القاهرة 27 اغسطس 2014 الساعة 03:22 م
نشر للأديب العالمينجيب محفوظ 8 نصوص مسرحية, الخمس
الأولى منها فيجريدة الأهرام ما بين شهري أكتوبر وديسمبر من العام 1967 وضمت إلى
مجموعة من القصصالقصيرة التى نشرت أيضا بنفس الجريدة وفى كتاب حمل عنوان واحدة
من هذه القصص وأشهرهاوهو "تحت المظلة" في عام 1969, وتلك النصوص هى "يحيى ويميت"
و "التركة"و "النجاة" و "مشروع للمناقشة".
وظهرت المسرحيةالسادسة من أعمال محفوظ المسرحية وهى "المطاردة" ضمن مجموعة "الجريمة"
عام 1973, والسابعة"الجبل" والثامنة "الشيطان يعظ" ضمن مجموعة حملت ولأول مرة
اسم واحدة منهاوهى "الشيطان يعظ" عام 1979.
هذا ما أورده الناقدالمرسحي الكبير الدكتور حسن عطية في دراسته الجديدة التي نشرتها
أكاديمية الفنونفي شهر يونيو الماضي تحت عنوان "تخطيط لدراسة سوسيولوجية .. شخصيات
مسرحيات محفوظبين سلطة الكاتب وسلطة المجتمع".
والدكتور حسن عطيةمن كبار النقاد في مجال المسرح, نال الدكتوراة في فلسفة الفنون
من جامعة"الاوتونوما" الاسبانية, وهو عضو مجلس ادارة المعهد الدولي لمسرح البحر
المتوسط, وله دراساتعدة في القصة و الرواية, وصدر له بالاسبانية كتاب عن "عالم نجيب
محفوظ", وسبقأن عُين عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية.
ولفت الناقد الدكتورحسن عطية مدير مجلة الفن المعاصر إلى أن خمس من عالم نجيب المسرحي,
تدخل في النطاقالزمني الذي عبر عنه محفوظ باعتباره فترة فقدان الاتزان الفكري
والروحي, واللجوءلأسلوب الكتابة العبثية, وبسهولة يمكن إدراج النص السادس "المطاردة",
رؤية وأسلوبا ضمنهذه المرحلة, باعتبارها ممتدة إلى ما قبل نصر أكتوبر
73, فتظل مرارةالهزيمة عالقة بها, رغم مرحلة الصمود والتصدى وحرب الاستنزاف وتغير
النظام السياسى,وتدور أحداث هذه المسرحيات الست دوما فى لحظات الغروب وإقبال الليل,
وداخل مكان محدد,وموضوع أساسى هو الحياة والموت , وشخصيات رئيسية هى الرجل
والمرأة, أو الفتىوالفتاة, على حين تأخذنا كلا من المسرحيتين الأخيرتين "الجبل"
و "الشيطانيعظ" لعالم ما بعد النصر والمحاسبة, ويختلفان عن سوابقهما فى غياب التجريد
عن موضوعاتهما,وحضور الأسماء المعرفة , ولجوء الأخيرة لعالم ألف ليلة وليلة
الفانتازي.
وقال حسن عطيةفي دراسته الجديدة: "وسط العالم السردي الذي تفرد به نجيب محفوظ بمكانة
سامية في مجالالرواية, فضلا عن تميزه في مجال القصة القصيرة, ومع تواجد الحوار
بكثرة في العديدمن أعماله السردية, طرق محفوظ حقل الكتابة الدرامية للمسرح في
مرحلة متأخرة منمسيرته الإبداعية, منتجا ثمانية نصوص فقط خلال عقد ونيف من السنين",
ما بين نهاياتعام 1967 وبدايات عام 1979.
وأوضح أنه رغمأن مسرحيات محفوظ هى جزء من عالم صاحبها الإبداعى, تقرأ فى ضوء الرؤية
الكلية لهذا العالمالإبداعى, غير أن كتابته لها فى عقد زمنى هام وخطير فى تاريخ
المجتمع المصرىوفى إبداع محفوظ نفسه, حده الأول هزيمة يونيو 1967 التى زلزلت
المجتمع المصرىوكاتبنا الكبير, وواسطة العقد قبيل اندلاع حرب أكتوبر 1973, وما شاب
هذه الفترة منتوتر عام فى المجتمع, وبين المثقفين خاصة تجاه موضوع اللاسلم واللاحرب,
وحده الآخر توقيعمعاهدة السلام مع العدو الإسرائيلى فى مارس 1979 والتى
زلزلت بدورها المجتمعمرة أخرى وغيرت من حركته حتى يومنا هذا, وهو ما يعنى أن هذه
المسرحيات معبرةبالضرورة عن هذا الزمن المتوتر بين الهزيمة على يد إسرائيل والحرب
معها, فالسلاموالاعتراف بوجودها, وفهم هذه المسرحيات فكا لشفراتها وتفسيرا لعلاماتها
فى ضوء مرجعهاالكامن فى سياقيها الإجتماعى والثقافى فى زمنها, وأيضا فى
ضوء السياقين الاجتماعيوالثقافي لزمن التلقى الآنى, والذى يخلق جدلا بين سياقات
مختلفة وأزمنةمتباينة, ووعى حقيقى وآخر زائف بهذه السياقات والأزمنة معا.
