القاهرة 03 يوليو 2014 الساعة 01:26 م
فاز الكاتب فتحي خطاب بجائزة أفضل مقال صحفي حول قضايا المراةالعربية من مركز المرأة العربية بتونس .
وهي الجائزة الثالثة على التوالي من كلا من المركز والاتحاد الدوليللمراة ، ونشر المقال في مصر المحروسة بعنوان " نحن المواطنات والمواطنينلسنا سواء" !!
ونعيد نشر هذا المقال احتفالابالزميل فتحي خطاب .
نحن المواطنات والمواطنين .. لسنا سواء !!
فتحي خطاب
هذهالسيدة فتحت باب الخروج من دائرة مغلقة على الرجال ، واستلمت دفة القيادة لحزب سياسي ليبرالي ، خرج من رحم ثورة 25 يناير 2011 ويطمح إلى الوصول إلى الحكم ، وهي خطوة تنبىء بأن القوة الناعمة في المجتمعقد بدأت تستعيد توازنها ، وتفرض تواجدها ، وتسترد بعض حقوقها المغتصبة عمدا ، أو عن جهل ، أو بفعل مفاهيم مجتمعية تبدو قدإستقرت عبر سنين طويلة .. وفي حقيقة الأمر ، لسنا فقط أمام أول "حالة " في تاريخ الحياةالحزبية والسياسية ، في مصر والوطن العربي ، أن تتولى إمرأة ومسيحية ، بالإنتخاب ،رئاسة حزب سياسي 21 / 2 / 2014 ولكن نحن أمام قيمة مضافة لحراك القوةالناعمة إلى إستثمار رياح الإصلاح التيهبت على عدد من الدول العربية ، من أجل ضمان ممارسة المرأة حقوقها ، وتمتعها بهابصفة ملموسة ..
وإذاكانت الدكتورة هالة شكر الله ، قد فتحت باب الخروج من الدائرة المغلقة بموروث منالتمييز الصارخ بين النساء والرجال ، وأن تخوض إنتخابات الحزب على منصب القيادة أوالموجه أو الزعيم ، وقد تحقق لها ما تريد ، ومنحها أعضاء الحزب كامل حقوقهاالسياسية .. فإننا أمام " حالة " كسرت حاجز ( الجنس والدين والعقيدة ) وإستردت الحقوق المنتهكة، وفتحت ملف حقوق وحريات المرأة ، وهي حقوق لاتقبل التجزئة ، وإن كانت لاتزالمعلقة على أبواب الدساتير العربية ، التي أقرت المساواة ودون تمييز بين المواطنين، بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل !! ولكن يبدو أن الدساتير تصوغها أفضلالعقول ، وتطبقها أسوأ الغرائز ، حسب مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق "توماس جفرسون " .. ورغم أن حقوق المرأة في أمريكا ــ مثلا ــلاتحتاج إلى نص دستوري صريح لضمانها ، إلا أن خلو الدستور الأمريكي من نص صريح علىذلك ، دفع بعض الأمريكيين المناصرين لحقوق المراة ، إلى الضغط من أجل تعديلالدستور لإقرار تلك المساواة حرفيا ، حتى إعتمد الكونجرس الأمريكي هذا التعديل فيالعام 1972 ليصبح النص : " لايجوز إنكار أو إختزال حق المساواة في الحقوق بينالرجل والمراة بموجب القانون من قبل الولايات المتحدة ، أو من قبل أية دولة اخرى " ..
