القاهرة 03 يوليو 2014 الساعة 11:42 ص
.. وقف الغرب الأمريكي الأوروبي طويلا.. ضد حركة القومية العربية بقيادة جمال عبدالناصر.. ووصل العداء لجمال عبدالناصر ولمصر بقيادته إلي درجة الحرب والعدوان.. كما رأينا في حروب إسرائيل ضد العرب في 1956 وفي .1967
وكشفت الملفات السرية للمخابرات الأمريكية والبريطانية مؤخرا انه حين بدأت اجتماعات القمة العربية بقيادة عبدالناصر في عام ..1964 شعرت واشنطن ولندن وتل أبيب بما يشبه الفزع من مخاطر نجاح عبدالناصر في توحيد دول وشعوب العالم العربي.. وقالوا.. لا يمكن السماح بانعقاد مؤتمرات قمة عربية.. تناقش جدول أعمال يخدم مصالح وأهداف الشعوب العربية.. ويهدد مصالح إسرائيل وأمريكا وأوروبا في العالم العربي!!
وشعرت بريطانيا بما يشبه الضياع بعد معركة السويس ..1956 خوفا علي احتمالات تراجع واحسار مكانة بريطانيا العالمية كقوة كبري.. وانتشر الفزع والخوف في أوساط شركات البترول الأمريكية والأوروبية الكبري.. بسبب مخاطر فقدانها لسيطرتها علي منابع وحقول البترول في الخليج العربي.. وتردد علينا في واشنطن ولندن وباريس ان ثروة العرب البترولية هي فرصة الغرب.. الأمريكي - الأوروبي.. الأخيرة للحفاظ علي تفوقه الاقتصادي والعسكري علي مسرح السياسة الدولية.
وأكد صناع القرار السياسي في واشنطن.. إن البترول هو أخطر سلعة استراتيجية في التاريخ.. ولا يمكننا السماح بأن يتحول البترول إلي رصيد اقتصادي يخدم المصالح الجماعية للدول والشعوب العربية.. ويخدم الشعارات البراقة لما يسمي بالوحدة والقومية العربية التي يتحدث عنها عبدالناصر.
.. واليوم يعترف خبراء الأمن القومي الأمريكي بأن مأساة الصراعات الدموية التي يشهدها العالم العربي اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن.. ليست وليدة اليوم.. وقالوا إن المشهد السياسي المأساوي الراهن في العواصم العربية.. يعود في جذوره الأساسية إلي الماضي البعيد حين وقفت أمريكا وأوروبا ضد طموحات عبدالناصر الوطنية والقومية.. في السيادة والاستقلال والعروبة.
وقد حدث فعلا.. ان مات جمال عبدالناصر.. تحت لهيب الضغط العسكري والسياسي.. الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي.. وتعرضت القومية العربية للهزيمة والانكسار.. وبالفعل انسحب خلفاء عبدالناصر من كل قضايا العروبة.. ومعهم انسحبت الدول والشعوب العربية من قضاياها القومية.
واعترف خبراء أمريكيون في واشنطن مؤخرا.. بأن العرب.. أو الكثيرون منهم.. قد انسحبوا بعيدا بعيدا.. ربما حتي من ملابسهم.. ووقفوا عراة.. في مواجهة آلة الحرب الجهنمية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.. في العراق وليبيا واليمن وفي مناطق ودول أخري كثيرة.
ولم يبق أمام الإنسان والمواطن العربي سوي الاحساس بالهوية القديمة.. القبلية والعرقية.. والمذهبية.. وبعد أن كان نداء العروبة.. ينشر الاحساس بالوحدة القومية العربية.. من الكويت إلي المغرب.. لم يبق لدي العرب سوي الاحساس بالهوية القديمة.. للمسلم أو المسيحي.. للشيعي أو السني.. للدرزي أو الكردي.
ضياع الهوية القومية
واختفي نداء العروبة الأثير.. الذي كان يوحد الجميع في صف واحد.. يخدم قضايا الأمة العربية في الوحدة والاستقلال والسيادة ويخدم قضايا التنمية والتقدم.
وفي النهاية.. تدخلت الآلة العسكرية الأمريكية بشكل مباشر.. وقامت بغزو احتلال العراق.. حيث قامت بتدمير مقدرات الشعب العراقي.. وتدمير وحدة العراق الاقليمية والوطنية.. وكان الهدف القديم غير المعلن.. هو دفن كل نداءات العروبة والوحدة في بغداد إلي الأبد.
مهمة لم تكتمل
ويقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي جورج فريدمان: إن المصالح الأساسية لأمريكا والغرب في العالم العربي.. تكمن في استمرار السيطرة علي منابع وثروات البترول والغاز.. لأنها هي القوة المحركة لكل وسائل ومخترعات الحضارة والاقتصاد في نصف الكرة الشمالي والعالم كله.
