القاهرة 07 يوليو 2014 الساعة 12:47 م
بعد وفاة أبى ، منحنى عمى الحاج متولى مبلغًاكبيرًا ، ملأتُ به محل البقالة بالبضاعة ، وطلبتُ من زوجة أبى أن تديرالمحل وتحافظعليه ، لأنه مصدررزقها هى وأولادها. وبعد عشرات السنين من هذا اليوم ، أعترف بأنأنانيتى (بسبب تفرغى للقراءة والكتابة) اشتركت مع طبيعة زوجة أبى العقليةوالنفسية. فهى تجسيد حى للإهمال واللامبالاة وعدم إدراك صعوبة موقفها وعدم الإحساس بالمسئولية. إذْ بعد أقل منعام خلتْ رفوف المحل من البضاعة. وجلستْ زوجة أبى وأولادها يبيعون العيش والجاز،كما كان الوضع قبل وفاة أبى .
فى هذه الظروف طلب ابن عمى(م.م) أن يأخذ أختى (أ) معه الى (أبوظبى) أخبرتُ زوجة أبى برفضى. كان ابن عمىغيرمحبوب من العائلة كلها. وكانت شهرته لدى الجميع أن (مناخيره فى السما) وأنهمغرورويتعالى على فقراء العائلة وليست له أية علاقات اجتماعية بأحد منهم .
أحرجتنى زوجة أبى عندما قالتلابن عمى أننى غيرموافق ويجب الحصول على موافقتى .
أصرّ ابن عمى على مقابلتى. لمتفارق وجهه الابتسامة أثناء الحديث. كانت كلماته غاية فى اللطف والرقة. لدرجة أننىشككتُ فى (إدعاءات) الأسرة عن عجرفته. قال إن أختى ستكون فى عينيه. وأنها لن تكونأكثرمن (جليسة) لأطفاله أثناء غيابه هو وزوجته فى العمل. بدأت مقاومتى تنهارعندمافاجأنى قائلا ((اقنعنى بسبب واحد يخليك ترفض فرصه زى دى لأختك)) قلت ((أختى وماأقدرش استحمل فراقها)) ابتسم وقال ((دى بقى اللى بيسموها رومانسيه بتاعة الكتاباللى زيك)) يبدو أنه قد أدرك ضعف حجتى فقال وهو يُجهزعلى مقاومتى الأخيرة ((وماتنساش إن المرتب اللى ح تاخده أختك فى نهاية السنة ، ح يساعدها فى جوازها)) .
بعد عام عاد ابن عمى إلى مصر فىإجازته السنوية. وجاءت أختى بلا نقود وبلا هدايا عكس ما كنا نتوقع. حكت لى وهى لا تكفعن البكاء عن معاملة زوجته لها. وأنها تطلب منها القيام بكل الأعمال التى تقوم بهاأية (خدامه) وعندما قالت لها أختى أن ابن عمى الأستاذ (م.م) قال إننى ح أكون(جليسة) للأطفال ، ضحكت بسخرية وقالت لأختى ((ما تقوليش ابن عمى. إنت هنا خدامهوبس. فاهمه)) وقالت أختى أن السنة التى قضتها مع ابن عمها كانت أسوأ سنة فىحياتها. وأنه لم يتدخل – ولو مرة واحدة – لينصفها من قسوة زوجته وإصرارها على أنهامجرد (خدامه) .
حرّضتنى الأسرة على ضرورة مقابلة ابن عمى للحصولعلى مستحقات أختى المالية. كان الوجه غيرالوجه. واللغة غيراللغة. قال بحسم ((أختكما لهاش ولامليم عندى)) ذكّرته بالإتفاق الذى بيننا. وبحقها المالى نتيجة مجهودسنة. انشغل عنى بأن أمسك سماعة التليفون وطلب رقمًا. إمتدتْ المكالمة لعدة دقائق.تأملتُ إتساع المكان والسلم الداخلى للشقة والديكورواللوحات المعلقة. نظر إلىّوقال ((ما تتعبش نفسك يا طلعت. أختك ما لهاش حاجه عندى)) حدّثتنى نفسى بأنه لابدمن الهجوم طالما أنه بهذا القدر من بلادة المشاعرفقلت ((يعنى إنت ضميرك مستريح لماتاكل عرقها)) انفعل وقال ((أختك خدت حقها وزياده)) قلت ((إزاى وهىّ زى ما راحت زىما رجعت بالجلابيه اللى عليها ؟)) قال ((إسألها عن الأطباق والكبايات والفضياتاللى كسرتها. وعن الخساير اللى سببتها. وصراخها فى وش المدام. ولازم تشكرنى إنتوهىّ وأمها. لإنى لولا إنها بنت عمى كنت سلمتها للشرطه هناك)) كان ينظر فى ساعتهكثيرًا فكنتُ أفعل مثله. كانت الرسالة أن المقالبة انتهت. وعندما وقفتُ للانصراف ،لا أعرف لماذا ابتسم لأول مرة منذ بداية المقابلة وقال ((أقعد إشرب الشاى)) لم أجدكلمة أقولها أو فعل أفعله غير أن أخرج دون تحية .
رغم عشرات السنين التى مرّت علىهذا اليوم ، لا أنسى أن ساقىّ كانتا غيرقادرتين على حملى. وكانت جملته الأخيرة بعدأكثر من ساعة من بداية الزيارة ((أقعد إشرب الشاى)) مفتاحًا لكل شىء. واقتنعتُ بماكان يقوله كل أفراد العائلة عنه ، وكنتُ أرفض تصديقهم .