القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 01:44 م
كشفها السيسي بنفسه. وأعلنها للشعب بعد 30 دقيقة
أحقاد العدو ضد السويس الجديدة تبدأ بفضيحة علي الهواء
راديو جيش إسرائيل ينسب إلي رئيس مصر مخططاً وضعه إسرائيليون منذ 2004
السويس الجديدة ..ضربة قوية لمشروعات العدو ضد "القناة الأم"
السيسي : لا تفريط في شبر من أرض مصر
رجل الدولة. والزعيم الحقيقي. يتابع ما يجري في الخارج. متابعته لما يجري في الداخل.. لا يغفل عن حدث صغير. فقد تكون له آثار كبيرة. ثم هو يربط الأحداث ببعضها. يجمع خيوطها بين يديه. ليغزل منها نسيجاً يحقق أهداف الوطن. ويحافظ علي مصالحه. ويحمي أرضه. ويصون أمنه القومي. ومهنة أي رئيس وثقافته تؤثران دون شك علي ممارسته السياسية.. وما حدث من الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الإثنين 8 سبتمبر الحالي يؤكد أنه يدير شئون الوطن ومسئولياته بيقظة ودأب. وحرص رجل الأمن. خاصة الأمن العسكري.. خبر صغير أذاعه راديو الجيش الإسرائيلي صباح يوم الإثنين المذكور. خبر ضمن عشرات أو مئات الأخبار التي يتلقاها أي رئيس دولة. يعرف أعباء مهامه الوطنية. ولكنه توقف عنده. وتابعه بنفسه لمدة نصف ساعة. ثم خرج علي الشعب في اليوم نفسه. يوم عيد العلم. ليفضح أكذوبة إسرائيلية. نسي من وضعها أنها من قبيل النكات التي تحفل بها كتب المخابرات. والتي أطلقت ضد الزعيم النازي هتلر. ثم ترددت بتفصيلاتها ضد الرئيس جمال عبدالناصر. خاصة في أزمة السويس عام ..1956 وها هو الأمر يتكرر بشكل آخر في 2014. لينسب الإسرائيليون إلي الرئيس المصري مشروعاً ومخططاً. وضعوه بالذات منذ عام 2004. وكرروه في 2008. لكنهم تجاهلوا هذا. وساروا علي خطي وزير دفاعهم الأسبق موشي دايان. الذي قال: إن العرب يقرأون.. ولكن هاهم العرب يقرأون ويتابعون ويرصدون ما يجري في داخل إسرائيل نفسها. وما تقوله وسائل دعايتها. وما تستنتجه من أكاذيب.
وبضربة سريعة وخاطفة أبطل الرئيس عبدالفتاح السيسي وبنفسه الإفك الإسرائيلي. الذي يعرف جيداً لماذا أطلق الآن بالذات. ومع بداية حفر قناة السويس الجديدة. وبإسهام شعبي لم يكن متصوراً. مما سيغير خريطة سيناء ويقيم حولها سدود صد ودفاع تحمي كل شبر فيها.
ونتتبع الشائعة منذ البداية. ونرويها فصلاً فصلاً من مصادرها
دولة فلسطينية في سيناء
في يوم الثلاثاء. 9 سبتمبر الحالي. كان العنوان الرئيسي في صحيفة "إسرائيل اليوم" هو: "دولة فلسطينية في سيناء". وفيما يلي نص ما ذكرته مترجماً إلي العربية في "نشرة المصدر السياسي" التي تصدر صباح كل يوم في القدس المحتلة. مع بعض التنقيح والتقديم والتأخير في التعبيرات.. قالت الصحيفة الإسرائيلية: عرض من الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" علي محمود عباس "أبومازن". مبادرة تقف خلفها الولايات المتحدة وإسرائيل. وتقترح توسيع قطاع غزة خمسة أضعاف من أراضي شبه جزيرة سيناء. وإقامة دولة فلسطينية فيها. حسب الخطة. يحصل الفلسطينيون الذين يبقون في "الضفة الغربية" علي حكم ذاتي. مقابل التنازل عن "حق" العودة إلي حدود .1967
وحسب تقرير ل"إيلئيل شاحر" مراسلة "صوت الجيش". فإن "الرئيس" عبدالفتاح السيسي عرض في أثناء لقاء أبومازن هذا الأسبوع. خطته لنقل 1600كم من أراضي مصر إلي السلطة "الفلسطينية". ويعود اللاجئون إلي هذه الدولة التي تكون مجردة.