وقال الناقد الدكتورحسن عطية إن هناك ميلا لدى كثيرين لتلقي أجواء مسرحيات محفوظ
التجريدية وشخصياتهالمجردة وموضوعاته المطلقة على هدى رؤى تيار "مسرح العبث", خاصة
أن محفوظ نفسهاعترف فى زمن لاحق بأنه تأثر فعلا بهذا المسرح.
وتوقف الناقد حسنعطية عند ثلاث نقاط فى قراءة نصوص محفوظ فى سياق إبداعها الإجتماعى
والثقافى, وهى:تيار مسرح العبث الذي ظهر بقوة في خمسينيات القرن الماضي في أوربا,
وهزيمة يونيو1967 المزلزلة للعقل العربي في مصر, والتى أفقدت محفوظ على حد
قوله اتزانه النفسيوالفكري, ودفعته للاعتقاد بأن الشكل الواقعي لا يصلح للتعبير
عن هذه الحالة,التي رآها "أقرب إلى العبث", وعالم نجيب السابق واللاحق, ورؤيته للحياة
والمجتمع, ونظامهالخاص فى الإبداع, وموضوعات إبداعه الأثيرة, ومفردات قاموسه
الخاص, ومدى"انطباق الشكل على المضمون" فى إبداعه عامة.
وقال الدكتور حسنعطية: "يثير عنوان مسرحية "مشروع للمناقشة" منذ البدء فكرة أن ثمة
مشروعا يعرضه صاحبهللنقاش حوله لحسم أمر ظهوره للناس, وهو مشروع إبداع نص للمسرح,
ويجرى حدثه الدرامىفى حجرة إدارة مسرح شهير, يطرح محفوظ داخلها رؤيته الفلسفية
للحياة ولعمليةالخلق بصورة عامة, ورؤيته الفنية للمسرح وعملية الإبداع داخله,
فيقدم فى البدايةالعالم الذى يواجهه الكاتب المبدع, وهو عالم مجسدي العرض المسرحى"
وأضاف أن محفوظتوقف نحو ست سنوات عن الكتابة فى حقل المسرح, حتى فاجئنا بمسرحية "المطاردة"
عائدا بها لعالمالمطاردات والمتابعات العبثية, ومديرا حدثه الدرامى حول
رجل قوى البنيةأسود الثياب يبدو كالقوة الغاشمة غير المعروف مصدرها ولا هدفها,
يطارد شقيقين يمثلانبثيابهما لونى الحياة الأبيض والأحمر.
وقال: "كتبمحفوظ آخر مسرحيتين له, وهما "الجبل" و"الشيطان يعظ", بعد أن عادإليه
اتزانه الروحيوالفكري, وتحرر من وطأة الهزيمة الكارثية, وشاهد التغير فى النظام
السياسي, ولمسمآسي الانفتاح الاقتصادي, وأدرك خطورة بعث الجماعات الدينية السلفية
المتطرفة للقضاءعلى كل التيارات التقدمية, فبدا الواقع أمامه ليس أكثر بياضا ورونقا
من قبل, لكن أسبابهمدركة, ومن ثم قام ببناء مسرحيتيه بناء كلاسيكيا, وأجرى
وقائعهما فى أماكنمحددة المعالم واقعيا وتاريخيا, ومنح شخصياته أسماء معرفة, ودفع
بمشاهد القتل خارجفضاء المسرح, وجعل اللغة المنطوقة متطابقة مع فكر وحال الشخصيات
الواقعية, وفتحالطريق لنهايات محددة لا لبس فيها, ونشرهما فى نهاية مجموعته
القصصية التى حملعنوانها اسم الثانية منهما وهو الشيطان يعظ".
وقال الناقد حسنعطية: "عادت الحارة المحفوظية فى مسرحية "الجبل" لدلالتها القديمة,
لتتسع للمجتمعبأكمله, وإن غابت عن فضاء المسرح, تاركة كهف فوق سطح المقطم يحتل
الوجود المرئى,والذى تحتله بدورها جماعة نصبت من نفسها قضاة للحارة, تحاكم من تراه
مخالفا لأفكارهاوتنفذ فيه حكمها بعصيها, فيدور الحدث الدرامى داخل هذا الكهف
المظلم, الذى يضمفى البداية خمسة من الشباب يحملون أسماء "حلمى" و"رمزى" و"حسنى"
و"إسماعيل"ثم رئيسهم الذى يحمل اسما يبدو للوهلة الأولى يهوديا وهو عساف, غير
المتداول فى قائمةالأسماء المصرية".