ويؤكد جورج فريدمان إن مهمة أمريكا في العراق وليبيا لم تكتمل.. ولن تكتمل.. ورغم ان الولايات المتحدة مازالت هي أكبر قوة عسكرية في التاريخ.. إلا أن مصالحها في بقاء العراق الموحد وليبيا الموحدة ثانوية جدا.. ولا يمكن لأمريكا القيام بعملية عسكرية باهظة التكاليف للحفاظ علي وحدة العراق أو ليبيا.
وهكذا.. لم يبق لدي أمريكا سوي استراتيجية واحدة.. هي القبول بما هو قائم.. أي وجود ثلاثة كيانات منفصلة في العراق.. وثلاثة كيانات أخري في ليبيا.
وفي هذا الكتاب "خروج القذافي" يقول الدبلوماسي الأمريكي السابق إيتان شيرون: إن خطة التدخل العسكري الأمريكي - الأوروبي في ليبيا.. سبقت عملية التمرد المسلح ضد القذافي في بنغازي بوقت طويل.. وحين اكتشفت باريس ولندن ان القذافي يخطط لتأميم شركات البترول العالمية في ليبيا.. أصبحت خطة التدخل العسكري لاسقاط القذافي.. مهمة عاجلة وملحة.. تنتظر شرارة الانطلاق.. التي تمثلت في تمرد الجماعات الإرهابية والتكفيرية ضد القذافي في بنغازي ودرنة وبني وليد.
التعايش مع الانقسام
ولم يعد هناك خجل في وشانطن ولندن.. ولا يتردد الأمريكيون في الحديث بصراحة عن ضرورة التعايش مع انقسام العراق وليبيا إلي دويلات وكانتونات صغيرة.. علي أن يتم التركيز علي اشعال الصراعات بين هذه الكيانات السياسية الجديدة بصورة دائمة.. بعيدا عن المصالح الأمريكية والأوروبية.. ويمكن للولايات المتحدة التدخل بصورة أخري من خلال اقامة توازن للقوي بين الكيانات والدويلات الناشئة في العراق وليبيا.. وسوريا.
ويقول الخبراء الأمريكيون.. لا يمكن لأمريكا التدخل العسكري المباشر في العراق أو ليبيا.. أو حتي سوريا من أجل الحفاظ علي وحدة دول.. لا تريد ان تبقي موحدة.. وربما كانت الدول الموحدة تخدم مصالح العراق وليبياا وسوريا.. لكنها لا تخدم مصالح أمريكا.. ولا يمكن لأمريكا التدخل العسكري لفرض حلول وتسويات سياسية.. لا تخدم المصالح الأمريكية بالدرجة الأولي.. وتكلفة الحرب باهظة.. وأمريكا التي أنهكتها الحروب في العراق وأفغانستان.. عليها الآن أن تتجنب الحرب علي طريقة الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور.. الذي تجنب الحرب في معركة السويس - .1956
ويقولون في واشنطن.. إن الحرب في العراق وليبيا وسوريا.. ليست معركة أمريكا.. لأن معركة أمريكا الرئيسية هي الحفاظ علي استمرار تدفق البترول من الحقول العراقية في الجنوب والشمال.. لأن العراق أصبح الآن ثاني أكبر منتج للبترول في منظمة الأوبك.. بإنتاج يومي يزيد علي خمسة ملايين برميل يوميا.
وأمريكا لديها مصالح فقط في استمرار تدفق البترول من الحقول الغنية في شرقي ليبيا وغربها.. وهي أجود أنواع البترول في العالم.
أما الحرب من أجل وحدة العراق أو ليبيا أو سوريا.. فإنها ليست معركة أمريكا.. وحروب ليست لأمريكا مصالح استراتيجية فيها.. ولكن يمكن لأمريكا احتواء الجماعات الإرهابية في العراق وليبيا.. وربما سوريا.. بضربات عسكرية من الدرجة الثانية.. لا تتضمن الحشد العسكري الهائل للجيوش والأساطيل الأمريكية والأوروبية.
الجنرال الخفي
.. وهنا نكتشف ان ظهور الجنرال خليفة حفتر في ليبيا.. يبشر بنوعية الحروب الأمريكية الجديدة في العالم العربي.. خاصة في ليبيا والعراق وسوريا.. وهذا الجنرال معروف بعلاقاته القديمة بالمخابرات الأمريكية فقد تم رسم خطوط الحرب والصراع.. لتمتد طويلا وبعيدا.. ومن الآن يمكننا ان نقول وداعا للعراق الموحدة.. ولليبيا الموحدة.. ولن ينتهي الصراع الدموي في سوريا بالوحدة ومنذ شهور طويلة حذر الرئيس الأمريكي أوباما من أن بشار الأسد قد يتمكن من البقاء في السلطة في دمشق.. لكن سوريا لن تبقي موحدة.
وقد دخل الجنرال خليفة حفتر في صراع دموي في ليبيا.. خاصة مع الجماعات الجهادية والتكفيرية التي تهدد بتحويل ليبيا إلي ما هو اسوأ من العراق والصومال وأفغانستان وسوريا..وتؤكد كل الشواهد في بنغازي ان الحرب والصراع القادم في ليبيا.. سيكون طويلا ودمويا.. في ظل انعدام الدولة.. وانعدام الكيان الوطني الموحد في ليبيا.. كما كان الوضع تحت قيادة القذافي.
