القاهرة 15 يونيو 2014 الساعة 01:25 م
هذا عنوان يتصرف لأحد أهم الدراسات الحديثة عن الديمغرافيا الإسرائيلية ورصد التطورالديمغرافي فيها حتى عام 2020 ومؤلف الكتاب هو الكاتب الصحفي ذي الحس الوطني القومي كارم يحيى.
ويضم الكتاب أربعة فصول ومقدمة وخاتمة وقائمة بالمراجع وجداول إحصائية حتى المؤشرات الديمغرافية في فلسطين منذ عام 1882 يتضمن مقارنة حول أعداد اليهود والفلسطينيين في فلسطين عبر السنين وتوزيع اليهود في مختلف دول العالم مع إحصائية خاصة باليهود الأثيوبيين ويهود الاتحاد السوفيتي باعتبارهم أكبر جاليتين يهوديتين هاجرتا لإسرائيل منذ أواخر القرن العشرين وأثرت في التوجهات السياسية وفي التركيبة الديمغرافية لإسرائيل. وفي صفحة بعنوان " ما قبل المقدمة" تتضمن فقرة بالغة الأهمية وتكاد تكون صادمة للقارئ العربي وهي إن إسرائيل منذ مطلع القرن الحادي والعشرين كانت تتطلع للمليون السادس وهي تفكر في إضافة مليون جديد تحت اسم حملة جديدة للهجرة اليهودية باسم " المليون السابع " بحلول عام 2020 وربما هذا الشعار هو الذي أوحى المؤلف كارم يحيى بعنوان كتابه الذي يقع في أكثر من 280 صفحة من القطع المتوسط أما المقدمة فيحلل فيها بيعة الاستيطان اليهودي لأرض فلسطين وإنه استيطان ذو طبيعة خاصة فهو لم ينجح في استئصال الشعب الفلسطيني رغم كافة أنواع القمع والعنف ورغم المساندة الدولية له ويشير المؤلف إلى أن عدد اليهود هام 1882 كان 20 ألف نسمة بنسبة أقل من 4% من السكان فتحول عام 1948 إلى 90% على الأراضي التي قامت عليها إسرائيل ثم تناقص بعد احتلال الضفة الغربية وغزة في يونيه 1967 ثم زاد العدد باضطراد بسبب هجرة يهود الفلاشا يهود الاتحاد السوفيتي السابق ولكن الوعي بدأ في الظهور من قبل المجتمع الدولي بعد مؤتمر دربان 2001.
الفصل الأول : تناول الديغرافية الصهيونية وملامحها وأهدافها في القرن الحادي والعشرين وأبرزها خروج كثير من اليهود من أوربا ثم حلول أمريكا في حماية إسرائيل بعد أوربا وفي مقابل ذلك كان تعداد الفلسطينيين ا.3 مليون نسمة عام 1948 وأشار إلى ما أصبح يطلق عليه القنبلة السكانية الفلسطينية التي تهدد إسرائيل في المدى البعيد.
وفي نفس الوقت تحول السكان لخدمة أغراض الحرب الإسرائيلية وأشار إلى مطلب إسرائيل أن تكون دولة يهودية وتناول المؤثرات العديدة للحركة الصهيونية حول الهجرة لإسرائيل ولذلك فإن الهدف يرتبط باستقبال مهاجرين من الدول الأجنبية وفي نفس الوقت الضغط على العرب الفلسطينيين للهجرة للخارج .
الفصل الثاني: بعنوان يهود العالم ويهود إسرائيل ويتناول الانتشار الجغرافي لليهود في العالم وتعدد القوميات التي ينتمي إليها اليهود في مختلف دول العالم والذين يقدر عددهم في إسرائيل ب 8 مليون نسمة عام 2000 منهم 5.7 مليون نسمة في الولايات المتحدة ويشير الباحث إلى تزايد عدد اليهود في ألمانيا بخلاف تناقض أعدادهم في باقي الدول الأوربية. كما يحلل وضع اليهود في إسرائيل ويصفه بأنه موازييك من القوميات كما أشار الباحث إلى ما يسمى بالعشرية الذهبية للهجرة اليهودية لإسرائيل وهي نهاية القرن العشرين بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الاشتراكية ولذلك فإن 95% من الهجرة في تلك الفترة جاءت من الاتحاد السوفيتي السابق.