وفي خطاب ألقاه أبومازن. أمام أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. قبل سفره إلي الجامعة العربية في القاهرة. كشف النقاب عن أنه رفض العرض رفضاً تاماً. وادعي أبومازن في خطابه أن مسئولين في الحكم المصري عرضوا عليه مساحة 1500 : 2000 كيلومتر مربع في سيناء. بجوار قطاع غزة. تُنقل إلي السلطة الفلسطينية. وتكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة. "مرة توصف بأنها مجر
دة. ومرة بأنها مستقلة"!!
أما في مكتب "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي. فلم يعقبوا علي النبأ.. هذا هو خبر صحيفة "إسرائيل اليوم" باختصار التي تغني وترد علي نفسها!!.. وتقول الشيء ونقيضه معاً.. ولو أردنا تحليل مضمون الخبر طبقاً للأسس العلمية المعروفة لوجدنا أنه يناقض بعضه بعضاً. دون أن ننسي أن مثل هذا النوع من الأخبار. التي تعد في الحجرات المظلمة. يحاول أن يتضمن أخباراً خداعة. ومعروفة مثل لقاء الرئيس السيسي مع أبومازن. وخطاب أبومازن أمام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.. وما عدا ذلك ضرب من الأكاذيب. أي "الأخبار المضروبة" التي لا تستند إلي مصدر محدد معروف الاسم والوظيفة. ولا تحدد متي وأين قيل هذا؟!!
كرم مصري مفاجئ جداً!!!!
وقبل أن نستكمل عرض أسلوب من يغني ويرد علي نفسه. بأن نورد تعليقات صحيفة إسرائيلية أخري في اليوم نفسه "9 سبتمبر". علي الخبر ذاته. نحاول أن نستعرض كيف تعاملت مواقع عربية مع هذا الخبر. الذي يسارع إلي نقله في يوم بثه فضائياً أي في الثامن من سبتمبر موقع "رأي اليوم" الإلكتروني الذي يرأس تحريره الصحفي المعروف الأستاذ عبدالباري عطوان. رئيس التحرير. والمالك السابق لصحيفة "القدس العربي" التي اشتراها منه القطريون. وكتب الخبر من مدينة الناصرة. عاصمة الجليل الفلسطيني. مراسل الموقع النشط الأستاذ زهير أندراوس. وبدأه كما يلي:
"كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي. صباح الإثنين. نقلاً عن مصادر سياسية وصفتها بأنها رفيعة المستوي. في تل أبيب. النقاب عن أن رئيس السلطة الفلسطينية رفض اقتراحاً قُدم له من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. بموجبه تتم إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة. وفي مساحة أخري من شبه جزيرة سيناء. وبالمقابل إقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية المحتلة. علي حد قول المصادر".. وبعد تفصيلات شبيهة بما أوردته صحيفة "إسرائيل اليوم" كما سبق ذكرها والحديث عن دولة غزة الكبري.
أضاف محرر موقع "رأي اليوم" أن "المصادر" تابعت قائلة: إن الرئيس المصري الجنرال السيسي قال لعباس خلال اللقاء الأخير الذي جمعهما إن رجلاً في سنه. 80 عاماً. يتحتم عليه قبول الخطة المصرية. لأن من سيخلفه في منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية سيقوم بالموافقة علي هذا العرض. ولكن عباس لم يقتنع بالاقتراح المصري. وأبلغ السيسي رفضه له!!!!