ولم يعد مثيرا للدهشة ان يكشف الفرنسيون والبريطانيون ان عملية التدخل العسكري في ليبيا تمت بتمويل عربي.. وأحيانا بأسلحة عربية.. وقدمت قطر وحدها أكثر من 400 مليون دولار للجماعات الإرهابية المعادية للقذافي في بنغازي ودرنة.. رغم أنها كانت تعلم جيدا بعلاقات هذه الجماعات الوثيقة بتنظيم القاعدة.. بقيادة أيمن الظواهري.
ويحكي إيتان شيرون في كتابه.. قصة الأيام الخمسة الأولي لعملية التمرد ضد نظام معمر القذافي.. خاصة في بنغازي ودرنة شرقي ليبيا.
ويقول إن عملية التمرد والثورة ضد القذافي كما تحدث عنها الإعلام الأمريكي والأوروبي.. جاءت في أجواء الحديث عن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر.. التي رفعت شعارات الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.. وكلها كانت شعارات لا وجود لها في ليبيا.
فقد تمت عملية التمرد والثورة ضد القذافي بقيادة شباب الجماعات التكفيرية المتطرفة في بنغازي.. وكلها وثيقة الصلة بتنظيم القاعدة الدولي.
ويعترف شيرون بأن عملية التمرد ضد القذافي بدأت بسلسلة من الأحداث الغامضة.. التي لا تفسير لها حتي الآن.. خاصة في مدينة بنغازي وضواحيها.. بدءا من منتصف فبراير ..2011 أي بعد استقالة الرئيس حسني مبارك في مصر.. واستمرت هذه الأحداث حتي نهاية مارس 2011 وما بعده.
حدثت عملية التمرد ضد نظام القذافي في الاقليم الشرقي من ليبيا - بنغازي.. الذي كان ينظر القذافي إليه باستمرار علي انه اقليم التمرد.
وتؤكد تقارير المخابرات المركزية الأمريكية ان الجماعات الدينية المتطرفة في بنغازي هي التي قامت بعملية التمرد ضد القذافي.. وكانت جماعات الإخوان الإرهابية هي التي تقود عملية الحرب ضد نظام القذافي وظهرت بصمات جماعة الإخوان في الحرب ضد القذافي من خلال عمليات نسف وتدمير مراكز الشرطة في بنغازي ودرنة وبني وليد.. وفي العملية الرهيبة التي تمت لنسف وتدمير المقر الرئيسي لقيادة الأمن ووزارة الداخلية الليبية في بنغازي بسيارة كانت تحمل شحنة هائلة من المتفجرات.
وحدثت مفاجأة كبري.. حين أعلنت قيادات كبري في حكومة القذافي في بنغازي انحيازها لحركة التمرد والثورة الجديدة.
البرنامج الأمريكي
وظهر تأثير البرنامج الأمريكي للإصلاح في ليبيا سريعا.. وهو البرنامج الذي وافق عليه القذافي في إطار صفقته الشهيرة مع أمريكا.. والتي تعهد فيها باحترام قيم الديمقراطية واحترام الحريات.. ويؤكد إيتان شيرون ان هذا هو البرنامج الأمريكي المعتاد الذي يستهدف أي نظام سياسي لا تريده أمريكا.. من الداخل وهي الوصفة الأمريكية السحرية لاسقاط الأنظمة السياسية من الداخل في العالم العربي.
وكانت البداية هي ما حدث في تونس ومصر..
وقد ظهرت أعراض التمرد والثورة في مدن ليبيا الشرقية مبكرا.. حتي قبل ثورة 25 يناير 2011 في مصر.
وتحدثت برقيات السفارة الأمريكية في طرابلس عن غرائب سلوك القذافي.. خاصة في الفترة من 2009 وحتي 2010 وأكدت التقارير السرية الأمريكية ان القذافي يشعر بالمهانة والامتهان وبأن التقدير السياسي الأمريكي له قد أهدر كرامته الشخصية.. ولذلك بدأ القذافي يفكر في وسيلة للانتقام من أمريكا وبريطانيا.. وبدأ يخطط لتأميم شركات البترول من جديد.
قبل السقوط
وأكدت التقارير الأمريكية أيضا ان القذافي أصدر أوامره بإلغاء كل مسابقات كرة القدم.. خوفا من قيام جماهير الكرة بالاشتراك في المظاهرات والاحتجاجات ضده.
.. وفي أوائل يناير ..2011 أي قبل 45 يوما فقط من التمرد والثورة ضد القذافي.. حدثت مفاجأة أولي.. حين قام خميس القذافي بقطع زيارته لأمريكا.. بعد أن بعث بخطاب لشركة جنرال وينامكس الأمريكية يقول فيه: إن صفقة الأسلحة الصغيرة والذخائر المتفق عليها بين ليبيا والشركة لم تنفذ.
واتضح ان الشركة والإدارة الأمريكية كانت تعلم ان القذافي يريد استخدام هذه الأسلحة في تجمع أية محاولات للتمرد والثورة.