بقلم : محمد أبو الحديد
أول ما قفز إلي ذهني فور سماع نبأ وقوع جريمة الإسكندرية الإرهابية هو: هذا من عمل الموساد. تسألني.. لماذا؟! وأقول مطمئنا: رداً علي كشف المخابرات المصرية لشبكة الجاسوسية الأخيرة. أسبابي في ذلك الآتي: الكشف عن الشبكة كان ضربة موجعة لإسرائيل ولجهاز مخابراتها.. كان رسالة قاسية من المخابرات المصرية للموساد تقول: أنتم وعملاؤكم تحت عيوننا.. ووثائق إدانتكم تحت أيدينا. الكشف عن الشبكة لم يتضمن المتهم المصري فيها طارق عبد الرازق فقط وإنما كشف في نفس الوقت عن اسمين لاثنين من ضباط الموساد: إيدي موشيه.. وجيفري. اللذين قاما بتجنيده.
وفي عرف الأجهزة المخابراتية في العالم كله. إن الكشف عن أسماء أي من العاملين فيها في قضية تجسس، يحولهم إلي أوراق محروقة. الكشف عن الشبكة، لم يزح الستار فقط عن الأسلوب الذي اتبعه جهاز الموساد في تجنيده.. بل كشف أيضاً - وهذا هو الأهم- عن استراتيجية الموساد في المرحلة الحالية ومنهج تفكيره في التركيز علي شركات وأجهزة الاتصالات والعاملين فيها. لعلنا لاحظنا أن السفير الإسرائيلي في القاهرة فور الكشف عن الشبكة قد حزم حقائبه ورحل عائدا إلي إسرائيل وسط أحاديث تناثرت عن دور له فيها. لعلنا لاحظنا أيضاً أن رد الفعل الإسرائيلي سواء علي المستوي الإعلامي أو الرسمي كان شديد التحفظ تجاه الكشف عن الشبكة.. وهذا يعني، في عرف الأجهزة المخابراتية أنها ضبطت متلبسة. وليس لديها ما تقوله دفاعا عن نفسها أو درءا للاتهامات الموثقة الموجهة إليها. ولا يصبح أمام إسرائيل وجهاز مخابراتها في هذه الحالة، سوي أن تفكر في رد انتقامي من مصر، حفاظا علي هيبة الدولة والموساد. واختارت الزمان والمكان.. ليلة الاحتفال برأس السنة الميلادية. وكنيسة القديسين بالإسكندرية.. وكان يمكن أن تقع الجريمة الإرهابية أمام أي كنيسة أخري في مصر.. فالهدف هو استثمار مناخ التوتر الطائفي في مصر، لإشعال مزيد من الفتنة. والرئيس الجديد لجهاز الموساد يضع قضية الفتنة في مصر علي رأس أولويات جهازه.. وقد كشفت وثائق "ويكيليكس" السرية ذلك. ومناخ التوتر الطائفي المصطنع والدخيل علي المجتمع، يتيح للموساد أن يضرب ضربته مطمئنا إلي أن التحليلات قد لا تتجه إليه بالاتهام. فإذا قيل إن هناك أصابع خارجية في الجريمة.. فالاتهام أسبق إلي تنظيم "القاعدة" باعتباره الذي هدد أقباط مصر بضرب كنائسهم تحديدا، ونشر عناوين هذه الكنائس. وإذا قيل إن الجريمة "محلية الصنع".. فسوف يتمشي ذلك مع اعتبارها حلقة في سلسلة الاحتقانات الداخلية من نوع أحداث العمرانية وغيرها. لكن القول بأن جريمة الإسكندرية "محلية الصنع" مستبعد تماماً، سواء لطبيعتها، أو لأن المؤشرات الأولية التي خرجت من أعمال المعاينة والتحقيقات، قالت إن هناك أصابع خارجية وراءها. أما اتهام "القاعدة" فقد أراه صحيحا في ضوء إحساس شخصي بأن تنظيم القاعدة الحالي الذي يوجه رسائله ضد مصر من العراق، هو إحدى الواجهات الإسرائيلية التي أنشأها الموساد هناك ليتخفي وراءها في عملياتها الموجهة ضد مصر أو العالم العربي. من هنا أكرر: فتشوا عن الموساد وراء جريمة الإسكندرية، ولا أستبعد العثور علي بصماته فيها.
|