مساحة أكبر وفلسطينيون أقل
نعود إلي 9 سبتمبر. ونطالع افتتاحية صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي كتبها "بوعز هندل" بعنوان: الصادقون والصديقون ومن بينهم. وقال فيها إن إسرائيل - بعد أكثر من مائة سنة من الصراع - أمامها احتمالان أساسيان: إما الانفصال عن الفلسطينيين. وإما دولة واحدة ذات شعبين. لكن أكثر الإسرائيليين. من اليمين ومن اليسار. يؤيدون الاحتمال الأول. وهم يتجادلون حول الخطوط الجغرافية. ويشمل التصور الصهيوني الحديث أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من الفلسطينيين. وكلما مر الوقت ازداد الأمر تعقيدا.
وينتقل كاتب افتتاحية "اليديعوت" من هذه المقدمة إلي القول: إن الاقتراح المصري للرئيس السيسي. يفرض ألا يندم وينكره "!". أول مرة منذ اتفاقات أوسلو "في 1993" توضع فيها علي المائدة فكرة أصيلة للفصل. وهي إحداث خطوط جغرافية جديدة. لا محاولة العودة إلي خطوط كان لها معني في الماضي. والحديث عن دولة فلسطينية كبيرة إلي الجنوب من غزة في داخل سيناء. وعند تطوير أراضي السلطة التي انتقلت إلي الفلسطينيين في اتفاقيات أوسلو.
ثم يؤكد ".هندل" من عنده أن أهمية هذا الاقتراح في أصله. لقد وجدت في الماضي أفكارا إسرائيلية لنقل الكرة الفلسطينية إلي دول مجاورة. كأن تنقل غزة إلي مصر. وأراضي السلطة إلي الأردن. وسقطت هذه الأفكار في غرفة تحرير السياسة الإسرائيلية. فهم لا يتحدثون عن الأردن بسبب الحساسية السياسية. ولم يظهر المصريون "فيما سبق من جولات النظام" استعدادا لشغل أنفسهم بالقضية الفلسطينية. ولم يقلق القرب الجغرافي وتهديد إسرائيل مبارك ورجال الإخوان المسلمين... ويضيف: يقال في أصولنا إن الصديقين يقوم الآخرون بعملهم. وما لم يقل هو أن الصادقين هم الذين يقومون بالعمل.
يبدو أننا لم نكن صديقين بقدر كاف. ولم نشعر أيضا بأننا صادقون بقدر كاف. نحن ننتظر منذ زمن بعيد ولا يستقر رأينا علي شيء. لا في اليمين ولا في اليسار. وبعد 20 سنة من اتفاقات أوسلو وبعد 35 سنة من اتفاقات السلام مع مصر. توضع علي المائدة فكرة فيها الأمل للصادقين والصديقين وكل من بينهم. فيها أمل لا وعد. ويختتم كاتب افتتاحية "اليديعوت" مقاله بقوله: إذا كانت أمريكا هي أرض الأحلام فإن الشرق الأوسط هو منطقة القيود. في الحرب والسلام والحلول التي تدور هنا. يجب الدبلوماسيون أن يسمعوا عن أفكار خارج الصندوق. لا أن يأخذوا بها. وليس أبومازن أيضا رجل المبادرات الجديدة. فرفض المصالحة جزء منه وجزء من تراث الصراع. وقد بقيت إسرائيل ومصر في جولة ساخنة من التاريخ. ولا يو
جد آخرون يدفعون مثل هذه الفرص النادرة إلي الأمام. وأقول لكل المعارضين إنه إذا كان يوجد سلام آخر فجيئونا به.
