القاهرة 15 سبتمبر 2014 الساعة 02:00 م
كتب : حسام إبراهيم
لن تنسى الثقافةالمصرية "اكسير السخرية" احمد رجب الذي كان بحق "صوت الذين لاصوت
لهم" ومنحازابلا حدود لرجل الشارع وحقوقه في حياة كريمة.
وفي جنازة مهيبةودع المصريون امس الأول /السبت/ كاتبهم الساخر والمعبر عن لسان حال
الشارع المصريعبر عموده الذائع الصيت "نص كلمة" فيما ضمت الجنازة كل اطياف المجتمع
المصري التي بادلتاحمد رجب وفاء بوفاء ونعمت دوما بالابتسامة في بستانه الممدود.
واحمد رجب الذيولد عام 1928 في الأسكندرية ليس مجرد كاتب ساخر او حتى عظيم الساخرين
فهو كما قيل بحقفيلسوف وصاحب مدرسة مصرية
اصيلة في فلسفةالضحك لشعب ينتج الفكاهة ويتذوقها ويصدرها للعالم ثم انه عميد جامعة
الكتابة المكثفةفي كبسولة مضغوطة تقول كل شيء بأقل عدد من الكلمات كما ينتظرها
القاريء دوما في"نص كلمة"على مدى اكثر من نصف قرن بجريدة الاخبار القاهرية.
وصية أحمد رجب
وحسب وصيته الدالةخرج جثمان احمد رجب من دار الأخبار قاصدا مسجد عمر مكرم في ميدان
التحرير بقلب القاهرةوانتهاء بمسقط رأسه في الثغر
السكندري الذيانجب من قبل ثلة من انجب المثقفين الساخرين مثل عبد الله النديم وبيرم
التونسي وكلهمتفننوا وابدعوا في السخرية من الطغيان بألوانه وفجائع الظلم.
واذا كان احمدرجب الذي فاز بأرفع جائزة ثقافية مصرية وهي جائزة النيل في الآداب عام2011
قد قضي عن عمريناهز 86 عاما بفاصل 30 يوما بعد
رحيل توأم روحهالمبدعة رسام الكاريكاتير الشهير الفنان مصطفى حسين فان هذه الشراكة
الثقافيةالابداعيةالفريدة والتي يصعب تكرارها ستبقى قصة خالدة في التاريخ الثقافي
المصري بقدر ماهيجديرة دوما بالدراسة والبحث.
انها الشراكة الثقافية-الابداعيةالتي شكلت جامعة في السخرية الهادفة نبتت من تراب
مصر وتوالت تجلياتهامابين "فلاح كفر الهنادوة" و"كمبورة" و"عبده مشتاق"و"عزيز
بيه الأليت"و"الكحيت"و"علي الكومندا" و"عباس العرسة" و"قاسمالسماوي" و"عبد الروتين"
و"عبده العايق"و"مطرب الاخبار.
وهي اسماء من خميرةسخرية معتقة عرفت طريقها لوكالات انباء عالمية ووسائل اعلام دولية
تناولت ظاهرة احمدرجب-مصطفى حسين التي يمكن القول دون اي تزيد انها ظاهرة مصرية
حلقت بأجنحة الإخلاصوالإبداع عاليا عاليا في سماء العالمية.
شراكة ثقافية-ابداعيةفاضحة للتناقضات والازدواجية واغتصاب حقوق الغير.
وحظت كتب احمدرجب بمقروئية عالية كما انتقل بعضها للشاشتين الكبيرة والصغيرة في أفلام
سينمائية ومسلسلاتتلفزيونية وستبقى عناوين هذه الكتب في الذاكرة الثقافية دالة
على إمكانية الجمعمابين الرسالة والجاذبية والضحكة الصافية م"الحب وسنينه" و"ضربة
في قلبك"و"صور مقلوبة" ونهارك سعيد"ناهيك عن فوزية البرجوازية .
واستأثرت قضاياالحب بكثير من الاهتمام والتناول الساخر لأحمد رجب حتى ان الكتاب الأخير"لعظيم
الساخرين"وصاحب البريق العبقري احمد رجب قد صدر منذ فترة قريبة بعنوان
"يخرب بيتالحب" وفي هذا الكتاب عالج احمد رجب قضايا معقدة بأسلوبه السهل الممتنع
ورؤيته الثاقبةالساخرة فاذا بتلك القضايا الصعبة تتحول الى ضحكات تغسل القلب
من الهموم واذابالقاريء يمضي في رحلة ممتعة مع "عظيم الساخرين" وهو يتحدث عن الحب
والزواج وعن الغيرةوالخيانة ثم يتجه للتفسير الاقتصادي للخلافات الزوجية وثقافة
القبلات وترشيدهاناهيك عن علاقة الزوج بحماتة.