ومن خلال مطالعة الدساتير العربية ، تبين وجود ذلك المبدأ صراحة أحيانًا وضمنيًا أحيانًا أخرى، فنصت غالبالدساتير العربية على أنّ المواطنين سواسية أمام القانون، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس(الجزائر، والبحرين، والسودان، والعراق، والصومال، وعُمان، وفلسطين، وقطر،والكويت) ..وهناك عدد آخر من الدساتير تضمن النص على مبدأ المساواة بين المواطنينجميعا من غير أن يذكر لفظ الجنس ضمن الأسباب التي لا يجوز التمييز على أساسها(لبنان، والأردن، والإمارات، وتونس، وسوريا، والمغرب)، ففي هذه الدساتير نجد تأكيدالنص في البداية على أنّ المواطنين أمام القانون سواء، ثم عاد ليؤكد هذا المبدأبقوله أنه لا تمييز بينهم حتى وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين، ولم يذكرالجنس بين الموضوعات التي لا يجوز التمييز على أساسها بين المواطنين، وإن كان ذلكالأمر لا يجوز تفسيره على أنه يمكن أن يتضمن أو يحتمل أن يتضمن تمييزًا بين الرجلوالمرأة ، إلا أنه كان من الأفضل تأكيد أنّ الجنس ليس من بين الأسباب التي يجوزالتمييز بين المواطنين على أساسها.. ومن بين الدساتير التي تضمنت النص صراحة علىالمساواة بين الرجال والنساء الدستور المصري الجديد 2014 وتصدر الديباجة نصا إبداعيا أكثر تعبيرا يقول " نحن المواطنات والمواطنين ، نحن الشعب المصري ،هذا دستورنا " .. وتكفل الدولة تحقيقالمساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والإقتصاديةوالإجتماعية والثقافية ، وفقا لأحكام الدستور (المادة 11 ) وأن تلتزم الدولة بإصدارالقوانين المنفذة لأحكام هذا الدستور ( المادة 224 ) .. وهناك ملاحظة جديرة بالإهتمام ، وهي أن مشروعدستور فلسطين الوحيد الذي نص على معاقبة القانون ، لمن يمس بحقوق المرأة ، وتنص ( المادة 23 ) على أن للمرأة الحق في المساهمة الفاعلة في الحياة الاجتماعيةوالسياسية ، والثقافية والاقتصادية ، ويعمل القانون على إزالة القيود التي تمنعالمرأة من المشاركة في بناء الأسرة والمجتمع ، و أن حقوق المرأة الدستورية والشرعية مصونة ، ويعاقب القانون على المساسبها ، ويحمي حقها في الإرث ..
وإذا نظرنا إلىالدساتير العربية نجدها مقسمة إلى نوعين بصفة رئيسة ، فيما يخصّ النص على حقالمرأة في المشاركة السياسية : المجموعة الأولى، هي دول لم تنص دساتيرها على منحالمرأة حق المشاركة السياسية مثل (الكويت، والإمارات)، وقد تم تعديل دستور الكويتأخيرا،ً فأعطى هذا الحق للمرأة.. ومجموعة الدولالثانية تنص بوضوح على حق المرأة المشاركة السياسية وهي : تونس، ومصر، وسوريا، والعراق، والأردن، والمغرب،ولبنان، واليمن، والبحرين، وقطر.. واللافتللنظر هنا أنّ التعامل مع الحقوق السياسية للمرأة في المجتمعات العربية ظل مرهونابعوامل متشابكة ، منها ما هو متصل بالموروث الثقافي والتقاليد، وتأويل النصوصالدينية.
ورغم أن أغلبية الدساتير العربية ، سواء فيالبلدان التي تعتمد النظام الدستوري ، أو تلك التي تعتمد قوانين أساسية أخرى، تؤكد على مبدأ المساواة بين مواطنيها ،وعلى احترام قواعد العدالة الاجتماعية ، وتعمل على ضمان حقوق المرأة والرجل على حدسواء ، وتلتزم بحماية المرأة من كل الانتهاكات التي تتعرض لها ، وتفتح أمامها الحقفي المشاركة السياسية والحياة العامة.. إلا أن ممارسة هذه الحقوق على الصعيدالعملي ليست كما يجب أن تكون بالضبط ، وبقيت دون تطلعات المرأة العربية!! والشاهد أن " دسترة " حقوقالمرأة في الدساتير العربية غير كافية لترجمة هذه الحقوق على أرض الواقع ،وممارستها ممارسة فعلية ، لأنها تصطدم بواقع ثقافة الإستبعاد الظاهر والمقنع ،والتي تمنعها في كل الأحوال من المشاركة الفعلية في صنع القرار ، وأدت بالضرورة إلى ضعف مشاركتها السياسية ..
وقد يكون بعض التفصيل لا زما ، بقدر ما هو ضروري للشرح :
* أولا : إذا كانت غالبيةالدساتير العربية قد أقرت الحقوق الاساسيةللمرأة سواء كانت سياسية أو أقتصادية أو أجتماعية ، فإنها قد تركت للقوانينوالقرارات الادارية وضع التفصيلات والاجراءات اللازمة لتطبيق المبادى وتنظيم عمليةممارسة هذه الحقوق .. في حين أن حماية هذه الحقوق والحريات ودعمها وتعزيزها بطريقه تفصيلية وقانونيةووضع الجزاء لها على مستوى الدستور، هو الأكثر فاعلية في التطبيق والالتزام ، اذاما علمنا بأنه لم تصدر قوانين مكمله في الدساتير في كثير من الدول العربية ، وأنمختلف الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول العربية تتضمن أحكاما فاصلة تقرمبدأ المساواة بين المرأة والرجل ، وأحكاما أخرى تتعلق بمنع التمييز ضد المرأةوحماية حقوقها وحريتها..