ولا حبة رمل
كان الواجب يقتضي - صحفيا وسياسيا - البدء بكلام الرئيس السيسي الذي أبطل الإفك الصهيو - إسرائيلي. عامدا متعمدا حرصت علي تقديم الأكذوبة الإسرائيلية بنصوصها أولا. لنتبين قيمة وأهمية ما قاله الرئيس وملخصه: .. ولا حبة رمل. من سيناء. والمعني الواضح: لست أنا "المشير عبدالفتاح السيسي" الابن البار للعسكرية المصرية من يفعل هذا. وهذا - كما هو معروف - تقليد مصري ثابت منذ تحددت خطوط الديار المصرية. وعلينا أن نتذكر "موقعة طابا" في 1906 وما تلاها وما سيتلوها. بعد هزيمة يونيو 1967 المرة دفع الزعيم جمال عبدالناصر شعار: سنحرر أرضنا شبرا شبرا ولو تركنا علي كل شبر شهيدا. ومن بعده قال الرئيس السادات. علي الرغم مما يرد علي سياسته ودبلوماسيته من ملاحظات. قال عن المستوطنات الإسرائيلية في سيناء "فليحرقوها". وحين أثار التعبير ثائرة الصهاينة والإسرائيليين ومن معهم ومن وراءهم. تراجع خطوة واحدة وقال إنه يعني "فليحرقوها".. المخلوع الذي هوي وعلي الرغم من كل سلبياته إلا أنه تمسك بطابا آخر شبر في سيناء إلي أن استعدناها وهي "شبه مقيدة" وسترد في حقه شهادة أخري بعد قليل.. كل هذا لا يخفي علي الإسرائيليين. فهل ظنوا أنهم يريدون في هذه الظروف الإقليمية بالذات أن يختبروا موقف الرئيس السيسي؟.. لقد أساءوا الاختيار. بل وسقطوا بجدارة في الاختبار الذي انقلب ضدهم. فقد تمهل السيسي بعد إذاعة النبأ وبخبرته كرجل مخابرات عسكرية قدير يعرف كيف "تصاغ" مثل هذه الشائعات من الكيان الصهيوني. لذلك انتظر. وبعد أن لمس أن الشائعة بلغت مداها. ألقي عصاه في لحظة مناسبة فالتهمت إفكهم. بل وردت كيدهم إلي نحرهم بكلمات دقيقة وموزونة حرص علي أن يدلي بها بنفسه. ولم يكتف بما أعلنه مسئول في وزارة الخارجية. ماذا قال الرئيس السيسي تحديدا؟. نفي ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية من أخبار "مغلوطة.. ولا أساس لها من الصحة". وأضاف كلمات حاسمات قاطعات: "لا أحد يملك حق التفريط في شبر من أرض الوطن أو التنازل عن جزء منه". ووصف أرضنا - أرض الوطن - بأنها مقدسة استعدناها بدماء وأرواح هذا الشعب. كان يستطيع أن يقف عند هذا الحد. ولكنه أضاف وهو يتحدث في عيد المعلم يوم الاثنين 8 سبتمبر إنه تأخر عن الحفل نصف ساعة بسبب مكالمة تليفونية جاءته في السابعة صباحا ونقلت له ما نشرته مواقع إخبارية.. وقال ما سبق ذكره.
لا للتوطين في سيناء
ثم صدر بيان عن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية. نفي أيضا نفيا قاطعا ما رددته مصادر إسرائيلية.. ومع أهمية ما أدلي به المتحدثون الفلسطينيون إلا أن تصريح السيد محمود عباس "أبومازن" كما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" له هنا أهمية خاصة. فقد نفي في مستهل حديثه في اجتماع القيادة الفلسطينية بمدينة رام الله جملة وتفصيلا الأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام حول قيامه ببحث موضوع التوطين في شبه جزيرة سيناء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وأضاف: "قيل بعد زيارتنا لمصر إنه جري حديث مع الرئيس السيسي حول التوطين في سيناء. ولا أدري من أين جاءوا به. وأؤكد: لم يطرح إطلاقا هذا الموضوع معه. ولا مبرر ولا ضرورة لذلك. ونعرف موقف السيسي الرافض لهذا الموضوع. قضية التوطين في سيناء مطروحة منذ عام 1956" "الأصح منذ يونيو 1953 وقد أبطل الزعيم عبدالناصر هذا المشروع في مارس 1955 بعد انتفاضة في غزة استجاب لمطالبها" عندما قيل بتوطين اللاجئين إلي غزة في سيناء وتوطين اللاجئين من الجولان في منطقة البوكمال. وفي حينه أثيرت ضجة كبيرة. وقامت الدنيا. وانتهي الأمر في الإعلام. إلا أنها عادت مرة أخري علي لسان "أيجورا ايلاند" الذي بدأ يروج لها ويطرحها. إلا أن مصر لم تقبل ولم تصغ لذلك عندما أثير الموضوع مجددا في عهد مبارك. وهذه المسألة لم تطرح في مصر ولا في سوريا. المسألة طرحت في عهد محمد مرسي. وكان حديث جدي لكنها ما لبثت أن انطفأت وهنا أورد رئيس السلطة الفلسطينية واقعتين محددتين وقاطعتي الدلالة:
الأولي: إن المشير عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع أصدر قرارا بتحريم بيع الأرض في سيناء.
