القاهرة 03 يوليو 2014 الساعة 12:50 م

" لايوجد أثرا لما يسمى بجبل الهيكل أسفل المسجد الأقصى "

                                                               عالم الآثار اليهودي " مائير بن دوف "

منذ البداية التي شهدت مولد الفكرة التي دفعت بالخطوة الأولى للحركة الصهيونية في مؤتمر بازل 1897 لم تتغير الأفكار والمعتقدات ، التصورات وخطوات التنفيذ ، وبالطبع ولا حتى الأحلام التي تحاصر مدينة القدس عموما ، والمسجد الأقصى خصوصا ، لكن آليات التنفيذ هي التي تغيرت .. ومن منظور هذه الرؤية تعد قرية " سلوان " أحد العناصر الرئيسية في المشروع الصهيوني ، لأنها ـ وفقا لمعتقدات الأساطير الحاكمة ـ هي المدينة  "اليبوسية"  التي جعلها داود عاصمة له وسماها مدينة داود ، وكانت مساحتها حوالي 11 فدانا وتقع إلى الجنوب من حافة أوفل ، وبنى داود مدينته ابتداء مما يسمى في العهد القديم ، ميلو ( ومعناها الحافة الشرقية ) وأقام تحصينات في الجهة الشمالية ، وبعدها اشترى قطعة أرض من " عرونا " اليبوسي ، على جبل موريا في الشمال وأقام بها مذبحا للرب ، وفي القرن الثامن ق.م ، قام حزقيا حاكم يهودا بتعديل بعض التحصينات في المدينة ، وشيد قناة تربط بين بركة سلوان داخل أسوار المدينة ، وعين سلوان خارجها !! ولتوثيق الأساطير الحاكمة للفكر الصهيوني ، يقوم الأثريون بحفرياتهم بحثا عن الشواهد التاريخية ، والممول الرئيسي لهذه الحفائر المنظمة الصهيونية  " العاد " وهي اختصار لعبارة عبرية تعني " إلى مدينة داود " وهي شهدت مولد الفكرة التي منذ البداية التي إستندت إلى روح الأساطير وأوهام العودة إلى أرض الميعاد ، وعلى مسار زمني يمتد أكثر من قرن من الزمان ، لم يتغير فكر منظري الحركة الصهيونية ، ولا رؤيتهم تجاه المقدسات الإسلامية في مدينة القدس ، وطوال هذه الفترة الزمنية ، ومنذ الخطوة الأولى إحدى أهم المنظمات الصهيونية في إسرائيل والتي تهدف لتهويد القدس عموما وقرية سلوان خصوصا ، ولكن هناك جهات أخرى تقوم بالتنقيب في هذه المنطقة ، مثل سلطة المحميات الطبيعية والحدائق ، وسلطة الآثار الإسرائيلية .. وفي المقابل يتعرض أهالي قرية سلوان  لضغوط كبيرة من أجل ترك مساكنهم بحجة أن الأرض التي أقيمت عليها مساكنهم هي أرض أثرية !! وأول من أجرى حفائر في سلوان هو الأب  "فنسنت " وكانت حفائره بالقرب من عين سلوان واستطاع الكشف عن مغارات وكهوف ترجع إلى القرن الثالث ق.م ، واستنتج في نهاية حفائره أن التل الجنوبي الشرقي لقرية سلوان هو الموقع الأصلي لمدينة القدس ، وأن عين سلوان لعبت دورا رئيسيا في حياة سكان القدس القدامى ، باعتبارها مصدرا رئيسيا للمياه العذبة .. وفي عام 1867 كشف الضابط الإنجليزي " تشارلز وارن " عن قناة مائية ترجع إلى العصر اليبوسي  ، ويقول الباحثون الإسرائيليون بأن تلك القناة هي التي تسلل من خلالها " يواب " أثناء حصار داود للحصن اليبوسي قبل الاستيلاء علي المدينة ، واعتبر هذا الكشف صدى للقصة الموجودة في سفر صموئيل الثاني !! وفي عام 1961  قامت الأثرية البريطانية  "كاتلين كينيون " بالتنقيب في قرية سلوان وكشفت عن بقايا حائط حجري على الحافة الغربية لوادي قدرون ، وقد بنى في العصر البرونزي الوسيط ( القرن 18 ق.م ) وهو الحائط الأقدم لمدينة القدس ، وبالقرب منه إلى الغرب يوجد بقية من حائط ينسبه الأثريون الإسرائيليون إلى عصر الهيكل الأول ( ما بين القرن العاشر ومنتصف القرن السادس ق.م ) وتعد الأثرية كاتلين كينيون هي أحد أهم المراجع والمصادر التاريخية حين يتم تناول منطقة قرية سلوان بسبب عملها العلمي والجاد في هذه المنطقة ، ولكن منظري المشروع الصهيوني يستبعدونها حين يتحدثون عن سلوان ، بعد أن استبعدت " كاتلين " المرجعية التوراتية حين عملت في هذه المنطقة ، وخرجت بنتائج تهدد المشروع الصهيوني المتعلق بقرية سلوان ، وأكدت بأنه لا وجود لآثار ترجع للقرنين الحادي عشر والعاشر ق.م ، ولاوجود لما يسمى بالمملكة الإسرائيلية المتحدة ، إنما الآثار التي وجدت تسبق إنشاء المملكة المزعومة بسبعة قرون كاملة ، وتخص اليبوسيين الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية واستقروا في الأردن وفلسطين في الألف الثالثة قبل الميلاد ، وأسسوا مدينة القدس بالقرب من مصدر دائم للمياه موجود في وادي قدرون ، وهو " عين سلوان " وتسمى أحيانا " عين أم الدرج " ، وفي العهد القديم سميت باسم " عين جيحون"  وتقع شرق قرية سلوان ، وتعتبر مصدر المياه الدائم للقدس ، لذا أقام اليبوسيون التحصينات حول العين لحمايتها من الهجوم الخارجي ، وبعد تحصين المدينة أصبحت عين سلوان خارجها ، وقد تم اكتشاف ثلاث قنوات تربط بين المدينة من الداخل وعين سلوان من الخارج ، وحاول الإسرائيليون الربط بين تاريخهم المزعوم وهذه القنوات ، ومنها القناة التي أسموها "قناة حزقيا " ، وباعتبار أن الملك حزقيا أمر وأشرف على شقها في القرن الثامن ق.م ، ويبلغ طول هذه القناة 533 مترا .. وفي عام 1970 كشف الأثري الإسرائيلي " نحمان أفيجاد " عن حائط دفاعي في جهة الشمال والجنوب حول القناة السابقة ،  ويزعم أن الذي بناه هو حزقيا ، وما بين عامي 1978 و1985 قام الأثري الإسرائيلي  "إيجال شيلوة " الأستاذ بالجامعة العبرية بالتنقيب في منطقة الحفائر "ج" بقرية سلوان ، وادعى أنه كشف عن آثار ترجع لعصر الهيكل الأول  (ما بين القرن العاشر ومنتصف القرن السادس ق.م ) وهي : بناء حجري مدرج ضخم ، وفسره على أنه كان يسند حصن داود ، برغم عدم وجود دلائل تؤكد تأريخ هذا البناء بالقرن العاشر ق.م ، وكشف الأثريان الإسرائيليان " روني رايش ، وإيلي شوكران "  خلال حفائر موسم 1997 ـ 1998 عن تحصينات هائلة حول  "عين سلوان " وبركة صخرية مستطيلة تستقبل مياها من العين  ، ومن خلال القطع الفخارية التي عثر عليها في المنطقة تأكد أن التحصينات والمباني المجاورة مثل قناة سلوان وبئر وارن شيدت في العصر البرونزي الوسيط الثاني ( القرنين 18 و17 ق.م ) .. في عام 1998 قام الإسرائيليون بالكشف عن جزء من حائط المدينة المطل على وادي قدرون ، وهو بارتفاع خمسة أمتار ، وأشاروا إلى أنه شيد في أواخر عصر الهيكل الأول ، وهذا الحائط يحصن حيا سكنيا يقع على الحافة الشرقية المنخفضة من مدينة داود !!

وبرغم التركيز على منطقة قرية سلوان العربية من أجل إيجاد أدلة أثرية تثبت التواجد اليهودي في أوائل القرن العاشر ق.م ، إلا أن البقايا الأثرية التي عثر عليها الأثريون الإسرائيليون تنقسم إلى مرحلتين زمنيتين : 

• المرحلة الأولى : العثور على مدينة محصنة مقامة على تل ، وترجع للعصر البرونزي الوسيط ، أي من القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن السادس عشر ق.م ، وهي فترة اليبوسيين .

• المرحلة الثانية : مدينة محصنة كبيرة نعمت بالرخاء وترجع للعصر الحديدي المتأخر، أي في القرنين الثامن والسابع ق.م ، وهي الفترة التي تمتد بين عصر حزقيا ملك يهودا وتنتهي بدمار القدس على أيدي البابليين .. 

• أما ما يخص مملكة داود وسليمان ( المملكة الإسرائيلية المتحدة ) أي فترة القرنين العاشر والتاسع ق.م فلم يتم العثور على أثار مؤكدة تثبت وجود هذه المملكة في هذه المنطقة ، وكل ما يتم العثور عليه يتم تزييفه بتفسيرات غير مقنعة .. 

........

........

