القاهرة 10 يوليو 2014 الساعة 12:57 م
أثار المسلسل الدرامي. الذي يذيعه عدد من الفضائيات العربية منذ بداية شهر الصوم. ردة فعل واسعة ليس سياسياً فقط. بل وعلمياً أيضاً. بدليل الب
المهم الذي أصدرته الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. وأوضحت فيه أن "صديق العمر" و"سرايا عابدين" قد جاءا مليئين "بالأخطاء والأوهام والتشويهات التاريخية".. وترفعت الجمعية في بيانها عن وصف هذه "التشويهات التاريخية" بأنها متعمدة.
في حين تولي تحديد هذا بشكل قطعي عدد من السياسيين والكُتَّاب الذين تابعوا "صديق العمر" حلقة بحلقة. وحرصوا علي تبيان الأخطاء والتشويهات المتعمدة في كل حلقة. وأذكر من هؤلاء تحديداً المواطن العربي الجليل السيد سامي شرف. سكرتير الزعيم جمال عبدالناصر. ثم الوزير. والدكتور كمال خلف الطويل. بما يختزنه من معلومات دقيقة وتفصيلية والشاب الناصري الباحث عمرو صابح. إلي جانب تعليقات وحوارات الدكتورة هدي عبدالناصر والمهندس عبدالحكيم عبدالناصر. ابني الزعيم الخالد.. وقد أثار هؤلاء وغيرهم كثيرون تساؤلات حول توقيت إنتاج وعرض مسلسل "صديق العمر". ومن وراءه. ومن موله. ولماذا؟!.. وأجمعوا علي أن "صديق العمر" ليس إلا طلقة أخري ضمن حملة متواصلة ومخططة لتشويه عبدالناصر إنساناً وزعيماً سياسياً وبطلاً قومياً. ولا يمر يوم منذ بدء عرض "صديق العمر" إلا ونقرأ جديداً في الرد عليه. وتفنيده. وكشف أخطائه وعوراته فنياً وتاريخياً وسياسياً وعسكرياً. ووصل الأمر أخيراً إلي أن المحامي الكبير الدكتور سمير صبري لجأ إلي القضاء طالباً وقف عرض هذا المسلسل. ومع التقدير العميق لمثل هذه الخطوة إلا أني لست معها. بل مع استمرار العرض من ناحية. واستمرار النقد من ناحية أخري. علي أن يكون هذا مناسبة لفتح ملفات طال السكوت عليها. خاصة حلقات الانقلاب ضد الوحدة المصرية السورية. وعدوان 1967 وهزيمته. وحرب اليمن. والشللية ومراكز القوي وغيرها.
"1"
هنا.. واليوم.. لا مجال للخوض في غابات الجزئيات والتفصيلات.
قد يكون هذا في مرات مقبلة.. أكتفي بطرح فرض محدد. أحاول البرهنة عليه بشهادات سابقة. من مصادر محددة أن مسلسل "صديق العمر" يشار في مقدمته إلي أن كاتبه هو الأستاذ ممدوح الليثي. رحمه الله. وقد استكمله أو كتب حواره الأستاذ محمد ناير. بالإضافة إلي من وصف ب "باحث تاريخي" وأدرج تحت هذا اسمان هما: سلوي وعمرو!!.. بالذمة. هل هذه كتابة.. أم استهزاء بعقول عباد الله من المشاهدين؟!!.. فأي سلوي هذه؟!!.. وأي عمرو هذا؟!!.. وما مؤهلات وعدة كل منهما في "البحث التاريخي".. ومن هنا يأتي الفرض الذي أطرحه للنقاش. وهو أن مسلسل "صديق العمر" الذي يتناول علاقات الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر. قد بني أساساً علي ثلاثة مصادر. هي: ما يسمي مذكرات المشير!!.. ومذكرات العقيد شمس بدران.. وزير الحربية في هزيمة يونيه 1967. ثم مذكرات السيدة برلنتي عبدالحميد. وهذه "باختصار" مصادر منحازة وغير منصفة. بل إن أحدها وهو ما يسمي "مذكرات المشير" لا وجود له إلا فبركة وتزييفاً. طبقاً لما هو آتي:
"2"
في الحلقات التي أذيعت حتي مساء الإثنين 9 رمضان. يبدو المشير عبدالحكيم عامر في أكثر من مشهد وهو يجلس إلي مكتب ويكتب ذكرياته. إن جميع من كتبوا عن المشير رحمه الله لم يجرؤ واحد منهم علي اتهامه بأنه كان يميل إلي الكتابة. بل وحتي إلي القراءة. خاصة منذ تمت ترقيته غير المستحقة من رائد إلي لواء!!.. وقد أشار السيد سامي شرف في أحد مقالاته إلي أن هذه "المذكرات" كتبها الأستاذ أحمد عباس صالح. رحمه الله. وكان معروفاً ومعترفاً في مذكراته. التي سيأتي الحديث عنها. بأنه كان قريباً من رجال المشير. ولكن مصدراً آخر هو السيد سعيد أبو الريش. يروي رواية أخري. وذلك في كتابه "جمال عبدالناصر آخر العرب" الذي نشره مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.. وأثار خلافاً داخله. قيل إنه أطاح بأحد كبار العاملين فيه. وقد صدرت الطبعة الأولي في أبريل 2005. وجاء فيها في صفحة 361 نصاً ما يلي:
".. قام السعوديون. علي وجه الخصوص. بنشر مذكرات زائفة تُعزي إلي عامر. تحمِّل عبدالناصر الذنب عن حالة عدم تهيئة الجيش المصري. وتشرح الاستراتيجية التي أنتجت النكسة. هذه المذكرات الكاذبة هي من تلفيق المخابرات السعودية. مع أرجحية مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في إعدادها.. لقد سلم المذكرات إلي والدي الذي كان مراسل مجلة "تايم" نواف بن عبدالعزيز. الذي أصبح فيما بعد مساعداً لأخيه فيصل. الذي تظاهر بتفضيله صديقاً قديماً يعمل في الصحافة. لقد قرر والدي ومعه زمرة من القراء. أعد وثيقة المذكرات صادقة لا غبار عليها. لكن مجلة "لايف" بعد نشرها مقتطفات ثلاثة منها. اكتشفت أنها غير صحيحة. وهو ما أثار دهشة محرري مجلة "لايف" وأبي علي السواء.. فقد أبلغهم اللواء راضي عبدالله رئيس المخابرات الأردنية. أنه شارك في إعدادها.
ألا يثير هذا شكوكاً عميقة فيما يسمونه "مذكرات المشير". وألا يثير بالتالي شكوكاً أعمق في صلاحيتها لأن تكون مصدراً وسنداً في الحديث. والنقل والرواية عن علاقة المشير مع الزعيم؟!.. وبينما يقولون: "دع ما يريبك إلا ما لا يريبك".. ويصدق هذا في العلم وفي السياسة وفي التاريخ أيضاً.. أليس كذلك؟!!
"3"
منذ سنوات. تتناقل الأيادي مذكرات العقيد شمس بدران. وزير الحربية. الهزيمة في ..1967 كان الرجل يبحث عن ناشر. فقد ظن مذكراته كنزاً يعود عليه بمبلغ طائل.
