ومع الأيام الأولى من الفتح الإسلامي ، شهد المسجد الأقصى أعمال حفر قام بها الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه في القدس عام 15 هـ ، 636 م باحثا عن أساس موقع المسجد الأقصى والصخرة المقدسة ، حيث كان الموقع مطمورا بالأتربة التي تكاد تخفي معالمه ، وعند رفع الأتربة كان المكان خاليا تماما من بقايا أي مبان سابقة ، وأمر الخليفة عمر بن الخطاب بإقامة مسجد بموضع المسجد الأول ، وأقام ظلة من الخشب فوق الصخرة المقدسة ، وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان تم بناء قبة الصخرة فوق الصخرة المقدسة عام 72 هـ 691 م ثم بنى الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 86 هـ ، 705 م .. ويتفق المؤرخون العرب على أن قصة بناء مسجد الصخرة بالقدس الشريف ، بدأ بدعوة المهندس العربي المقدسي ( يزيد بن سلام ) إلى مجلس الخليفة عبد الملك بن مروان في مدينة القدس ، وفاتحة الخليفة بما كان يشغل ذهنه في تلك الأيام من أمور العمران ، وكان من رأي " يزيد بن سلام " أن السبيل إلى ذلك هو الاهتمام بالمكان الذي أسرى الله فيه بعبده من المسجد الحرام .. وأقر الخليفة الأموي الرأي وأمر ببناء مسجد الصخرة بالقدس الشريف ، ولم يناقش في النواحي الفنية التي يستلزمها ويتطلبها مثل ذلك المشروع الضخم ، ولكنه أفاض في ذكر الاهتمام بالمقدسات وحفظ تراثها من الضياع ، وأمر برصد خراج مصر لسبع سنين في سبيل بناء مسجد الصخرة في القدس .. ويقول يزيد بن سلام : " وسخاء منا في بذل كل جهد فإني باحث عن عالم رقيق يضع خبرته مع خبرتي وتكمل علومه ، وأني سمعت عن عالم عربي علا صيته وارتفع ذكره في مدينة بيسان اسمه ( رجاء حياة الكندي ) وإني مرسل رسولا إليه للمثول بين يدي الخليفة .. " وبدأ المهندسان يشرفان على بناء مسجد الصخرة ، وفرغا من درة فنية رائعة يتجلى فيما كل ما أحدثته الهندسة العربية والذوق العربي ، وجاء أحد المختصين بنفقات المشروع ينبئ الخليفة عبد الملك ، بأنه بقى من المبالغ المخصصة لبناء المسجد مائة ألف دينار .. قال الخليفة : فلتمنح كاملة إلى يزيد ورجاء ، ولكن يزيد ورجاء رفضا المنحة قائلين : " نحن أولى أن نزيد المسجد من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا ، فاصرفها في أحب الأشياء إليك " .. فأمر الخليفة عبد الملك أن تسبك ذهبا وتفرغ على القبة والأبواب
يقول كل من ( الطبري جـ1 ص 242 ، البلاذري ص 141 ـ ابن عساكر في " الجامع المستقصي في فضائل الجامع الأقصى " ص 282 ، إبن هشام في " السيرة " جـ1 ص 311 ، المقدسي في " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم " ص 72 ) أن أول من بنى المسجد الأقصى في الإسلام هو الخليفة عمر بن الخطاب سنة 15 هـ ، بجوار الصخرة المقدسة ، فقد أقام مسجدا متواضعا وصغيرا في الجزء الجنوبي من الحرم القدسي بالقرب من المكان الذي يقال أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ربط به البراق قبل أن يعرج به إلى السموات العلا .. وفي العصر الأموي اتفق كثير من المؤرخين مثل المقدسي ، وابن عساكر ، وأبو المحاسن بن تغري بردي ، ومجير الدين العليمي ، على ان الخليفة عبد الملك بن مروان هو الذي بنى المسجد الأقصى ، ويرى إبن البطريق ، وإبن الفقيه ، والعالم الأثري كريسول ، أن الذي أقام المبنى الثاني للمسجد الأقصى ليس عبد الملك بن مروان ولكنه إبنه الوليد بن عبد الملك .. ويوفق صاحب كتاب " إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى " بين الرأيين ، فيقول السيوطي ، أن عبد الملك بن مروان أمر ببناء مسجد بجوار مبنى عمر بن الخطاب ، ولكن البناء لم يتم إلا في عهد ولده الوليد بن عبد الملك .. وقال القرطبي : إن من أبواب الأقصى : باب داود ، وباب سليمان ، وباب حطة ، وباب محمد عليه الصلاة والسلام ، وباب التوبة الذي تاب الله عز وجل على داود فيه ، وباب الرحمة ، وأبواب الأسباط ستة أبواب ، وباب الوليد ، وباب الهاشمي ، وباب الخضر ، وباب السكينة ، وكان فيه من العمد ستمائة عمود من رخام ، وفيه من المحاريب سبعة ، ومن السلاسل للقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر ، منها مائتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد الأقصى والباقي في قية الصخرة الشريفة ، وذرع السلاسل أربعة آلاف ذراع ، ووزنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي ، وفيه من القناديل خمسة آلاف قنديل ، وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة وفي ليلة النصف من رجب وشعبان ورمضان وفي ليلتي العيدين ، وفيه من القباب خمسة عشر قبة سوى قبة الصخرة ، وعلى سطح المسجد من شقف الرصاص سبعة آلاف شقفة وسبعمائة ، ووزن الشقفة سبعون رطلا بالشامي غير الذي على قبة الصخرة ، وكل ذلك عمل في أيام عبد الملك بن مروان ، ورتب له من الخدم القوام ثلثمائة خادم اشتريت له من خمس بيت المال ، كلما مات منهم واحد قام مكانه ولده أو ولد ولده أو من أهلهم ، يجري عليهم ذلك أبدا ما تناسلوا ، وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجا كبارا ، وفيه من المنابر أربعة ، ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد ، وواحدة على باب الأسباط ..
وفي العصر العباسي حدث زلزال في عصر الخليفة أبي جعفر عبد الله المنصور أصاب المسجد بتلف ، وأمر الخليفة بإصلاحه ، كما حدث زلزال آخر في عهد الخليفة محمد أبو عبدالله المهدي الذي ذهب إلى بيت المقدس سنة 163هـ وأعاد بناء ما دمره الزلزال في المسجد .. وفي العصر الفاطمي تعرض المسجد أيضا لتلف نتيجة لحدوث زلزال عنيف ، فقام الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بترميم ما تلف منه .. وجدد السلطان الظاهر بيبرس ما كان قد تهدم من أبنية الحرم الشريف 1262 م .. وفي زمن الخلافة العثمانية أجرى السلطان عثمان خان الثالث ، ومحمود الثاني ، وعبد العزيز ، إصلاحات وترميمات عامة إمتدت من عام 1752 م إلى 1874 م .. وبدأت مرحلة ثانية من عمليات الصيانة والترميم سنة 1938 استمرت 5 سنوات ، كما رمم المسجد للمرة الثالثة بعد ذلك وقامت مصر بتحمل النفقات جميعها ، وفي سنة 1952 ، وما بعدها ، اشتركت دول عربية في عمليات الصيانة والترميم .
تبلغ مساحة المسجد الأقصى نحو سدس مساحة القدس المسورة ، وهو على شكل مضلع غير منتظم ، طول ضلعه الغربي 491 مترا ، والشرقي 462 مترا ، والشمالي 310 مترا ، والجنوبي 281 متر ، وهذه الحدود لم تتغير منذ وضع المسجد أول مرة كمكان للصلاة ، بخلاف المسجد الحرام والمسجد النبوي اللذان تم توسيعهما عدة مرات ، والمسجد الأقصى ، هو اسم لكل ما دار حول السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة القديمة المسورة ، واسم المسجد يطلق على الساحة كلها .. ويعد كل من مسجد قبة الصخرة والجامع القبلي من أشهر معالم المسجد الأقصى التي يصل عددها إلى 200 معلم ، وتقع قبة الصخرة وسط الحرم القدسي ، وشيدت هذه القبة للحفاظ على الصخرة المقدسة من العوامل الجوية المتغيرة ، سنة 72 هـ ، وتتكون قبة الصخرة من بناء ضخم ، يشتمل على مثمن خارجي ، ثم مثمن داخلي ، وثالث اسطواني داخلي ، وتتكون جدران المثمن الخارجي من ثمانية أضلاع ، طول الضلع 20.6 مترا وارتفاع الجدران 9.5 مترا وسمكها 2 متر ، ويبلغ عدد النوافذ في الجدران الخارجية لمسجد قبة الصخرة ، ستا وخمسين نافذة ، أربعون منها مفتوحة ، وست عشرة مصمته ، وقد سقطت القبة سنة 407 هـ بسبب الزلزال في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بامر الله ، وأعيد تشييدها سنة 410 هـ ، وسقطت مرة