والشاهد أن الأثريين الإسرائيليين ، اختاروا ثلاثة أماكن محددة لإجراء التنقيب في القدس بعد حرب 1967 وهي تمثل دلالات رمزية في المشروع الصهيوني لما لها من علاقة مباشرة مع منطقة الحرم القدسي ، وأول هذه الأماكن ، قرية سلوان التي تبعد 200 متر فقط من السور الجنوبي للمسجد الأقصى ويعتبرون أن هذا المكان هو المرشح لما يسمى بـ"مدينة داود" ،  وهي الموقع الذي استولى عليه داود التوراتي من اليبوسيين أصحاب الأرض الأصليين في أوائل القرن الحادي عشر ق.م ، وأسس داود التوراتي بهذا المكان عاصمة المملكة المتحدة الإسرائيلية !! وثاني هذه المناطق ، هي المنطقة الواقعة إلى الجنوب من السور الجنوبي للمسجد الأقصى ، ويسميها منظرو المشروع باسم " أوفل" وهي التل الجنوبي الذي يقع جنوب جبل موريا الذي يقام عليه المسجد ، ويقتسم هذه المنطقة سلطة الآثار والمتاحف الإسرائيلية ، وسلطة المتنزهات والحدائق الإسرائيلية ، وتعد هذه المنطقة هي الإمتداد الذي قام به سليمان التوراتي إلى الشمال من عاصمة أبيه داود التوراتي ، وهو الذي شيد الهيكل الأول على جبل موريا ، طبقا للمعتقدات اليهودية ، وتقوم سلطة الآثار بالتنقيب في هذه المنطقة ، بينما سلطة الحدائق قامت بتنفيذ حديقة أوفل الأثرية التي تقع خلف المسجد الأقصى ، ووضعت في هذه الحديقة بعض القطع الأثرية التي تم الكشف عنها في هذه المنطقة !! وتعد المنطقة الثالثة ، هي أهم ما في هذا المشروع ، وتتركز في المنطقة الغربية للحرم القدسي ، وتشترك أكثر من جهة في عمليات التنقيب ، منها سلطة الآثار ، ووزارة الأديان ، وجمعيات دينية ، وتقوم بالتنقيب في المنطقة الجنوبية الغربية للحرم القدسي ، واستحداث أنفاق تحت الأرض بطول الجدار الغربي ، ووضع كنيس ديني في أماكن متفرقة من هذه الأنفاق !!

.....

ويستمد المشروع الصهيوني مرجعيته من العهد القديم وكتابات المؤرخ اليهودي " جوزيفوس فلافيوس" وتبدأ هذه المرجعية باستيلاء داود التوراتي على حصن يبوس الذي كان يقع في قرية سلوان العربية، وبنى داود التوراتي داخل هذا الحصن بيتا له ، وفي نفس الوقت اشترى داود قطعة أرض من "عرونا" اليبوسي على جبل موريا الذي يقع شمال شرق مدينة داود ، واستغل داود التوراتي المنطقة التي تقع بين مدينة داود ، وجبل موريا ، وهي منطقة أوفل .. وقد حاول الأثريون البحث عن دليل وبرهان عن هذه المملكة المتحدة في القدس ، ولكن ما كشفت عنه الحفريات وعمليات التنقيب ، أن القدس لم تكن سوى قرية صغيرة في عصر داود وسليمان ، وأن ما ينسب لسليمان هو في الواقع يرجع لعصر آخر،  وأن ما ذكر في سفر صموئيل وكتاب الملوك ، هو دعاية عقائدية ودينية تصف عصر آخر ولكن تم استغلاله في عصر داود وسليمان ، وكانت هذه الأسفار في الواقع تصف أحداث في القرن السابع ق.م 

.....

وفوق ما تقدم كله .. كانت " القدس " هي محور الحركة والفكر الصهيوني .. 

وشهد عام 1971 وضع الخطوط العريضة الأولى لمخطط " القدس الكبرى " على مساحة 200 ألف  دونم ، تضم ما لايقل عن 10 %  من أراضي الضفة الغربية ، محل التفاوض ، وممتدة بين قلنديا شمالا ، وبيت لحم جنوبا ، ومستعمرتي " معالية أدوميم " شرقا  و" معالية هعشيما " غربا ، بما يعني نقل حدودها لما وراء الجبال المحيطة بها .. ومنذ ذلك التاريخ تقوم إسرائيل بخطى بطيئة حينا، ومتسارعة حينا أخرى ، بتنفيذ المشروع ، في إطار الزمن الذي وضع مسبقا للتنفيذ ، وهو ما عرف بمخطط عام " 2020 " كتاريخ تقديري نهائي لتنفيذه .. والمشروع يرتكز على تنظيم المستعمرات اليهودية في كتل ضخمة يجعل نظام أمنها وبناها التحتية موحدين .. والخرائط الخاصة بمشروع  "القدس الكبرى " تضم مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة بالمدينة من جهاتها الأربع والتي تتيح المجال لتوسيع المستعمرات وربطها مع بعضها البعض ، فيما يعرف بـ" التسمين " أو ما أطلق عليه مؤخرا " التوسع الطبيعي للمستعمرات " والمخطط يقوم على عدة مرتكزات أهمها : الطرق الطويلة التي تغطي الحزام الشرقي الذي يلتف حول القدس عبر قرى فلسطينية ، ومستعمرة " معالية أدوميم " ويتقاطع في الجهة الجنوبية الشرقية مع مستعمرات جبل " أبو غنيم " و" جيلو " و" أفرات " حتى مستعمرة " بيت شيمش " الواقعة في الأراضي المحتلة عام 1948 ، وتلتقي هذه الشوارع الطويلة في عدة مداخل خارج التجمعات السكنية العربية فتلتف حولها وتعزلها وتحول دون نموها العمراني .. أما المرتكز الثاني فيتمثل في تحقيق السيطرة الإقتصادية على المدينة بعدة أساليب ، منها تفريغ البلدة القديمة من سكانها ، والقضاء على بنيتها التحتية مما يدفع المواطن المقدسي إلى مغادرتها ، وتفريغ قلب المدينة .. في حين يقوم المرتكز الثالث على إقامة طريق عرضي يربط بين المنطقة الصناعية قرب مطار اللد ، مع المنطقة الصناعية قرب قلنديا ، وله امتداد جنوبا حتى " كفار عتصيون " وتبين الخرائط الخاصة بمشروع القدس الكبرى أن أربع مناطق صناعية ستقام في هذا القسم أيضا .. وهناك محوران رئيسيان لتنفيذ المخطط :  المحور الأول يطلق عليه إسم " 30 أ " وهو مخطط إقليمي يمتد من منطقة اللطرون وحتى مدينة القدس لنقل المستعمرين من منطقة الساحل إلى مدينة القدس ، وإقامة مستعمرات سكنية .. وهذا المخطط يهدف إلى إقامة بنية تحتية من سكك حديدية ، وإقامة مناطق صناعية ، وجعل مدينة القدس بالنسبة للشعب اليهودي هي الرأس والقلب ومركز شعاع للحضارة اليهودية ، وإذا كانت مساحة القدس تبلغ نحو  126 كيلو مترا مربعا ، ما يعادل 1,2 % من الضفة الغربية فإن القدس الكبرى التي يتحدث عنها اليهود تشكل مساحتها  10 % من مساحة الضفة الغربية .. والمحور الثاني وهو من أهم ملامح مخطط القدس الكبرى ، وهو الأغلبية اليهودية ، والذي يسعى الاحتلال إليه من خلال إضافة المزيد من المستعمرين وترحيل أكبر عدد من المقدسيين " .. ومخطط 2020 يسعى لتقليص عدد العرب من 55 % من السكان إلى 12 % .. 

.....

.....

وإلى جانب ذلك كله .. وفي سياق متصل مع السباق للتهويد ، كان جنوب المسجد الأقصى جزءا أساسيا أيضا من مشروع القدس الكبرى ، لأن هذه المنطقة كانت من أكبر مغرياته ، إستنادا إلى القول بأنها كانت في زمن الهيكل الأول ساحة ملكية ،وفي زمن الهيكل الثاني كانت بها المداخل التي يمر من خلالها العامة إلى الفناء الكبير للهيكل ، ومن أجل ذلك كانت هذه المنطقة جاذبة للأفكار الإسرائيلية، ومكانا لحفائر مخططة منذ احتلال كامل مدينة القدس ، وسميت هذه المنطقة الجنوبية في المشروع الصهيوني باسم أوفل ( وهو التل الذي يقع إلى الجنوب من جبل موريا الذي سمى بحبل الهيكل ) وتل أوفل ينقسم في المشروع الصهيوني إلى جزءين : شمالي وهو المقترب من الحرم ، وجنوبي وهو الذي تقع عليه قرية سلوان ، أو كما أسموه بمدينة داود .. وبدأت الحفائر في الجزء الشمالي من أوفل عقب الانتهاء من حرب 1967 على يد كل من الأثري الإسرائيلي بنيامين مازار ومساعده مائير بن دوف اللذين يدرسان بالجامعة العبرية ، وقام الاثنان بالتنقيب بالقرب من السور الجنوبي للحرم الشريف ووصلا إلى أعماق أربعة عشر مترا ، وأعتقد الاثنان أن الهيكل المزعوم قريب من المنطقة الجنوبية وأن مدخله كان في الزاوية الجنوبية الغربية في نفس المكان المعروف باسم " قوس روبنسون " ولذا اختارا أن ينقبا في هذه الجهة ، ولم يستطيعا إيجاد أي شيء يتعلق بالهيكل ولكنهما عثرا على أثار رومانية وبيزنطية وأموية . 

