلالته. في ظل ما مرت به مصر وشعبها من أحداث ساخنة بين ثورتين. تركت بصماتها علي "الشخصية المصرية".
د.حفني صاحب أول رسالة دكتوراه حصل عليها منذ نصف قرن وتناولت بالتحليل الشخصية الإسرائيلية.. وهو أيضا صاحب نظرية أن الغموض خطر علي الإنسان. إذ يربكه للدرجة التي تجعله لا يفرق بين "سكة السلامة" و"سكة الندامة".
بداية كلامه فيما يخص ثورتي 25 يناير و30 يونيو أكدت أنهما معا "حلقة" انصهر فيها المجتمع المصري وظهر علي إثرهما المعدن الأصيل للمواطن المصري الذي نفض التراب عن قيمه الإيجابية وبخاصة التكاتف في اللحظات الحاسمة.
الشعب كما يري في حاجة ماسة للشفافية والوضوح للخروج من حالة التوتر الداخلي لمواجهة التحديات.
* كيف ترصد حالة المجتمع المصري النفسية والمزاجية بعد ثورتين؟
** توتر الرقيب الداخلي لدي المصريين يسبب حالة الغموض أدي لارتباك الكتلة الكبيرة من الشعب لتصبح غير قادرة علي التفرقة بين سكة السلامة وسكة الندامة فقررت الصمت والكلام في حالة الضرورة بعبارات بلا معني.
* لو قمت بعملية تشريح معملي لما حدث للشعب المصري خلال ثورتي 25 يناير و30 يونيه.. فما النتائج؟
* مازلت أري أن الشعب المصري مر بفترات انهيار أظهرت معدنه الحقيقي لقد انضم بعد يونيه 1967 حين صمم علي استرداد الأرض.. وفي 6 أكتوبر حين حقق النصر في 25 يناير.. فخلال ال18 يوما كان الشعب المصري منصهرا متعاونا فلم نسمع عن سرقات أو تحرش أو عنف.. وفي 30 يونيه كانت لحظة انصهار شبيه ليست بنفس الشمول لأن هناك كتلة انسحبت وانصهرت في رابعة في جميع حالات الانصهار يظهر جوهر المصريين والمشاركة في تحمل الضغوط والتكاتف.
* هل فعلا لحظة الانصهار موجودة بين الكتلة الكبيرة أم تلاشت؟
* ربما تلاشت بين النخب لكنها مازالت موجودة بين صفوف "حزب الكنبة" المنتمون والمحبون لمصر بعيدا عن التنظيمات السياسية المشكلة أن هذه الأغلبية ليس لها "كتالوج" ولا يمكن توقع ما يريدون أو ردود أفعالهم.
هناك قوانين تحكم تصرفهم ولكن للأسف لم يتم دراستها بالقدر الكافي فلو فرضنا أن "س" قائدا لجماعة 40% منها تحت خط الفقر ثم قرر القائد رفع الأسعار المتوقع حدوث ثورة جياع ولكن لم يحدث لأن هناك قانونا يحكم هذه الكتلة المستقلة اسمه "قانون الثقة" لأن الرئيس رفض اعتماد الميزانية إلا بعد تقليل العجز بإصرار رغم المحاذير التي طرحت عليه ورغم ضيق الناس بارتفاع الأسعار إلا أنها ثقيلة ولم يثوروا ويخرجوا للتظاهر احتجاجا علي رفع الأسعار.. فالحقيقة أن الكتلة الكبيرة من المصريين الفقراء يتحرك وفق قوانينها الخاصة المختلفة عن القوانين الموجودة في الكتب.
* وما هو توصيفكم للمشهد المصري الراهن؟
** المصريون في حالة ترقب.. لدينا تحديات كبري علي رأسها الإرهاب الذي ضعف قليلا ولكن مازال هناك شييء بشع يحدث في سيناء.. والجيش يتعامل يوميا مع هؤلاء فهي حالة حرب حقيقية.
وأمامنا تحدي التحالفات الإقليمية فهناك تحالف بين قطر وتركيا وحماس في مواجهة مصر.. ولدينا تحالف داعم ممثل في الإمارات والكويت وهذه تقسيمة غير مسبوقة والتنبؤ بمسارها صعب.
