القاهرة 06 يوليو 2014 الساعة 01:53 م
أعلن الرئيس الصيني شى جينبينج في 14 سبتمبر 2013 أثناء زيارته كازاخستان مبادرته حول ضرورة إحياء طريق الحرير وتطويره بحزام اقتصادي ليكون أداة ربط بين الدول وكرر المبادرة في أثناء زيارته لاندونيسيا في أكتوبر 2013 وفي هذا الإطار عقدت العديد من الندوات والمؤتمرات في الصين التي شارك فيها خبراء من مختلف التخصصات ومن العديد من الدول.
وكانت الندوة الأكاديمية الدولية التي عقدت في مدينة اورومتشى عاصمة شينجيانج ذات الحكم الذاتي لقومية اليوجور في الفترة من 23-27 يونيه 2013 وشارك فيها ثمانون خبيراً وباحثاً في الشؤون الصينية من 23 دولة وكان نصف الخبراء من الصين والنصف الأخر من الدول الأجنبية التي من بينها : دول أسيا الوسطى والاتحاد الروسي وبيلروسيا وتركيا وإيران والهند وباكستان ومصر وانقسمت أعمال الندوة إلى قسمين رئيسين متكاملين أولهما القيام بزيارات ميدانية لبعض المدن في المقاطعة ذات الصلة بطريق الحرير وتطويره اقتصاديا وأهمها مدينة اورمنشى العاصمة ومدينه كاشجار ومدينة توربان الثاني هو النقاش المتعمق من الخبراء على مدى يومين 26-27 يونيه حيث نظمت أعمال الندوة في ثلاث لغات الصينية والروسية والانجليزية فعرض كل باحث دراسته في عشر دقائق وتلى ذلك مناقشات حول الآراء التي طرحت وعقدت كل مجموعة علمية خمس جلسات عمل استمرت من التاسعة صباحا حتى السابعة مساء مع تخلل الجلسات استراحات قصيرة.
وسارت التقاليد الصينية على أن يترأس كل جلسة رئيسان أحداهما صيني والثاني أجنبي حيث يتناوبان إدارة الجلسة وذلك بالإضافة إلى تقديم كل باحث نبذة مختصرة عن أفكاره حول الموضوع وتصوراته حول كيفية تطبيقه.
ونسوق في هذا المجال مجموعة من الملاحظات ذات الطبيعة العامة نظرا لأنه من الصعب عمل عرض تفصيلي لمثل هذا الكم من النقاش والبحوث.
الملاحظة الأولى : تتعلق بافتتاح الندوة وقد افتتحها سكرتير عام الحزب الشيوعي في إقليم شينابنج وتحدث فيها رئيس مكتب الدولة للإعلام (وزير الإعلام) ورئيس مجموعة النشر الصينية وهو بدرجة نائب وزير كما تحدث فيها نائب وزير الاقتصاد والتعاون الدولي، ونائب لجنة الإصلاح الاقتصادي في الصين، وهي لجنة تابعة لمجلس الدولة ( مجلس الوزراء) حيث استعرض كل متحدث وجهة نظره.
ابرز كل من أمين عام الحزب الشيوعي في سينجيانج الفكرة وأهميتها للإقليم الذي له تاريخ عريق في اتصاله بطريق الحرير والذي تمثل كل مدنه نقاط انطلاق لهذا الطريق كما يمكن ان تمثل قوة جذب للاستثمار، وذلك من خلال عملية التطور والتنمية التي انطلقت في الإقليم منذ مبادرة الرئيس الصيني وذلك لتحويل الإقليم إلى قوة محورية في مبادرة طريق الحرير لأربعة اعتبارات : أولها إنه يمثل سدس مساحة الصين رغم أن عدد سكان محدود فهم أكثر قليلا من 23 مليون نسمه ثانيها إن الإقليم يتمتع بمزايا اقتصادية ففيه آبار للنفط والغاز وفيه إمكانيات زراعية كبيرة وبعض المؤسسات الصناعية الكبرى مثل صناعة السيارات والشاحنات الكبرى وغيرها ثالثها إن الإقليم لديه إمكانيات سياحية واعدة ورابعها ارتباط الإقليم تاريخيا وحضاريا بطريق الحرير. فالسكان خليط فسيفسائي من اليوجور اكبر القوميات ثم الهان القومية الثانية والخوى القومية الثالثة في العدد وهناك الكازاك والاوزبك والطاجيك والمنغوليين وغيرهم من القوميات الصينية البالغ عددها 56 قومية بما في ذلك قومية الهان التي تشكل نسبة 92% تقريبا من عدد السكان في الصين الذي يربو على 1.3 مليار نسمة.
الملاحظة الثانية: إن إقليم شينجيانج هو إقليم حدودي وهو إقليم داخلي أي ليس له منفذ على البحار، ولكنه يمثل حلقة الوصل الإستراتيجية مع دول آسيا الوسطى ومن ثم فان استقرار تلك الدول او عدم استقرارها يؤثر على الإقليم من الناحية الأمنية.
الملاحظة الثالثة: إن إقليم شيجيانج به أغلبية مسلمة تزيد عن 11 مليون نسمة من اليوجور والخوى وهما اكبر قوميتان مسلمتين في الصين فضلا عن قوميات أخرى صغيرة. أما قومية الهان فتمثل 39.2% من القوميتين الكبيرتين اللتين تحددان مستقبل الإقليم الأمني والاقتصادي والوفاق السكاني والتناغم الاجتماعي.