الفصل الثالث: خصصه الكاتب لدور يهدف ثلاث دول هي الأرجنتين وجنوب أفريقيا وفرنسا حيث لكل واحدة منها ظروفها الخاصة ويوضح كارم يحيى أن سر اختياره للدول الثلاث في فصل واحد حيث خصص لكل منها بحثاً خاصاً هو أن هذه الدول تعد المصادر المستجدة لبدء مبارة المليون السابع ويشير إلى أن الأرجنتين واجهت عام 2001 أزمة اقتصادية ولذلك أقامت لجنة التنسيق بين الوكالة اليهودية وإسرائيل لوضع برامج خاصة لليهود الأرجنتين وجنوب إفريقيا وفرنسا ومنحت إسرائيل المهاجرين من الأرجنتين مزايا خاصة تفوق غيرهم لتشجيعهم على الهجرة إليها مستفيدة من الظروف الاقتصادية الصعبة في الأرجنتين وأشار الباحث لحل أن تاريخ الهجرة اليهودية للأرجنتين يرجع إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر وقد استخدمت إسرائيل أساليب متنوعة لحفز يهود الأرجنتين على الهجرة من الإغراء للتذهيب لإثارة الرعب والخوف إما يهود جنوب أفريقيا فقد فتحت لهم إسرائيل الأبواب بعد سقوط نظام الابارتيد وكانوا أكثر تركزا ففي جوها نسبرج وكيب تاون وأوضح الباحث كثير من اليهود المهاجرين من جنوب إفريقيا ذهبوا إلى إستراليا ولكن عدد لا بأس به ذهب لإسرائيل وساعد في هجرتهم العلاقات التاريخية الوثيقة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا العنصرية وكذلك تسامح جنوب إفريقيا في مرحلة ما بعد الأبارتيد ونظامها الديمقراطي.
أما البحث الثالث في هذا الفصل فقد خصصه الكاتب ليهود فرنسا المتهمة تقليد بمعاداة السامية رغم إنها التي قدمت التكنولوجيا النووية لإسرائيل منذ منتصف الخمسينات من القرن العشرين ويقدر عدد يهود فرنسا بنصف مليون الأمر الذي يجعلها الأولى في القارة الأوروبية والثالثة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة وإسرائيل ونظرا لما يتمتع به اليهود في فرنسا من وضع متميز فمازالت الهنجرة اليهودية منها محدودة لأن التواجد اليهودي في فرنسا يرجع للقرن الثالث الميلادي ومن ثم تأثر اليهود بالمفهوم القومي أو الوطني الفرنسي ونظرا لديانتهم بأنها ديانة وليست قومية ورغم ذلك واجهوا عمليات تمييز ضدهم مثل حادثة داريفوس والتي استغلها اليهود للضغط على فرنسا ووهمها بأنها معادية للسامية.
الفصل الرابع: وتضمن ما أسماه بالفلاشا الجديدة من إثيوبيا والمهاجرون الجدد من الاتحاد السوفيتي بعد الانهيار والقبلية الجيديدة وهي ما سماه أباحث بالهجرة الروسية وقد استغلت إسرائيل علاقاتها بإثيوبيا في تقديم السلاح لها مقابل هجرة اليهود هذا فضلا عن تقديم مساعدات اقتصادية وبالنسبة للقبلية الجديدة فإن الباحث استعار المصطلح من مجلة الايكونومست البريطانية التي اطلقت على اليهود الروس مصطلح القبلية لتكتلهم معا ولانتمائهم إلى اليهود والاشكناز أي اليهود من أوربا الشرقية ولكن موضوع القبلية يرتبط أيضا بما سمى تاريخيا بالقبلية اليهودية الروس أن يتغلغلوا في النظام السياسي الإسرائيلي وحصلوا على مناصب مهمة في الدولة وخاصة حزب " إسرائيل بتينا" وحزب " إسرائيل بعتاليا" وأشار الكاتب إلى أن سلوك اليهود الروس يتسم بالبراجماتية . وفي ختام الدراسة أوضح الكاتب كارم يحيى أن حملة المليون السابع إذا نجحت فإنها تحل أزمة السكان في إسرائيل وتعزز قوتها الديمغرافية.
