القاهرة 17 يوليو 2014 الساعة 01:00 م
لقد شهد شهر يوليو أحداثا مهمة في التاريخ العربي منها ما يمثل أمل ومنها ما يمثل تحديات ومن الآمال ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وثورة 14 يوليو 1958 في العراق، أما ما يمثل تحديات فمنها الحرب على لبنان وبخاصة بين حزب الله وبين إسرائيل في يوليو 2006 والحرب على الفلسطينيين في غزة في يوليو 2014. ونقول تحديات لأن التحدي يعني وجود صراع بين طرفين على الأقل في إطار من عدم التوازن، ومن المفترض أن الجانب الأقوى هو الذي يبدأ من منطق رغبته في تلقين الطرف الأضعف درساً، أما الجانب الأضعف فهو يتحدى القوة للخصم ويتحدى الضعف الذي لديه. وهذا ما ينطبق على حالة إسرائيل وحزب الله وحالة حركة حماس وإسرائيل ولكن الغريب في الحالتين أن الطرف الأضعف هو الذي استفز وبدأ بما يشبه الاستفزاز للطرف الأقوى ومن ثم جاء رد فعل الطرف الأقوى عنيفا وقويا وعدوانيا وانحصر الطرف الأضعف التعبير عن إرادة الصمود أو إرادة الدفاع مع استمرار عملية الاستفزاز على أمل أن ذلك يحقق له بعض المكاسب أو يؤكد رغبته في إثبات الوجود.
أما عن النتائج ففي حالة حزب الله وإسرائيل فقد انتهت الحرب لثلاث نتائج وهي تدمير الضاحية الغربية التي هي مقر حزب الله في بيروت، والثانية طرد حزب الله من الجنوب وانتقاله إلى الشمال اللبناني، والثالث القبول بالهدنة ووقف القتال بوساطة أمريكية ودولية وعودة قوات الأمم المتحدة للجنوب بصورة أكثر قوة ومسئولية أكبر وهي منع حزب الله من التواجد في الجنوب بصورة قانونية، ويمتاز حزب الله بأنه يحافظ على قراراه واتفاقاته السرية أو الضمنية مع إسرائيل، وهذا عكس حالة حماس فتمتاز بكثرة خرقها للاتفاقات الخاصة بالمهادنة أو الهدنة أو التهدئة وهذا ما حدث في أكثر من مرة بخطف الجندي الإسرائيلي شاليط مما ترتب عليه رد فعل إسرائيلي كاسح على غزة ديسمبر عام 2008 و يناير 2009 . ثم ضرمت الهدنة التي عقدت في 2012 بخطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم مما أدى إلى رد فعل إسرائيلي كاسح على غزة في يوليو 2014. كما تتسم حماس بعملية التناقض في قبول الشيء ورفضه دون مبررات حقيقية او مقنعة، فهي رفضت وساطة مصر لعقد هدنة في عام 2009 وبعد فترة قبلتها، ثم تم نقض الهدنة وتوسطت مصر مبارك من جديد، وتوصلت لإتفاق هدنة، ولكن في اللحظة الأخيرة رفضت حماس الموافقة عليها، وظل الأمر معلقا حتى جاء حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي ووافقت حماس عام 2012 على نفس البنود التي سبق ان رفضت التوقيع عليها وتولى الأمر في الحالتين أجهزة المخابرات المصرية بمساندة ودعم من رئيس الدولة، ولكن الفارق كان وجود رئيس مصري وطني رغم كل عيوبه هو حسني مبارك ورئيس مصري إخواني يعبر عن نفس ايدلولوجية حماس، وربما كانت هناك وعود سرية بتجنيس ألاف من أهالي غزة ومنحهم الجنسية وجواز السفر المصري، وغير معروف على وجه التأكيد العدد ولكنه يتراوح بين 30 الف في احد الروايات و 70 الف في رواية اخرى، فضلا عن وعود اخرى بالسماح ضمنيا بحفر المزيد من الأنفاق، والتي وصلت لاكثر من ثلاثة الاف نفق عبر الحدود بين غزة وسيناء، واستخدمت للتهريب والتجارة غير المشروعة. وللحقيقة فان الأنفاق بدات منذ عهد الرئيس المعزول حسني مبارك كانت مثار احتكاك مستمربين مصر وفلسطيني غزة منذ انقلاب حماس ضد السلطة الوطنية وترك المراقبين الاوروبيين للمعابر بين غزة وسيناء، وبذلك أصبحت حماس والفلسطينيين في غزة في مواجهة مباشرة مع سيناء بوجه خاص والشعب المصري بوجه عام.
ترتب على حرب اسرائيل على غزة في 2008-2009 تدمير كثير من البيوت والمنشآت في غزة وقتل عدة مئات وإصابة بضعة الآلف.