الملاحظة الرابعة: إن مداولات الندوة كانت صريحة في تناول المبادرة ولم تكن هناك أي معارضة للمفهوم وأهميته ولكن كانت هناك تحفظات وشكوك في طبيعة المبادرة وكيفية تنفيذها ليس من قبل بعض الأكاديميين الصينيين فحسب بل وأيضا من قبل بعض دول آسيا الوسطى وروسيا وجنوب آسيا وذلك لان المبادرة طرحت كأفكار عامة تحتاج إلى آليات التنفيذ وتفاصيل للعمل وبلورة أكثر من وضوحا للمفهوم والدول التي تشارك فيه ولهذا كان بعض الباحثين حريصين على ان تكون بلادهم في مقدمة من تشملهم المبادرة مثل روسيا ودول آسيا الوسطى والى حد ما الهند. باعتبارها واقعة على طريق الحرير وصدرت السلع وايضا العقيدة البوذية للصين.
الملاحظة الخامسة : تتعلق بفلسفة المبادرة وهي تسعى لتغيير المفاهيم التقليدية في العلاقات الدولية وهي مفهوم الصراع، ومفهوم المصلحة الوطنية، ومفهوم الأمن الوطني. وتحويل ذلك لمفاهيم جديدة حيث يحل التناغم والتعاون محل الصراع، وتطوير مفهوم الأمن الوطني ليشمل السلام الإقليمي، وربما في مرحلة لاحقة السلام الدولي، وتركيزه على مفهوم القوة الناعمة بدلا من القوة الخشنة وهكذا تسعى الصين لإعادة إحياء مفاهيم عريقة من الحضارة الصينية وغرسها في الفكر السياسي الدولي المعاصر معتمدة في ذلك على عاملين الأول العامل الحضاري الصيني وإنبهار العالم بتلك الحضارة والثاني العامل المرتبط بمعدل التنمية السريع والمرتفع وهو ما أدى بكثير من الدول للترحيب بالتعاون مع الصين والتطلع للاستفادة من تجربتها والاستفادة مما لديها من فائض الأموال.
الملاحظة السادسة : تتصل بعامل التخوف من الصين حيث أشار بعض الباحثين لاحتمالات تحول الصين لقوة استعمارية جديدة وتخليها عما يسمى بالصعود السلمي للصين كذلك التخوف من اتخاذ مبادرة طريق الحرير كأداة للتغلغل والهيمنة على دول الجوار الإقليمي في آسيا الوسطى ومن ثم إضعاف دول أخرى في جنوب أسيا أو حتى في المنطقة في اليورو آسيوية.
الملاحظة السابعة: تتعلق بأهمية طريق الحرير للمنطقة العربية وهنا نجد أن طريقين هما طريق الحرير البحري الذي كان بمثابة رابط قوي بين الصين ودول مجلس التعاون ومصر حيث مر احد فروعه عبر سلطنة عمان والبحرين إلى العراق وإيران واتجه الأخر نحو اليمن والبحر الأحمر ومصر ثم إلى أوربا، أما طريق الحرير البري فقد سار عبر أسيا الوسطى وإيران وبلاد الرافدين وفرع منه إلى دمشق ثم الإسكندرية وفرع ثالث عبر أسيا الوسطى والأناضول إلى أوربا وهذا يجعل المنطقة العربية بوجها عام جزء لا يتجزأ من مبادرة طريق الحرير لانه سوف يفيدها ليس لتعزيز التجارة مع الصين فحسب بل وايضا جذب التكنولوجيا و الاستثمارات الصينية.
الملاحظة الثامنة: تتعلق بمصر ودورها فقد كانت الإسكندرية عاصمة الدولة البطلمية في القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت ميناء مهماً في العلاقات الصينية مع أوربا، كذلك في تبادل السلع بين مصر والصين، والآن يضاف لمكانة الإسكندرية مكانة قناة السويس في التجارة العالمية ومنها تجارة الصين مع أوروبا ومع دول حوض البحر المتوسط بوجه خاص، ولهذا فأنني أشرت في مداخلاتي لهذه الحقائق وللمشروع القومي الذي طرحته القيادة المصرية لتطوير محور قناة السويس ولإقامة ظهير بحري وآخر صحراوي للمحافظات المصرية المختلفة والصين لديها خبرة في مسائل الإنشاء والبناء وكذلك لديها تكنولوجية متقدمة في السكك الحديدة والقطارات فائقة السرعة كما إنها حريصة بوجه عام على نقل التكنولوجيا للدول النامية وتدريب الكوادر البشرية وهذه مسائل تهم مصر بوجه خاص في هذه المرحلة الدقيقة التي نعيشها.
الملاحظة التاسعة: تتصل بعلاقة الصين بمجلس التعاون وقد أشار عدد من المتحدثين الصينيين لتطلعهم لإتمام التفاوض على إقامة منطقة تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون تأكيداً للعلاقات الوثيقة بين الطرفين.
الملاحظة العاشرة: منهج الصين في التفكير المستقبلي وبناء النموذج وهو منهج يقوم على إطلاق الأفكار العامة ثم تدور حولها مناقشات عديدة تبحث الموضوع من مختلف جوانبه ومن ثم ترفع تقارير عنه للقيادة لاتخاذ القرار بشأن القضية موضع البحث وتنفيذه جزئيا أو تدريجيا فإذا ثبتت صلاحيته يتم التوسع في التطبيق.