القاهرة 14 سبتمبر 2014 الساعة 02:31 م
كتب : حسام ابراهيم
لاريب أن الصحافة الثقافية المصريةفقدت أحد كبار نبلائها برحيل خالد السرجاني نائب
رئيس تحرير جريدة الأهرام والذي كانأقرب لموسوعة إنسانية متحركة في عديد المجالات
والاهتمامات.
وكان خالد السرجاني تجسيدا لحالة"القاريء المحترف" وأحد أصحاب القيمة المضافة في
عالم الكتابة الصحفية التي تعيدالاعتبار للغتنا الجميلة وترد عنها غائلة التسطيح
والقبح بقدر ماكان الرجل صاحب المواقفالتي لاتنطلق إلا من قناعاته الوطنية وعشقه
لمصر.
وهو في الوقت ذاته أحد أصحاب الرؤى فيسبل تطوير السياسات الثقافية لمصر تماما كما
كان صاحب رؤية عميقة في كيفية النهوضبالصحافة المصرية مع نقد تشريحي للمشهد الصحفي
ليس من اجل الهدم وانما بحثا عن الأداءالأفضل.
وإذا كان خالد السرجاني قد ابدى تحفظاتعميقة على الورقة المقترحة للسياسات الثقافية
لمصر فهاهو يرحل في وقت يشتد فيه الجدلحول مستقبل الصحافة القومية التي تواجه
منافسة حادة من الصحف الخاصة ويتفقأغلب المشاركين في هذا الجدل على أنها لم تعد
تنفرد بالسيطرة على سوق الصحافة وصياغةالمزاج العام للجمهور كما يتفقون على أن
هذه الصحافة القومية رغم تعدد مشاكلهاوتنوع عللها تشكل الأمل في نهضة صحفية وطنية
لاتخضع لأهواء رأس المال ولاتقع تحتسطوة الضغوط الخارجية.
وإذا كان خالد السرجاني قد ابدى تحفظاتعميقة على ورقة الاستراتيجية المقترحة للسياسات
الثقافية لمصر فقد رحل في وقت اشتد فيهالجدل حول سبل تطوير الصحافة القومية
في مواجهة حالة الانيميا الثقافية التينالت من رونق الكلمة ونضارة الصحافة بدت
كتابات خالد السرجاني تحوي جرعة ثقافيةمركزة وجذابة في آن واحد ودالة على قدرات
صاحبها وامكانية الكتابة الصحافية التيتحظى بمقروئية في سياقات العولمة ووسائل الاتصال
الاجتماعي الجديدة دون أن يغفل أبدا عنهموم الوطن والبسطاء أو ملح الأرض
المصرية التي انتمى لبقعة غالية فيهاوهي مدينة بور سعيد الباسلة.
وعبر مسيرة صحفية ممتعة بدات منذ النصفالأول في ثمانينيات القرن العشرين بقى قلم
خالد السرجاني وفيا لأعز قيمتين فيمسيرة كفاح الشعب المصري وهما الحرية والعدل وسعى
دوما للاجابة على الاسئلة الكبرى فيرحلة المسير والمصير لمصر مثل :"اي مصر نريد?..واي
خيارات للمستقبل ? ولماذا نحن هكذا رغماننا يمكن أن نكون أفضل كثيرا?
فخالد السرجاني هو صاحب السؤال الثقافيالأخلاقي في الصحافة المصرية والحالم "بمصر
مختلفة", مصر الأفضل والأكثراستجابة لأشواق الجماهير ووفاء لتاريخها وحضارتها ودورها
ورسالتها الحضارية.
وكأنه يمسك بمصباح ديوجين راح خالدالسرجاني يكشف المكتوب على جبين الوطن برؤية تقدية
وبكلمات صادقة وموحية وملهمة بعيدا عنسيرك ألاعيب الحواة والراقصين على كل الحبال
وصانعي حالة الانيميا الثقافية التيتلون الأفق بشحوب دخيل عن الثقافة الثرية
لمصر المترعة بالابداع والمبدعين.