حالة ترقب
* كيف الخروج من هذه الحالة.. الترقب والغموض؟
** من الصعب علي خبير في علم النفس السياسي أن يجلس مرتاحا ويكتب روشتة فهي مغامرة غير محسوبة.. الرسالة العامة أن الناس الذين لديهم قدر كبير من الثقة في القيادة يحتاجون لقدر من الشفافية.
وحالة الترقب ليست كلها سلبية لكننا نحتاج لمزيد من الوضوح فمثلا لدينا جدول حول سد النهضة بين مهول للمخاطر ومهونا وغير المتخصصين يحتاجون لرأي علمي واحد لأن كثير من البرامج الإعلامية إما بها وجهة نظر واحدة أو جهتين نظرا متصارعين مما يحدث لدي المشاهد حالة من اللخبطة الفكرية.
* تحدثت عن دور الإعلام في "لخبطة" ذهب المواطن.. فكيف نضبط الأداء؟
** الإعلام مهما كان قويا لا يمكن أن يخلق واقعا وإن كان مؤثرا ومواجهته لن تكون إلا بالشفافية.
كمشاهد أرصد القنوات الحكومية فإمكانياتها ضعيفة والإعلام الخاص مملوك لكبار رجال الأعمال المصريين والعرب وتعتبر الفضائيات جزءاً من استثماراتهم للدفاع عن هذه الاستثمارات وهذا ليس عيبا أو خطأ.
ولكن هناك خلط بين مقدم البرنامج الإعلامي والداعية ورجل العلم فكثير من الإعلاميين يتقمصون الأدوار الثلاثة ويختلط الكلام.
ظاهرة الإعلامي الداعية ورجل العلم المتخصص والسياسي العالم ببواطن الأمور والمفكر الموسوعي؟ كيف نواجهها.. هل بالترشيد أم بالنفير أم بالحرية؟
* الترشيد بالمنع تجاوزه العصر.. ففي الخمسينيات والستينيات كان هناك منع لإذاعة إسرائيل أما اليوم هذا لا يصح وعلينا التركيز علي الإعلام الواقعي الذي يعرض العيوب والمشاكل ويقدم لها الحلول ولا يجمل الواقع.
الطابور الخامس
* شاعت مؤخرا مصطلحات مثل الفلول والطابور الخامس وبعض الاختصارات ما مدي خطورة هذا علي المجتمع؟
** الاختصارات لغة العصر.. والتصنيفات لو مجردة ليس لها خطورة.. أما الجديد في هذه التصنيفات أنها بدأت تتسلل لنسيج المجتمع فهناك أسر أفرادها يتعاركون عراكا حقيقيا حول ما يجري في مصر منهم من يؤيد يناير ومنهم من يؤيد يونيه ومنهم من يؤيد نظام مبارك ومنهم من يؤيد الإخوان.
هذه الحالة لها وجه إيجابي وهي اهتمام المصريين بأحوال ومستقبل مصر.. وهذا يعني أن هناك حالة من الانشغال السياسي للمصريين بما يجري في بلادهم فالسؤال المطروح مصر رايحه علي فين؟ ولم أر مثيلا لهذه الحالة إلا في فلسطين ولبنان.
العراك الأسري هو السلبية الوحيدة ولذلك لابد أن يصالح المجتمع بعضه بترسيخ قيمة أن نحيا معا كارهين.. ليس الكراهية أن نقتل بعضنا وإنما نعيش معا رغم الاختلاف.
* هل بخصم بعض المسائل من المعادلة السياسية تنتهي مشاكلنا معهم؟
** لايمكن القضاء علي الأفكار تماما ولا اضعافها إلا بالحوار.. القوة توقف الفعل ولكنها لا توقف الفكر.. فتقيد الفكر لا يقف عليها ولكن يدفعه للتخفي.
فكرة المصالحة مع الفلول أو الإخوان أو قتلة الثوار تثير حساسية لدي البعض مصدرها من خطأ في "مفهوم المصالحة" التي يتم طرحها.. والمصالحة لابد أن يسبقها الاتفاق داخل الأسر المصرية ليتصالح المصريون بعدها فيما بينهم.