اخرى سنة 852 هـ 1448 م بعد أن أصابها حريق وأعيد بناؤها ، ثم سقطت في العصر العثماني ، وأيضا في العصر الحديث ، وتقع الصخرة المقدسة أسفل القبة ، ويبلغ قياسها 18 مترا من الشمال للجنوب ، و13 مترا من الشرق للغرب ، وأقصى ارتفاع لها يبلغ 1.5 متر ، ويحيط بها سياج من خشب الخرط ، أمر بصنعه السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 725 هـ في فترة حكمه الثالثة .. والمسجد الأقصى يقع في الجزء الجنوبي من الساحة الكبيرة ، وله أربعة مآذن هي : مئذنة باب المغاربة الواقعة في الجنوب الغربي ، ومئذنة باب السلسة الواقعة في الجهة الغربية ، ومئذنة باب الغوانمة الواقعة في الشمال الغربي ، ومئذنة باب الأسباط الواقعة في الجهة الشمالية
ومن الذين تحدثوا عن إنشاءات المسجد الأقصى وترميماته ( غورستاف لوبون ) في كتابه ( حضارة العرب ) وذكر أنه هدمه الزلزال وجدد بناؤه في سنة 785 م ، كما رممه صلاح الدين في سنة 583 هـ الموافق 1187 م ، ثم جدد في القرن الخامس عشر بعض أجزائه .. ويقول "غورستاف لوبون" : يشتمل المسجد الأقصى على أعمدة أخذت من مبان كثيرة ، ونرجح أن صحونه المركزية التي هي على الطراز البزنطي ، أنشئت في القرن السابع ، ويحتوي المسجد الأقصى على محراب أنيق بالفسيفساء ، وتدل كتابته على أن صلاح الدين هو الذي أنشأه ، ويعود زجاج نوافذه التي تعلو محرابه إلى القرن السادس عشر من الميلاد . ويرى في جانبي المسجد الأقصى كوتان طريفتان للصلاة إحداهما ذات أعمدة مبرومة وحنايا مصنوعة على رسم البيكارين ، وتدعي محراب " عمر" على زعم أن عمر صلى فيه ، وتدعي الأخرى محراب " زكريا " عادة .. وعن أسماء المسجد الأقصى يقول السيوطي في كتاب " إتحاف الأخصا في فضائل المسجد الأقصى " نقلا عن صاحب " إعلام الساجد بأحكام المساجد" ، أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ، وجمعت في ذلك سبعة عشر إسما وهي من النفايس المهمة : المسجد الأقصى ، وسمى الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغي بها الأجر من المسجد الحرام ، وقيل لأنه ليس وراه موضع عبادة ، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث ، وروى أن عبد الله بن سلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما تلى قوله تعالى : ( إلى المسجد الأقصى ) ولم سماه الأقصى ؟ قال لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئا ولا ينقص . قال صدقت .. وبمعنى ( الأقصى ) تضاف كلمة ( مسجد ) إلى أكثر أسماء القدس ، فيقال مثلا مسجد إيلياء ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد القدس ، والمعنى هو ( الأقصى )
والقراءة الأولى للمصادر والحقائق التاريخية ، تسجل مكانة وقدسية المسجد الأقصى في العقل والضمير والوجدان العربي والإسلامي .. وهي " قدسية " تلامس جغرافية وتاريخ الموقع ، ومنذ بشائر الرسالات السماوية الأولى بعد أن وطأ آدم بقدمه على الأرض ، ثم ترسخت مع الزمن بشواهد ووقائع وأحداث لها دلالاتها وأحكامها ومعانيها على مسار التاريخ ، وفوق الأرض التي بارك الله حولها .. والقراءة الثانية المتأنية تكشف بأن التربص بالمسجد الأقصى ، يفصح بعبارة صريحة وفعل مباشر ، بأن الأقصى هو العائق الوحيد أمام تحقيق نبؤات العقيدة بإعادة بناء هيكل سليمان ، تحقيقا للإستقراءات الوهمية للأساطير ، وتجسيدا للرغبة التي أعلن عنها " تيودور هرتزل " مبكرا بأنه " إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء ، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود ، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون !! " والرغبة لديهم محمومة ، ومنذ أن برزت طلائع الحركة الصهيونية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر ، وحين بدأت الأحلام