القاهرة 10 يوليو 2014 الساعة 12:58 م
الملاحظ.. أننا نسير عكس الاتجاه. منذ أن صححنا مسارنا في العاشر من رمضان. أو السادس من أكتوبر عام .1973 الملاحظ.. أن "أحداً" قرر لنا أن "نمشي بالمقلوب". بعد أن خضنا معركة تحرير الأرض.. وانتصرنا فيها. منذ أكثر من أربعين عاماً. فلا أحد يتذكر "حرب التحرير".. والنصر. وإنما "المرجعية".. ودائماً هي هزيمة .1967 في حين أن "الجديد".. والمضيء.. ومحل الفخار والعزة. هو الذي يمحو ما قبله.. ويصبح هو المرجعية.. ونقطة البدء لما هو آت. وقادم. لقد وقعت الهزيمة في يونيه .1967 واتخذ الشعب المصري موقفه وقراره منها. بعد أقل من أسبوع من وقوعها. وذلك يوم رفض استقالة جمال عبدالناصر.. وقرر الاستمرار في القتال والتعبئة. حتي يستعيد الأرض. وبدأت علي الفور عمليات عسكرية "محدودة". ولكنها شديدة الأهمية: * في رأس العش. * والجزيرة الخضراء. * وشدوان.. وإغراق المدمرة إيلات. .. وغيرها. وغيرها.. من عمليات العبور المستمرة للقوات الخاصة.. وتم تتويج ذلك جميعه. بما أطلق عليه "حرب المدفعية".. علي امتداد وعرض قناة السويس. الفاصلة بين الوادي وسيناء. في نفس اللحظة.. كانت عملية إعادة بناء القوات المسلحة تجري علي قدم وساق تخطيطاً. وتسليحاً. وتجهيزاً. فضلاً عن استبدال عشرات الآلاف من الجنود "محدودي التعليم والكفاءة".. بغيرهم من المتعلمين وخريجي الجامعات. * * * * بعد هذا التغيير النوعي والفعلي في أداء الجيش المصري. الذي تصوروا هزيمته في 5 يونيه. قررت إسرائيل وأمريكا. الإجهاز علي جيش مصر. قبل أن يستعيد قوته بالكامل. وتم تزويد إسرائيل بأجيال جديدة من الطائرات المحملة بكميات ضخمة من القذائف المدمرة.. طائرات قادرة علي التحليق المنخفض. تجنباً للمدفعية المصرية المضادة المنصوبة والمجهزة علي امتداد الجبهة المصرية من بورسعيد إلي السويس. وبالفعل.. استطاعت هذه "المؤامرة العسكرية" أن تحقق الكثير من النتائج السلبية علي الجيش المصري. لكنها في نفس الوقت.. كشفت قصور التجهيز.. وكشفت غياب وانعدام الصواريخ المضادة. المجهزة للتعامل مع الطيران المنخفض. وعدل الجيش المصري مخططاته. واستكمل. ووفر. الناقص من الأسلحة والمعدات. وهو ما ظهر واضحاً جلياً في حرب "الاستنزاف". التي أسقطت فيها مصر العديد والعديد من الطائرات الإسرائيلية. وأصابت خط بارليف بتلفيات. وتدميرات ضخمة. وهنا.. تدخلت أمريكا. وبقوة للمرة الثانية. لإنقاذ إسرائيل.. وتقدمت بمشروع "روجرز" لوقف إطلاق النار عام ..1970 وفتح باب التفاوض. يومها قبلت مصر من أجل أن تستكمل بناء "خط الصواريخ".. المضاد للطائرات. استعداداً للعبور.. وتوقف القتال في أغسطس 1970 ولمدة ثلاثة أشهر . حسب ما حدده مشروع "روجرز". * * * * الجديد في الأمر.. أن القتال. ووقف إطلاق النار.. الذي تقرر في أغسطس ولمدة ثلاثة أشهر فقط.. استمر.. ولم يستأنف مرة أخري.. إلا في 10 رمضان.. السادس من أكتوبر عام .1973 فقد "توفي عبدالناصر فجأة".. وقبل أن تكتمل أشهر الإيقاف الثلاثة. وتولي أنور السادات الرئاسة.. ولم يقترب من قرار استئناف الحرب أو القتال.. ودخل السادات في "سكة مختلفة تماماً".. * تصفية خصومه.. أو بمعني أصح منافسيه.. * فتح أبواب جديدة للتفاوض السري خاصة مع كيسنجر.. * وكما فتح السادات أبواباً جديدة.. فتحت عليه بوابات جحيم.. مرة حاول الهروب منها بما أطلق عليه "انتفاضة حرامية".. ومرة أخري أعلن أن قرار الحرب غاب بسبب "الضباب".. وهكذا.. كل هذا والجيش المصري بقادته وضباطه وجنوده. معبأ في المخابئ والقواعد علي طول مصر وعرضها. وأصبحت مصر كلها مهددة بسبب حالة "اللا حرب".. والأوضاع شديدة القسوة والصعوبة التي تعيشها القوات في كل موقع.. هذا.. والوعود