* هل مصر في حاجة لنخب جديدة مرتبطة بالأجندة المصرية؟
** الحديث عن نخب سياسية تقود الشارع حديث مبالغ فيه وليس معناه أن دور النخب والأحزاب السياسية انتهي بل موجود في حجمه ومقداره الحقيقي.. النخب تظهر طبيعيا وتشكل أحزابا ونقابات وتجمعات تلقائيا دون تجهيز وتعليب.
* كيف تري حال الشباب المصري وكيف تدمجه في الحياة السياسية دون جنوح؟!
** نعاني دائما من مشكلة "الألف واللام" فعن أي شباب نتحدث الفلول أم الإخوان أم الأحزاب أم الشرطةأم الجيش فكل فئة لها شبابها في ميدان التحرير طرح شعار لا نريد حكومة عواجيز.. في الوقت الذي كانت المظاهرة غالبيتها شباب وقوات الأمن المركزي شباب أيضا.
كل طرف في ذهنه الشباب الذي يتبعه ويقال إن الشباب كانوا مع 30 يونيه وانصرفوا عنها رغم أن المنصرفين كانوا بعض الرموز ومن انصرف ليس الكل بل البعض.
* وما هي الطريقة المثلي لقراءة وفهم المجتمع؟
** لابد أن يكون لدينا مراكز كبري لقياس الرأي العام ودراسات مستمرة ومتطورة لاتجاهات وأنماط تفكير المصريين وهذا ليس موجودا بل ويقاوم بشدة.
* هل هناك خطورة من استمرار الحالة المزاجية المصرية المتخاصمة والمنفصلة والمتوترة ونحن مقبلون علي الانتخابات النيابية؟
** من المهم إدراك أنه كلما زادت الإقصاءات زادت المخاطر.. والعكس صحيحا.. فلو لدينا تيار حجم 1% ولكنه لا يعجبنا لخطورته وقمنا بإقصائه فيصبح لديه حق الادعاء بجماهير كاذبة.
البعض يخشي من النقاش حول الإخوان والحزب الوطني فميا يخص مقاعد البرلمان بسبب الأمية والفقر التي يعاني منها الناخب وهنا تظهر فكرة الإقصاء رغم أن الإقصاء لأي فصيل يدعمه ويمنحه فرصة للمزايدة.
* درست الشخصية الإسرائيلية ما يحدث في سيناء من إرهاب له علاقة بهذه الشخصية؟
** ما يحدث في سيناء نتيجة تقاعسنا عبر سنوات في التعامل بجدية مع الملف السيناوي وانتشار موجة من التيار الديني الأصولي "القاعدة.. سرايا القدس.. أنصار بيت المقدس" لا يجب تعليق ما يجري هناك علي شماعة إسرائيل التقصير من جانبا.
* كيف نضبط ريقاع الحالة الدينية المشوشة من الغلو حتي الإلحاد؟
** ضبط الإيقاع الديني لا يأتي بالوعظ وإنما بالقدوة والممارسة والانفتاح علي الفكر الآخر الرافض.. ففي إحدي البرامج استضافت بعض الملحدين وثارت عليهم مقدمة البرنامج وطردتهم فهذا خطأ لأن الملحد يري صورة مشوهة للدين وعلينا مناقشته وإقناع الأفضل فتح الباب أمام الآخر ليعلن رأيه ونعلن آرائنا ونناقشه دون خوف.
** هل حدث نفير في سلم القيم المصرية؟
** هذا يحتاج لدراسة ميدانية ولكن انطباعي أن قيمة التعاون والثقة بين المصريين مازالت عالية عكس ما يبدو وكذلك قيمة الدين بالتفسير اللين.
ولا يجب التضخيم من بعض الظواهر مثل التحرش لأنها مرتبطة بجذور قديمة باعتبار المرأة شيء وليس صحيحا.. إن التحرش منتشر في مصر فهو موجود ومنتشر في أمريكا مثلا لدرجة وصلت لمحاكمة رئيس أمريكا بهذه التهمة.. الشعب المصري ليس متحرشا وإنما يعاني من افتقاد الأمن في الشارع.
ما نخشاه هو الخوف من افتقاد الحميمية الأسرية بسبب التقدم ولكنها ظاهرة لا تقلق ويمكن علاجها