القاهرة 27 يوليو 2014 الساعة 03:59 م
لقد ذاع صيت أبو ذر الغفاري بعد الضرب الذي تعرض له في ساحة المسجد الحرام بأم القري وظل أبو ذر متمسكا بما عاهد عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم. متقشفا زاهدًا. وقد وضع نصب عينيه قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع" فعاش أبو ذر زاهدًا فيما بين يديه. ونتيجة هذا الزهد وذلك التقشف أطلق عليه بعض المحدثين أنه زعيم الاشتراكيين. لأنه كان لا يدخر حتي قوته كان يجود به ويشارك به غيره عن طيب نفس.
وأبو ذر الغفاري سجل حافل في تاريخه بين الصحابة وتميز بأنه استوعب الكثير من أحاديث وسلوكيات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم ولشدة زهده وتقشفه قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أبو ذر في أمتي علي زهد عيسي بن مريم" وهي شهادة تطوق عنق أبي ذر وتؤكد مدي مصداقيته في الزهد والتواضع والرضا بمشاركة الآخرين في همومهم وفي كل شئون حياتهم. ويكفي أبوذر الغفاري فخرًا أن الإمام عليا بن أبي طالب قال في حقه: وعي أبو ذر علماً عجز عنه الناس. ثم حافظ عليه بصورة تؤكد مدي حرصه ووعيه لما اكتسبه من الرسول بحيث لم يخرج منه أي شيء. وقد شبه الإمام علي ما فعله أبو ذر بالشخص الذي وضع في كيسه أي جواهر أو أي أشياء يخاف عليها. بحيث لا يتسرب منها أي شيء. وذلك تقديراً وحفاظا علي كل ما تعلمه واكتسبه في الحضرة النبوية.
ومن المواقف المشهودة في حياة أبي ذر الغفاري أن الرسول لما سار إلي تبوك. كان هناك بعض من تخلف عن المسير مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه الغزوة. فيأتي الناس -كما يقول ابن مسعود- فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول: دعوه. إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم. وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. حتي قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما كان يقوله. لكن أبا ذر تمهل علي بعيره الذي كان يستخدمه في رحلته هذه. لكن البعير لم يسعفه. فحمل أبو ذر متاعه علي ظهره وانطلق قاصدا اللحاق بركب الرسول إلي غزوة تبوك.
ووسط اهتمام أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم بالحاضرين وبمَنْ تخلف عن هذه الغزوة. إذ نظر أحد المسلمين فلمح رجلاً يمشي علي الطريق فأخبر الرسول والناس من حوله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم. كن أبا ذر. فلما تأمله القوم. قالوا: يا رسول الله: هو والله أبو ذر. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر. يمشي وحده. ويموت وحده. ويحشر وحده". وقد سعد به الصحابة حين انضم إلي ركب رسول الله المنطلق إلي تبوك. مواقف متعددة لأبي ذر. ولعل أشهرها أنه اختلف مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان عندما شاهد بعض المظاهر التي تتنافي مع تقشفه. وعلي اثر موقف أبي ذر نفاه عثمان رضي الله عنه إلي الزبدة. وهي منطقة تبعد عن مكة فعاش بها وتحقق في جانبه حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فعندما حضرته الوفاة كان وحده ليس معه أحد سوي امرأته. وقد تذكر الحاضرون حديث الرسول عند المشاركة في تشييع جثمانه. وقد صلي عليه ابن مسعود ومن كان معه. رحم الله أبا ذر فقد كان صاحب مواقف مشهودة وترك سيرة طيبة وقدوة لكل الأجيال.