وفي عامي 1973 و1974 قام بنيامين مازار ودوف بنقل الحفائر إلى المنطقة الجنوبية الشرقية للحرم الشريف ، وتعد هذه الحفائر هي الأخطر، وذلك بسبب تجاوز المنطقة الخارجية التي يحفران فيها ، وتسللا تحت محراب المسجد الأقصى ، ووصلا إلى مسافة عشرين مترا تحت الأقصى القديم ، وتحت كل من مسجد عمر الذي يقع إلى الشرق من المسجد الأقصى،  وتحت المصلى المرواني في الطرف الجنوبي الشرقي من الحرم ، وتميزت أعمالهم في هذه المنطقة بأمرين : الأول هو التزييف الواضح في النشر العلمي للمنطقة ومحاولة تهويد الآثار .. والثاني : هو التدمير والإهمال المتعمد للآثار التي ترجع للعصر الأموي ، وقد كشفوا أثناء الحفائر عن ثلاثة قصور أموية في المنطقة الجنوبية ودمرت أجزاء كبيرة من هذه القصور أسفل الحديقة التي أقامتها سلطة الاحتلال الإسرائيلي وتعرف باسم حديقة أوفل الأثرية ، والمعروف أن أكبر القصور الأموية هو الذي يشغل المساحة التي بين الحائط الجنوبي للحرم وحائط البلدة القديمة الحالي ، وبناه الحكام الأمويون في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي ، ويزعم الإسرائيليون أن هذا القصر شيد من الأحجار الهيرودية التي أخذت من بقايا جدران جبل الهيكل، وكان في الأمر تخطيط لتدمير هذا القصر لأنه بنى بأحجار من هيكلهم المزعوم !! وعثر في شمال مدخل القصر الأموي على حمام ، عبارة عن حجرة صغيرة بها مصطبة من ثلاث جهات شيدت فوق مصرف الحمام الذي يرتبط بشبكة مصرفية مبنية من الأحجار بعضها كان يسحب مياه الأمطار من على الأسقف وأفنية المنازل ، ويعتقد الإسرائيليون أن هذا الحمام هو " مكيفا " أي الحمام الطقسي الذي تطهر فيه اليهود قبل الدخول إلى هيلكلهم ، ولكن هذا الحمام ينتمي إلى القصر الأموي .. وتحت الجناح الشمالي للقصر كشف عن منطقة مبلطة بألواح حجرية كبيرة وهي تمثل ـ من وجهة نظر الإسرائيليين ـ ساحة من عصر الهيكل الثاني كانت تحد الشارع الذي يمتد بجوار الحائط الجنوبي لجبل الهيكل ( الحرم القدسي ) وإلى الشمال من هذه الساحة تم الكشف عن قاعدة عدد من السلالم التي تؤدي إلى طوابق القصر ، وربما كان هناك جسر يربط بين سطح القصر والمسجد الأقصى داخل جبل الهيكل المزعوم !! وكشف الإسرائيليون عن مبنى طويل يجاور الحائط الجنوبي للمسجد والنهاية الجنوبية للقصر الأموي ، والغرض من هذا البناء غير معروف ، ولكنه يضم عناصر معمارية من عصور مختلفة وهي ، فاطمية وصليبية ومملوكية وعثمان ، وكان بالمبنى بوابة تربط بين هذا المبنى والمسجد الأقصى وأيضا المصلى المرواني ..

وفي هذه المنطقة الجنوبية قام الإسرائيليون بهدم الآثار الإسلامية التي عثروا عليها أثناء حفائرهم ، مثل القصور الأموية ، وشيدوا فوق أجزاء منها حديقة يتم ريها بالمياه ، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإعادة تفسير هذه المكتشفات طبقا لإيمانهم بالعهد القديم ، مثل تفسيرهم الأبواب الثلاثة في السور الجنوبي للحرم والمصلى المرواني ، وهي الباب المفرد ، والباب المزدوج ، والباب المثلث ، وكلها أغلقت في عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي بسبب أمني ، وهو الخوف من استخدامها إذا ما قرر الصليبيون العودة إلى الاستيلاء على القدس ، وشيدت هذه الأبواب الثلاثة في العصر الأموي ، ويتضح ذلك من خلال عمارة هذه الأبواب وزخارفها .. ويقع الباب المفرد تحت مستوى أرضية المسجد الأقصى ، وهو بوابة مفردة ذات قوس معماري واحد ، وكان له إسم آخر وهو " بوابة العين " لاتجاهه إلى عين سلوان والموجودة في قرية سلوان التي تقع إلى الجنوب من بلدة القدس القديمة ، ويعد الباب المزدوج هو الأقرب إلى الأقصى القديم الذي يقع تحت مسجد الأقصى الحالي ، وهو حاليا غير مرئي إلا طرفه الأيمن العلوي حيث يخفيه برج مراقبة بناه الصليبيون ، أما الباب المثلث فهو عبارة عن ثلاثة مداخل متجاورة يعلو كل منها قوس معماري ، وكان يتم الدخول من هذه البوابة إلى المصلى المرواني ..  والمشروع الصهيوني يقدم تفسيرا آخر للأسباب التي شيدت من أجله هذه الأبواب الثلاثة ، فالباب المفرد لا يذكرون عنه شيئا وإن كانوا أحيانا يقولون إنه يهدف إلى الوصول إلى إسطبلات سليمان  (المصلى المرواني ) أما باب المثلث فيسمونه بوابة هيلدا نسبة إلى نبية يهودية ذكرت في العهد القديم وإسمها هيلدا وكانت هذه البوابة تهدف لدخول غير اليهوديين ( النسل غير اليهودي ولكن ديانتهم يهودية)  إلى ساحة الهيكل لتأدية صلاتهم ، أما البوابة المزدوجة والمخفية خلف البرج الصليبي فكانت تستخدم كمخرج لغير اليهوديين !! وفي العاشر والحاي عشر من يونيو عام 1967 قام الإسرائيلييون بهدم حارة المغاربة التي تقع في الجنوب الغربي من المسجد الأقصى ، وكان هذا الحي يفصل بين الحرم القدسي والحي اليهودي ، ولم يكن بين حارة المغاربة والمسجد الأقصى سوى رصيف صغير لا يتعدى عرضه ثلاثة أمتار .. وسميت هذه الحارة باسم حارة المغاربة لأن صلاح الدين الأيوبي أوقف لهم هذا الحي ليسكنوا فيه بعد أن شاركوا معه في جيشه الذي فتح القدس ولكن مساكنهم أنشئت في عهد الملك الأفضل نور الدين بن صلاح الدين  أثناء فترة سلطنته على الشام وكانت القدس تابعة له .. وهدم الإسرائيليون هذه الحارة بعد طرد سكانها منها وكانوا يسكنون في 135 منزلا وكانوا يؤدون صلواتهم اليومية في مسجدين داخل حارتهم ، كما هدموا زوايا للصلاة وأماكن للعبادة في هذه الحارة ، وبدلا من حارة المغاربة أقام الإسرائيلييون ساحة كبيرة مبلطة لإقامة صلواتهم وموقفا لسياراتهم ، ولكنهم تركوا المساكن التي تقع للغرب من الساحة لأنها جزء من الحي اليهودي !! وفي عام 1969 قام الأثريان بنيامين مازار ومئير بن دوف بالتنقيب جنوب التل المنحدر الذي يؤدي إلى باب المغاربة وأثناء عملهما في هذه المنطقة قاما بهدم مجموعة من الأبنية التي تتبع الزاوية الفخرية بالجرافات في 14 يونيو من نفس العام ، وكشف الاثنان في هذه المنطقة عن قصور أموية . 

ويعد النفق الغربي هو أخطر ما قامت به إسرائيل في مشروعها بعد احتلال القدس كاملة عام 1967 حيث يمتد هذا النفق بطول الجدار الغربي للحرم الشريف والتي تبلغ 450 مترا ، وتكمن خطورة هذا النفق مستقبليا على الآثار الإسلامية داخل ساحة المسجد الأقصى وخارجها ، كما تشمل الخطورة التفسيرات الإسرائيلية التي تقدم بخصوص النفق على مستقبل القدس كلها ، ويبدأ النفق الغربي من الناحية الجنوبية عند المدرسة التنكزية التي تقع إلى الشمال من ساحة البراق ( المبكى ) والتي حولها الإسرائيليون إلى موقع لقوات حرس الحدود الإسرائيلية ، وبدءا من موقع هذه المدرسة قام الإسرائيليون بحفر نفق جديد وربطوه بالنفق القديم المعروف باسم " كونراد تشيك " والذي أعادوا حفره وسمى النفقان معا باسم " نفق حشمونائيم " ويبلغ طوله ثمانين مترا ، وعرضه مترا ونصف المتر ، والذي يمتد أسفل المدرسة المنجكية ، ويمتد حتى أسفل دير راهبات صهيون إلى الشمال الغربي من الحرم القدسي ، وقامت سلطة الآثار الإسرائيلية بإعادة فتح نفق قديم آخر وهو نفق الكولونيل تشارلز وارن الذي كشفه عام 1867 ويقع في المنطقة التي بين بابي السلسلة والقطانين ، والمعروف أن هذا النفق يتعامد مع الجدار الغربي للمسجد ويصل إلى أسفل سبيل قايتباي ، ويبلغ طوله خمسة وعشرين مترا وارتفاعه ثمانية أمتار وعرضه مترا ونصفا .. وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 1996 قاموا بفتح باب لهذا النفق الغربي عند مدرسة الروضة على طريق آلام السيد المسيح ، وبالقرب من أسفل " باب الغوانمة " زعم الأثريون الإسرائيليون أنهم كشفوا عن قناة مائية تحت الأرض ويؤرخونها بعصر الأسرة الهاسمونية ، ولذا أسموها بالقناة الهاسمونية ويفسرونها بأنها كانت مصدر المياه للهيكل المزعوم في هذا العصر .. ويخطط الإسرائيليون لعمل نفقين يمتدان من باب الغوانمة أقصى الأبواب الشمالية الغربية للحرم ، أحدهما يتجه أسفل مسجد قبة الصخرة في منتصف ساحة الحرم ، والآخر إلى أسفل المسجد الأقصى في جنوب ساحة الحرم ، ومما يعرض  الآثار الإسلامية إلى أخطار التصدع ثم الانهيار ، وهي أبواب الحرم الخمسة ، القطانين والسلسة والمطهرة والحديد والبصيري ، وأيضا مبان مثل الجامع العثماني ، ورباط الكرد ، والمدرسة الجوهرية ، والمدرسة المنجكية ، والزاوية الوفائية ، وبيت الشهابي ، بالإضافة إلى مبنى المحكمة الشرعية !! 