تدفعها الأوهام باتجاه فلسطين ، وكانت هناك أصوات يهودية إرتفعت بالاعتراض ، ليس على مبدأ إغتصاب وطن آخر ، ولكن خشية تجاوز إرادة وموعد الرب !! وكان المشهد في ذلك التاريخ قد سجله اللورد " ليند ساي " وفي تقرير بعث به إلى رئيس وزراء بريطانيا " بالمرستون " عقب رحلاته إلى مصر والأراضي المقدسة في صيف 1840 " بأن اليهود عموما ، شيوخا وشبابا ، لا يعرفون ما فيه الكفاية عن فلسطين ، وليسوا واثقين من أن أحوالها تسمح لهم باستيطانها ، وهم في أغلبهم يعتبرون أن أرض صهيون الجديدة هي أمريكا وليست فلسطين ، وأن كثيرين من حاخامات اليهود أنفسهم ، على عكس أغنياء اليهود في أوروبا ، ليسوا متحمسين لعودة اليهود إلى فلسطين ، ومن منظورهم التوراني فإن هذه العودة لا يمكن أن تبدأ إلا بظهور المسيح المخلص الذي يتولى قيادة شعبه إلى هناك ، وهذا المسيح لم يظهر بعد !! " .. وحتى المنظور التوراتي سخر منه " إرنست بيفن " وزير الخارجية البريطاني عن حزب العمال 1946 في لقاء مع الزعيم الصهيوني " ناحوم جولدمان " بقوله : " قرأت التوراة جيدا ، ولم أجد فيها ما يشير إلى ضرورة أن يمتلك اليهود فلسطين !! "
وظهرت فيما بعد جماعات من رجال الدين اليهودي ، ضد المطامع الصهيونية في فلسطين ، منها جماعة " يهود ضد الصهيونية " وتعلن رفضها لإقامة دولة إسرائيل ، ولشعارات الدولة اليهودية التي تداعب مشاعر اليهود لتحقيق مطامع الصهيونية ، وأن الدين اليهودي برئ من الصهيونية .. وطائفة "ناطوري كارتا " وقد بدأت في الظهور لأول مرة في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين ، عندما اختارت مجموعة من يهود القدس المتدينين ، المعروفين باسم " الحريديم " ، هذا الاسم لهم " حراس مدينة القدس " في عريضة قدموها احتجاجا على الضرائب التي فرضها الزعماء الصهيونيون على يهود المدينة بزعم الدفاع عنهم ضد هجمات العرب ، وقالوا فيها إن الصهيونية هي التي تجلب عليهم عداء العرب ، وتحولت الطائفة بعد ذلك إلى واحدة من أشد الجماعات المناوئة للفكر الصهيوني وإنشاء دولة إسرائيل ، فهم يرون أنه من المحظور دينيا إقامة أي دولة لليهود قبل عودة " المسيا " أو المسيح الخاص بهم الذي ينتظرون قدومه ، ثم تعرضت الطائفة لفراغ خطير في قيادتها بعد فقدها اثنين من أكبر وأشهر قادتها ، وهما الحاخام " عمرام بلاو " والحاخام " أهارون كاتسنيلبوجن " خلال فترة السبعينيات ، وقد نتج عن هذا الفراغ في القيادة صراع على زعامة الطائفة ، وبدأ الجيل الأصغر يأخذ اتجاها أكثر تشددا
وهذه المحرمات المحظورات التي تؤمن بها تلك الطوائف والجماعات اليهودية ضد الصهيونية، ومطامعها التي تداعب مشاعر اليهود بأساطير تتعارض مع " المحظور دينيا " قبل ظهور المسيح المخلّص .. تقابلها أفكار متطرفة يؤمن بها اليمين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهؤلاء يرون أن العودة الثانية للمسيح حتمية بعد مرحلة من الحروب والكوارث الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية ، وهم يعتقدون أن المسيحيين المخلصين سيتم رفعهم في السماء مع المسيح وسوف يراقبون معه ـ عليه السلام ـ ما يحدث على الأرض ، وأنهم سيعودون معه باعتباره قائدهم العسكري يخوضون سويا معركة " هرمجيدون " ليهزموا أعداء الله ويحكموا الأرض لمدة ألف سنة يطلق عليها الألف السعيدة .. وتقول الكاتبة الأمريكية " جريس هالسيل " أن هؤلاء المنصرين التوراتيين نجحوا من خلال برامجهم التليفزيونية وكتبهم في إقامة ما يعرف باسم " حزام التوراة " في مجموعة ولايات الجنوب والوسط الأمريكي والتي يوجد بها ملايين المسيحيين المتشددين دينيا والمؤمنين بنبوءة "الهرمجيدون " وقرب نهاية العالم بعد أن أصبح مملوءا بالشر الذي يمهد الطريق أمام ظهور " المسيخ الدجال " وجيوش الشر ، وهو ما يفرض نزول المسيح المخلّص لحماية المسيحيين المؤمنين به .. وأن من واجبهم الإسراع بتهيئة الظروف لنزول المسيح ، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بدعم اليهود في إسرائيل ، والغريب أن هؤلاء المسيحيين الأمريكيين يعتقدون أن المسيح سيقضي على كل اليهود من أتباع المسيخ الدجال ، وبالتالي فإن دعمهم لإسرائيل ليس حبا في اليهود ، ولكن أساسا رغبة في تحقيق نبوءة الهرمجيدون ، وعودة المسيح المخلص ، وأن بعض أعضاء هذه الحركات يمولون العمليات الإرهابية اليهودية التي تستهدف نسف المسجد الأقصى ، من أجل بناء هيكل سليمان الثالث مكانه ، ورغم اتفاق اليهود والبروتستانت المتشددين على ضرورة هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، إلا أنهما يختلفان جذريا حول الهدف من وراء عملية الهدم هذه .. فاليهود يريدون هدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان مكانه تكريسا ليهودية دولة إسرائيل ، أما المسيحيون البروتستانت فيرون أن بناء الهيكل هو الشرط الأساسي لعودة المسيح ، ومن أجل تحقيق الهدف المشترك للطرفين ، فإن منظمة أمناء الهيكل اليهودية تحشد جهود اليهود والبروتستانت الأمريكيين من أجل هدم المسجد الأقصى ، وهذه المنظمة التي تمولها جماعات بروتستانتية أمريكية تضع العديد من السيناريوهات لاقتحام الأقصى وهدمه وهي تنتظر ساعة الصفر لاختيار إحداها وتنفيذ هذه المهمة الدينية المقدسة من وجهة نظرها !! وهي نفس الأفكار التي يؤمن بها أتباع مذهب ديني يعرف باسم " الإنبعاثية " أو " النشوي القصوى " أو " عودة المسيح الثانية " وأساس هذا المذهب يستند إلى أنه يجب إعادة جميع اليهود في العالم إلى إسرائيل ـ أرضهم التوراتية ـ من أجل عودة المسيح ، لأن هذه العودة تؤذن بنهاية العالم وإقامة ملكوت السماء والأرض ، وهذا مرهون باعتناق اليهود المسيحية ، والغريب في هذا المذهب أن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية ، لا يريدون من اليهود اعتناق المسيحية الآن ، ولكنهم يريدون منهم اعتناقها على يد المسيح عندما يهبط على الأرض واندلاع " معركة هرمجيدون " وصورة المسيح عند هذه الجماعات البروتستانتية المتطرفة عبارة عن جنرال تصطف النجوم على كتفيه ويحمل عدة صواريخ تحمل رؤوسا نووية ، في إشارة إلى اندلاع الحروب الذرية التي تسبق معركة هرمجيدون !! ويشير بحث للقس " رياض جرجور" الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط بعنوان " صهيو ـ مسيحية ـ أم صهيو ـ أمريكية " إلى أن معظم المسيحيين الأصوليين يعتقدون أن هناك سبع أحقاب زمنية تدل على تطور علاقة الله بالبشر ، حيث يمتحن الله الجنس البشري في إطاعة إرادته ، وأننا نعيش حاليا الحقبة السادسة ، وتنتهي بعودة المسيح لإقامة مملكته الألفية وهذه هي الحقبة السابعة ، ويرتكز أصحاب هذا المذهب الذي يسمى " القدرية " على أن النبوءات المتعلقة برجوع اليهود من الشتات إلى أرض الميعاد قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين .. ويقول القس " جرجور" أن هذا المذهب هو تحريف للمسيحية ، كما أنه أيديولوجيا سياسة عنصرية ، وأن هذا اليمين المسيحي من المعمدانيين الجنوبيين في الولايات المتحدة لا يمثل إلا نسبة ضئيلة تبلغ 16 % من عدد السكان في حين أن الكاثوليك يشكلون نسبة تقارب 24 % أما الطوائف البروتستانتية الأربع الكبرى غير المعمدانيين وهم المثوديست ، واللوثريون ، والمشيخيون والانجليكان ، فهم يشكلون 15 % من عدد السكان ، وهذه الطوائف الأربع إضافة إلى الكاثوليك والأرثوذكس متعاطفة عموما مع القضية الفلسطينية ، وأن ما يسمى بالصهيونية المسيحية لا تمت بصلة إلى المسيحية بجميع كنائسها وطوائفها ، وهي تشويه مشبوه الغايات لبعض ما جاء في أسفار الكتب المقدسة .