ومن المهم أن نذكر عدد من الملاحظات ذات الصلة بالموضوع وهي :
الملاحظة الأولى: إن الكاتب يمثل دراسة متعمقة وموثقة وملئ بالإشارات الهاشمية والمصادر المرجعية ومن ثم فهو يعد مرجعاً رئيساً في مجاله ويذكرنا بالدراسات التي كانت تصدرها المؤسسات البحثية الفلسطينية في الستينات وكانت شخصيات أمثال صايغ وغيره من كبار الباحثين والمفكرين يتولون القضايا الخاصة بفلسطين وإسرائيل لتحليل العميق.
الملاحظة الثانية : رهان المليون السابع يمثل تحديا لإسرائيل للحركة الصهيونية وفي تقديري أن إسرائيل قادرة على تحقيق هذا الهدف باستخدامها أساليب متنوعة من الترغيب للترهيب، ومن العلاقات مع الدول المعنية وخاصة إثيوبيا حيث العلاقات وثيقة ويهود الفلاشا منذ القرن الماضي والدفعة الجديدة في أوائل القرن الحادي والعشرين خير نموذجا فإغراء السلاح والمساعدات الاقتصادية وأيضا التعاون التكنولوجي يمثل أقوى الأسلحة الإسرائيلية إغراء فضلا عن استخدمها اللوبي اليهودي في أمريكا في الضغط على الدول الأخرى لمصلحة إسرائيل ولعل موضوع نهر النيل والموقف الإثيوبي المتشدد يمثل إصدارات إسرائيل في الضغط على إثيوبيا ومصر ولذلك سبق أن أشرت إلى كتاب الخبير الإسرائيلي المتخصص في المياه والصادر منذ بضعة سنوات باسم " أنهار من نار" وهو يقدم خبراته وعلمه للدول الإفريقية وللأسف من بينها مصر في عهد حسني مبارك وقد نشرت مقالين في الأهرام والأخبار عن هذا الموضوع عام 2007 ولكن دون أي اهتمام من أي مسئول في الحكومة المصرية في عهد أحمد نظيف أو في وزارة الري المعدلة الأولى عن قضية المياه في مصر وأنا أناد المسؤولين المصريين في عهد النظام الجديد بعد ثورة 30 يونيه إعطاء أولوية لها الموضوع وبحث كيفية التعامل الجاد معه.
الملاحظة الثاثة: ترتبط بطبيعة الكتاب والباحث الذي قام بتأليفه وهو أنه من نوع الدراسات المستقبلية التي تحلل الظاهرة بعمق وتبحث عن استراتيجياتها وكيفية التعامل مع تحدياتها المستقبلية واتمنى أن يستفيد الأخوة الفلسطينيون من هذه الدراسة خاصة أن مؤلفها شخصية ذات وزن سياسي في مصر وإن كان بعيدا عن أي منصب رسمي سوى أنه صحفي وكاتب في جريدة الأهرام كما اتمنى أن تستفيد مصر الجديدة من خبره هذا الباحث وفكره ومنهجه في بحثها عن المستقبل وعن علاقاتها مع إفريقيا وبخاصة مع إثيوبيا وهي دولة إفريقية مهمة وإن كانت بينها وبين مصر حساسيات فإن الروابط الإفريقية والمصالح المشتركة تجعل من الضروري البحث عن منهج جديد في التعامل بين الدولتين من منطلق مغاير ما تعودت عليه السياسة المصرية في الماضي من شعارات تخلو من المضمون أو من مهاترات لا تقدم شيئا ولا تعبر عم طبيعة الشعب المصري وعلاقاته التاريخية مع أشقائه الأفارقة.
................