* ثانيا : هناك فجوة كبيرة بين النصوص ومنطوقها سواء كانت دستورية أو تشريعات وطنية أو اتفاقيات دولية مصادق عليها ، وبينالواقع الذي تجد المرأة نفسها فيه مكبّلة اليد واللسان ، ومسيّجة بمختلف المعيقاتالقانونية والمجتمعية ، فالدساتير رغم إحتوائها على المبادىء المكرسة لحق المساواةبين الرجل والمرأة ، فإن تحقيق هذه المساواة على أرض الواقع تظل مسألة نظرية ،ولاتعرف طريقها للتطبيق !! اما بالنسبة للتشريعات الوطنية فإنها لا تزال ضاربة في الزمن في بعض موادها ، والواضحأنها لاتواكب الواقع المعاش ، ولا تتضمنالالتزامات الواجبة على المجتمع وعلى الدولة ، ويمكن قول نفس الشيء بالنسبةللاتفاقيات الدولية المصادق عليها ، حيث تظل حبيسة الرفوف وبعيدة عن كل تفعيلكأنها غير موجودة !!
* ثالثا : حقوق المرأة فيالدساتير العربية ، تتطلب اعتماد مرجعية حقوق الإنسان في عالميتها وشموليتها ،سواء ما تعلق منها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان عامة كالإعلان العالمي لحقوقالإنسان ، أو العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية ، أو المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة وعلى رأسها اتفاقيةالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، مع الوعى بمقاصد ومضامين ونصوص الشريعةالإسلامية ، والتي أعطت لمكانة المرأة ،ولحقوقها ، ما لم يعطه أى تشريع آخر ، على قاعدة الشراكة في الإستخلاف والتكليف ،ومتعتها بجميع الحقوق الإنسانية والأسرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية ، مثلالرجل تماما .. وفي ضوء هذه المعطيات يتعين على مؤسساتالدولة المنتخبة و التنفيذية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، البحث في سبل تفعيل بعضالنصوص القانونية ، وتحديث النصوص القديمة، واعتماد نصوص جديدة تستجيب لتطلعاتحماية حقوق المرأة ، واتخاذ كل المبادراتالهادفة لتوحيد التشريعات العربية في مجال تمكين المرأة من أجل مساهمتها فيصناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، خاصة وأن قوانين الاحوال الشخصية في الوطن العربي ــ علىسبيل المثال ــ فيها الكثير من المفارقات في تحليل واقع حقوق المراة في الاسرة ،والمجتمع ، ورغم أن قوانين الاحوالالشخصية العربية شّرعت في مراحل تاريخيةكان المجتمع العربي يعيش كامل التخلفالاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، إلا أن أكثر قوانين الاحوال الشخصية العربية كماهي رغم التعديلات التي طرأت عليها ، لذلكينبغي الضغط باتجاه تجاوز هذا التخلف ..
وإتصالا بما سبق .. إذا كانت الاتفاقية الدولية بالقضاءعلى كافه أشكالالتمييز ضد المرأة لعام 1979 قد جاءتباحكام ومبادى قانونية تتضمن التزامات الدول المنضمه الى الاتفاقية باحترامالتزاماتها وأتخاذ التدابير اللازمة سواء كانت تشريعية أو ادارية لتنفيذ تلكالالتزامات ، والتي تم التأكيد عليها في قرارات لجنه القضاء على التمييز ضد المرأةفي عام 1992 وفقأ للتوصية (19) ، وفي مؤتمر الامم المتحدة العالمي بشأن حقوقالانسان ــ عقد في " فينا " العام 1993 ــ وإعلان بكين لعام 1995 بشأنالمرأة .. فإن هذه المبادئ بقيت على الصعيد النظري في منطقتنا العربية ، وربما كانذلك راجعا لأسباب وتوجهات سياسية تحاول توظيف قضية المرأة وتوصيفها سلبياً لايتلاءم والالتزامات الدولية!!
وقد يطول الحديث عن التوازنات والضوابط في الدساتيرالعربية ، ولكن تبقى "حالة " الدكتورة هالة شكري ،التي فازت برئاسة حزبا سياسيا ، ولأول مرةفي تاريخ الحياة السياسية والحزبية في الوطن العربي ، دافعا لطرح تساؤل : كيف يمكن إقناع النساء في الدول العربية ، ونجعلهنيفكرن بأنهن لسن أدنى منزلة من الرجال ، وأن كل سبل المساعدة المتاحة لن تكون ذاتفائدة إذا لم تساعد النساء أنفسهن ؟!