أما حرب إسرائيل على غزة فقد انتهت بالوساطة المصرية في الهدنة عام 2009 والافراج عن الجندي الإسرائيلي المخطوف شاليط مقابل الإفراج عن أكثر من الف سجين فلسطيني لدى إسرائيل، اما حرب إسرائيل على غزة في يوليو 2014 فلم تنته وربما عند نشر هذا المقال تكون قد انتهت هذه المرحلة، ولكن على العموم فان خسائر إسرائيل من عملية الاشتباك الفعلي بغارات إسرائيلية على غزة أسفرت عن قتل حوالي 150 شخص وإصابة اكثر من 1000 فلسطيني من غزة واعتقال المئات مقابل إطلاق حماس ا عدة عشرات من الصواريخ وصلت لعدة مدن إسرائيلية ولم يصاب سوى شخص واحد لقى مصرعه باختصار محصلة الصراع الذي بدأ باختطاف ثلاثة مستوطنين اسرائيليين من قبل أنصار حماس وقتلهم، ان قام الإسرائيليون بمداهمة وتدمير عدة منازل في مدن الضفة من أنصار حماس، وقام المستوطنون بخطف أكثر من فلسطيني وقتله وحرقه وأصابة آخرين في الضفة، ثم تطور الحرب الإسرائيلية على غزة بالطائرات المقاتلة واقتصر دور حماس وإخوتها على إطلاق صواريخ أكثر بعداً في المدى من سابقاتها وربما اكثر فاعلية ولكن دون نتيجة لان إسرائيل لديها شبكة من الصواريخ الضخمة المتقدمة التي مثلت حماية أمنة للأراضي والمدن الإسرائيلية. ونتساءل ما هو التوازن في القوة بين إسرائيل وحماس بل بين اسرائيل وفلسطين سواء حماس او السلطة الفلسطينية بل التساؤل الأعم ما هو التوازن الحقيقي في السلاح والخبرة القتالية بين اسرائيل والعرب وخاصة بالنسبة لهدف القتال ونتائجه. ان التوازن في جميع الحالات مفقود خاصة بين حماس واخواتها الحركات المناضلة لتحرير فلسطين وهي لم تحرر شبرا واحدا من خلال حروبها المتكررة بل تكبد الشعب الفلسطيني في غزة آلاف الضحايا والمصابين مقابل إطلاق حماس وأخواتها صواريخ لم نشير النتائج عن سوى قتل جندي إسرائيلي واحد مقابل أكثر من مائتي فلسطيني إذن المعادلة واضحة، وكذلك النتائج والتساؤل اي منطق للصراع بين هذين الطرفين وهل ثمة عقلانية في ذلك؟.
أما التساؤل الثاني فهو أليس من حق حماس كمنظمة نضالية فلسطينية أن تقوم بإزعاج إسرائيل لتحرير التراب الفلسطيني؟ واليس من حق السلطة الفلسطينية القيام بذلك؟ نقول من الناحية القانونية نعم من حقها، ولكن من الناحية السياسية والعسكرية فان الحرب غير المتكافئة نتائجها محسومة مسبقا، ومن ثم فلن تتحرر فلسطين بالأسلوب العسكري الا اذا توافرت مقومات القوة والمتمثلة في قوة فلسطينية موحدة في الفكر والحركة والإرادة، وثانياً ثبات المنطق الاستراتيجي الفلسطيني في الإيمان بالوطن، وثالثا توافر القوة الذاتية في الصراع ورابعا معرفة الطرف البادئ بالصرع احتمالات النتائج مقدما، وان من بين تلك الاحتمالات النصر ولو محدوداً وعدم الهزيمة المتكررة وهذه العناصر الأربعة غير متوافرة في الصراع الفلسطيني ضد إسرائيل. ليس معنى ذلك القبول بالأمر الواقع وإنما البحث عن بدائل أخرى للصراع العسكري او لاختطاف مدني إسرائيل حتى وان اخذنا بمنطق ان كان إسرائيلي هو مجند بصورة او بأخرى، وهو معتدي ومغتصب للأرض. ان هذه الحالات للاعتداء أو الاستيلاء على ارضي الغير كثيرة في السياسة الدولية وعلاقات القوى الدولية عبر التاريخ، ولعل هذا ما دعا قادة عظام أمثال ياسر عرفات ورفاقه لقبول اتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل بل هذا ما ادى لتقدم النضال الفلسطيني بضع خطوات للامام بما في ذلك تواجد حركة حماس على ارض فلسطينية في غزة محررة نتيجة اتفاقية أوسلو، وليس نتيجة الصواريخ التي لا تقتل ولا تضر احد ممن توجه إليه وإنما مجرد إزعاج يحقق مصالح إسرائيل ودعايتها.
ان المرء ليعجب من المنطق الاستراتيجي في الصراع ولجوء الإطراف للقوة الساحقة ولجوء الطرف الأخر لاستفزاز القوى، وكأنه يدعو للهجوم عليه وتدمير مبانيه ومنشأته ثم الصراخ اين العرب أين المسلمين أين مصر أين السعودية أين جامعة الدول العربية وهكذا؟ ولكن لا يراجع احد نفسه لماذا فعلت؟ من حركة حماس وانصارها وما هي حسابات الربح والخسارة؟ وهل هذا هو الإسلوب الأمثل؟ وهل سيحقق نتائج؟ ولكن تكرار الأخطاء يذكرنا بأسطورة سيزف اليونانية عندما فرض عليه صعود الجبل حاملا صخرة وكلما قارب قمة الجبل وقعت الصخرة؟ هل التاريخ يعيد نفسه ويرد كثير من المؤرخين بان ذلك ليس صحيحا، لأنه من المفترض ان الشعوب والقادة يتعلمون من دروس التاريخ ولا يكررون الأخطاء، أما إذا كررو الأخطاء، فلا مفر من تكرار النتائج. ان الأمل ان يتعلم قادة حماس الأبعاد الإستراتيجية والدولية والإقليمية للصراع ويبتكبروا أسلوباً للصراع يماثل ذلك، ومن ثم يحقق لهم مكاسب ولو محدودة أفضل من تكرار الأخطاء والكوارث. وكان الله في عون الشعب الفلسطيني. أما العرب وغيرهم فهم ملزمين بمساعدة شعب فلسطين، ولكنهم ليسوا ملزمين بان يتخذ شخصا أو حزبا أو قيادة ما قراراً كارثياً ثم يطالبهم بمساندته أو الدخول في حرب لمساعدته. فهذا منطق لا يستقيم ولن يحدث إلا إذا تحول القادة العرب إلى مغامرين وعندئذ لا يصلحوا ان يكونوا قيادة لدولهم او لشعوبهم.