وقد حاول كثيرون الاقتراب من هذه المذكرات. آخر المحاولات كانت في أواخر عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. يشهد الله أن الرجل لم يكن له دور في هذا.. كان المسعي من عمل الابن. وبعض الذين حوله.. وفعلاً جرت الاستعدادات علي قدم وساق. وتم تجهيز الشيك. ووقع الاختيار علي "ناشر" ليحرر المذكرات التي صوروها علي أنها ستكون ضربة قاضية لشعبية جمال عبدالناصر. وتسرب الخبر إلي صحيفة "العربي" وكانت في مرحلة تألق. فتدخلت ونشرت. وأظهرت العين الحمراء. فتم التراجع عن النشر. وخاب المسعي.. وأخيراً. ومنذ شهور. وتحديداً في شهر مارس الماضي. أعادت صحيفة كويتية.. معروفة اتجاهاتها وارتباطاتها العربية وغير العربية.. الكرَّة. وبدأت النشر. ومضت في النشر دون أن يعبأ أحد بما نشرت من بضاعة فاحت رائحتها وكسدت سوقها منذ سنوات وسنوات.. وكان قد روي هذا الأستاذ أحمد عباس صالح في مذكراته التي صدرت في 2008 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وأحمد عباس صالح كاتب كبير بدأ هنا في "الجمهورية" ثم عاد إليها واختتم حياته فيها. بعد سنوات في العراق. وسنوات في لندن عمل خلالها في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية. في هذه المذكرات. فصل خاص بعنوان "شمس بدران يتاجر في الجبنة" تحدث فيه عن مذكرات الرجل. وقال في ص 301: إن بدران حدثه عن رغبته في نشرها.. "ولعلي سرحت فيما يمكن أن تنطوي عليه هذه المذكرات من معلومات بالغة الخطورة. ومازالت مخفية. وكانت هناك شائعات بأن أنصار المشير عامر قد استطاعوا أن يهربوا وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل الخصام بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر. وأن الخلاف كان سياسياً. وليس صراعاً علي السلطة. وأن شمس بدران يملك هذا الملف الخطير".. وبعد سطور أخري يضيف عباس صالح رحمه الله: "سألته بالمناسبة عن الوثائق التي لديه. وكان في ذهني بالطبع أسطورة هذا الملف السري الخطير الذي أمكن تهريبه من مصر. ولكني فوجئت بأن المعلومات كلها في رأسه. وأشار لي بالفعل إلي رأسه. اندهشت بالطبع. وخاب أملي إلي حد كبير..
وينفي عباس صالح من نفسه أنه كتب هذه المذكرات التي وضح أنها لا تستحق الحبر الذي كتبت به.. فهل يجوز الاستناد إلي مثل هذا المصدر في أي حديث. أو عمل عاقل عن علاقة الزعيم والمشير؟!!
بالتأكيد من وجهة نظري هذا إهدار للوقت والعقل والجهد. ومن يشك في هذا عليه قراءة ما نشرته الصحيفة الكويتية إياها. يكفي يكفي والله العظيم أنها بدأت نشرها بقولها: "صلاح نصر كان يزود عبدالناصر بمشاهد ساخنة لسعاد حسني. ليمارس حياته الجنسية طبيعياً".. وليس لدي تعليق يليق بهذا السقوط الصحفي. ولكن حينما يصدر العيب من أهل العيب!!!!!!!!!
"4"
في منتصف الثمانينيات نشرت صحيفة "الاتحاد" الظبيانية. مذكرات السيد صلاح نصر. مدير المخابرات العامة الأسبق. بعد وفاته في 1982. ودفعت فيها ثمناً كبيراً حسب أسعار المذكرات في ذلك الوقت.. وعندما سمعت الفنانة برلنتي عبدالحميد. الزوجة الثانية للمشير عبدالحكيم عامر. عن الثمن الذي دفع. اتصلت بالزميلين اللذين عقدا الاتفاق مع ورثة صلاح نصر. وكان الزميلان هما الأستاذ محمد يوسف. رئيس جمعية الصحفيين في دولة الإمارات. والأستاذ جلال السيد. رحمه الله الذي عكف علي قراءة المذكرات.. بما عرف عنه من دأب وتدقيق. ثم أصدر حكمه بأنها مكتوبة بيد كاتب محترف. ولكنها غير دقيقة. وغير مفيدة صحفياً وسياسياً. وأيد الأستاذ محمد يوسف ذلك. ووافق عليه الدكتور عبدالله النويسي. رئيس التحرير عندئذي. وفعلاً ظلت هذه المذكرات مطوية إلي أن نشرتها صاحبتها في كتاب من حوالي 650 صفحة. لم يكن له صدي في الأوساط السياسية والصحفية. لسبب بسيط وهو أن كاتب المذكرات افترض أن صاحبته مفكرة وسياسية وعسكرية أيضاً. وقد كانت رحمها الله بريئة من هذا. وإن كانت صادقة في علاقتها بالمشير. الذي برأته من كل عيب ألصقته بالزعيم الذي صورته شيطاناً!!!... فهل تصلح هذه المذكرات مصدراً لعمل درامي يتناول دراما تاريخية من طراز خاص. نتحري الحقيقة ونقول الحق ولو كان مُرّا.. واسلمي يا مصر.