ولأن الفكر التوراتي كان الخلفية والمرجعية التي بسببها حفرت هذه الأنفاق ـ أقام الإسرائيليون كنيسا صغيرا باسم " الكهف " أسفل المنطقة بعد سبيل قايتباي ، ويعتقدون بأنهم اقتربوا من المنطقة أسفل مسجد قبة الصخرة ، وأيضا أقاموا بالقرب مما أسموه القناة الهاسمونية متحفا أسموه " سلسلة مركز الأجيال " الذي صممه ألياف مخاليلي ، ويعرض التاريخ اليهودي القديم والحديث من وجهة نظر صهيونية .. وفي الناحية الغربية لساحة البراق أقام الإسرائيليون متحفا في العام ( 2008 ) يعرض فيه تاريخ اليهود في القدس ، خاصة عن دور الملك داود في تأسيس القدس ، وبإعتباره رمزا مهما في الفكر الصهيوني فهو الذي استولى على القدس ووحد اليهود وحولهم من قبائل إلى أمة واحدة ، وأنشئ هذا المتحف في مركز يسمى " أيشاها توراة " والتي تعني " نار التوراة " الذي أسسه الحاخام اليهودي نوح واينبرج عام 1974  ، وقد تكلف بناء وتأسيس المتحف عشرين مليون دولار، وساهم فيه الممثل العالمي كيرك دوجلاس وابنه الممثل مايكل دوجلاس .. ويضم المتحف مجسما ضخما للهيكل الثاني الذي بناه هيرود العظيم عام 19 ق.م وشاشة كبيرة في ساحة البراق ، ويعرض فيه ـ بتقنية الصوت والضوء ـ التاريخ اليهودي ، بالإضافة إلى مركز تعليم لطقوس الهيكل حتى يكون الجيل الجديد من الشباب الإسرائيلي مستعدا للهيكل الثالث الذي يتمنى الإسرائيليون بناءه في نفس ساحة الأقصى بعد دمار مسجدي قبة الصخرة والأقصى ، وداخل المتحف قاعة للنماذج والمستنسخات يباع فيها مجسم الهيكل وآلة الهارب التي كان يعزف عليها داود ، وقاعة للمطبوعات يباع فيها مطبوعات وخرائط عن القدس في عصر داود ، ونسخة لأقدم نسخة من مزامير داود التي ترجع لعام 1511 م 

ولم يكن ذلك يعني شيئا آخر ، غير أن الكل ـ أو غالبيتهم تحديدا ـ يريد ويتمنى ويتحرق بالرغبة واللهفة لليوم الموعود بإقامة الهيكل على أنقاض الأقصى ، ورغم ما يؤكده علماء الآثار ومن بينهم يهود ،  "مائيير بن دوف " مثلا ، بأنه لا يوجد أثرا لما يسمى بجبل الهيكل أسفل المسجد الأقصى ، وأشار في دراسة أعدها إلى عدم وجود أثر للهيكل في العصر الإسلامي ، وأن الحفريات التي تمت خلال الـ25 سنة الماضية لم تثبت وجود أي أثر للهيكل أسفل المسجد .. وقال " مائير بن دوف " : أن الجماعات اليهودية المتطرفة التي تحاول اقتحام الحرم القدسي ، هي جماعات لا تتبع الشريعة اليهودية التي تحرم دخول المتدينين اليهود إلى ساحات الحرم !! إلا أن هذه الدراسات اليهودية والموثقة لا تلقي قبولا داخل المجتمع الإسرائيلي فمازالت عمليات الحفر والبحث والتنقيب تتم أسفل المسجد الأقصى بهدف هدمه لإنشاء الهيكل الثالث بعد أن فشلوا في إيجاد أي بقايا تدل على وجود أي أجزاء من الهيكل الثاني تحت الأقصى .. وقد تم طرد عالمة الآثار البريطانية " كاثلين كينيون " من فلسطين بعد فضحها للأساطير الإسرائيلية حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل الأقصى وذلك أثناء قيامها بأعمال حفريات بالقدس ، فقد اكتشفت أن ما يسميه الإسرائيليون مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقة بسليمان وليس إسطبلات أصلا ، بل هو نموذج معماري لقصر شائع البناء في عدة مناطق بفلسطين ، ونشرت ما توصلت إليه في كتابها  (آثار الأرض المقدسة ) .. ويؤكد عالم الآثار الفرنسي " دي سولس " في كتابه " تاريخ الفن اليهودي " أنه تولى بنفسه قياس مساحة الحرم الشريف ، وبحث موضوع مكان إقامة الهيكل ، وأن نتائج أبحاثه جعلته يرفض تماما ولا يوافق من يدعون بأن المسجد قد أقيم فوق الهيكل .. ويقول " ويليام داريمبل " في كتابه عن القدس بعنوان " المدينة المسحورة " :  كان تقدير العلماء الإسرائيليين أن موقع الهيكل قريب من أسوار مسجد قبة الصخرة ، وبدأت الحفريات ، وإستمرت رغم إعتراضات اليونسكو ( منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة ) وعثرت البعثات الإسرائيلية على بقايا معالم أعلنت عنها وهللت لها ، ثم أضطرت إلى تغطية الإكتشاف كله بستائر من الصمت ، لأن البقايا التي عثر عليها لم تكن إلا آثار قصر لأحد الملوك الأمويين ، وهو أمر يدحض الدعاوى اليهودية من الأساس ، ويكشف أنه ليس هناك ماض ينبنى عليه حاضر ومستقبل "  .. وفي الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2010 عثر علماء آثار إسرائيليين على نقش نادر باللغة العربية يعود إلى القرن العاشر، في مدينة القدس القديمة " الشرقية " ، وبالتحديد عام 910 م ، ووجد على الحجر الرخامي عبارة محفورة مكتوبة بالخط العربي الذي كان يستخدم في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام ، وتشير إلى منح الخليفة العباسي المقتدر قطعة أرض إلى أحد أقاربه ، واكتشفت النقوش خلال حفريات كان يجريها " موشيه شارون " من جامعة القدس ، في الحى اليهودي بالقدس القديمة ، وتم العثور أيضا على مصابيح نقشت عليها عبارات بالعربية ، وقطع نقدية ، وأوان زجاجية تعود إلى الحقبة الرومانية .. وكان تعليق العالمة اليهودية الشهيرة الدكتورة "شولاميت جيفا "  ـ أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة تل أبيب ـ قولها بالنص : " إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفا أن يكون أداة للحركة الصهيونية ، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة " !! 

وإذا كانت تلك الحقائق والمعلومات التي كشفت عنها الحفريات وعمليات التنقيب ، قد وصلت إلى سمع الكثيريين داخل إسرائيل ، ولكنها لم تصل إلى عقولهم ، ثم أن الباحثين عن الهيكل قادرون على الغواية بلا حدود ، وكان للأوهام سلطانها الغلاب على  ( 120 ) جماعة يهودية تركز جهودها لحفر المزيد من الأنفاق والمزيد من أعمال الحفريات ، وتشارك في تنفيذ مخطط التدمير المنظم للمسجد الأقصى ، وفي منتصف السبعينيات ظهرت 14 حركة إرهابية يهودية تنافست فيما بينها للمساس بالمسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية ، إلا أن حركة " أمناء جبل الهيكل " كانت هي الأقوى ، والتي حظيت بدعم المسئولين الإسرائيليين ، وقد توسعت تلك الحركة فيما بعد لتضم بين صفوفها أعضاء بالكنيست الإسرائيلي ، وعددا كبيرا من قادة الجيش ، ورموز الأحزاب السياسية في إسرائيل ، وتعرف حاليا باسم " ريفافا " وكانت أبرز نجاحات تلك الجماعة هي الحصول على حي سكني كامل بجوار الحرم القدسي قام ببنائه على أنقاض البيوت العربية " اولمارت " نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عندما كان رئيسا لبلدية القدس ، وأعلن " اولمارت " حينها في عام 2000 أن بناء ذلك الحي وتسليمه لجماعة أمناء جبل الهيكل ليس إلا رسالة إلى العرب لتكريس سيادة إسرائيل على مدينة القدس .. وترى جماعة " ريفافا " أن ذلك الحي الذي حصلوا عليه بجوار الحرم القدسي هو حصان " طروادة " الذي سيمكنهم من هدم المسجد الأقصى دون معرفة الجاني المنفذ لتلك العملية ، وقد بدأت " ريفافا " بعد تسلمها لتلك المساكن في حفر شبكة جديدة من الأنفاق من داخل المنازل لتصل إلى أسفل قواعد الحرم القدسي ليمكنهم ذلك يوما ما في زرع الألغام الناسفة أسفل الحرم ، وهو السيناريو الأقرب إلى الحدوث من بين السيناريوهات المختلفة للاعتداء .. ومن أبرز المنظمات الإرهابية الساعية لهدم الحرم القدسي " حي في قييم " و" جوش إيمونيوم " بقيادة الحاخام الإرهابي تسافي يهوداكوك ، ومنظمة " عطيرت كوهنيم " التي تحمل على عاتقها مهمة تهويد القدس ، ومنظمة معهد بحوث الهيكل الذي أسسها " يسرائيل إربيل"  في منتصف الثمانينيات ، و"مؤمني الهيكل وأرض إسرائيل " وحركة " بناء الهيكل " وترتبط تلك الحركات الإرهابية بعدة حركات مسيحية صهيونية تتركز في بروكلين بنيويورك ، واستراليا ، والتي نجحت في تجنيد العديد من كبار رجال السياسة وعدد كبير من رجال الأعمال وجمع مئات الملايين من الدولارات وضخها إلى الحركات الإرهابية على أرض فلسطين لخدمة عملية محو الهوية العربية للقدس وإقامة الهيكل المزعوم وتمويل ما أسمته بـ" أوتسرهاقدوش " أو " صندوق الهيكل " .. والبحث في خلفية تلك الحركات الإرهابية يؤكد حقيقة أن تلك الحركات ليست إلا اليد التي تنفذ وستنفذ بها الحكومة الإسرائيلية جرائمها ، وأن عملها ليس مستقلا بأي حال من الأحوال !! وربما كان الهدف " المشترك " بتدمير المسجد الأقصى ، ناشئا عن عرض جنون ، أو وسواس وهم ، أو جنوح جماعات خطر بأحلامهم أن يبنوا لأنفسهم تاريخا فوق جغرافية لا ينتمون إليها !!

