حى على الفلاح ...حى على الجهاد
انطلقت كثيرا من فوق مئذنته منذ إنشائه أو بالتحديد منذ إقامة أول صلاة الجمعة فية في 7 رمضان 361 هـ/972م بعد أن استغرقت عملية البناء لمدة عامين.
مع حى على الجهاد يقيم شيوخه المتاريس ويزلزلون العدو بالله أكبر.
هو الجامع الأزهرنسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء التي ينتسب إليها الفاطميون أكبر وأعرق جامعة فى العالم الإسلامى.
لم يكن الأزهر مجرد مسجدا للصلاة أو حتى جامعة لتلقى العلوم الشرعية ، ولو فعلها فقط لكفى ..
لكن كان ساحة للجهاد ترفرف من فوق مئذنته رآية المقاومة،
والمقاومة يمكن أن تكون ضد عدو داخلى متمثل فى حاكم أو والى ظالم أو جهل يظلم العقول والقلوب أو عدو خارجى عسكرى مسلح أو عدو يحاول طمس هوية الأمة وثقافتها ولغتها ، وقام الأزهر بدور القائد فى المقاومة على مختلف الجبهات .
عندما يرفع مؤذن الوطن أذان الكفاح يهب الشيوخ وعلماء الأزهر ليؤموا ويقودوا جيوش المقاومة وينقشوا بدمائهم نقوش التحرر والحرية للمصريين .
باختصار تاريخ الأزهر هو جزء من تاريخ مصر ، وتاريخ مصر الحديث تمت صياغة أجزاء منه فى ساحة الأزهر ،
ومن الغريب أن علماء الأزهر لم يكتفوا أبدا بالقيادة الروحية للمصريين فى المعارك بل تحولوا إلى قادة عسكريين كما حدث فى موقعة عين جالوت أو
الحملة الفرنسية أو الغزوة الإنجليزية لمدينة رشيد .
حدث ذلك كثيرا على سبيل المثال ومع احتلال الحملة الفرنسية لمصر كان للأزهر وشيوخه جولات وجولات بدأت بارسال وفد للتفاوض مع القائد الفرنسى
حين دخلت جيوشه القاهرة وحاول نابليون بونابرت استمالتهم فى البداية بضمهم فى ديوان لتدبير
الأمور .
وبالرغم من أن سلطة هذا الديوان كانت محدودة، وخاضعة لتوجيه المحتلين، فإن تكوينه، يؤكد ظاهريا بأهمية الجامع الأزهر، ومكانة علمائه، والاعتراف بزعامتهم الشعبية والوطنية. بعد ذلك ظهرت للجميع عورات الاحتلال من فرض الضرائب الباهظة وعندما ازداد الظلم حدث الصدام والثورة واشترك فيها بعض الشيوخ وقتل بعض الجنود الفرنسيين وقتل قائدهم فاستشاط نابليون غيظا وأمر جنوده بدك الأزهرمن فوق القلعة ودخل جنوده الأزهر بخيولهم وداسوا المصاحف ودكوا المناطق المحيطة والتحم المصريون بالفرنسيين واستشهد منه الكثير وارتفعت رآية المقاومة ولم تنزل إلا بجلاء الفرنسيين بعد ذلك بعدة شهورولا ننسى أن سليمان الحلبي وهو طالب سوري أزهري قد قام باغتيال كليبر القائد الفرنسى الذى خلف نابليون في حديقة قصره بطعنة خنجر في قلبه، ودفن في حديقة قصره بالقاهرة ثم حملت جثته عند خروج الجيش الفرنسي من مصر ليدفن في فرنسا كما ذكر في وصيته وذلك عام
1801.
وعندما تولى محمد على باشا مقاليد الحكم لم يصل إلى كرسى الحكم فى القلعة عن طريق سيوخ الأزهرولم يستتب حكمه إلا برضاء علماء الأزهر وكان الشيخ عمر مكرم على سبيل المثال قائدا فى مقاومة الفرنسيين وفى تنصيب محمد علي على حكم مصر ومن محمد علي واسرته إلى ثورةعرابى عندما وقف أحمد عرابى ابن الأزهر والضابط بالجيش المصرى ليرفع مظالم وطلبات الأمة قائلا جملته الشهيرة.
وكان لعلماء الأزهر و مواقف حاسمة وجهود جبارة فى إشعال نيران الثورة العرابية وثورة سنة 1919 م ومن المعروف أن
زعيمى الثورتان أحمد عرابى وسعد زغلول من أبناء الأزهر.
عندما قامت ثورة عرابى وانحاز الخديوى للإنجليز ، أصدر علماء الأزهر فتوى بخلع الخديوى لأنه مرق من الدين ، ولما فشلت الثورة تم القبض على زعمائها وكان فيمن قبض عليهم الشيخ حسن العدوى وقدم للمحاكمة ، فقال له رئيس المحكمة العسكرية : هل أفتيت بعزل الخديوى ؟ فقال له : لم أفت ، ومع هذا فإذاجئتمونى الآن بالفتوى فإنى أوقعها وما فى وسعكم أن تنكروا أن الخديوى توفيق مستحق للعزل وقد خرج على الدين وعلى الوطن .