التي قدمتها واشنطن للرئيس يتم التراجع عنها. وعداً بعد آخر.. فالوضع العسكري المصري يتراجع.. والجيش يتآكل. والأسلحة يهددها الصدأ وحتي القدم.. قبل هذا وبعده.. كان "التحالف المصري السوفييتي" يتفكك. وينتابه البرود.. بعد أن قرر السادات إلغاء المعاهدة التي تربط البلدين.. ومنذ العام .1972 وبالتالي.. لم يعد في مصر.. ما يخيف.. أو يحسب له حساب.. * * * * والسؤال: هل كان من الممكن أن تظل الأوضاع علي هذا الحال؟!!.. والإجابة: بالتأكيد.. لا. * فلا السادات. يستطيع الاستمرار بهذا الوضع.. والبلاد كلها في حالة "تعبئة جامدة".. والناس في حالة استنفار واستفزاز غير فاعل. * والولايات المتحدة. وممثلها "كيسنجر" قد حققا ما خططا له.. وهو ترك الأمور. في حالة اللاحرب.. واللاسلم. أطول مدة ممكنة.. حتي يرفع المتضرر يديه إلي أعلي ويعلن الاستسلام.. أو علي الأقل.. القبول بالشروط المفروضة عليه. * وبالفعل.. قرر كيسنجر أن يكشف الأوراق.. ويعلن شروطه بكل وضوح. ففي اجتماعه الثاني مع حافظ إسماعيل في ضواحي باريس. أبريل 1973. وكان الاجتماع الأول في ضواحي نيويورك. قبل شهرين.. في اجتماع فرنسا قال كيسنجر لحافظ إسماعيل: * للحروب قواعد وأحكام ونتائج. * المنتصر في الحرب يكافأ علي انتصاره. * والخاسر يدفع ثمن خسارته. .. وأظنكم يا سيد حافظ.. عليكم دفع الثمن.. وهو "جزء من سيناء"!! وأظنه هو هذا الجزء الذي مازال يدور حوله الجدل والصراع. وعمليات الاقتتال. وإعادة التخطيط.. حتي للمنطقة كلها: عند هذه النقطة.. تقرر إغلاق الملف. وظني أن هذه الصراحة التي تعامل بها كيسنجر. هذا اليوم.. استهدفت أمرين: * الأول.. أن تخشي مصر وتخاف من الغضب الأمريكي. فتقبل بشروطها. * أو ترفض.. وعندها لن تجد أمامها طريقاً غير الحرب.. وأنا علي قناعة "شخصية" أن أمريكا وإسرائيل كاننا تراهنان علي عناد مصري.. يرفض العرض الأمريكي.. ويقبل بخيار الحرب.. التي ستكون نهايتها "هزيمة منكرة".. لجيش وهو الجيش المصري ظل حبيس الخنادق. والجحور. ثلاث سنوات كاملة. .. وعندها يمكن لواشنطن. وتل أبيب أن تفرضا علي القاهرة ما يبتغون.. * * * * أخيراً.. ما هو المقصود والهدف من كل هذا السرد والعرض والحكايات؟!! والإجابة.. هي أن المقصود هو التحذير من السير "عكس الاتجاه".. المقصود.. هو دعوة لعدم "المشي بالمقلوب".. فالشعب المصري. رفض الهزيمة في ..1967 ومنذ اللحظة الأولي. عندما رفض استقالة عبدالناصر. والشعب المصري. صبر علي السادات 3 سنوات وأكثر. من أغسطس 1970. حتي أكتوبر ..1973 أملاً في أن يحقق له عودة الأرض بالتفاوض. * وقرار الحرب الذي أعلن في 10 رمضان ..1973 أي منذ 41 عاماً كان قرار الشعب المصري.. لا قرار عبدالناصر.. ولا قرار السادات.. ولم يكن قراراً "عبقرياً" كما يطلق عليه بعض الإعلاميين اليوم.. فهو ليس.. "إبداعاً".. أو "اختراعاً". إنما هو موقف مبدئي ثابت وأصيل.. يعكس تصميم الشعب المصري كله علي التمسك بكل شبر من أرض مصر.. ولن يسمح تحت أي طارئ أو ضغط لمعتد أو غاصب أن ينال من حق مصري. * * * * اليوم.. العاشر من رمضان ..2014 لا يقل أهمية. أو خطورة. أو تحد عن العاشر من رمضان .1973 اليوم.. المخاطر عديدة.. والتحديات بلا حدود.. والمتربصون من كل جانب من خارج مصر. وطبعاً من داخل مصر.. وإذا كانت الظروف اليوم أشد قسوة.. فهمة الشعب المصري أكثر بأساً وقوة.. شريطة أن نكون جميعاً.. يداً واحدة.. ليس بالكلام.. ولكن بالفعل. ليس بالشعارات.. ولكن بالتعبئة الكاملة.. وبالتنظيم والعمل الفاعل المؤثر. وإذا كانت مصر قد أعادت بناء نفسها وجيشها بعد هزيمة ..1967 أظنها اليوم في حاجة إلي إعادة بناء دولتها وتأسيسها عام ..2014 والحديث مفتوح ومتصل. |
|