.....

.....

وتتفق الأسانيد الدينية المسيحية مع الأسانيد التاريخية حول أكذوبة " الهيكل أسفل الأقصى "  ، ويروي الكتاب المقدس حالة الهيكل ويتنبأ بخرابه لأن اليهود لم يحافظوا على كونه مكانا للعبادة .. فقد ورد في أنجيل متى :  " ودخل يسوع إلى هيكل الله ، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل ،  وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام ، وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة ، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص .. يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين ، إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ، هوذا بيتكم يترك لكم خرابا  " .. وورد في فقرة أخرى من الإنجيل :  " ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل ، فقال لهم يسوع ، أما تنظرون جميع هذه ، الحق أقول لكم أنه لا يترك هنا حجر على حجر لا ينقض " .. مما يعني أن الهيكل دمر .. وأن ما كان لم يعد حيث كان ، ولم يعد كما كان ، ولاوجود لما يسمى حائط الهيكل أو " حائط المبكى " ولاأساس تقام عليه طقوسهم على " حائط البراق " .. وتتمثل الأسانيد القانونية في حق المسلمين بحائط البراق في القرار الذي أصدرته عصبة الأمم المتحدة عام 1931 بعد تحقيقات مكثفة مع المسلمين واليهود ، ويؤكد القرار : " أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية حائط البراق ، ولهم وحدهم الحق العيني ، لأنه يؤلف جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف ، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحائط المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير " .. وتشكلت هذه اللجنة بناء على اقتراح من الحكومة البريطانية "حكومة الانتداب في فلسطين " في ذلك الوقت ، بعد أن قام اليهود بترديد الأناشيد أمام حائط البراق ووضع كراسي وطاولات وستائر لأداء الصلاة وهو الأمر الذي نتج عنه اندلاع انتفاضة البراق في جميع أنحاء فلسطين في أغسطس من عام 1929 واضطرت بريطانيا إلى الاستعانة بقوات من الجيش البريطاني من خارج فلسطين لقمع الانتفاضة التي استشهد فيها عشرات الفلسطينيين .. ويبدو أن بريطانيا وجدت الأمر أكبر من إمكانياتها لذلك اقترحت على عصبة الأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق حول ملكية حائط البراق .. وظلت اللجنة في فلسطين على مدى شهر تستمع إلى شهادات اليهود والمسلمين ، وقدم المسلمون في ذلك الوقت وثائق عديدة تؤكد ملكيتهم لحائط البراق ، بينما اقتصرت مطالب اليهود على السماح لهم بالصلاة عند حائط البراق دون تقديم أي وثائق تؤكد حقهم فيه أو الادعاء بذلك .. 

والفصول الأولى لقصة حائط المبكى ، كانت تقريبا مع بداية الحكم العثماني لفلسطين ، حين استغل اليهود تسامح المسلمين وكشفوا عن نواياهم بالاستيلاء على المقدسات الإسلامية ، بدأت تحركاتهم لخلق أكذوبة حائط المبكى ( حائط البراق ) وترجع أهمية هذا الحائط بالنسبة للمسلمين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط عنده " البراق " الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، بينما يزعم اليهود أن الحائط يمثل جزءا من جبل الهيكل  " معبدهم القديم "  يبكون عنده حزنا على تدمير الهيكل .. وتتعارض المزاعم الإسرائيلية بشكل لا يدع مجالا للشك مع جميع الأسانيد التاريخية والدينية والقانونية التي تؤكد أحقية المسلمين في حائط البراق ، وأن فكرة حائط المبكى لم تظهر عند اليهود قبل القرن الـ16 الميلادي عندما طردتهم الدولة الأسبانية وسمحت لهم الدولة العثمانية بالإقامة في الأراضى التابعة لها ، وبدأ تحول في سياق المزاعم اليهودية المتعلقة بالقدس المحتلة عام 1520 ، وبعد سنوات من الفتح العثماني لفلسطين أصبح حائط البراق جزءا من التقاليد اليهودية الجديدة ، وصار جزءا مقدسا منها وقد تحول إلى حائط لبكاء اليهود عنده ، وقبل ذلك كان اليهود يتجمعون للصلاة عند جبل الزيتون وبوابات الحرم حتى أصدر السلطان " سليمان القانوني " فرمانا يسمح بوجود بمكان لليهود للصلاة فيه عند الحائط الغربي .. وكان تسامح العثمانيون مع اليهود هو السبب وراء المطامع في حائط البراق واختراع الأكذوبة المتعلقة به .. وتؤكد الموسوعة اليهودية أن المصادر المتعددة التي تتحدث عن اليهود خلال العصور السابقة للقرن الـ 16 الميلادي لم تذكر شيئا عن تقديس اليهود للحائط الغربي أو حائط البراق ، وأن التجمع اليهودي للعبادة كان يجري في جبل الزيتون ، وأن المعبد اليهودي الكبير كان مبنيا في محازاة الحائط الغربي .. ولم يشر " ناحي نديس " الذي وضع تصورا مفصلا للهيكل وموقعه عام 1267 إلى حائط البراق !! 

وورد في وثائق " كارين أرمسترونج " أن السلطان سليمان القانوني رأى في منامه الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمره بالدفاع عن المدينة المقدسة وقبة الصخرة كعبة الأنبياء ، فأمر السلطان  "سليمان " بإقامة أسوار المدينة التي استغرق بناؤها عشرون عاما وتكلفت أموالا باهظة ، ويبلغ طول الحائط الذي مازال قائما ثلاثة أميال وارتفاعه أربعون قدما ، وكان الحائط يحمي المدينة المقدسة ، وبه أربعة وثلاثين برجا وسبع بوابات ، وصمم المهندس " سنان باشا " بوابة دمشق الرئيسية التي أطلق عليها ـ وقتئذ ـ بوابة سليمان ، وبعد أن تم الانتهاء من بناء السور عام 1541 واصبحت المدينة محصنة طلب السلطان سليمان من رعاياه الإقامة بها وخاصة اللاجئين اليهود والذين استقروا في أراض الإمبراطورية العثمانية بعد طردهم من اسبانيا المسيحية عام 1492 م ، ويعتبر ذلك التاريخ هو بداية هجرة اليهود إلى أرض فلسطين .. وقد حاول اليهود خلال الفترة الأخيرة من الحكم العثماني شراء الحائط ولكنهم فشلوا فلجأوا إلى العنف في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى عام 1929 وانتفض الشعب الفلسطيني للدفاع عنه ونشبت معارك عنيفة بين الطرفين كادت تتحول إلى ثورة عربية شاملة في فلسطين مما دعا الحكومة البريطانية إلى التقدم لعصبة الأمم عام 1930 بتشكيل لجنة للتحقيق مع اشتراك محكمة العدل الدولية وانتقلت اللجنة إلى القدس في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من نفس العام ، واستمعت إلى شهود جميع الأطراف ، وحققت في المستندات والوثائق ، ثم أصدرت قراراها في مطلع عام 1931  وأكدت اللجنة أن المسلمين سمحوا لليهود بمزاولة شعائرهم الدينية عند الحائط على سبيل التسامح ، ولذلك طلبت اللجنة من اليهود مراعاة القيود والاشتراطات التي وضعتها السلطات الإسلامية عند ممارسة اليهود لشعائرهم ، وهي الشروط التي  سبق وأن وضعتها السلطات البريطانية في الكتاب الأبيض الذي أصدرته عام 1928 ومنها عدم إحضار اليهود أية ستائر أو مقاعد أو آرائك أمام الحائط ، ويسمح لهم فقط بجلب كتب الصلاة اليدوية .. وكانت لجنة التحقيق قد أولت إهتماما كبيرا بالحقائق الموثقة تاريخيا وعمرانيا ، وتقول بأن الحائط هو حائط  "سليمان العثماني " لا " سليمان الحكيم " كما أن مواد بنائه وطريقة إنشائه ترجع إلى العصر العثماني ، بينما مواد البناء وطرق الإنشاء في عصر " سليمان الحكيم " تختلف تماما عنها في العصر العثماني الحديث ، وهي المواصفات التي أقام بها المهندس " سنان العثماني " سور القدس وحائط البراق جزء منه ، وليس جزءا من حائط هيكل سليمان الذي يبحثون عنه .. 

.....

.....