وعلى هذا النحو إختلطت الأساطير بالأوهام ، وتداخلت المعتقدات التوراتية ـ وبعضها غريب وبعضها مسل ـ مع السياسة ، واتصلت الدعاوى التبشيرية وتأويل أسفار الكتب المقدسة ، مع مخطط ( تدمير الأقصى وإقامة الهيكل ) ولم تكن اليهودية الصهيونية الأمريكية وحدها في التوجه عمليا بالدعم والتمويل للمساعدة في هدم الأقصى ، فقد كان الحلم مستقرا منذ البداية في التفكير الاستراتيجي للصهيونية ، بأن الوطن القومي لليهود في دولة إسرائيل الكبرى ، ولا وطن بدون القدس ، و لا " قدس يهودية " بدون الهيكل وإزالة كل شيء ليس مقدسا لليهود .. وهكذا راحت الخطوات تتسارع بعد احتلال القدس الشرقية 1967 على مسار التهويد ، وخلخلة بنيان المسجد ، وفي نفس السياق جرت وقائع تسجل تسلسلا لمسار يوميات الاعتداء على المسجد الأقصى ، واستباحة ساحاته ، واختراق باطن الأرض وشق الأنفاق وتفكيك الصخور .. وهي علامات ظاهرة على رغبة محمومة لتدمير الأقصى ، والأساطير والعقائد والنبؤات داعية وحامية لها ..
: وأمامنا موجز من يوميات الاستباحة وعلى سبيل المثال
7 /6 / 1967 م ، الجنرال موردخاي جور في سيارة نصف مجنزرة يستولى على الحرم الشريف في اليوم الثالث من بداية الحرب ..
• 15/ 6 / 1967 م ، الحاخام شلومو غورن " الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي " وخمسون من أتباعه يقيمون صلاة دينية في ساحة الحرم الشريف ..
• 19 / 12 / 1968 أدت جماعة من المتطرفين اليهود صلاة خاصة بعيد الأنوار في منطقة الحرم الشريف ..
• 21 / 8 / 1969 م ، اقتحم الإرهابي " دنيس دوهان " ساحات الحرم وتمكن من الوصول إلى المحراب وإضرام النار فيه ، في محاولة لتدمير المسجد ، وقد أتت النيران على مساحة واسعة منه ، إلا أن المواطنين العرب حالوا دون امتدادها إلى مختلف أنحاء المسجد الأقصى ..
• 11 / 3 / 1971 م ، وقعت أحداث شغب داخل منطقة الحرم عندما حاول طلاب يهود متطرفون برئاسة الحاخام غورشون سلمون رئيس جماعة ما يسمى ـ الأوفياء لجبل الهيكل ـ إقامة صلاة في ساحة الحرم ..
• 28/ 1 / 1976 م ، القاضية " دوث أود " من المحكمة المركزية الإسرائيلية ، تقرر أن لليهود الحق في الصلاة داخل الحرم الشريف ..
• 14 / 8 / 1979 م ، حاولت جماعة " غورشون سلمون " المتطرفة اقتحام المسجد ، إلا أن المواطنين الفلسطينيين تصدوا لهم وأفشلوا المحاولة ، ثم كرر المتطرف " مائير كهانا " وجماعته ، نفس المحاولة وبدعم قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية ، إلا أن أكثر من 20 ألف مواطن تصدوا لهم ، وخاضوا مواجهات ضارية للدفاع عن الحرم سقط خلالها العشرات من الجرحى ..
• 11 / 11 / 1979 ، أطلقت الشرطة الإسرائيلية وابلا كثيفا من الرصاص على المصلين المسلمين في باحة الأقصى ، مما أدى إلى إصابة العشرات منهم بجراح ..
• 13 / 1 / 1981 ، اقتحم أفراد حركة أمناء جبل الهيكل الحرم القدسي الشريف يرافقهم الحاخام " "موشى شيجل " ..
• 2/3/1982 ، قامت مجموعة من المتطرفين اليهود من مستوطني كريات أربع مزودة بالأسلحة النارية بمحاولة اقتحام المسجد الأقصى من باب السلسلة بعد أن اعتدت على الحارسين ..