وأضاف: "يستدعىهذا الاسم إلى الذهن وقتها والآن اسم العقيد الإسرائيلي عساف ياجورى
الذى أسرته القواتالمصرية مع كتيبته للدبابات فى اليوم الثالث لحرب أكتوبر 73
, غير أن ذاكرةنجيب محفوظ وعقله الواعى فضلا استخدام هذا الاسم للإشارة الدالة على
مصدر فكر هذه الجماعةالقابعة بفضاء المسرح, وهو لقب الدكتور محمود عساف سكرتير
حسن البنا مؤسسجماعة الإخوان وأمين تنظيم المعلومات "جهاز المخابرات" في جماعة
الإخوان وصاحبكتاب "مع الإمام الشهيد حسن البنا" مؤسس الجماعة ومرشدها الأول, فضلا
عن ميل محفوظ دومالاستخدام أسماء ذات دلالة خاصة بشخصياته المختارة".
وقال: "يبدوالقائد عساف باطشا بآرائه على غير هدى, حادا فى سلوكه دون تبصر , قاتلا
بيديه دون رحمة, قائدا مجموعته التى تعيش وسط الحارة المسالمة, ناصبا من أعضائها
قضاة ما دام العدللا يجد من يقيمه كما يعلنون, ويرون أن ما يفعلونه من قتل لغير
المؤمنين بأفكارهمهو رسالة تعاهدوا عليها لإزالة الظلم من على الأرض, معلنين
أنهم قضاة لا محامونفى معارضة واضحة لعنوان كتاب "دعاة لا قضاة" للمستشار حسن الهضيبى
المرشد العام الثانىللإخوان المسلمين, وذلك فى إشارة واضحة للجذر الممتد بين
جماعة الإخوانالمسلمين والجماعات المتأسلمة الجديدة, والاختلاف فى ذات الوقت,
العلنى على الأقل,بين مفاهيم الجماعة الأساسية ورؤى الخارجين من عباءتها".
وقال الكاتب حسنعطية إن الحدث الدرامى في مسرحية "الجبل" ينطلق بقتل الجماعة فى البداية
لرجل يرتدى الملابسالبلدية , يبدو أنه تاجر , ثم آخر فى ملابس بلدية أيضا
, يبدو أنه مالك,دون إيضاح لما ارتكبوه من مظالم أو أخطاء يستحقون عليها القتل
, ممن لا يملكونحق محاكمتهم, والذين يمضون من جريمة إلى أخرى, حتى يؤثر القتل ذات
يوم على البعضمن أعضائها, فيضعف حسنى أمام دفاع الرجل المقتول, فيراجعهم بالعقل
ويفكر فى الانسحاب,حينذاك يتخذ عساف قرارا فرديا يقتل به حسنى خنقا خارج المسرح
لعدم إطاعته لأمرالجماعة".
وأوضح أن" شخصيات هذا النص تخضع لسلطة الكاتب تماما, والمستمدة من رؤية الجماعة الثقافية
المستنيرة التىينتمى إليها والتى أدانت التطرف وتكفير المجتمع, لذا لم تمتلك
الشخصيات هنا الفكاكمن قبضة الكاتب الموجهة لحركتها طوال الحدث الدرامى, فبدت
ككائنات متحركةفى فضاء المسرح تمسك خيوطها يد الكاتب من خارج المسرح, تلعب كل
شخصية دورها بسرعةثم تخرج أو تعجز عن المتابعة, وتظل الشخصية المحورية القائد عساف
هو محور الفعلوطرف الصراع الداخلى, فى مواجهة المجموعة بأكملها".
أما مسرحية"الشيطان الحظ", فقال الناقد البارز الدكتور حسن عطية إنها تأخذ مسارا
مختلفا عن بقيةمسرحيات "محفوظ", إذ تلجأ لأجواء تاريخية, تعود فيها لأواخر القرن
السابع الميلادىوأجواء فانتازية تستمدها من حكاية "مدينة النحاس" المغلقة على نفسها
والعصية على الفتحكما جاء بحكايتها فى "ألف ليلة وليلة", فتستخدم بالنسبة للأجواء
التاريخية أسماءشخصيات حقيقية, وتجرى وقائعها فى زمن "موسى ابن نصير" بالمغرب,
طارحة فكرة"اليوتوبيا المضادة", التى تقدم وجها مناقضا لمدن العدل والحرية
والتسامح والتقدمالتى حلم بها الفلاسفة والأدباء على مر العصور.