وفي واقع الأمر فإن حلم البحث عن هيكل سليمان ، كان ملازما لحلم دولتهم في فلسطين ، ولم يكن اللعب على الوتر الديني اليهودي وأساطيره لتكون فلسطين وطن اليهود الموعود والمختار ، لم يكن منفصلا عن عقيدة بناء الهيكل ، وبنفس المقدار وربما أشد ، إستجابة لمعتقدات " الفريضة المقدسة " وأحكامها ، وروادعها لمن يتخلى عنها ، لأنه ينفي حلم الوطن الموعود !! ويستندون إلى ما ورد في سفر الملوك الأول ، وسفر أخبار الناس الثاني من التوراة ، بأن أول من فكر في بناء الهيكل في أورشليم هو الملك داود ، ولكن الله أوحى إليه أن يدع بناءه لإبنه سليمان لينسب إليه ، ويسمى هيكل سليمان ، ويضم تابوت العهد أو قدس الأقداس ، وفيه الألواح التي أنزلت على موسى .. ويقولون بأن ما سجله عدد من ثقاة المؤرخين عن الهيكل ، يتفق مع " التوراة " بأن سليمان أراد أن يعوض بني إسرائيل عن الحرمان الطويل الذي كابدوه في صحراء التيه على عهد موسى بعد طردهم من مصر ، فبنى الهيكل على جبل موريا من جبال أوشليم ، وقدر ما استعمل في بنائه من الذهب والفضة بألف مليون جنيه حسب سعر النقد الحالي ، وجاء سليمان بخشب الهيكل من أرز لبنان إذ فاوض " حيرام " ملك صور فأرسل الملك " حيرام " الخشب وأدى سليمان ثمنه ذهبا .. واستخدم في بنائه 145 ألف عامل وتم البناء في سبع سنين !!  ويجمع المؤرخون على أن الهيكل تهدم تماما عندما استولى بختنصر على أورشليم، وأحرقت التوراة ولم يبق لها أثر ، ونفى بنو إسرائيل إلى بابل حيث عاشوا في الأسر خمسين عاما ، فلما عادوا إلى أورشليم بعد استيلاء الفرس عليها ، قال الكاهن " عزرا " أنه عثر على نسخة التوراة المفقودة ، وفي رأي بعض المؤرخين أنه وضعها ، وشرع في بناء هيكل جديد ، وهذا الهيكل هدمه بدوره الإمبراطور الروماني تيتوس عام 70م ، عندما أحرقت أوشليم بسبب ثورة اليهود على حكم الرومان ، فلما ثاروا مرة أخرى في عهد الإمبراطور أدريانوس عام 135م دمرت أورشليم تدميرا تاما وأزيل الهيكل من أساسه وحرثت المدينة حرثا وأقيم مكان الهيكل معبد وثني باسم  "جوبيتر" رب الأرباب عند الرومان ، وعندما اعتنق الرومان المسيحية على عهد الإمبراطور قسطنطينين لم يكن لهيكل سليمان أي أثر ، وفي سنة 636 فتح المسلمون فلسطين وعادت إليها عروبتها  .. ويقول الكاتب البريطاني " ولز " في كتابة " معالم تاريخ الإنسانية " أن المباني والأنظمة التي كانت لسليمان لا تقاس إلى جمال وعجائب المباني والأنظمة التي قام بها الفراعنة ، وما كان " هيكل سليمان"  إلا بناء عاديا لا يزيد على " فيللا " للسكنى العادية ، ولكن الدعاية اليهودية حاولت بكل جهدها وبكل ما رزقت من القدرة على التزوير والتزييف أن تجعل من هذا الهيكل حديث خرافة وأسطورة الأساطير، وهكذا صنعت بكل تاريخ سليمان ، وبكل ما زعمته لليهود من تاريخ ، ولكنها للأسف استطاعت أن تتسلط بهذه الخرافات على أذهان العالم المسيحي بل العالم الإسلامي!! 

.... 

وأضيفت إلى كل ما سبق ، روايات أخرى ، بعضها يشير إلى مشاركة العمال المصريين في بناء هيكل سليمان ـ الهيكل الأول ـ ومن بين أصحاب هذه النظرية الدكتور مهندس سيد كريم ـ عالم المصريات والخبير العالمي في تخطيط المدن ـ وبالاعتماد على ما ورد في التوراة " سفر الخروج " بأن " سليمان " عليه السلام تزوج " بل ييس " ( عرش الجمال ) إبنة فرعون مصر الملك أوسركون الأول .. ويقول د. سيد كريم في دراسة له 1982 : أن سليمان الحكيم طلب من فرعون مصر " أوسركون " أن يسمح لمهندسي مصر بالاستعانة بعمال مصر المهرة في بناء الهيكل الذي يستقبل فيه الملك سليمان الملكة  "بل ييس " .. وقد ورد في التوراة في سفر الملوك الأول الاصحاح الثالث ـ 2و3 ـ  وصاهر سليمان فرعون ملك مصر ، وأخذ بنت فرعون وأتى بها إلى مدينة داود ، إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورشليم حولها " .. وتذكر التوراة أيضا في سفر الملوك الأول 9/1  " صعد فرعون مصر وأخذ " جازر " وأحرقها بالنار ، وقتل الكنعانيين الساكنين في المدينة ، وأعطاها مهر لإبنته امرأة سليمان "  والمقصود هنا بامرأة سليمان " بلبيس " إبنة الملك أوسركون ملك مصر ، وقد ذكرت مصادر التاريخ بأن مهندسي مصر أبدعوا في تصميم الهيكل الذي جمع بين عمارة المعابد المصرية المقدسة وفنون عمارة قصور الحكم الخالدة فعكست عمارة الهيكل المقدس سحر الفنون المصرية وطابع عمارتها ، وكانت أرضيات الهيكل مكسوة بالبلاط الزجاجي المصري ( القيشاني الفرعوني ) الذي بدء ظهوره في كسوة حوائط وأرضيات مقابر الدولة القديمة .. " قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير .. " ـ النمل 44 ـ فعمارة هيكل سليمان من ناحية الطراز المعماري وطريقة الإنشاء ومواد البناء تنتمي إلى طراز عمارة المعابد والقصور المصرية في الدولة الحديثة الممتدة إلى عصر الملك أوسركون ، وهي تختلف تماما عن فنون العمارة ومواد بنائها وطرق إنشائها وطرزها المعاصرة في المناطق المحيطة بالقدس ، وتمت إقامة هيكل سليمان المقدس عام 945 ق.م وهو العام الذي انتقلت فيه الأميرة بلييس المصرية إلى أرض فلسطين ، وفي السنة الرابعة لجلوس النبي سليمان على العرش .. ويؤكد الدكتور سيد كريم في دراسته البحثية ، أن المؤرخين القدماء قد اختلفوا في وصف الهيكل ، ووصفه البعض بأن مساحته لا تزيد عن 300 متر مسطح ، بينما وصفته بعض المراجع الأخرى بأن مساحته تزيد عن الألفي متر مسطح ، وأن ارتفاعه يزيد عن العشرين متر .. وفي عام 597 ق.م عندما احتل " بخنتصر " حاكم بابل القدس دمر الهيكل وأزاله ، ثم تمكن قورش الأكبر ملك الفرس من احتلال القدس وسمح لليهود بالعودة إليها وأقاموا بها هيكلا آخر سنة 516 ق.م في مكان آخر بعيد عن موقع الهيكل الذي سبقه ولم يكن على المستوى الفني لهيكل سليمان .. وحينما احتل الرومان أورشليم " القدس " سنة 62 ق.م وهي الفترة التي استحوذ فيها  "هيرودس " على السلطة وكان يهوديا يحمل الجنسية الرومانية تمكن من تجديد بناء الهيكل سنة 18 ق.م وأقام حائطا مربعا حوله طول كل ضلع من أضلاعه 180 مترا حتى تصبح مساحة حرم الهيكل 30000 متر مربع .. ثم دمر قيصر الرومان " طيطس " بعد ذلك أورشليم ودمر الهيكل الذي جدده هيرودس سنة 70 م .. وفي عهد الإمبراطور الروماني " هدريا نوس " تم تدمير أورشليم بأكملها وأسس مكانها مدينة " إيليا كايتولينا " عام 135 م وهدم الهيكل وكل بناء ينتمي لليهود ومنع اليهود من الإقامة في مدينة إيليا ( القدس ) وظل هذا المنع ساريا لعدة قرون ، وعندما بدأوا في التسلل مرة أخرى إلى المدينة أصدر هرقل ملك الروم أمرا بعد توليه الحكم سنة 628 م بإبعاد اليهود عن إيليا مسافة 3 أميال .. وعندما تم فتح مدينة إيليا ( القدس ) على يد الخليفة عمر بن الخطاب سنة 636 م ( 15 هـ ) لم يكن هناك أي تأثير للهيكل كما لم يكن بالقدس يهودي واحد ، وأعطى عمر عهده لسكان القدس المسيحيين بالمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم وكنائسهم ، وأنه لا ينتقص منها شيئا ، ولا من حيزها ،ولا يكره أحد على دينه .. ويضيف د. سيد كريم :  ومما سبق نؤكد أن هيكل سليمان الأصلي قد تم تدميره منذ نحو 2500 سنة ثم تم تدمير الهيكل الذي أقيم بدلا عنه منذ ما يقرب من ألفي سنة بعد أن جدده هيرود ، وأخيرا تمت إزالة كل أثر للهيكل سنة 135 م بعد أن أزيلت مدينة أورشليم ( القدس ) بأكملها ، وعلى ذلك فمن المتعذر أو من المستحيل معرفة مكان بناء الهيكل الأصلي أو الهيكل الذي جدده هيرود أو غيره من الهياكل والمباني الدينية التي أقاموها بدلا عنه في مختلف مراحل احتلال القدس .. 