ويرى احمد رجبان انه اذا كانت المرأة لاتملك العضلات فهي تمتلك ماهو اقوى اي "الضعف
الأنثوي"كما ان الرجل عادة لايتعلق "بالمرأة المفكرة" ومن هنا فان المرأة صاحبة
القضايا والمواقفالفكرية قد تفاجأ بأن زوجها تزوج عليها.
والكتاب الأخيرلأحمد رجب "يخرب بيت الحب" دعوة رجل مظلوم في محراب الحب لم يجد امامه
بعد ان ظلم سوىالدعوة بخراب بيت الحب ليمضي الكاتب في السخرية من منظومة الحب
بكل تفاصيلها ومنبينها دافع الغيرة والمساحيق والعطور التي يراها احمد رجب بمثابة
اسلحة كيماويةللمرأة ومن اخطراساليب الحرب في معركتها مع الرجل.
ورفض احمد رجبفي هذا الكتاب مقولة ان "الحب من غير امل اسمى معاني الغرام" وهي مقولة
رومانسية بامتيازبينما بدا"عظيم الساخرين" منهمكا في كتابه الجديد يبحث عن اجابة
للمعضلة التي تجابهالكثيرين :"لماذا يموت الحب"?.
ويقدم احمد رجباجابته اللذيذة عبر رحلة ممتعة وضاحكة بفلسفة رائقة في احوال المحبين
وتقلباتهم واستئناسالحب او ترويضه بمؤسسة الزواج ..
تجويع الحب وموته"وهي اشكالية يتحملها الزوجان معا فهنا فلسفة للحب وان تخفت بعذوبة
وفن خلف وابل منالضحكات وهنا قضايا حقيقية في الحب وللحب دون تنظير او افتعال
وهنا ايضا كتابوصفه مؤلفه.
بأنه "قديكون علاجا لمرض لاعلاج له"! موضحا ان النصائح لاتجدي مع العشاق الذين رصد
احوالهم عبر التاريخوبواقعية ساخرة او سخرية واقعية وصادمة للرومانسيين يقول احمد
رجب "ان الحبمن غير امل اسوأ معاني الغرام".
كان احمد رجب يجسدفكرة "التمرد في الخيال" ليخلط الحلم بالضحكة الساخرة من الواقع
وهو نسيج وحدهاوتي القدرة على تناول "المسكوت عنه" في اوجه الحياة المصرية وكشف
مخبوء النفوس دونان يدمي او يجرح وانما يضحك حتى هؤلاء الذين يوجه لهم اصبع الاتهام
شأنه في ذلك شأنتوأمه الابداعي مصطفى حسين.
وبعد ان فرق المرضبين الفنان مصطفى حسين والكاتب الكبير احمد رجب والشريك الابداعى
بالفكرة فى الكاريكاتيراليومى الشهير بجريدة الاخبار افتتح احمد رجب عموده اليومي
"نص كلمة"بالدعاءلمصطفى حسين الذي كان يرقد في غرفة العناية المركزة بمستشفى
في الولايات المتحدة.
كانا يجتمعان معاعبر خط هاتفى لوضع ابتسامة كاريكاتير..احمد رجب فى القاهرة وتوأم
روحه مصطفى حسينالذى يعانى الآلام على بعد الاف الأميال فى امريكا!..اى نبل هذا
واى ابداع وقدرةفذة على تجاوز اعتى الوان الألم الشخصى لصنع البهجة من اجل ابن
البلد وحتى لاتغيبابتسامة الصباح عن وجة مصر?
ثم جاء الموت برجيلمصطفى حسين عن عمر يناهز 79 عاما ليستهل احمد رجب عموده اليومي
بالدعاء بالرحمةلشريك رحلته الابداعية وتوأم روحه المصرية وليلحق به بعد شهر واحد.
هل يمكن لوطن انجبامثال هؤلاء النبلاء المبدعين ان يموت او يهزم?!..اى كلمات تعبر
عن عظمة هذا الولاءمن جانب المثقف الكبير احمد رجب للوطن ولابن البلد.
احمد رجب:خبر رحيلكدمعة في عيون مصر تنقلها الدروب الى الدروب..ارتعاشة الم لفقد
من اعطى الطرقاتالكثير من الابتسامات..لكنك اقوى من تجاعيد النسيان فطبت حيا لاتموت
في الذاكرة المصرية.