القاهرة 06 يوليو 2014 الساعة 01:20 م
لا يمكن الحديث عن سارة بنت هارون زوجة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام من دون
الحديث عن هاجر زوجة إبراهيم أيضا وأم نبي الله إسماعيل عليه السلام, فقصة كلا
المرأتين متصلة اتصالاً وثيقاً بقصة الأخرى, وكلتاهما على صلة بقصة إبراهيم عليه
السلام وسيرته الشخصية ودعوته إلى الله عز وجل
كان إهداء هاجر من قبل الطاغية الجبار فرعون بعد توبته إلى سارة وإهداء هاجر من
سارة لإبراهيم عليه السلام وزواجه منها وهجرته بها من الشام إلى مكة وتركها وابنها
الرضيع إسماعيل في الوادي غير ذي الزرع، فصلاً في رحلة إبراهيم عليه السلام مع
الدعوة, واختباراً للطاعة والصبر والامتثال، ودروساً وعظات لكل من يريد أن يعتبر
إن فكرة الهجرة من الشام حيث كان إبراهيم وأهله يعيشون في رغد من العيش إلى ذلك
المكان المقفر الخالي من الزرع والماء والبشر لا يمكن أن يكون اختيارا بشريا وإنما
بوحي, وترك الزوجة وابنها الرضيع في هذا المكان لا يمكن أن يكون إلا اختبارا لعزيمة
الأنبياء، وامتحانا للطاعة، وتربية للنفس، ومجاهدة لعوامل الضعف البشري.
وقد أطاعت هاجر إبراهيم حين حملها وابنها من الشام, وأطاعته حين تركهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله الحرام فأنزل الله بركته عليها وعلى ابنها وذريته
وفي بداية رحلة العودة تاركا زوجه وفلذة كبده وابنه الوحيد في ذلك الوقت في هذا
المكان القفر توجه إلى الله وهو يلهج بالدعاء.
وسجل القرآن الكريم هذه المنحة في قول الله عز وجل: “وَقَالَ إِني ذَاهِبٌ إِلَى
رَبي سَيَهْدِينِ، رَب هَبْ لِي مِنَ الصالِحِينَ، فَبَشرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ،فلما
بَلَغَ مَعَهُ السعْيَ قَالَ يَا بُنَي إِني أَرَى فِي الْمَنَامِ أَني
أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصابِرِينَ. فَلَما أَسْلَمَا وَتَلهُ
لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدقْتَ الرؤْيَا إِنا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِن هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ،
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ” (الصافات 99- 111).
وفي مستهل شبابه تزوج إسماعيل عليه السلام فتاة من جرهم يقال لها صدا بنت سعد وجاء
إبراهيم عليه السلام إلى مكة ليزور زوجته وابنه, وحين ذهب إلى بيت ابنه سأل عنه فلم
يجده فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا رزقا، وسألها عن معيشتهم فقالت: نحن في
شر وضيق وشدة، فقال: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له أن يغير عتبة بيته
فلما عاد إسماعيل روت له ما حدث ووصفت له الشيخ الذي زارهم فقال: ذلك أبي وقد أمرني
أن أفارقك فالحقي بأهلك وطلقها
وتزوج إسماعيل فتاة أخرى قيل إنها عاتكة بنت عمرو الجرهمي وقيل إنها شاملة بنت
مهلهل, وجاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة للحج وزيارة زوجه وابنه، وذهب إلى بيت
إسماعيل فلم يجده فسأل زوجه عن أحوالهم قالت: نحن بخير وسعة وحمدت الله واثنت عليه،
فقال لها إبراهيم: إذا جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له يثبت عتبة بابه، فلما
عاد إسماعيل عليه السلام روت له ما حدث ووصفت له الشيخ، فقال: ذلك أبي وأنت العتبة
وقد أمرني أن أمسكك ولحق بأبيه حيث أديا معا مناسك الحج ثم عاد إبراهيم إلى حبرون
حيث يقيم مع زوجته سارة
وبعد عدة سنوات عاد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى مكة لمناسبة جليلة وأمر عظيم هو
بناء البيت الحرام, فالتقى بابنه إسماعيل وأخبره بهدف الزيارة، وتضافر الاثنان لرفع
قواعد البيت, فكان إسماعيل يحمل الأحجار التي جاء بها من عدة أماكن وإبراهيم يضعها
في مواضعها حتى أتما البناء وفي ذلك يقول الله عز وجل في كتابه العزيز “وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبنَا تَقَبلْ
مِنا إِنكَ أَنتَ السمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ
وَمِن ذُريتِنَا أُمةً مسْلِمَةً لكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا
إِنكَ أَنتَ التوابُ الرحِيمُ، رَبنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً منْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكيهِمْ إِنكَ
أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ” (البقرة: 127 -129
ويبلغ إسماعيل سن الأربعين ويبعثه الله عز وجل لنشر دينه ويقوم إسماعيل برحلات في
طول جزيرة العرب وعرضها لنشر الدين الحنيف, وإذ هو عائد من رحلة في جنوب شبه
الجزيرة ماتت هاجر ودفنت في الحجر بجوار الكعبة المشرفة بعد أن عاشت حياة حافلة بكل
ما يرضي الله عز وجل. رضي الله عنها وأرضاها
صلاح صيام
Salah_alwafd@yahoo.com