عبد الناصر ومنبر الأزهر
وفى التاريخ القريب وقف الزعيم جمال عبد الناصر على منبره ليعلن المقاومة والصمود ضد إنجلترا وفرنسا وإسرائيل فى عدوان 1956.
وانتصر الشعب ببركة الأزهر
وفى حرب 1973 المجيدة اختلف الأمر بعض الشىء حين دخل بعض خريجى وشيوخ الأزهرداخل صفوف الجيش بانخراطهم فى صفوف الجندية ومن خلال إدارة الشئون المعنوية قام شيوخ الأزهر بتعبئة القوة المعنوية وإذكاء العقيدة الدينية التى اشعلت كتائب الجيش المرابطة على شاطئ قناة السويس فى مواجهة العدو الصهيونى بعد احتلال سيناء فى 5 يونيو 1967 .
وكانت الله أكبر هى كلمه السر التى إلتف حولها كل المصريين وزلزلت أركان القوة التى لاتقهر وعبرت بالمصريين من الهزيمة إلى النصر.
وفى ثورة 25 يناير خرجت من الأزهر فى الأيام التالية لانفجارالغضب مجموعات من الشيوخ بزيها الأزهرى إلى ميدان التحرير لترفع رآية المقاومة ضد نظام مبارك ورآية العصبان ضد الموقف الرسمى لمشيخة الأزهر حتى فاءت إلى رشدها وانخرطت فى صفوف الجهاد من أجل خروج مصر من نفق حكم مبارك وكانت وثيقة الأزهر للمواطنة والدستور والنهضة هى الوثيقة التى إلتف حولها الجميع من مسلمين ومسيحيين وليبراليين وإخوان وسلفيين وشيوعيين ويساريين ومثلما قدم الأزهر من شيوخه شهداء من أجل الوطن كان آخر شهدائه فى أحداث ثورة 25 يناير الشيخ عماد عفت أمين لجنة
الفتوي بدار الإفتاء المصرية.
والأمر لايقتصر على الأعداء من خارج مصر ، ولكن أحيانا يكون العدو من الحكام أو الولاة باختلاف مراتبهم أو الحقب الزمنية و كان علماء الأزهر يدعمون سلطة الحكام إذا أحسنوا ، ويزلزلون عروشهم إذا جنحوا إلى الظلم والطغيان وكان المصريون إذا أحسوا الظلم وعانوا من العدوان ، فزعوا إلى الله وإلى علماء الأزهر واستغاثوا بهم والتفوا حولهم ، فإذا اقتنع العلماء بجدية الأمرأمروا بإغلاق أبواب الأزهر ، وأوقفواحلقات الدروس وصعد بعض الشيوخ على سطح المسجد ، ليؤذنوا للجهاد والكفاح ويدقون الطبول فيحتشد الناس حول الأزهر من كل أنحاء القاهرة ، وتتكاثر الجموع بما تحمله من أسلحة حتى تصبح كالبحرالمتلاطم الأمواج ، وحينئذ يخرج شيوخ الأزهرويتقدمون الصفوف إلى قصور الحكام فلا يلبث هؤلاء الحكام أن يفيئوا إلى الصواب وينزلوا على حكم العلماء ويردوا الحقوق إلى أصحابها .
وكان للأزهر مواقفه المشهودة في التصدي لظلم الحكام والسلاطين المماليك لأن علماءه كانوا أهل الحل والعقد أيام المماليك.
ففي سنة 1209هـ/1795م، يروي الجبرتي في يومياته بأن أمراء مماليك اعتدوا على بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي وكان شيخا للأزهر وقتها. وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم. فغضب وتوجه إلى الأزهر, وجمع المشايخ. وأغلقوا أبواب الجامع. وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر. واحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب. فأرسل إبراهيم بك شيخ البلد لهم أيوب بك الدفتردار، فسألهم عن أمرهم. فقالوا: نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات (الضرائب)، وخشي زعيم الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلى علماء الأزهر يبرئ نفسه من تبعة الظلم، ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك. وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد يحذره عاقبة الثورة. فاستسلم مراد بك ورد ما اغتصبه من أموال، وأرضى نفوس المظلومين. لكن العلماء طالبوا بوضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان. واجتمع الأمراء مع العلماء. وكان من بينهم الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير. وأعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء. وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم والضرائب والكف عن سلب أموال الناس والالتزام بإرسال صرة مال أوقاف الحرمين الشريفين والعوائد المقررة إليهم وكانوا
ينهبونها. وكان قاضي القضاة حاضراً. فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وإبراهيم بك ومراد بك شيخا البلد.
ويبقى الدورالأخيرللأزهرفى ميادين المقاومة أقصد به الحفاظ علي القران الكريم وعلومه الشرعية والتراث العربي بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد وعلى اللغة العربية من التتريك واللغة التركية أيام الحكم العثماني لمصر سنة 1517م ثم أيام الاحتلال الفرنسى ثم طوال حكم محمد على وأسرته منذ 1805. ثم أيام الاحتلال البريطانى التى بدأت منذ عام 1882وحتى قيام ثورة يوليو 1952.