الثانية: حصل الشيء نفسه تقريبا في عهد مبارك مع الشهيد ياسر عرفات "أبوعمار". عندما كنا نريد بناء مطار رفح وكان تنقصنا أمتار. وقال مبارك: لا أستطيع إعطاء سنتيمتر واحد من أراضي مصر. وانتهت القضية ولم تبحث إطلاقا.
من إيلاند إلي عوزي
إذا كانت القضية - وهي هنا أساسا قضية أرض سيناء - لم تبحث ولم تعد تبحث إطلاقا في العقل أو في التفكير العربي. المصري والفلسطيني والسوري. إلا أنها لم تغب يوما عن العقل الإسرائيلي. خاصة منذ عدوان يونيو 1967. بل وقبله وبعده. ودون الدخول في تفصيلات تاريخية كثيرة قد يشار إليها بشكل عابر فيما بعد. فإن حديث الشائعة التي بثتها إذاعة الجيش الإسرائيلي يجد جذوره الحديثة في اقتراح قدمه جنرال الاحتياط "جيورا ايلاند" حينما كان مستشارا للأمن القومي في ظل رئيس الوزراء الأسبق اريل شارون وقد تحدث ايلاند عن مشروعه هذا في أكثر من لقاء سياسي وعلمي إلي أن بلوره وحدد معالمه في "مؤتمر هرتسليا" الذي يعرف باسم "مؤتمر المناعة والأمن القومي" وقد يعتبر من أهم المؤتمرات السياسية والاستراتيجية والأمنية في العالم وتشارك فيه سنويا القيادات الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية والأكاديمية. إلي جانب نظرائهم من دول مختلفة. علي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ومن أسف ان شخصيات فلسطينية شاركت في أعمال أكثر من دورة من دورات هذا المؤتمر.. وربما لاتزال تواصل جوهر مشروع ايلاند لتبادل الأراضي بين إسرائيل وجاراتها هو نزع فتيل القنبلة البشرية في قطاع غزة من ناحية وتحقيق تسوية ما مع الدول المجاورة لفلسطين والمشروع لم يعده الجنرال ايلاند بمفرده بل شارك معه فريق كبير من الخبراء العسكريين والأمنيين والجغرافيين وغيرهم.. كما جري بحثه مع عدد من كبار المسئولين في أمريكا بالذات.. وجري هذا أساسا في عام 2004 وهو العام الذي شهد منح وعد بوش الرئيس الأمريكي لشارون وهو وعد لا ينفصل بحال عن مشروع ايلاند ومخططه الذي قدمه للقاريء العربي في عام صدوره مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية والذي يصدر ملخصا يتبعه بكتاب واف عن كل دورة من دورات مؤتمر هرتسليا وقد تابع التقليد نفسه مركز باحث في بيروت.
600 كيلو متر من سيناء!
اعتمدت خطة ايلاند علي تبادل الأراضي ويعنينا هنا الجزء الخاص بمصر وقطاع غزة والذي يقوم علي التراجع إلي الخلف أي إلي ما قبل يونيو 1967 بحيث يتم توسيع قطاع غزة بضم 600 كيلو متر مربع من سيناء إليه مقابل حصول مصر علي 200 متر كيلو متر مربع فقط من النقب حتي هذا المشروع أصغر وأضيق بكثير من المساحة التي زعم راديو الجيش الإسرائيلي ان الرئيس السيسي حاول أن يفرض علي أبومازن قبولها وهي مساحة 1600 كم ولكن أبومازن أبي قبول هذا العرض الذي أراد الرئيس المصري أن يفرضه عليه خاصة بعد أن تلقي السيسي الضوء الأخضر من أمريكا في حين ان العلاقات المصرية - الأمريكية متوترة وليست في أفضل أوضاعها.
