القاهرة 19 يوليو 2014 الساعة 05:28 م
تنشأ الأحزاب وتتأسّس على برنامج سياسى (الموقف من الديمقراطيةوالعلاقة بين الحاكم والمواطنين ومبدأ تداول السلطة إلخ) وبرنامج اقتصادى (دور الدولةودور القطاع الخاص من أجل التنمية إلخ) وبرنامج اجتماعى (الموقف من العدالةالاجتماعية وتوزيع الدخل القومى إلخ) وبرنامج ثقافى (الموقف من الإبداع ومن حريةالرأى والتعبير عنه إلخ) وهكذا فى باقى مناحى الحياة التى ترفع من شأن الوطنوالمواطنين : باب عن الصحة وباب عن الزراعة وباب عن السياحة إلخ وتنقسم الأحزاب(فى دولة الحداثة) بين يمين ووسط ويسار. فى هذا التقسيم تختلف الأحزاب فى التفاصيلولا تختلف فى الجوهر(فكلها تقر آلية الضريبة التصاعدية فيكون الاختلاف فى النسبةالمئوية) وكلها تقر مبدأ تداول السلطة بينما الاختلاف فى البرنامج السياسى لكلحزب. وكلها مع التنمية وتعظيم البحث العلمى من أجل النهضة ومع تنشيط السياحة إلخولكن من منظور كل حزب وفق برنامجه. باختصار فإنّ هذا التقسيم يُراعى فيه المصلحةالعليا للوطن ، فلا مكان لحزب يسعى للتفرقة بين المواطنين على أساس الإنتماء للدين. أو حزب يُوافق على التفريط فى أى جزء من حدود الوطن لصالح دولة أخرى . أى أنّجميع الأحزاب تجعل الوطن قبلتها الأولى.
فى ضوء هذا التعريفالسائد فى العلوم السياسية ، والمُطبّق فى الأنظمة الليبرالية ، تأتى الموافقة علىإنشاء أحزاب (دينية) بهدف هدم دولة الحداثة ، التى تحترم كافة معطيات العصر الحديث، فلا سقف لحرية البحث العلمى ، ولا سقف لحرية الإبداع ، ولا تفرقة بين المواطنين(بالفعل وليس مجرد نص دستورى معطل) على أساس الدين أو الجنس ، لذا يكون من حقالمسلم تولى رئاسة الدولة فى مجتمع أغلبيته من ديانة أخرى حتى ولو كانت غير سماوية(الهند نموذجًا : رئيس الدولة مسلم "أقلية" ورئيس الوزراء من السيخ"أقلية" بينما الأغلبية هندوس) ومن حق المرأة تولى أرفع المناصب بمافيها رئاسة الدولة (النماذج عديدة فى أوروبا وأمريكا اللاتينية والهند) فلا فرقبين أنثى وذكر. ومن هذا التوضيح يتبيّن للعقل الحر أنّ الحزب المؤسس على مرجعيةدينية ضد دولة الحداثة ، أى ضد المساواة بين المواطنين ، وبالتالى التفرقة فىحقوقهم الدستورية على أساس الانتماء للدين وليس للوطن . فالأحزاب الإسلامية لا تسمحللمرأة ولا لغير المسلم من تولى رئاسة الدولة. ولا تعترف بمعنى (الوطن) ولذلك كانمن اليسيرعلى الرئيس (المسلم) محمد مرسى ومكتب (إرشاده) التنازل عن حلايب وشلاتينللسودان، والتنازل عن سيناء لأتباعهم الحمساويين الذين قتلوا جنودنا على الحدودبالتواطؤ مع الرئيس (المسلم) ومكتب (إرشاده) لذا كانت المظاهرات واعتصامات الملايينقبل وبعد 30يونيو موجات من ثورة شعبنا ضد الحكم باسم الدين . ورغم الفرحة بقرار السيسىبعزل الرئيس (المسلم) فإنّ الأحزاب التى تتباهى بأنها (سلفية) أصرّ أعضاؤها علىسرقة الفرحة بالقتل والدمار من أجل عودة رئيسهم (المسلم) لكرسى عرش مصر من جديد . وإذاكان من المفهوم أنْ يُدافع (السلفيون) عن مخططهم الإجرامى المعادى لشعبنا ، فإنّالكارثة تتمثل فى المُتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة السائدة الذين كتبواوصرّحوا بأحقية الأحزاب (الدينية) فى الجلوس على مائدة / موائد المفاوضات مع باقىالقوى الوطنية ، والاستماع لآرائهم فى كل ما يتعلق بإدارة الدولة (سياسيًاواقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا) المحسوبون على الثقافة السائدة يتظاهرونبمعارضتهم للسلفيين ، بينما تلك (المعارضة) تهتم بتجميل صورتهم