• 11 / 4 / 1982 ، إعتداء آثم على المسجد الأقصى يقوم به أحد الجنود الإسرائيليين ويدعى "هاري جولدمان " ، قام باقتحام المسجد ، وأخذ يطلق النيران بشكل عشوائي ، مما أدى إلى استشهاد مواطنين ، وجرح أكثر من ستين آخرين ..
• 11 / 3 / 1983 ، محاولة نسف ثانية أعد لها (46) من الإسرائيليين قاموا بالتسلل إلى أسفل المسجد الأقصى من حفريات كانوا قد أعدوها مسبقا ، ويحملون مواد متفجرة تكفي لنسف جميع الأماكن المقدسة داخل الحرم ، وقد اكتشفهم حرس الأوقاف الإسلامية ..
• 26 / 1 / 1984 ، محاولة أخرى لنسف الحرم القدسي الشريف بما فيه من المسجدين الإسلاميين الكبيرين ، المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة ، من قبل جماعة من الجيش الإسرائيلي فروا لدى اكتشافهم من قبل حرس الحرم ، وتركوا وراءهم كميات من المتفجرات والأسلحة ..
• 8 / 10 / 1990 ، ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة داخل المسجد ، مما أدى إلى استشهاد 22 مصليا وإصابة أكثر من 200 بجراح ..
• 19 / 9 / 1990 ، قامت مجموعة من المتطرفين اليهود بجولة في ساحات المسجد الأقصى بمناسبة بدء السنة العبرية ، وقام أحد اليهود بالنفخ في البوق الذي كان بحوزته بالقرب من باب الرحمة ..
• 8 / 12 / 1990 ، سمحت الشرطة الإسرائيلية لعشرة متطرفين من أعضاء حركة كاخ العنصرية بالدخول إلى ساحة الحرم القدسي ، وقاموا باستعراض استفزازي ورددوا شعارات ضد العرب والمسلمين ..
11 / 6 / 1997 ، محاولة اقتحام المسجد الأقصى ..
• 14 / 6 / 1997 ، محاولة ثانية لاقتحام المسجد الأقصى ..
• 24 / 12 / 1997 ، محاولة مجموعتين من المتطرفين اليهود لاقتحام المسجد الأقصى عبر بوابتي السلسلة والأسباط ..
• 27 / 1 / 1999 ، كشف النقاب عن تخطيط أحد ناشطي اليمين الإسرائيلي " دميان فاكوبيتش " المتطرف حسب اعترافاته لتنفيذ عملية تفجير كبيرة تهدف إلى نسف المسجد الأقصى ..
• 2 / 10 / 1999 ، قيام ثلاث مجموعات من المستوطنين اليهود بمحاولتين لاقتحام ساحات المسجد الأقصى ، من ناحية سوق القطانين ، وقد أفشل الحراس هاتين المحاولتين ..
• 28 / 9 / 2001 م رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون يقتحم المسجد الأقصى وتندلع انتفاضة الأقصى ..
• بالإضافة إلى أكثر من 60 اعتداء وقعت على المسجد الأقصى المبارك خلال عام 2004 والاعتداءات تنوعت بين الاعتداء على الأقصى بشكل مباشر ، والاعتداء على المصلين الفلسطينيين وهم بداخله ..
• وقائع اليوميات تواصلت .. ومتواصلة حتى تاريخه ، ولا تتوقف كثيرا أمام حركة الإحتجاجات الفلسطينية والعربية والإسلامية ، أو أية قرارات إدانة برسم الشرعية الدولية !!
ومراجعة سريعة للمحاولات المستمرة لهدم المسجد الأقصى ، تكشف عن المراحل العشر للحفريات الأثرية التي قام بها اليهود وفي إطار التدمير المنظم للمسجد :
• المرحلة الأولى : بدأت بعد حرب 1967 بهدم وإزالة حيّ المغاربة ، وانتهت عام 1968 بالحفر على امتداد 70 مترا أسفل الحائط الجنوبي للحرم القدسي ، خلف قسم من جنوب المسجد الأقصى وأبنية جامع النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية الملاصقة له ، ووصل عمقها إلى14 مترا بهدف كشف مدافن ملوك إسرائيل في مدينة " داود " كما ادعوا ..
• والمرحلة الثانية : بدأت في عام 1969 وكانت على امتداد 80 مترا أخرى من سور الحرم الشريف ابتداء من نهاية المرحلة السابقة ، ومتجها شمالا حتى أحد أبواب الحرم الشريف ( باب المغاربة ) مارا تحت مجموعة من الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية ، وأسفرت عن تصدع 14 مبنى أزالتها الجرافات الإسرائيلية وأجلت سكانها بتاريخ 14/6/1969 وأقامت فوق أنقاضها المدارس اليهودية والفنادق .. وفي نفس العام تم حرق المسجد الأقصى ( 21 أغسطس 1969 ) ..