ليس هذا المشروع الوحيد لتبادل الأراضي الذي تم بحثه في "مؤتمر هرتسليا" الذي بدأ نشاطه في سنة 2000 ففي الدورة الثامنة للمؤتمر في 2008 والذي كان موضوعه هو وجهات إسرائيل الاستراتيجية بعد 60 عاما علي اقامتها طرحت خطة قريبة من مشروع ايلاند قامت علي مبدأ تبادل الأراضي وجد موطئا عمليا ومكانة سياسية رسمية في المشاريع والخطط المختلفة للتسوية العربية - الإسرائيلية وجاء في هذه الخطة تفصيلات عن مشروعات متعددة لتبادل الأراضي الذي بدا وكأنه مبدأ متفق عليه من أطراف الصراع العربي - الصهيوني ونقف هنا فقط أمام الجزء الخاص ب "تبادل أراض بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية" ويتضمن المقترح الخاص بهذا قيام مصر بنقل أراض بين قطاع غزة ومدينة العريش إلي الفلسطينيين وتضم إسرائيل إليها تجمعات استيطانية وأراضي في منطقة غور الأردن وصحراء "يهودا" جنوب شرق الضفة الغربية.
وعلق الثلاثة الذين وضعوا هذا المخطط ومن بينهم عوزي أراد وهو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي. علي محتواها هذا بقولهم: هذه الخطة رفضت حتي الآن من جانب مصر غير ان سياسيين أوروبيين وفلسطينيين ومسئولين أمريكيين أبدوا اهتماما بامكانيات تنفيذها وهذه ملاحظة تثير عددا من الاسئلة فهل ما رفضته مصر في ظل رئيسها المخلوع الذي وصف بأنه كنز استراتيجي لإسرائيل يمكن أن يقبله رئيس تم انتخابه بأغلبية كاسحة وبعد ثورة الملايين التي قلبت توازنات في المنطقة؟ المثير هنا ان صحيفة "إسرائيل اليوم" ذكرت في اليوم التالي مباشرة لنشرها الشائعة التي أذاعها راديو الجيش عن الكرم المصري في أراضي سيناء ان الرئيس المصري أبلغ أبومازن ان القاهرة تؤيد خطته السياسية التي تطالب مجلس الأمن بتحديد ثلاث سنوات لتنفيذ انسحاب كامل إلي حدود 1967 واقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية.. أخشي أن يقول بعض من في قلوبهم مرض ان الحديث هنا عن الضفة الغربية والحديث هناك أي في راديو الجيش الإسرائيلي ومن نقلوا عنه. يدور حول غزة ولا يقول مثل هذا القول إلا من لم يستوعب جيدا مضمون ما قرأ وان الحديث عن غزة الكبري التي تضم آلاف الكيلو مترات من سيناء كان مقابل حكم ذاتي في الضفة الغربية بينما يجري الحديث هنا تحديدا عن انسحاب كامل إلي حدود 1967 وعن إقامة دولة فلسطينية مستقلة في أراضي الغربية.
آفة صحافتهم النسيان
هنا نتذكر مثلنا الشعبي المعروف عن ان "الكذاب نساي" ولكن هل إلي هذا الحد تنسي صحيفة "إسرائيل اليوم" تنسي اليوم فقط ما ذكرته أمس فقد تجاهلت في 10 سبتمبر ما ذكرته في 9 سبتمبر يبدو انه باتت افة صحافتهم النسيان.. ولكنه نسيان متعمد ومقصود. ظنا ان الاشاعة التي اطلقت قد اثارت اصداءها في دوائر معينة لكن من تعنيهم الاشاعة بالذات انتبهوا لمضمونها وهدفها وأخمدوها واطفأوها بأسرع مما توقعت الدوائر الإسرائيلية التي لا تخفي نياتها تجاه سيناء حتي من قبل نشوء الحركةالصهيونية رسميا وقد بدأت تتكشف هذه النيات بشكل محدد منذ افتتاح قناة السويس في 1869 وعندئذ أصبح المشروع الصهيوني يدور من جميع جوانبه بالارتباط ليس مع فلسطين فقط بل ومع سيناء وقناة السويس بحيث ان قادة الحركة الصهيونية وعلي رأسهم تيودور هيرتزل مؤسس الحركة أصبحوا يخاطبون الدوائر الاستعمارية الأوروبية انطلاقا من ان المشروع الصهيوني سيكون خط حماية لقناة السويس وفي المساعي الصهيونية للحصول علي وعد بلفور الذي صدر في 1917 هناك اعترافات صهيونية بذلك كما ان مذكرات هرتزل تمتليء بمقابلات وحوارات ومحاولات عقد صفقات تربط المشروع الصهيوني بما سماه حماية قناة السويس أو الدفاع عنها فضلا عن مشروع هرتزل نفسه للاستيطان في العريش التي سماها "فلسطين المصرية".
