القاهرة 08 يوليو 2014 الساعة 04:30 م
ثانية النساء التي ذكرت في القرآن الكريم في مقام التكريم بعد حواء
وكانت صديقة سليمة الفطرة وهدتها سلامة فطرتها إلى معرفة الله عز وجل والإيمان به. فكانت أول امرأة آمنت بإبراهيم وصدقت برسالته بعد أمه ليونا وقد خرج إبراهيم من موطنه في أرض بابل بالعراق وبصحبته سارة بنت هاران وابن أخيه لوط بعد
سنوات طويلة من الدعوة إلى الله الواحد الأحد ومحاربة الشرك والكفر وعبادة الأصنام
والأوثان والكواكب, وبعد أن تعرض للتعذيب والإلقاء في النار, وحين خرج متوجها إلى
أرض حوران في بلاد الشام لم يكن معه إلا قليل من المؤمنين
تزوج إبراهيم من سارة بنت هاران بوحي من الله عز وجل, واشتغل بالتجارة فصار عنده
مال عظيم ثم تعرضت بلاد الشام للجفاف والقحط فقرر إبراهيم عليه السلام أن يشد
الرحال إلى مصر لعله يجد فيها أرضا خصبة ترعى فيها أنعامه وتروج تجارته, وهناك تعرض
لاختبار وفتنة قاسيين ومحنة تحولت بفضل الله تعالى إلى منحة
كانت سارة ذات حسن وجمال حتى أنه لم يكن في زمانها أجمل منها, فلما
دخل بها إلى أرض مصر قيل له: يا إبراهيم إن بمصر ملكا جبارا يحب النساء, وكان من
عادته إذا سمع بامرأة جميلة يتزوج بها قهرا, وكان اسم الملك طوطيس, وكان من عادة
الملوك السابقة أن يسكنوا في مدينة يقال لها منوف, وكان له حراس يقيمون على الطرقات
ليأخذوا العادة من المسافرين وكان إبراهيم قد وضع زوجته سارة في صندوق ليخفيها عن
الملك, فلما صار إبراهيم بين أيدي الحراس وأرادوا فتح الصندوق ليروا ما فيه، ولم
يقدر إبراهيم على منعهم ففتحوه فإذا بسارة في الصندوق , فحملوها إلى الملك فقال: من
هذه المرأة يا إبراهيم؟ فقال: هي أختي وعني أنها أخته في الخلقة فقال الملك
زوجني إياها, فقال: إنها متزوجة فأخذها الملك قهرا,
فرفع الله تعالى الحجاب عن بصر إبراهيم حتى إنها لم تغب عن معاينته ليطمئن قلبه إذا
رجعت إليه, فلما دنا الملك منها وأراد أن يتناولها يبست يده, ثم تاب فانطلقت يده
ثم عاد فمد يده ثانية فيبست يده ورجله فعاد, وقيل إنه تاب وعاد سبع مرات إلى أن تاب
توبة صادقة, كل ذلك وإبراهيم ينظر، وقد كشف الله الحجاب عن بصره, فدعا الملك يا
إبراهيم وأحضروه وكرمه وأعطاه زوجته ووهبه جارية تسمى هاجر فتزوجها إبراهيم عليه
الصلاة والسلام. وخرج إبراهيم من مصر يريد الشام فأقام عند قوم بواد يقال له
وادي السبع فأوسع الله عليه الرزق من المال والمواشي
وقد أثنى الله عز وجل عليها, وبشرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, فلا يمكن أن تكون غارت من هاجر فكيف يتأتى منها
ولئن كانت ثمة غيرة فهي من نوع الغيرة المحمودة أو الغبطة التي تعني تمني أن يكون
لدى الإنسان مثلما لدى الغير. والأبناء هم أحب ما يشتهى ويتمنى, ولقد كانت الذرية
الصالحة مطلب الأنبياء، وطبيعي أن تكون مطلب زوجات الأنبياء , وكان طبيعيا أن تتمنى
سارة أن يكون لها ولد من نبي الله إبراهيم عليه السلام, وكان طبيعيا أن تزداد هذه
الرغبة وتتضاعف هذه الأمنية بعد أن أنجبت هاجر ولدا هو إسماعيل عليه السلام, وكانت
سارة تعاني من العقم الذي منعها من أن تمارس غريزة الأمومة وتضاعفت معاناتها مع تقدمها في السن, ولكنها كانت من الصابرين فقد عاشت حياتها مع
الخليل إبراهيم عليه السلام وهي صابرة محتسبة, وجاء الوقت الذي قدره الله عز وجل
لكي تنال جائزة صبرها واحتسابها, فقد أصاب إبراهيم ثراء عظيما
وقيل إنه كان أغنى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في المعيشة, وكان لا يأكل إلا
مع الأضياف. وكان إذا أمسى المساء ولم يكن عنده ضيف مشى الميل والميلين ليجد من
يأكل معه
لقد كانت قصة سارة بنت هاران حافلة بالاختبارات عاطرة بالعبر والمواعظ, اختبار
الدعوة والإيمان بالله الواحد الأحد وسط مناخ عام من الشرك وعبادة الكواكب والأصنام
والأوثان, واختبار العقم في أوساط تعتبره معرة وسبة في وجه المرأة وابتلاء الرحيل
والهجرة والتعرض لطمع ملك طاغية جبار يطمع في كل امرأة جميلة, وكان الله عز وجل
معها في كل موضع فقد نصر دعوته وأعز نبيه, ونجاها من الملك الجبار, ومنّ عليها
بالذرية الصالحة جزاء وفاقا على إيمانها وصلاحها وصبرها واحتسابها .