فى شكل نصائح(مثالية) مثل ((كونوا مع الثورة ولا تكونوا ضدها)) وهى أشبه بنصائح إدوارد سعيدللإدارة الأمريكية بتحسين شروط الاستعمار، كما كتب المفكر السورى الكبير صادق جلالالعظم فى كتابه (ذهنية التحريم) إنّ المصريين أدعياء الليبرالية يُمارسوندور(الماكيير) لمغازلة الأصوليين، بينما تفرض عليهم الليبرالية الحقيقية الدفاع عن(الحداثة) التى أول حرف فى أبجديتها (لا يجوز تأسيس أحزاب على مرجعية دينية) لمأقرأ ولم أسمع لأى من أدعياء الليبرالية كلمة واحدة عن جريمة استمرار الأحزابالدينية التى يجب النظر(بأدة قانونية) فى إلغائها. قرأتُ وسمعتُ كثيرين يُدافعونعن الحزب الذى تستر وراء الاسم الحركى (النور) بينما تصرفاته عكس ذلك : فقبل أنْتنجح أحداث شهر طوبة / يناير2011صرّحوا بأنّ الخروج على الحاكم (حرام) وتركواميدان التحرير بالاتفاق مع الإخوان بعد التفاوض مع عمر سليمان فى 2فبراير2011. وفىمحنة استفتاء 19مارس 2011 أشاعوا بأنّ الجنة نصيب من يُصوّتْ بنعم والنار مصير منيقول لا. وتركوا الشباب يُواجهون الموت فى أحداث محمد محمود بالاتفاق مع الإخوان .وأعضاؤه فى البرلمان اتهموا المتظاهرين بالحصول على 200جنيه وتعاطيهم الترامادول .وأعلن أحد نواب الحزب أنّ تعليم اللغة الإنجليزية (حرام) وأنّ تدريسها مؤامرةأمريكية على مصر(والمغزى والهدف الاكتفاء باللغة العربية التى لا تصلح للعصر الحديث، خاصة فى العلوم الطبيعية) وطالبوا بإلغاء مادتىْ الاحياء والفيزيا ، وساندواالإخوان فى إقصاء كل مختلف معهم (تأسيسية الدستور- نموذجًا) وكان لهم النصيب الأكبرفى إعداد الدستور الإخوانى المُعادى لأبسط قواعد المواطنة ، ومع ذلك ادّعوا (كذبًا)أنه أعظم دستور فى العالم . وساندوا الإخوان فى جرائمهم ضد المعارضة. هذا بخلافالسلوكيات غير الأخلاقية لبعض من ينتمون لذاك الحزب الظلامى (واقعة العضو البلكيمىفى عملية تجميل الأنف وإنكاره لتلك العملية واتهامه للشرطة كذبًا بالاعتداء عليهوسرقة أمواله. وكذا ضبط العضو فى الحزب الظلامى على ونيس وهو يمارس الفعل الفاضحمع فتاة داخل سيارته. ورفض أعضاء الحزب الظلامى عزل مرسى لذا لم يشتركوا فى حملة(تمرد) ولم يشتركوا فى ثورة 30يونيو. كما أنّ أعضاءه شاركوا فى مذبحة قتل شبابناالمؤيدين لقرار السيسى . ومع ذلك فإذا بقيادتهم يتمسّحون فى ثورة 30يونيو، ولا يخجلونمن الادعاء بأنهم مع شباب الثورة الذين وصفوهم من قبل بأنهم ((بلطجية ويعملونلحساب جهات أجنبية ويتقاضون منها الأموال ويتعاطون المخدرات)) فلماذا مغازلتهم؟لماذا السماح لهم بفرض شروطهم؟ لماذا الإصرار على استمرارهم فى المشاركة السياسيةوهم أعداء للوطن؟ لماذا إصرارهم على لعبة السياسة (القذرة) ولديهم مئات الألوف منالمساجد والزوايا وعشرات الفضائيات يُمارسون فيها الدعوة للمحبة وللخير كمايزعمون؟
مصر منكوبةبمتعلميها المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة البائسة. مصر رهينة النفق المظلمالذى يود الأصوليون حبس (مصرنا) فيه ، النفق المُعادى ل (نور) العلوم الطبيعيةوالإنسانية ، النفق المُعادى لمبدأ (المواطنة) وأرى أنّ الخروج من هذا النفقالمظلم الأحادى إلى (نور) التعددية والاعتراف بالآخر المختلف لن يكون بمغازلةالأصوليين الحالمين بعودة عقارب الزمن للخلف والتخلف . وعلى الشباب الثائر الوعىبأنّ معركتهم الفكرية مع أدعياء الليبرالية المحسوبين على الثقافة السائدة ، هىمعركتهم بذات الدرجة وهم يخوضون نضالهم الفكرى مع الأصوليين الإسلاميين ، وذلكلتحقيق حلمهم بمصر الحداثة والحرية.
***