وصفحة الكتب التي لم يمهل القدر خالدالسرجاني للاستمرار فيها طويلا بصحيفة الأهرام
كانت تشكل كل يوم اربعاء ترياقا لحالةالانيميا الثقافية بقدر ماتظهر اهمية العمق
الثقافي في الصحافة المطبوعة التي باتتتواجه تحديات جمة ومعنى الدور التنويري
للصحافة وامكانية تحسين المحتوى وتطويرالطرح في السياقات المعولمة والعالية التنافس.
فالكتابة على طريقة خالد السرجاني تقدماجابات لبعض التحديات التي تجابه الصحافة المطبوعة
وهي وان كانت تجوب العالم لتلتقط الدرردون أن تغرق في مستنقع الكراهية للآخر
وصراع الحضارات فانها لم تخاصم ابدالوجات النخيل المنعكسة على صفحة النيل العظيم.
ولأنه كان من المحبين للبشر والمؤمنينبأهمية تواصل الأجيال فإن الصحافة المصرية لن
تنتتظر طويلا حتى تستقبل كلمات تلاميذهمن أصحاب الوجوه الشابة الناضرة والتي تعلمت
من خالد السرجاني الكتابة بمداد القلم.
وإذا كان خالد السرجاني أحد المهمومينفي الصحافة والثقافة المصرية على وجه العموم
بالاسئلة الكبرى للوطن فقد شكلتكتاباته نوعا من الحلم بمستقبل مشرق فيما انحاز
باخلاص للثورة الشعبية في موجتيها 25يناير-30 يونيو ولم يكف عن البحث والتنقيب مزودا
بعدة وعتاد قدراته المتعددة في ثتاياالعالم ووقائع التاريخ الانساني ليقدم
للقاريء ماينفعه ويمكث في الأرضالمصرية الطيبة التي أنجبت أمثاله من أصحاب الفطرة
السليمة والنقية.
ورغم أن لسان حال "صاحبةالجلالة"في نهايات هذا الصيف الملتهب يكاد يقول: طايها الموت
رفقا" فإن كاتبا كخالد السرجانيلن يموت أبدا في ذاكرة الصحافة المصرية والعربية
ولعل شبكة الانترنت ومستحدثات التقنيةوالارشيف الالكتروني تقدم لأجيال قادمة
في الصحافة المصرية نموذجا مضيئا لكاتبصحفي عزف لحنه الخاص والملهم.
وقد يحق القول إن ثمة سلالة مباركة فيالصحافة المصرية انتمى لها خالد السرجاني وضمت
اسماء كبيرة مثل سلامة احمد سلامةوكامل زهيري ومحمد عيسى الشرقاوي وجلال السيد
وكلهم من أصحاب الاهتمامات الثقافيةالعميقة بصرف النظر عن مجال التخصص الصحفي
وكان ولائهم دوما للقاريء وحده ليجسدوابحق معنى شرف الكلمة والانتماء للوطن .
وسيذكر تاريخ الصحافة المصرية لخالدالسرجاني أنه كان احد علامات الجودة المهنية بعيدا
عن التسطيح والاستسهال والتجهيلوالتحاقد والنفاق والتلون فيما تعكس كتاباته
حقيقة استفادته من ثقافته الواسعةوقراءاته المتعددة في مجالات شتى وتقديم كل ماهو
جديد ومفيد للقاريء.
فهو الكاتب الصحفي الشامخ والمتواضعوالقابض على جمر الكلمة الشريفة التي يدرك قارئها
انها متجردة عن الهوى والغرض بقدر ماهيمنتصرة للوطن والحق والخير والجمال ومدافعة
أبدا عن قيمة الحرية.
خالد السرجاني: كلماتك الخضراء ستبقىمورقة ابدا في شجرة مباركة..من أحبوك سيرهفون
السمع لرؤاك المخلصة..على شفتيك تبقىرعشة الابتسام وكأنك تنادي اصحابك:"ايها الأحباب
قد آن الرحيل" لكن مثلك لايموتولو نصب الليل القاسي الكثير والكثير من شراك
النسيان..كلماتك الخضراء باقية فيالليل تغمغم بالأحلام وفي الصباح تشرق بالآمال
لوطن كم احببنته وحلمت بربيع طيب يغردفي عينيه!.