..... 

ويعتمد الباحثون اليهود على مصدرين أساسين في استيقاء معلوماتهم عن فترتي الهيكل الأول والثاني وفترة النفي إلى بابل : على العهد القديم أولا .. ثم كتابات المؤرخ اليهودي جوزيفوس فلافيوس الذي عاش في القرن الأول الميلادي ، والأخير يعتبر المصدر الأول في الكتابة عن عصر الهيكل الثاني .. والمعروف أن عدد الأسفار التاريخية في العهد القديم ، هي أثنا عشرة سفرا ، وهي يوشع ، والقضاة، وراعوث ، والتكوين ، وصموئيل الأول والثاني ، والملوك الأول والثاني ، والأيام الأول والثاني ، وعزرا ، ونحميا ، وإستير .. وتحكي هذه لألسفار التاريخية عن فترة تاريخية تمتد من وفاة موسى ـ عليه السلام ـ حتى العودة من النفي البابلي في القرن السادس ق.م ، ومن المعروف أن الفترة التي تمتد من وفاة موسى حتى النفي البابلي قد كتبت وصيغت في المنفى في بابل على يد عزرا الكاهن وهو المؤسس للديانة اليهودية .. وطبقا لنظرية حديثة فإن الصياغة النهائية لنصوص النص العبري للتوراة ـ التوراة العبرية ـ تمت صياغتها في عهد يوشيا في القرن السابع ق.م ، وهناك بعض التعديلات التي حدثت في الفترة ما بين القرن الأول ق.م ، والقرن الرابع الميلادي .. وكانت التوراة العبرية خلال الأربعين سنة الماضية مصدر خلاف بين فريقين ، وكانت غلبة أحد الفريقين تحدده دراسة ونقد التوراة،  وانتقل هذا الخلاف بين الأثريين في إسرائيل ، أحد الفريقين يؤكد أنه يمكن الاعتماد على التوراة كمصدر للأحداث التاريخية وتفسير للاكتشافات الأثرية ، ويرى الفريق الثاني أن العهد القديم ليس إلا كتابا عقائديا لا أكثر ، ويأتي على رأس الفريق الثاني الرافض ، الباحث الإسرائيلي ، " إسرائيل فرانكلستاين " الذي ينكر وجود مملكة داود وسليمان ، أما الفريق الأول فيضم غالبية أثريي إسرائيل الذين يؤكدون وجود أدلة على وجود هذه المملكة مثل مخطوطات البحر الميت ونقش بيت داود ، وعلى رأس هذا الفريق " إيجال يادين " النائب الأسبق لرئيس وزراء إسرائيل ، و" بنيامين مازار"  وحفيدة الأخير إيلات مازار،  والذين يعتبروا أهم من نقبوا أو تكلموا عن مملكة داود وسليمان ، وهم من يمثلون الفريق المؤكد لتاريخية التوراة ومنظرو المشروع الصهيوني حول الحرم الشريف ، وحدث بينهم وبين الفريق الرافض جدلا شديدا خاصة ما يتعلق ب " نقش يهواش " و " نقش تل دان ".. أما المصدر الثاني فهو ما كتبه المؤرخ اليهودي " جوزيفوس " الذي كان على خلاف مع المؤرخ المصري " أبيون " والأخير قام بكتابة كتاب أعلن فيه أن المؤرخ المصري " مانيتو " في القرن الثالث ق.م أكد أن اليهود تعود اصولهم إلى الهكسوس الذين غزوا مصر ، وجعل هذا جوزيفوس فلافيوس يقوم بالدفاع عن اليهود وديانتهم وآثارهم واعتبر أن كل من المؤرخين المصريين أبيون ومانيتو ضد السامية .. وكتب جوزيفوس فلافيوس أهم كتبه باللاتينية وهو " آثار اليهود " في عامي 93 و94 م وبدأ المراحل التاريخية منذ آدم وحواء وحتى الأحداث التاريخية المسجلة في الأسفار التاريخية بالتوراة العبرية ، وقام جوزيفوس بإضافة أحداث وحذف بعض الأحداث ، ويضاف لهذا الكتاب كتاب آخر وهو " الحروب اليهودية " وهما أهم كتابين يعتمد عليهما الباحثون الإسرائيليون في استيقاء المعلومات التاريخية عن القرن الأول الميلادي وأوائل العصور المسيحية .. 

..........

والشاهد أن هناك دورا حاكما في العقيدة الإسرائيلية ، يستمد تأثيره من أساطير التوراة التي تدحضها الحفريات الأثرية التي قام بها علماء أثار غربيون وإسرائيليون أيضا .. وربما كان تعبير البروفيسور "روبرت ألتر " أستاذ الديانة اليهودية في جامعة بيركلي ( كاليفورنيا ـ الولايات المتحدة ) هو التعبير الفاصل في هذه المسألة ، بأن : " التوراة المتداولة الآن يجب قراءتها بعيون الأدب وليس بعيون التاريخ أو الدين " .. حيث أصبح معروفا اليوم أن الأسفار الخمسة الأولى التي تنسب إلى النبي موسى مشكوكا في نسبها إليه عليه السلام ، بل ترجع إلى جملة من الكتّاب اختلفت توجهاتهم العقائدية ، وفي بحث لعالم الأثار والأكاديمي الدكتور عفيفي البهنسي تظهر أهمية تفنيد وتحليل العلاقة بين التاريخ والتوراة في كشف أساطير النص التوراتي الذي ظل مصدرا تاريخيا وحيدا في العهد القديم ، إلى أن جاءت المكتشفات الأثرية لتكشف حقائق التاريخ .. يذكر د. البهنسي : " كان همّ مدوني التوراة أن يجعلوا أحداث التوراة هي أحداث الإنسان في بداية التاريخ ، وجعلوا من إبراهيم الخليل ( أبو الأمم ) بداية الوجود المتحضر ، وربطوا وجودهم بهذا التاريخ مركزين على علاقة أصحاب الدين الجديد  (اليهودية) بإبراهيم الخليل نسبا وعقيدة ، ولأن آل إبراهيم أطلق عليهم إسم بني إسرائيل ، فإن اليهود يسردون تاريخهم من خلال ربط المهاجرين إلى مصر مع يوسف بالقادمين مع موسى بعد خمسة قرون  أي أن السرد لا يخضع للمنطق الموضوعي ولا يراعي التسلسل الزمني ، بل تختلط فيه القصص الشخصية الثانوية بالأحداث التاريخية  " ..  ويشير البحث إلى نهل الأسفار من الحضارات السابقة ، فقد أظهرت المكتشفات الأثرية أن سفر التكوين شديد الشبه بالأفكار البابلية القديمة التي وردت في أساطير إينوما إيليش ، عن نشأة الكون ، ومما يؤكد أن التوراة تتضمن عرضا تاريخيا للعقائد الدينية التي كانت سارية قديما ، بالإضافة إلى أن مفهوم الإله الأحد الأوحد غير واضح في التوراة ، إذ أن  (يهوه ) هو رب بني إسرائيل فقط ، وليس رب العالمين ، وبالتالي يجدر هنا التساؤل عن الوعد الديني بامتلاك الأرض الذي قطعه إله لا يتصف بالوحدانية ؟! ويتناول الباحث النص التوراتي من خلال منطقة السرد ذاته ، مثل وصف اللقاء بين يعقوب وأولاده ، وبين يوسف الذي أعطاهم ملكا في مصر، أرض رعمسيس ، ليخلص إلى أن أرض بني إسرائيل ليست هي بلاد كنعان ، بل إنهم استمروا غرباء ، فهي أرض غريبة ، أما أرضهم الأصلية فهي فدان آرام ـ حران ـ ومنها اختاروا زوجات لهم .. ويضيف البهنسي : أن أبناء يعقوب ـ المعروف بإسرائيل ـ الأثنى عشر ، ولدوا خارج الأرض المقدسة فلسطين ، بمعنى أن بني إسرائيل المعنيين في التوراة بصفتهم أصحاب الأرض لم يعيشوا فيها ، بل مكث كل من يعقوب ويوسف بعيدا عنها .. ولا يغيب عن الباحث تناول النظريات المختلفة التي سبقته في التساؤل عن أرض التوراة ، مثل كمال الصليبي في كتاب " التوراة جاءت من جزيرة العرب " الذي يذهب فيه بعيدا عن فلسطين ، مؤكدا أن الممالك لم تتجاوز قرى أو مضارب للبدو ، كان الملوك فيها رؤساء عشائر في منطقة عسير بالجزيرة العربية !! 