حرب ضد قناتنا الجديدة
من ثم لا يساور المرء شك في ان اطلاق شائعة ان الرئيس عبدالفتاح السيسي عرض علي رئيس السلطة الفلسطينية ضم جزء من أراضي سيناء إلي قطاع غزة قد يكون بداية حرب باردة إسرائيلية ضد مشروع قناة السويس الجديدة وضد القائد الذي يقف وراء هذا المشروع وهو الرئيس عبدالفتاح السيسي.. لماذا؟ لأن بدء مشروع قناة السويس الجديدة وتحديد عام واحد لإنجازه مع كل ما يرتبط بهذا المشروع الكبير من مشروعات أخري من بينها ستة أنفاق تحت قناة السويس يوجه ضربة قوية لمخططات إسرائيلية معروفة منها مشروع قناة البحرين ومشروع خط سكك حديدية من ايلات إلي البحر المتوسط.. كانت هذه المشروعات تهدف أساسا طبقا لما هو معلن وليس سرا إلي أن تصبح في قناة السويس في 2020 أي بعد ست سنوات فقط إلي بركة مهجورة ليس لها دور في التجارة الدولية.
هذه قصة طويلة ليست شائعة التنازل عن جزء أو اخر من أراضي سيناء سوي الطلقة الأولي فيها.
قد تكون هذه المرة "طلقة فشنك" ولكن من المؤكد انه ستتلوها طلقات وخطوات أخري تحاول بطريقة أو أخري تعطيل مشروع قناة السويس الجديدة.. هذا إلي جانب اهداف إسرائيل في سيناء نفسها ككل وسيكون الخطأ كبيرا إذا راودنا الظن يوما بأن إسرائيل سلمت واستسلمت لعودة أرض القمر إلي الوطن الأم.. أغلب الظن ان عناصر الإرهاب التي تعيث فسادا في سيناء مصابة باختراق إسرائيلي.. لذلك وجب أن تكون "الشائعة الفشنك" جرس إنذار لنا من جانب عدو كرر قادته كثيرا بعد عدوان يونيو 1967 ان قناة السويس تشكل أفضل حدود طبيعية لهم.. وليس من قبيل النبش في الدفاتر القديمة ان نتذكر ولا ننسي ان ديفيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل في عدوان 1956 قال أمام البرلمان الإسرائيلي في 8 أكتوبر من ذلك العام كانت لحملتنا ثلاثة أهداف:
أولا: القضاء علي أراضي العدو التي تهدد بلادنا
ثانيا: تحريك تلك الأجزاء عن وطننا التي لا تزال تحت احتلال الأعداء
ثالثا: ضمان حرية المرور في العقبة والسويس
وقتئذ كما يقول د.أسعد رزوق في "إسرائيل الكبري" كانت إسرائيل قد احتلت شبه جزيرة سيناء بكاملها وقد وجد بن جوريون أننا لم نحقق حتي الآن سوي الهدف الأول.. وتابع قائلا: لا يساورني أدني شك في أننا سوف نحقق الهدفين الآخرين في المستقبل القريب.
أليس هذا ما تحقق بعد 11 عاما فقط من هذا الكلام. مما يعني ببساطة ان من يستهدف نهضة مصر وقوتها يجب ألا يرفع ناظريه عن الخطر الإسرائيلي علي سيناء. وأن يؤمن بأن تنميتها هي سور حمايتها.