• المرحلة الثالثة : من عام 1970 حتى 1972 وامتدت من مكان يقع أسفل عمارة المحكمة الشرعية القديمة وهي أقدم الأبنية التاريخية بالقدس ، مرورا شمالا بأسفل خمسة أبواب للحرم الشريف وهي ( باب السلسلة ، المطهرة ، القطانين ، وباب علاء الدين البصيري ) وامتدت 180 مترا بعمق ما بين 10 و14 مترا ، وتسببت في هدم عدد من الآثار الإسلامية منها الجامع العثماني ، ورباط الأكراد ، والمدرسة الجوهرية ..
• والمرحلة الرابعة : بدأت عام 1973 خلف الحائط الجنوبي الممتد من أسفل القسم الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى وسور الحرم الشريف وممتدة 80 مترا إلى الشرق واخترقت الحائط الجنوبي للحرم القدسي ودخلت منه للأروقة السفلية للمسجد المبارك وللحرم في 4 مواقع أسفل محراب المسجد الأقصى وجامع عمر وأصبحت تعرض السور والمسجد الأقصى لخطر الانهيار..
• المرحلة الخامسة : تضمنت توسيع الحفريات تحت الجدار الغربي عام 1974 ..
• وبدأت المرحلة السادسة عام 1975 ـ 1976 بين باب السيدة مريم ،والزاوية الشمالية الشرقية من سور المدينة ، وأزالوا مقابر للمسلمين تضم رفات الصحابيين الجليلين ( عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ) رضى الله عنهما ، لتوسيع الحفريات تحت الجدار الغربي ..
• وقد مهدت للمرحلة السابعة اللجنة الوزارية الإسرائيلية بتاريخ 15 / 6 / 1977 بموافقتها على مشروع لتوسيع ساحة البراق الشريف والتي يسمونها ساحة المبكى وهي الملاصقة للحائط الغربي للمسجد الأقصى والحرم الشريف ، وهدمت الجرافات 200 عقار عربي إسلامي وشردوا 800 من سكان المكان .. ووصلت الحفريات عام 1977 إلى مسجد النساء داخل المسجد الأقصى ..
• المرحلة الثامنة : بدأت عام 1979 وتجددت فيها الحفريات خلف جدران المسجد الأقصى وجنوبها ، وهي استئناف للمرحلتين الخامسة والسادسة .. وشهدت شق نفق واسع يخترق المسجد من شرقه إلى غربه ومحصن بالأسمنت المسلح ، كما افتتح الرئيس الإسرائيلي ورئيس وزراؤه رسميا كنيسا يهوديا صغيرا ..
• واخترقت المرحلة التاسعة ـ وبدأت عام 1986 ـ الحائط الغربي للحرم الشريف وأعادت فتح نفق اكتشفه الكولونيل الإنجليزي " تشارلز وارين " بين باب الحرم المسمى باب السلسلة وباب القطانين ، وتوغلت أسفل ساحة الحرم من الداخل بامتداد 25 مترا شرقا وعرض 6 أمتار ووصلت أسفل سبيل قايتباي ، وأدت هذه الحفريات إلى تصدع الأروقة الغربية الواقعة بين بابي السلسلة والقطانين ..
• المرحلة العاشرة : بدأت عام 1988 ( وهي المرحلة التي نشهدها حاليا ) وهي أخطر مراحل الحفر ، وتهدف لتفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة لترك المسجدين قائمين على فراغ ليكونا عرضه للانهيار بفعل أي تقلبات مناخية أو اهتزازات طبيعية أو حتى صوت عال تسببه طائرة تخترق حاجز الصوت !!
وما يجرى لايتم في الخفاء ، ولايتوقف باحتجاج ، أو إدانة ، أو قرارات الشرعية الدولية ، وكأنهم على ثقة من أن الفرصة واللحظة المناسبة قد جاءت تضيئها رؤى أنبياء إسرائيل !! والقضية الكبرى أن تنفيذ المخطط يجرى وكأن العالم العربي والإسلامي ليس واعيا لها ، وحتى في لحظات الوعي فهو يبدو وكأنه غير قادر على مواجهتها ، وكأنهم شبه عراة من كل الوسائل اللازمة لحماية المسجد الأقصى !!