وتشير دراسة للدكتور سيد كريم ، إلى أن التوراة جزء من ثلاثة أجزاء يضمها العهد القديم ، فهي الجزء الأول من أجزاء العهد الثلاثة ، أما الجزء الثاني يسمى الأنبياء أو " النبيم "  ، والجزء الثالث يسمى الكتابات أو " كتوبيم " ، ويجمع اليهود الأجزاء الثلاثة تحت إسم " تناك " ، وكتب العهد القديم في ألف سنة ـ 1100 ق.م ، حتى القرن الثاني الميلادي ـ ويختلف أحبار اليهود في عدد أسفاره ، وإن كادت الأغلبية تجمع على أنها 24 سفرا .. والأسفار الخمسة الأولى تنسب لموسى باعتباره مؤلفها ، لكن تلك الأسفار من التوراة تتحدث عن موسى وعن وفاته ودفنه ، وبالطبع لا يمكن أن يكون النبي موسى مؤلفها ويتحدث فيها عن وفاته ودفنه ، ويكتبها وهو يتحدث عن دفنه وما حدث بعد وفاته .. وفي التوراة أسماء لمدن وقرى لم تكن موجودة أو معروفة أيام موسى ، وفيها مصطلحات فلكية وجغرافية لم تعرف إلا بعد رحيله .. ويؤكد الدكتور سيد كريم في دراسته : أن التوراة العبرية التي بين أيدي اليهود الآن ليست التوراه التي نزلت على موسى ، فموسى لم يعرف العبرية ولم يعرفها اليهود أنفسهم طيلة حياته . ولد موسى وعاش ومات وهو لا يعرف سوى اللغة الهيروغلوفية المصرية واللغة الآرامية ، أما اللغة العبرية فلم يعرفها أنصار موسى إلا بعد أن تسللوا إلى أرض كنعان ..فالتوراة التي تنسب لموسى توراة مصرية هيروغلوفية لا عبرية ، وقد نشر ذلك في القاهرة قبل أكثر من قرن من الزمان باسم التوراه الهيروغلوفية ، كما أن الكثير مما ورد في التوراه لا يزيد عن الاقتباس الروحي والأدبي من طقوس العبادة الفرعونية ، فمن العادات الدينية التي يعتبرها اليهود مقدسة هي في معظمها عادات فرعونية حافظ عليها قدماء المصريين ، مثل الختان ، وتحريم لحم الخنزير ، والخوف من الغرباء ، وقد رصد " هيرودوت " هذه العادات عند زيارته لأرض مصر الفرعونية عند قيامه بمحاولة كتابة تاريخ الحضارة المصرية القديمة فيصف المصريين بأنهم أكثر تدينا من غيرهم من الشعوب ويتميزون كذلك عنهم بكثير من عاداتهم مثل الختان الذين أخذوا به قبل غيرهم لأسباب تتعلق بالصحة والنظافة الجنسية ثم أنهم يشمئزون من الخنازير لاعتقادهم أن الخنزير يمثل " ست " إله الشر ، ويعتقد المصريون أن " ست " إله الشر عندما حاول قتل حورس " إبن السماء " كان مختفيا في شكل خنزير اسود .. وقد أخذ اليهود العديد من العادات المصرية ، وخاصة ما ارتبط منها بعقيدة التوحيد ونسبوها إلى الرب ، وادّعو إن السماء فرضتها من خلال التوراة !! ويضيف الدكتور سيد كريم في دراسته : إذا كانت الكتب السماوية المختلفة قد أجمعت على توحيد الإله ، الخالق الواحد ، ولا إله إلا هو ، كما قدست جميع الرسالات أنبياء الله ورسله أجمعين ، نجد أن توراة الإسرائيليين لم تترك رسولا أو نبيا من أنبياء الله إلا وتطاولت عليه وحاولت التشكيك في نبوته ورسالته وعلاقته بالخالق الذي حمّله الرسالة ، فالأله القوي الأعظم تصفه التوراة في أكثر من موقع بالضعف والتشكيك في قدرته ، وتصور التوراة الرب ضعيفا يخشى بزوغ الفجر وإشراقه الشمس ، ولا حول ولا قوة له ، وأنه يطلب من " يعقوب " أن يطلق سراحه ، وتصوره هجّاما يسلب المواشي ويعطيها إلى يعقوب ـ أبو أنبياء اليهود الذي خرج من صلبه الأسباط الأثنى عشر ـ أما الأنبياء فقد تحدثت عنهم التوراه بلا أدنى حرج ، ولم تترك نبيا أو رسولا إلا وتطاولت عليه .. أما نوح فتصوره التوراه في صورة سكير يشرب الخمر حتى تنكشف عورته فيراها ابنه " حام " ، وجاء أخاه  "سام " وستر عورة أبيه ، وعندما استيقظ نوح وعرف ما حدث لعن " حام " ونسله ودعا أن يكونوا عبيدا لنسل " سام " أبد الدهر ، ولو عرفنا أن المصريين والفلسطينيين هم نسل حام ، وأن اليهود هم من نسل سام ، لأدركنا المعنى الخفي من وراء هذه الخرافة ، لتأكيد حقهم في استعباد الفلسطينيين والسيطرة على المصريين ، وتتضمن التوراه خرافات دينية أصبحت فيما بعد ولاتزال نظريات سياسية ، تقول التوراه : اختارك الرب لتكون شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض !!  

.....

وإذا كانت الدراسات والأبحاث التاريخية ، قد كشفت عن حقيقة وأسباب الخلط المتعمد ، واللعب بالتاريخ ، بدمج وحدة الأنساب والأصول بين العبرانيين ، واليهود ، والإسرائيليين .. يبقى التساؤل قائما على هامش الخلط المتعمد : حول العلاقة بين العبرانيين واليهود والإسرائيليين ؟! ومن بين الدراسات التاريخية التي تناولت الإجابة على التساؤل، بحث للدكتور أحمد حماد ، رئيس قسم الأدب العبري بكلية الآداب جامعة عين شمس،  يقول : أن هناك خلطا كبيرا في المفاهيم والمصطلحات يستغله الإسرائيليون لصالحهم ، و" العبرانيين" صفة كانت تطلق على مجموعة من القبائل تسمى بدو الحمير أي رعاة الحمير ، أما بنو إسرائيل فهم من خرجوا من مصر بقيادة سيدنا موسى ، وإذا كان الإسرائيليون يشكلون جزءا من جماعة بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى ، فإن بعضا منهم قد ينتمي للعبرانيين ، وعلى ذلك الافتراض لا يجوز تسليم الجزء حق الكل ، مع الأخذ في الاعتبار أن النص التوراتي لم يذكر على الإطلاق أن للعبرانيين الحق في أي قطعة أرض .. وتعرّف كتب التاريخ العبرانيين بأنهم خليط من الشعوب الآسيوية السامية القديمة ، استقروا لفترة في أرض كنعان ، وكان منهم الآراميون والعموريون والآشوريون والأموريون ، وغيرهم من الشعوب والأعراق ، ويعتبر إبراهيم عليه السلام ومن ثم إسحق ويعقوب طبقا لهذا التعريف عبرانيين ، وترجع تسميتهم بهذا الإسم إما لأنهم هاجروا وعبروا كما هاجر إبراهيم عليه السلام من العراق ثم إلى مصر وفلسطين وإلى صحراء الشام عابرين للأنهار ، أو لنسبتهم إلى أحد أجداد سيدنا إبراهيم " عابر " ورد اسمه في التوراة ، وبالتالي فإنهم لايمثلون عرقا أو جنسا ، بقدر ما يمثلون جماعات وعشائر وقبائل مختلطة من شعوب آسيوية سامية ، وتشير الدراسات التاريخية إلى أن العبرانيين ليسوا يهودا ، وأن بني إسرائيل لم يمثلوا إلا فرعا صغيرا منهم !! وهم ينسبون أنفسهم لسيدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب ويقولون إنهم من الأسباط ، والتاريخ يؤكد أن الأسباط لم يتجاوز عددهم 70 شخصا حين دخلوا أرض كنعان وخرجوا منها 600 ألف شخص بعد ما يقرب من 300 سنة ، رغم أن الحقيقة العلمية تقول إن 70 شخصا لا يمكن أن ينجبوا هذا العدد في ذلك الوقت القصير إلا بالتخليط العرقي ، وحتى مملكة داوود وسليمان التي يتمسكون بها لم تدم سوى 72 عاما من واقع النص التوراتي ، فكيف يعقل أن تعطي تلك السنين القصيرة من عمر تاريخ المنطقة ، حق العودة للإسرائيليين ، مع العلم بأن هناك شكا في جذورهم ؟! والجذور التاريخية لمنطقة فلسطين توضح أنه لم يكن هناك وجود لليهود بمنطقة القدس ، وحينما قاموا بغزو فلسطين قبل داوود مروا على القدس ولم تجذب انتباههم لأنها لم يكن لها أي أهمية استراتيجية في ذلك الوقت ، وعندما أصبح داوود ملكا اختار منطقة لا تمت لأي قبيلة بصلة ، لأن الصراعات بين القبائل على الأرض كانت شديدة جدا ، وسماها القدس ، لكنها لم تكن القدس الحالية ، وإنما عاصمة لمدينة أسسها داوود فوق جبل صهيون ، وتقول التوراة : " وأقبل بنو إسرائيل إلى داود في حبرون ، فقطع معهم عهد أمام الرب ، ومسحوه ملكا عليهم بحسب كلام الرب على لسان صموئيل ، وسار داود ورجاله إلى أورشليم أي يبوس حيث كان اليبوسيون ، فقالوا له : " لا يمكنك أن تدخل إلى هنا " فاحتل داود حصن صهيون الذي سمى مدينة داود فيما بعد " ـ سفر أخبار الأيام الأول إصحاح 11 العهد القديم ـ وإذا اتفقنا معهم بأن سليمان إبن داوود بنى هيكلا وهم يبحثون عنه ، فعليهم أن يبحثوا عنه فوق قمم الجبال وليس أسفل المسجد الأقصى، والدليل على ذلك أن منطقة حائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى ويدّعون أنه جزء من الهيكل ، لا يطابق مواصفات الهيكل ، لأن عرض أقل طوبة في الحائط لا يقل عن 4 أمتار بينما عرض الهيكل كله 10 أمتار وذلك من خلال أوصاف الهيكل الموجودة في الكتاب المقدس !! 

......

......

ورغم هذه الحقائق التاريخية والجغرافية ، مازالت تتوالى مزاعم وأكاذيب إسرائيل حول بناء المسجد الأقصى فوق هيكل سليمان ، وقد فشلت محاولاتهم العديدة عبر التاريخ في تحديد موقع الهيكل الأصلي ، بعد إقامته في عدة مواقع داخل مدينة القدس وخارجها !!