القاهرة 25 اغسطس 2014 الساعة 01:59 م
صورة بالحركة والموسيقى للإنسانالمعاصر
في سعيه الدائب من أجل الانتصار
على الألم والشرور والمظالم.
****
نسيج موسيقي يتكشف أمامنا
ليفصح عن رقته وشفافيته
مثل أوراق وردة تتفتح
للندى وشعاع الشمس
****
تحت دائرة الضوء، ينفض "أبو الهول" آثارالنعاس من عينيه الشاخصتين إلى البعيد... يخلع عن جسده الرداء التنكري الذي أخفىحقيقته عنا زمنًا.. يتبدى أمامنا امرأة شابة تحتدم فيها رغبة عارمة في حب أوديب،ذلك الواقف على أبواب مدينة طيبة الممتنعة عليه، إلا أن يحل لغز "أبوالهول"، فينفتح له الطريق إلى المدينة، أو يكون القتل مصيره.
على دقات الطبول المصاحبة لكونشرتو الوتريات والبيانوللموسيقي يوهسلاف مارتينو من بوهيميا الشرقية، ترقص المرأة الشابة على خشبة مسرحدار الأوبرا المصرية رقصات صممها الأمريكي جلن تيتلي من أوهايو... لعل الرقص يخففمن وقع سياط الرغبة التي تلهب الجسد، ولعل مصاحبتها للنغمة الفاضلة ذات الشجنتمنحها قوة تنتصر بها على حمى الرغبة والتوق إلى الحب.
عاطفة تجيش بانفعالات صاخبة وأحاسيس محتدمة، تقود خطواترقص المرأة الشابة وحركات جسدها، بالرغم من تحذيرات أنوبيس، إله الموت عندالمصريين القدماء، من فداحة الثمن الذي عليها أن تدفعه في مقابل حبها لأوديب...لكن الجسد الفتي، الذي تمور فيه الدماء الحارة، وتسكنه رغبة لا تقاوم في حب أوديبوالخوف عليه من الموت، يملي عليها أن تفشي لأوديب سر اللغز.
المرأة الشابة وأوديب يرقصان رقصة الحب... ويرتقيان معًاسلم النشوة المتعدد الدرجات، تزفهما موسيقى محتفلة لا تخلو من رجع صدى حزين، إلىحيث غمامة مضمخة بالعطر تضمهما، وحزمة من ضوء ملون، وبعض غناء وأناشيد.
الجسد الفتي للمرأة الشابة على خشبة المسرح، يرقص سليمًامعافى، ذهبت عنه الحمى، لكنه ينتظر في ندم فقدان هيئته الآدمية إلى الأبد، وانطفاءرغبته في الحب... وأوديب الشاب، يسرع الخطا في المدينة، بحثًا عن عدالة مفتقدة،بعد أن تعلم الدرس الأول له في المدينة ذات الوجه المكشوف... ويتوقف النغم عنالبوح، لينتهي باليه "أبو الهول" الذي قدمته فرقة مهرجان لندن للباليه.
الأرض، باليه آخر من فصل واحد، قدمته فرقة مهرجان لندنللباليه، صمم رقصاته كريستوفر بروس، ووضع موسيقاه آرني نوردهايم، هو نوع منالمحاكاة بالجسد والحركة والتشكيل لمعاناة الإنسان على الأرض، وهو نوع من معالجةتنحو إلى التجريد في تعبيرها عن التعقيد في شبكة العلاقات بين البشر، ولا تقفطويلاً أمام التفاصيل والجزئيات الصغيرة.
استطاعت الرقصات الثنائية والجماعية، التي أدتها الفرقةعلى أنغام موسيقى البيانو وبعض مؤثرات صوتية وأصوات تغني أغنيات شعبية، أن تقتربكثيرًا من رسم صورة بالحركة والموسيقى للإنسان المعاصر، في سعيه الدائب من أجلالانتصار على الألم والشرور والمظالم.
وينزل ستار المسرح الكبير بدار الأوبرا عن الموسيقى التيتتوجه بإيقاعها ونغمها إلى العاطفة الذاتية، وتخاطب انفعالات النفس ورغباتواختلاجات الجسد، ليرتفع الستار من جديد عن الفقرة الثالثة من البرنامج، المكون منثلاثة باليهات من ذوات الفصل الواحد: باليه الدرس.
إلى فصل في مدرسة للباليه، تأخذنا موسيقى سيزرني، أحدتلاميذ بيتهوفن، والتي أضاف لها الموسيقي الدانمركي كنوراج ديزاجر بعض الألحانوقام بتوزيعها أوركستراليًا... نشاهد الصورة المرئية لحركات الرقص التي صممهاهارولد لاندر وهي تعانق الصوت الموسيقي، في تشكيل يستعين بحركة الإضاءة وتزامنهامع تحولات الصور والمشاهد والأصوات في فضاء المسرح، وذلك عبر ثماني عشرة حركةوافتتاحية، تكون لباليه الدرس شكله وقوامه الجميل.
درس في الموسيقى حين تعانق التشكيل، هو ما نخرج به منمشاهدتنا لهذا الباليه، الذي يصحبنا معه في رحلة إلى حيث النظر العقلي المجردلنسيج موسيقي يتكشف أمامنا ويفصح عن رقته وشفافيته، مثل أوراق وردة تتفتح للندىوشعاع الشمس.
أبو الهول، الأرض، الدرس... باليهات ثلاثة من ذوات الفصلالواحد، قدمتها فرقة مهرجان لندن للباليه... هي متعة للعقل المرهق، وجمال للنظرالذي أفسده قبح علاقات نهار مدينتنا وليلها المتآمر، وراحة للنفس التي تنشد سلامًاورحمة في فن جميل راق.